طبيب كويتي أحب إفريقيا فأحبه العالم

‭ ‬من‭ ‬الكويت‭ ‬إلى‭ ‬إفريقيا‭... ‬لماذا؟

لأن‭ ‬المجاعة‭ ‬اجتاحت‭ ‬القارة‭ ‬السمراء،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الإفريقي‭ ‬وفي‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬بسبب‭ ‬الجفاف‭ ‬وقلة‭ ‬الأمطار،‭ ‬وأحياناً‭ ‬لسقوط‭ ‬الأمطار‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬وقتها‭ ‬المناسب،‭ ‬فنقص‭ ‬الطعام‭ ‬والشراب،‭ ‬وانتشرت‭ ‬الحروب‭ ‬والصراعات،‭ ‬وتضرَّر‭ ‬الناس‭ ‬هناك،‭ ‬فجاعوا،‭ ‬وتشرَّدوا،‭ ‬وتفشَّت‭ ‬الأمراض‭ ‬والأوبئة‭. ‬ولأن‭ ‬طبيبنا‭ ‬حاصل‭ ‬على‭ ‬دبلوم‭ ‬أمراض‭ ‬المناطق‭ ‬الحارة‭ ‬اتجه‭ ‬إلى‭ ‬هناك‭ ‬فوراً،‭ ‬ساعدهم‭ ‬بالمال‭ ‬والغذاء‭ ‬والعلاج‭. ‬ولسبب‭ ‬آخر‭ ‬أيضاً،‭ ‬طبيبنا‭ ‬أحب‭ ‬إفريقيا‭ ‬منذ‭ ‬طفولته،‭ ‬وعرفها‭ ‬من‭ ‬الكتب،‭ ‬فيقول‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬لقاءاته‭: ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬عمري‭ ‬5‭ ‬سنوات‭ ‬كنت‭ ‬أتصور‭ ‬أنني‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬وغاباتها،‭ ‬وأذكر‭ ‬أنني‭ ‬كان‭ ‬لدي‭ ‬عصا،‭ ‬عندما‭ ‬أنام‭ ‬أضعها‭ ‬بجواري،‭ ‬وهذه‭ ‬العصا‭ ‬من‭ ‬أغراض‭ ‬الكشافة،‭ ‬تستخدم‭ ‬للدفاع‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬وجود‭ ‬الأفاعي،‭ ‬ولقد‭ ‬تعلمت‭ ‬كيف‭ ‬أصيد‭ ‬الأفاعي،‭ ‬وهذا‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬نهمي‭ ‬الشديد‭ ‬للقراءة،‭ ‬عندما‭ ‬بلغت‭ ‬الثامنة‭ ‬أو‭ ‬التاسعة‭ ‬من‭ ‬عمري،‭ ‬فكنت‭ ‬أفضل‭ ‬شراء‭ ‬الكتاب‭ ‬عن‭ ‬شراء‭ ‬الوجبات‭.‬

 

رسالة‭ ‬واضحة‭ ‬وهدف‭ ‬محدد‭... ‬منذ‭ ‬الصغر

لم‭ ‬يغفل‭ ‬عن‭ ‬المحتاجين‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬أيضاً،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يعتني‭ ‬بالأسر‭ ‬الفقيرة‭ ‬المريضة،‭ ‬ويعالجهم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مقابل،‭ ‬ويتفقد‭ ‬أحوالهم‭ ‬المالية‭ ‬أيضاً‭. ‬وقد‭ ‬اعتاد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬منذ‭ ‬صغره،‭ ‬فعادة‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يأكل‭ ‬وجبة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬اليوم،‭ ‬لأنه‭ ‬يفكر‭ ‬في‭ ‬الآخرين‭ ‬ممن‭ ‬لا‭ ‬يتوافر‭ ‬لديهم‭ ‬طعام،‭ ‬وكثيراً‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يخلو‭ ‬سريره‭ ‬منه‭ ‬فينام‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬أسوة‭ ‬بالفقراء‭ ‬البسطاء‭. ‬وفي‭ ‬أيام‭ ‬دراسته‭ ‬الثانوية‭ ‬فكر‭ ‬مع‭ ‬أصدقائه‭ ‬في‭ ‬مساعدة‭ ‬عمال‭ ‬الشوارع‭ ‬البسطاء،‭ ‬فجمعوا‭ ‬مبلغاً‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬من‭ ‬مصروفهم‭ ‬واشتروا‭ ‬سيارة‭ ‬متواضعة‭ ‬لنقل‭ ‬العمال‭ ‬من‭ ‬مساكنهم‭ ‬إلى‭ ‬أماكن‭ ‬عملهم‭. ‬

وكان‭ ‬لطبيبنا‭ ‬الفاضل‭ ‬رسالة‭ ‬واضحة‭ ‬وأهداف‭ ‬محددة‭ ‬من‭ ‬اللجنة‭ ‬التي‭ ‬أسسها،‭ ‬وهي‭: ‬

مسح‭ ‬دمعة‭ ‬اليتيم‭ ‬وتخفيف‭ ‬معاناة‭ ‬أفراد‭ ‬أسرته،‭ ‬والاهتمام‭ ‬بالقرى‭ ‬الفقيرة‭ ‬وبناء‭ ‬المدارس‭ ‬والمساجد‭ ‬فيها،‭ ‬وتوفير‭ ‬المياه‭ ‬بحفر‭ ‬الآبار،‭ ‬واستقبال‭ ‬ورعاية‭ ‬المشردين‭ ‬والنازحين‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬والكوارث‭ ‬وتوفير‭ ‬أماكن‭ ‬آمنة‭ ‬لهم‭. ‬

وهدف‭ ‬إلى‭ ‬مساعدة‭ ‬الشعوب‭ ‬الفقيرة،‭ ‬بتعليمهم‭ ‬وتطبيبهم‭ ‬ليضمن‭ ‬لهم‭ ‬حياة‭ ‬كريمة،‭ ‬فلم‭ ‬يقدم‭ ‬المال‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬بنى‭ ‬مدارس،‭ ‬وأقام‭ ‬ورشاً‭ ‬صغيرة‭ ‬لتعلم‭ ‬الحرف‭ ‬والمهن‭ ‬التي‭ ‬تدر‭ ‬على‭ ‬أصحابها‭ ‬أموالاً،‭ ‬فساند‭ ‬المحتاج‭ ‬وأعانه‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬شكله‭ ‬أو‭ ‬دينه‭. ‬

الإنجاز‭ ‬والنجاح

جمهورية‭ ‬مالاوي‭ ‬كانت‭ ‬أول‭ ‬وجهة‭ ‬إفريقية‭ ‬له،‭ ‬ففوجئ‭ ‬بالوضع‭ ‬السيئ‭ ‬للإنسان‭ ‬هناك،‭ ‬وقرر‭ ‬بناء‭ ‬أول‭ ‬مسجد،‭ ‬ومدرسة،‭ ‬وذهب‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬الغبراء‭ ‬شمال‭ ‬كينيا،‭ ‬ودعا‭ ‬أهلها‭ ‬إلى‭ ‬الإسلام،‭ ‬كما‭ ‬عاش‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬مدغشقر،‭ ‬فكفل‭ ‬أيتاماً‭ ‬وطلبة،‭ ‬وعالج‭ ‬مرضى‭. ‬وبلغ‭ ‬عدد‭ ‬المساجد‭ ‬التي‭ ‬بناها‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬4600‭ ‬مسجد،‭ ‬والآبار‭ ‬التي‭ ‬حفرها‭ ‬6600‭ ‬بئر‭ ‬ارتوازية،‭ ‬كما‭ ‬تكفل‭ ‬برعاية‭ ‬15‭ ‬ألف‭ ‬يتيم،‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬أصبح‭ ‬طبيباً‭ ‬وضابطاً‭ ‬ووزيراً‭. ‬

حرص‭ ‬د‭.‬عبدالرحمن‭ ‬السميط‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يصطحب‭ ‬أسرته‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬رحلاته‭ ‬إلى‭ ‬إفريقيا،‭ ‬ليشاهدوا‭ ‬ويعيشوا‭ ‬ويشعروا‭ ‬بمعاناة‭ ‬الإنسان‭ ‬الفقير،‭ ‬حتى‭ ‬إنه‭ ‬خطط‭ ‬أن‭ ‬يستقر‭ ‬مع‭ ‬زوجته‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬بعد‭ ‬زواج‭ ‬جميع‭ ‬أبنائه‭.‬

 

المكافأة‭ ‬والتقدير

ودعمت‭ ‬بلادي‭ ‬الكويت‭ ‬ابنها‭ ‬د‭.‬عبدالرحمن‭ ‬السميط،‭ ‬ففي‭ ‬أحد‭ ‬الأيام‭ ‬التقى‭ ‬سمو‭ ‬الأمير‭ ‬الراحل‭ ‬الشيخ‭ ‬جابر‭ ‬الأحمد‭ ‬الصباح،‭ ‬وحدثه‭ ‬عن‭ ‬أعمال‭ ‬لجنته‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وأطلعه‭ ‬على‭ ‬رحلته‭ ‬المقبلة‭ ‬لإحدى‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬لتنفيذ‭ ‬بعض‭ ‬مشاريع‭ ‬الإغاثة‭. ‬وفي‭ ‬اليوم‭ ‬المحدد‭ ‬للرحلة‭ ‬فوجئ‭ ‬السميط‭ ‬بتخصيص‭ ‬الأمير‭ ‬طائرة‭ ‬لنقله،‭ ‬بل‭ ‬وكان‭ ‬معه‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬الطائرة،‭ ‬وما‭ ‬إن‭ ‬عادوا‭ ‬إلى‭ ‬الكويت‭ ‬حتى‭ ‬تبرع‭ ‬له‭ ‬الأمير‭ ‬الراحل‭ ‬جابر‭ ‬الصباح‭ ‬بـ‭ ‬23‭ ‬مليون‭ ‬دينار،‭ ‬وذلك‭ ‬لما‭ ‬رآه‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬جليلة‭ ‬تقدمها‭ ‬اللجنة‭ ‬في‭ ‬إنقاذ‭ ‬المحتاجين‭ ‬ومساعدة‭ ‬الفقراء‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬السوداء‭. ‬كرمت‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬والإسلامية‭ ‬د‭.‬عبدالرحمن‭ ‬السميط،‭ ‬معبرة‭ ‬عن‭ ‬تقديرها‭ ‬لجهوده‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الإنساني‭ ‬التطوعي‭. ‬وبعد‭ ‬وفاة‭ ‬طبيبنا‭ ‬حرص‭ ‬سمو‭ ‬أمير‭ ‬دولة‭ ‬الكويت‭ ‬الشيخ‭ ‬صباح‭ ‬الأحمد‭ ‬الصباح‭ ‬على‭ ‬تخليد‭ ‬اسمه،‭ ‬بإعلان‭ ‬سموه‭ ‬عن‭ ‬جائزة‭ ‬سنوية‭ ‬أطلق‭ ‬عليها‭ ‬‮«‬السميط‭ ‬للتنمية‭ ‬الإفريقية‮»‬‭ ‬تقدمها‭ ‬مؤسسة‭ ‬الكويت‭ ‬للتقدم‭ ‬العلمي،‭ ‬وتبلغ‭ ‬قيمتها‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬أمريكي،‭ ‬تُمنَح‭ ‬للأبحاث‭ ‬العلمية‭ ‬التي‭ ‬تساعد‭ ‬في‭ ‬تنمية‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية‭ ‬اقتصادياً‭ ‬واجتماعياً‭. ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬د‭.‬عبدالرحمن‭ ‬السميط‭ ‬كتب‭ ‬بيل‭ ‬غيتس‭ ‬مقالاً‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬شيخنا‭ ‬الفاضل‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬الخير‭ ‬والسلام‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

تعلمت‭ ‬من‭ ‬د‭.‬عبدالرحمن‭ ‬السميط‭ ‬أن‭ ‬العون‭ ‬والمساعدة‭ ‬لا‭ ‬حدود‭ ‬لهما،‭ ‬فإن‭ ‬أعطيت‭ ‬فأعط‭ ‬بسعادة‭ ‬وحب،‭ ‬ولا‭ ‬تمن‭ ‬بعطائك،‭ ‬ولا‭ ‬تنتظر‭ ‬الثناء‭ ‬والشكر‭.‬