هل المقطع «ياء» من اللواحق العربيّة؟

هل المقطع «ياء» من اللواحق العربيّة؟

سألني صديق من علماء النفس رأيي في مصطلحات، أو مشاريع مصطلحات، مستحدثة أُلحقت بها زيادةٌ بلفظ «ياء»، قياساً على كيمياء وفيزياء ونحوهما، ومنها كلمة فيمياء تعريباً لـ(Phénoménologie (Phenomenology، أي علم الظواهر، وعِلْمياء تعريباً لـ(Épistémologie (Epistemology، أي فلسفة نقد المعرفة، وهكذا. بمعنى استعمال لفظ «ياء» كلاحقة (أو كاسعة) عربيّة تدلّ على العِلم أو النظريّة. وقد أنكرتُ ذلك مؤكداً أنّ «ياء» في نحو كيمياء مأخوذة من «يا» اليونانيّة في Khêmeia (خيميا)، التي جعلها العرب بلفظ: خيمياء، وأخذها الفرنسيّون عنهم فقالوا Alchimie (أَلْشيمي)؛ ولا ندري كيف تحوّل اللفظ إلى الكيمياء بإبدال الخاء كافاً، لكنّنا نعرف أنّ مَخرج الكاف قريب من الحلق، مخرجِ الخاء، ونعلم أنّ العرب أبدلت الخاء من الكاف في نحو كلمة خوري، ذات الأصل اللاتينيّ. وقريب من ذلك مصطلح فيزياء، مع بعض الفروق. لكنّ هذه الإجابة تحتاج إلى استقصاء، لأنّ في العربيّة كلمات توحي الانتهاء بتلك اللاحقة، ولاسيّما كلمة سيمياء، ولذلك عمدنا إلى جمع تلك الكلمات ودراستها.
أكثر ما وجدناه جموع تكسير لأسماء على وزن فَعِيل تنتهي بياء مشدّدة، مثل: نبيّ، أنبياء، شقيّ، أشقياء؛ أو تنتهي بياء بعدها همزة، نحو: رديء، أردياء، شيء، أشياء. ووجدنا صفات على وزن فَعْلاء مشتقّة من فعل أو اسم ينتهي بياء أصليّة أو منقلبة عن حرف أصليّ، مثل ضَحْياء (من الضحى) وثَرْياء (من الثَّرى) وثَدْياء (من الثَّدْي) وصَرْياء (من فعل صرَى صرْياً). وهاتان الحالتان لا يعدّ لفظ «ياء» فيهما زائداً. 
وقريب من ذلك ظاهرةٌ لعلّنا أوّل من لاحظها، وهي إبدال تاء التأنيث ألفاً ممدودة، وجعل الصفة على وزن فَعْلاء أو فاعِلاء في الوقت نفسه، ممّا أصله يائيّ أو منقلبة ياؤه عن حرف أصليّ، وذلك للتعبير عن صفات تحقيريّة، مثل: لَثِيَة ولَثْياء (كثيرة العرق، وكانت مذمومة)، وفاسِيَة وفاسِيَاء؛ ومثل قابِياء (لئيم)، من الجمع بالأصابع والتجمّع، والقابِيَة: جامعة نبات العُصفر أو الزعفران؛ وبنو قابِياء: المجتمعون لشرب الخمر؛ ويخيّل إلينا أنّ هذه الحالة تشبه حالة فاسِية وفاسِياء، من حيث تحقير الرجل بتشبيهه بالأنثى، و«ياء» في هذه جميعاً ليست أيضاً زائدة. ووجدنا حالة واحدة يزاد فيها لفظ «يا» لا «ياء» وكأنّه تكرار لما قبله، وذلك في صفة تحقيريّة أخرى هي عَياياء (أي عاجز جنسيّاً)، وفي روايةٍ: غَياياء، وهي على الأرجح تصحيف، وأصل الكلمة على كلّ حال يائيّ، من فعل عَيَّ. فكلّ هذه الحالات تخرج عن الموضوع.
لكنّ هناك مصادر أو أسماء من الأفعال تنتهي بلفظ «ياء»، قِسم منها أصلُه يائيّ أو منقلب عن ألف أو واو، أو ينتهي بياء تتلوها همزة؛ وقسم من أصل غير يائيّ؛ فمن القسم الأول: يأْياء، مصدر فعل يَأْيَأَ (دعا)، وجاثِياء (من جثا) وحاثِياء (من حثا)، والانْفِياء (الانفراج، من الفأْو أو الفأْي)، وقُياء (من القَيء) وثُنْياء (أي مستثنى، وهو ممدودُ ثُنْيا)، أمّا غير المنتهي بياء أصليّة أو مبدلة فلم نجد منه إلاّ جِبْرياء وكِبْرياء، ومعناهما واحد.
وقد وجدنا أسماء عربيّة أخرى تنتهي بلفظة «ياء» عددها اثنا عشر، هي: السيمياء، أي السيماء زيد على ما قبل آخرها الياء - لا الألف والياء -، فهي تخرج عن الموضوع أيضاً، وإن أوحى اللغويّون خلاف ذلك؛ وأَياء الشمس، أي ضوؤها، والياء والهمزة هنا أصليّتان من فعل مفترض هو أَيَأَ؛ واللِّياء (أي اللوبياء)، فإن كان أصلها عربيّاً فينبغي أن تكون من لَيَأ أو من فعل ناقص؛ وإحْلِياء (اسم موضع، وينبغي أن يكون أصله يائيّاً أو همزيّاً في وسطه ياء) والسابِياء، وأصلها يائيّ، من السَّبْي، والحاوِياء (من حوى يحوي)، والخافِياء (من خفيَ يَخْفَى)، والكاوِياء (من كوى يكوي)، واللاوِياء (من لَوى يلْوي)، والسافِياء (من سفا يسفو)؛ وكأنّ لفظة «ياء» في الستّة الأخيرة قد أبدلت من تاء التأنيث للمبالغة؛ وشبهها الجاسِياء (من جسأَ)، وكأنّها اسم الفاعل جاسئة، أُبدلت همزته ياء فصارت جاسية (غليظة)، ثم أُبدلت من تائه لفظةُ «ياء» للمبالغة؛ ومنه الإجْرياء (مكان الجري، من جَرى يَجري). 
وهناك أربعة أسماء عربيّة ليست من أصل يائيّ ولا ينتهي أصلها بياء وهمزة، وهي الحِذرياء، مرادف الحِذْرية (الأرض الغليظة الخشنة)، ووزن فِعْلِيَة، بياء مخفّفة، يوحي وكأنّ الاسم يائيّ، فيكون ثمة إبدال بين التاء ولفظة «ياء»؛ والجِرْبِياء (الريح الباردة، وهي مكروهة)، والقِرْحِياء (الأرض المستوية التي لا تمسك الماء)، ومُزِيْقِياء (كثير التمزيق). وواضح أنّ لهذه الأسماء معاني غير مستحبّة تدلّ إمّا على الغلظة، أو على الضرر وعدم النفع، أو على الحمق والإسراف.
وثمّة اسم غريب هو بِرْبِيطِياء، ويدلّ على ضرب من الثياب أو على موضع ينسب إليه الوشي، وهو في التفسيرين يتّصل بالملابس.  
أمّا سائر الأسماء فدخيلة، وهي: الكيمياء واللوبياء والتوتياء، وتعود إلى أصول يونانيّة؛ والجُودياء والبُورياء والكَرَوْياء، وتعود إلى أصول فارسيّة؛ وعادِياء وأُورِياء، وهما من أصلين عبريّين. وقد أشار أبو عليّ القالي (ت 356 هـ) إلى أنّ فُوعلاء بناء لا يأتي في كلام العرب إلاّ معرّباً، وذكر، علاوة على أربع ممّا عرضنا له، كلمات: سوبياء (شراب لا يزال السعوديّون يشربونه حتّى اليوم، ويسمّونه سوبيا)، وصورِياء (اسم علم عبريّ)، ولوثِياء (اسمٌ لحوت). وعلى ذلك ينبغي أن تكون مومياء دخيلة، ومن المحتمل أن تكون مأخوذة من كلمة موميا الفارسيّة؛ لأنّ الموم في الفارسيّة هو الشمع، وقد عُرِّب. على أنّنا لم نجد موميا إلاّ في بعض المعاجم العربيّة الحديثة، وقد جعلها بعضهم بلفظ موميّة، نسبة إلى الموم، وذكر الفيوميّ في «المصباح المنير» دواء (وليس جثة) اسمه موميا (بغير همزة)، وزعم أنّه من أصل يونانيّ. فيمكننا استنتاجاً أن نزيد على وزن فُوعلاء وزنَ فِيعلاء، ككيمياء.
والنتيجة أنّ «ياء» الزائدة في ما وزنه فُوعلاء وفِيعلاء ليست لاحقة عربيّة، وأنّها في الصفات العربيّة وجموع التكسير غير زائدة، وربما جاءت بدلاً من تاء التأنيث للمبالغة، وقد وردت زائدة في أسماء على وزن فِعْلياء، مثل حِذرياء، لكنّها دلّت فيها وفي أكثر الصفات على أمور غير مستحبّة، باستثناء الكِبرياء التي لم تكن تُحمد إلاّ في الله. ولذلك يمكن اعتبار «ياء» لاحقة عربيّة في وزن فِعْلياء، ونادراً في غيره، وتغلب في الصفات المذمومة، لكنّها لم تستعمل للدلالة على العِلم والنظريّة وشبههما إلاّ في كلمات دخيلة، فيمكن استعمالها في تعريب ما آخره علّة، وليس في اشتقاق المصطلحات العلميّة العربيّة .