الكويت بعين عربية
سافرت مرات عدة إلى الكويت، نشأت بها طفلاً وكانت لي ذكريات لا تنسى في مدرسة الفارابي الابتدائية حيث درست مع زملاء من الكويت وفلسطين ولبنان وسورية لم نكن ندرك أننا غرباء عن هذا البلد، كانت الفارابي تنافس من حيث الإمكانات أحدث وأعظم المدارس في العالم كان الإهتمام باللغة العربية كبيرا وترك لدي أثرًا إلى اليوم، كنت أمرح في ملاعب المدرسة وفي صالة الموسيقى بها وفي مسرحها الكبير، وعندما أقارن بين أي مدرسة ومدرسة أخرى تستدعي ذاكرتي على الفور ذكريات الطفولة في مدرسة الفارابي، وحين زرتها شابًا وجدتها مختلفة، اختلافًا يجعلك تمعن النظر في هذا البلد الصغير، لقد كانت أماكن الترفيه والسياحة بها محدودة.. لكن يبقى للكويت إرث لا تنافسه فيها أية دولة عربية أخرى؛ هو الإرث الثقافي، كانت دعوة كريمة تلقيتها من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت لحضور فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب.
لم أكن أتوقع أن يكون بهذا المعرض أربعمائة ناشر، وآلاف الزوار، استوقفني فيه أن القوة الشرائية آتية من القراء وليس من المؤسسات والجامعات والمكتبات العامة، هذا يعني أن هناك وعيًا لدى المواطن الكويتي والمقيمين في الكويت بأهمية الثقافة والعلم، هذا ما تلحظه في تنوع إصدارات الكويت من عالم المعرفة إلى عالم الفكر إلى المسرح العالمي ومجلة فنون ودرة العرب الثقافية مجلة العربي التي مر على صدورها ما يزيد على الخمسين عامًا.
لكن.. أكثر ما يمكن للزائر أن يقوم به في الكويت سياحة التسوق سواء عبر سوق السالمية الذي سرعان ما ستكتشف به قاعة بوشهري للفنون التشكيلية. كانت مفاجأة مذهلة بالنسبة لي أن أعثر في بداية السوق على معرض فاتن للفنان الكويتي الشهير جعفر إصلاح، فالسوق تخترقه الثقافة بلوحات تمثل قضايا إنسانية كلوحة الألغام الملعونة التي تعود لسنة 1997، أما شعور إنسان متفاعل مع الطبيعة فتمثله لوحة غروب في راجستان التي تعود لسنة 2004، أو اضطراب مفهوم العائلة كلوحة الأسرة.
عشاق الرياضات البحرية لديهم مارينا الكويت والأحمدي، مارينا الكويت التي أُنشئت حديثًا، ستتمتع فيها بخليج خاص يضم أصنافًا من اليخوت تجعلك تصنفها كالورود والزهور، كما ستنقلك مطاعمها بين حضارات شتى لكن تبقى أسماك الخليج هي الأكثر إقبالاً من قبل زوار الكويت.
ولكنني ولفضولي ذهبت إلى دار الآثار الإسلامية هذه الدار التي أنشأتها وترعاها الشيخة حصة الصباح، الدار مكتظة بقطع فنية إسلامية، بعضها من النوادر خاصة المجموعات المملوكية والعثمانية والمغولية والإيرانية. لكن إذا أردت أن ترى الكويت القديمة فما عليك الا زيارة أسواق الكويت القديمة التي يوجد بها روح الكويت. كانت زيارتي الأولى أيضًا لجزيرة فيلكا أشهر وأقدم موقع اثري في الكويت، والمرشحة لدخول قائمة التراث العالمي باليونسكو وهي جزيرة مثلثة الشكل مساحتها أربعة وعشرون كيلومترًا مربعًا ويرجع أقدم ما عثر فيها إلى العصر البرونزي. وفي رحلة عودتي شاهدت أبراج الكويت الشهيرة التي فازت بجائزة آغاخان للعمارة وصارت معلمًا من معالم الخليج العربي... رحلة قصيرة لكن مليئة بالكثير، فالرحلة يستكشف فيها الإنسان طبائع البشر وكينونة المكان وروح التاريخ وتنوع وتفرد كل بلد عن غيره .