«أصداء الذاكرة» لعبدالعزيز الشايع توثيق لدور التجّار في بناء الكويت والعلاقة مع الهند

«أصداء الذاكرة»  لعبدالعزيز الشايع توثيق لدور التجّار في بناء الكويت والعلاقة مع الهند

بعكس الاعتقاد السائد بأن النفط وراء الازدهار الذي تعيشه الكويت، يأتي كتاب «أصداء الذاكرة» لعبدالعزيز محمد الشايع، ليصوّب هذه النظرة، بالقول إن الفضل يعود إلى الفترة التي شهدتها البلاد بعد العام 1935، وإلى الجيل الذي حفر في الصخر ليخوض غمار البحر ويهاجر إلى شواطئ وموانئ الهند، مرورًا بعمان وعدن وصولاً إلى شرق إفريقيا وزنجبار.

الكتاب يصنّف ضمن فئة المذكرات والسير الذاتية، التي يروي فيها الشايع جانبًا مهمًا من تاريخ الكويت الاقتصادي والاجتماعي، وهو الشاهد على تلك المرحلة، بما يمثّله لفئة التجّار المنضوين في القطاع الخاص، هؤلاء لعبوا دورًا أساسيًا بتجنيب الكويت أزمة غذائية كبيرة أثناء الحرب العالمية الثانية، وهم مَن ساهموا في عملية التأسيس الاقتصادي للدولة، وصولاً إلى منتصف السبعينيات.
في المقدمة يشرح عبدالعزيز الشايع ولادة المشروع الذي لم يكن سهلاً كما تصوّره في البداية، لارتباطه بسيرة عائلته وعائلات قريبة وصديقة ساهمت في صياغة شخصية الكويت الحديثة، مدينة ودولة، أدى تعاونهم مع «الأسرة الحاكمة» (أسرة الصباح) إلى بناء دولة ديمقراطية في منطقة الخليج العربي، وتحويلها إلى مركز تجاري رائد.

الدور الوطني
وضع الكاتب جملة من الوقائع والمعلومات لدور التجّار الوطني وللفترة التاريخية المهمة التي سبقت عصر النفط، فالمؤسسات الاقتصادية التي أقامها عدد من التجّار ربطت بين دورها الاقتصادي والجانب الوطني لجهة وعيها بضرورة قيام دولة حديثة، وكان لجهدها أهمية من الصعب إغفالها في بناء الاقتصاد الوطني.. وقد عدّد المؤلف، مبادرات القطاع الخاص وإسهاماته في هذا البناء، كإنشاء البنك الوطني وشركة ناقلات النفط والخطوط الجوية الكويتية وشركة البترول الوطنية وشركة الكيماويات، وشركة مطاحن الدقيق الكويتية وشركة السينما وشركة الفنادق وعدد كبير من المؤسسات المالية والسياحية.

تراجع المبادرات الخاصة
يعترف  الوزير السابق، ورجل الأعمال الناجح، ورئيس مجلس إدارة صحيفة «القبس» الحالي عبدالعزيز الشايع بأن التكامل بين جهاز الدولة والقطاع الخاص تباطأ عندما أصبح إيراد النفط مسيطرًا على الحياة الاقتصادية، وأصبح المواطن تابعًا وليس مستقلاً، فقد تراجعت المبادرات الخاصة وبات الفرد الكويتي موظفًا ومعتمدًا في دخله على الدولة، وبالرغم من ذلك استطاعت أسر تجارية كثيرة أن تقوم بأعمال اقتصادية خارج حدود الكويت، امتدت إلى أنحاء المعمورة.
الكتاب خليط من السيرة الذاتية وكتابة التاريخ، أبرز فيه صاحبه «المساهمة الجادة» للتجّار في بناء الكويت كبنية تحتية اقتصادية، وتخطى دورهم هذا الجانب ليساهموا في وضع الدستور وإقراره وتحديد معالم الدولة الحديثة.
خصص الفصل الأول للحديث عن مرحلة تاريخ عائلته، (الشايع)، وبداياتها ووصولها إلى الكويت. والفصل الثاني عن مرحلة تأسيس العمل التجاري وعلاقة الكويت الاقتصادية بالهند، أما الفصل الثالث فقد تمحور حول المرحلة المؤسساتية، إضافة إلى فصل خاص بالوثائق والصور النادرة التي يملكها ويحتفظ بها المؤلف توضح نشاطاته وعائلته.

الحياة في الهند
ربما كان الفصل الثاني من أكثر الفصول غزارة وأهمية في المعلومات وما احتواه من وقائع وأحداث تتصل بالحياة في الهند ونقل مشاهد جديرة بالتقدير عن المصاعب التي واجهت العوائل والتجّار الكويتيين في الهند، في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين والنجاحات التي حققوها في تلك المرحلة.
فيصف ظروف السفر إلى الهند وخط سير الباخرة من البصرة مرورًا بموانئ الخليج ووصولاً إلى بومباي، وكيف استقر به المقام هناك لتبدأ رحلة الدراسة وتعلّم اللغة الإنجليزية والأوردو كذلك، ويشير إلى أن المواطن الكويتي لم يكن بحاجة إلى «فيزا» في الهند، باعتبار أن جميع بلدان الخليج بما فيها الكويت كانت تحت الحماية البريطانية، ممثلة بحكومة الهند البريطانية ومقرها في نيودلهي ويرأسها «فايسروي - Viceroy» وهو ممثل ملكة بريطانيا في الهند، وعمليًا وسياسيًا هو حاكم الهند.
في هذا الفصل يتحدث عن تأسيس مكتب الشايع التجاري في بومباي العام 1896، أي قبل وصوله بـ46 سنة، فقد وصل عمه أولاً إلى هناك العام 1894 وبقي سنتين منهمكًا في العمل قبل أن يتمكن من تأسيس المكتب الذي يقع في شارع «ناجديفي ستريت 178».
أسهب في الحديث عن مزايا وصفات التجّار الكويتيين في الهند وأعوانهم في البصرة، التي كانت أكبر منتج للتمور في العالم. وأشار إلى أن ما جعل التجارة الكويتية تتقدم على سواها، أن كل بواخر الشحن التقليدية كانت منشغلة في الحرب العالمية الثانية ومتطلباتها، أما الأسطول الكويتي،  فقد كان يتنامى باطراد، ما جعله يملأ الفراغ على مستوى بلدان الخليج العربي بمسئولية بارعة، وقدّر عدد أبوام (سفن) الشحن الكويتية بـ200 بوم تعمل في البحر بين الخليج العربي والهند وإفريقيا وعدن، بالإضافة إلى 600 سفينة صغيرة للغوص وللتنقل داخل الخليج العربي.
لقد تمكن التجّار الكويتيون وبجهودهم الخاصة من إنجاز صفقات تجارية مع المهراجات، وتمويل جزء كبير من احتياجات الخليج العربي ونجد عن طريق الهند وبخاصة الأقمشة والمواد الغذائية الأساسية كالأرز والحبوب. وفي أحلك الظروف وأصعبها وبفضل هذا الأسطول والتجّار الكويتيين لم تعان الكويت من الفاقة والحاجة للمواد الغذائية والاستهلاكية ومواد البناء وغيرها طوال سنوات الحرب.
كانت الكويت ميناءً حرًا، وانتعشت في تلك المرحلة تجارة الذهب الذي نقله تجّار الكويت من الهند إلى الكويت، ومنها إلى بغداد.
«أصداء الذاكرة» لعبدالعزيز محمد الشايع، صادر عن منشورات «ذات السلاسل للطباعة والنشر والتوزيع» في الكويت، يحتوي على 306 صفحات، بثلاثة فصول، والأخير عبارة عن وثائق وصور، البعض منها ينشر لأول مرة .