دايفد روبرتس «جانب من معبد باخوس»

دايفد روبرتس «جانب من معبد باخوس»

من المُسلّم به أن دايفد روبرتس هو أشهر الفنان المستشرقين، وبلا منافس قريب. فرغم تنوّع أعماله وغزارة إنتاجه، فقد دخل روبرتس تاريخ الفن من أوسع أبوابه بفعل ما أنجزه من رسوم ولوحات خلال رحلته إلى الشرق، وإعداد معظمها للطباعة في وقت لاحق لتحقق رواجًا على أوسع نطاق ممكن.
وُلد روبرتس في أسكتلندا عام 1796م، وبعدما درس الرسم  7 سنوات، تركّز عمله على رسم ديكورات العروض المسرحية وخلفياتها، إضافة إلى أعمال متنوعة شملت الصور الشخصية والمناظر الطبيعية. وعندما كان في الأربعين من عمره تقريبًا، نصحه الفنان المعروف، تورنر، بترك رسم المشاهد المسرحية، والانصراف كليّة إلى الرسم الزيتي.
في 31 أغسطس عام 1838م، أبحر روبرتس باتجاه مصر في بدء جولة شملت أيضًا بلاد النوبة، وسيناء وفلسطين، ولبنان، وسورية، والأردن وحتى شمال الجزيرة العربية. وكان عازمًا على إنجاز رسوم يمكن استخدامها لاحقًا لرسم لوحات زيتية ومطبوعات يمكنه بيعها، إذ كان الهوَس بالشرق يجتاح هواة الفن في أوربا منذ حملة نابليون إلى مصر وما عاد به منها.
استمرت رحلة روبرتس أكثر من سنة بقليل، رسم خلالها الكثير بالألوان المائية، مع تركيز خاص على العمارة والمواقع الأثرية. 
وعندما عاد إلى بريطانيا، عمل لسبع سنوات مع فنان الطباعة الحفرية لويس هيغ، على تحويل هذه الرسوم إلى لوحات طباعية، جمعها في كتاب فاخر بعنوان «الأرض المقدسة، سورية، إيدوميا، العربية، مصر، والنوبة». 
  وإضافة إلى ذلك، راح يعمل على تحويل بعض الرسوم إلى لوحات زيتية، ومن بينها هذه اللوحة التي تصوّر جانبًا من معبد باخوس ضمن مجمّع معابد بعلبك في لبنان.
قبل اختراع التصوير الفوتوغرافي، وفي الفترات الغنية بالاكتشافات، كان فن الرسم التوثيقي البارد ذو الفائدة العلمية يزدهر بالدرجة الأولى. وهذا فخّ سار روبرتس بمحاذاته من دون أن يقع فيه، إذ تمكّن بعبقريته من «أنسنة» هذه الرسوم، تساعده في ذلك حساسيته ومزاجه الشخصي، وعلى الأرجح ما كان يكنّه من عاطفة لما تراه عينه. وفي الوقت نفسه، لم يشطح بعيدًا عن حقيقة المشهد ودقّة تفاصيله.
في لوحته هذه التي رسمها بالألوان الزيتية فور عودته إلى بريطانيا (مؤرخة بعام 1840م)، نرى جانبًا من معبد باخوس الروماني في بعلبك، بأعمدته الأربعة المهيبة تتوسط اللوحة. وتتيح مقاييس اللوحة الكبيرة نسبيًا التأكد من دقة الرسام في نقل التفاصيل وأمانته الكبيرة للواقع. فالتيجان الكورنثية تعلو أربعة أعمدة ملساء كما هي في الحقيقة. ولكن خلفها يظهر عامودان من الجهة الأخرى من المبنى، وهما مضلّعان عاموديًا، كما هما في الحقيقة أيضًا.
ولإظهار حقيقة المقاييس وضخامة العبد المهيب، عمد الرسام إلى رسم ثلاث مجموعات من الناس، أقربها تبقى بعيدة عنه نسبيًا، وأخرى فوق حجر ضخم سقط أرضًا، وثالثة بين أعمدة المعبد، حيث تُعبّر بشكل واضح عن مقاييس الأعمدة والمبنى ككل. كما عزّز الفنان الإحساس بالعمق وحقيقة الأحجام برسم كل شيء على ضوء يسقط جانبيًا على المشهد، ليرسم ظلالًا بزاوية 45 درجة، الأمر الذي يعرفه كل طلاب الهندسة المعمارية على أنه أفضل ما يعبّر عن حقيقة الأحجام.
ختامًا، بتطلع هذه الأعمدة صوب الشرق، وشموخها برسمها من الأسفل صوب الأعلى تحت سماء زرقاء، فإنها تبدو ملخصًا لخطاب فنان ينحني أمام ماضٍ عظيم بشكل لا يخلو من الحزن على زواله ■