حرب المعادن النادرة ومخاوف أخرى

حرب المعادن النادرة  ومخاوف أخرى

مع تسارع التحول إلى العالم الرقمي وتوقع وكالة الطاقة الدولية زيادة نصيب الطاقة المتجددة في مخرجات الكهرباء العالمية من 26 في المئة عام 2018 إلى 45 في المئة عام 2040، كبديل لمصدر الطاقة الأحفوري - لمواجهة تحديات التغيّر المناخي - يحذّر بعض العلماء والمتخصصون في هذا الشأن من مخاطر مهددة للبيئة والبشر، وحرب قادمة يكون الصراع فيها على المعادن النادرة المستخدمة في التكنولوجيا الرقمية وتكنولوجيا الطاقة «الخضراء»، في الوقت الذي يؤكد المناصرون أن هذا التحول سيحل العديد من مشكلات العالم، وسيسهم التقدم العلمي في تقويض الجوانب السلبية وجذب استثمارات في أسواق تخزين الطاقة المتجددة بمئات الملايين من الدولارات. 

 

في إطار الطاقة الشمسية يدور الحديث حول مخلفات الألواح الشمسية غير الصديقة للبيئة التي تم تركيبها مع بداية القرن الحالي، وشارف عمرها الافتراضي على الانتهاء، فكثير من الشركات باتت تفضل رمي الألواح القديمة بما فيها من مواد ثمينة - كالفضة والنحاس - ومواد سامة يمكن أن تتسرب إلى المياه الجوفية وتؤذي النبات والإنسان - كالرصاص الذي يؤثر على أدمغة الأطفال، والكادميوم المسرطن- في مكبات النفايات أو تقوم بتصديرها إلى بلدان العالم الثالث على إعادة تدويرها بسبب ارتفاع تكلفة فصل المعادن عن السيليكون التي تحتاج إلى قدر كبير من الطاقة والوقت. 
وللتغلب على آثار متوقعة لرمي ثمانين طنًّا من مخلفات الألواح الشمسية مع حلول عام 2050، سعت دول الاتحاد الأوربي إلى سن قوانين تلزم الشركات والمصنعين بإعادة التدوير وتحميل بعض التكلفة على سعر المنتج. وافتتحت شركة فيوليا الفرنسية أول مصنع في أوربا مخصص لإعادة تدوير الخلايا الشمسية. وفي أمريكا أسست أول شركة تسمح مرافقها باستخراج تسعين في المئة من مكونات الألواح الشمسية، وإعادة تدويرها لصنع ألواحٍ جديدة أو استخدامها في أجهزة إلكترونية. لكن مع قصور وعي المستهلك والمنافسة التجارية الشرسة يصعب إقناع الأفراد والشركات بشراء المنتج الأفضل للبيئة، أو إعادة التدوير بدلًا من الرمي، لاسيما في الأسواق الكبيرة بالصين وأمريكا.

 من كتاب «حرب المعادن النادرة»
في كتابه «حرب المعادن النادرة»، تناول غيوم بيترون - الصحافي الفرنسي وصانع المحتوى الوثائقي للقنوات التلفزيونية الفرنسية الرائدة، والحاصل على ماجستير في القانون الدولي من جامعة جورج تاون، واشنطن دي سي - الجانب المظلم من التكنولوجيا «الخضراء» والرقمية. وأشار إلى تحذير الكندي برنارد توريلون - مدير شركة تقوم بتصنيع مستلزمات الطاقة الشمسية - والذي أكد فيه أن تصنيع لوح واحد من الألواح الشمسية يعادل انبعاث 70 جرامًا من ثاني أكسيد الكربون؛ ومع افتراض زيادة سنوية قدرها 23 في المئة من عدد الألواح في قادم السنوات، وتوقع رفع قدرتها على توليد الكهرباء ستزيد الانبعاثات الكربونية لتصل إلى 2.7 مليار طن، أو ما يعادل تلوث 600 ألف مركبة على الطريق في سنة. هذا إلى جانب استهلاك الألواح الشمسية الحرارية لثلاثة آلاف وخمسمئة لتر من الماء لكل ميجاوات في الساعة بأماكن عادة ما تعاني شح المياه. 
 وفي الكتاب نفسه، الذي ترجم إلى 8 لغات، أكد بيترون، نقلًا عن جون بيترسن - محام من تكساس سبق أن عمل بصناعة البطاريات الكهربائية - أن إنتاج المزيد من السيارات المتميزة بكفاءة الطاقة يتطلب طاقة أكبر من تلك المطلوبة في إنتاج السيارات التقليدية. والسبب أن السيارة الكهربائية تحتاج إلى بطارية ثقيلة جدًا - كبطاريات سيارة تسلا التي تزن 544 كيلوجرامًا، أو ما يعادل ربع وزنها. وتتضمن مكونات البطارية 80 في المئة من معدن النيكل، و15 في المئة من الكوبلت، و5 في المئة الألمنيوم والليثيوم، والنحاس، والمنجنيز، والحديد، والجرافيت. ولفت الانتباه إلى ما يحدث من تجاوزات في استخراج هذه المعادن من المناجم من حيث الإفراط في الاستخراج على مدار الساعة، والأجور المتدنية وظروف العمل السيئة التي يعيشها العمال، والتلاعب بالأسعار في السوق السوداء - كما هي الحال في الصين، وكازاخستان، وجمهورية الكونغو الديمقراطية- إضافة إلى ما تتطلبه عملية تنقية هذه المعادن من طاقة، وتبعات النقل، واللوجستيات، والانبعاثات.
 
أسئلة مهمة 
ذكر بيترون - مستندًا إلى بحث أجري بجامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس عام 2012 قارن بين انبعاثات الكربون للسيارات التقليدية والسيارة الكهربائية - أن تصنيع المركبات الكهربائية يستهلك ما يعادل 3-4 أضعاف من الطاقة المستهلكة في تصنيع المركبات التقليدية، وهذا بالنسبة إلى سيارة كهربائية ذات بطارية متوسطة لا يتجاوز مداها 120 كيلومترًا. 
بينما يشهد سوق السيارات الكهربائية اليوم نموًا سريعًا، حيث لا سيارة بمدى أقل من 300 كيلومتر، وأن البطارية ذات الكفاءة العالية المناسبة لمدى 300 كيلومتر تطلق انبعاثات كربونية تقدر بضعف انبعاثات مرحلة تصنيع السيارة، وثلاثة أضعاف الانبعاثات إذا كان مداها 500 كيلومتر. وعلى هذا من الممكن أن تنتج السيارة الكهربائية خلال دورة حياتها ما يعادل 75 في المئة من انبعاثات السيارات التقليدية، رغم ميزاتها العديدة التي من بينها عدم استخدام الوقود الأحفوري. وكلما كانت السيارة الكهربائية أقوى احتاجت إلى مزيد من الطاقة في تصنيعها وتزيد احتمالات زيادة الانبعاثات كنموذج تسلا القادم الذي يغطي 800 كيلومتر.  
وأشار إلى بحث آخر نشر عام 2018 من مجلة نيتشر إينيرجي، وخلص إلى ما يفيد بأن توجه الأشخاص إلى محطات شحن الكهرباء في الصين وقت الذروة عندما لا يوجد سوى الطاقة الشمسية قد يتسبب في إطلاق انبعاثات كربونية من السيارات الكهربائية خلال دورة حياتها ما يفوق انبعاثات السيارات التقليدية. وتساءل بيترون: هل وضع أثر بطاريات السيارات الكهربائية واستبدالها في الحسبان؟ وهل تم حساب التكلفة الأيكولوجية لجميع المكونات الإلكترونية ومكونات التوصيلات في السيارات الكهربائية بدقة؟ وهل تم التفكير في الأثر البيئي لإعادة تدوير السيارات التقليدية بالمستقبل؟ وما حجم الطاقة المطلوبة لبناء الشبكات الكهربائية والمصانع لمقابلة حاجات التحول الجديدة؟
 
حلول ونظرة متفائلة 
من جانب آخر، قدم رجل الأعمال الأمريكي بيل تي غروس - أحد الرواد البارزين في مجال الطاقة المتجددة - حلولًا لمواجهة التغير المناخي من خلال تكنولوجيا شركات قام بتأسيسها مثل «إينيرجي فولت» التي تخزن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بتكلفة منخفضة ومن دون استخدام بطاريات، وذلك باستخدام قوالب خرسانية ترفع برافعات إلى أعلى لتبني برجًا وتخزن طاقة الشمس والرياح، وعندما تهبط من أعلى بفعل الجاذبية تولد طاقة السقوط الحركية كهرباء نظيفة. وأول برج من هذا النوع بني في سويسرا.  وشركة «كاربون كابتشر» التي تعتمد تكنولوجيا تنقية الهواء بالتقاط ثاني أكسيد الكربون من الجو مباشرة وتحويله إلى سائل واستخدامه في أغراض مختلفة؛ وشركة «هيلوجين» الرائدة في تركيز حرارة الشمس من 1000-1500 درجة مئوية، حيث يمكن كسر جزيء الماء واستخراج الهيدروجين الذي يعد طاقة نظيفة؛ أي استبدال الطاقة غير المتجددة بوقود «أخضر» للاستخدامات الصناعية، وذلك عبر مصافٍ شمسية تمتد فيها قطع المرايا بمصفوفات على مد البصر بصورة آلية، ويتم التحكم فيها بواسطة برمجيات تجعلها قادرة على تتبع الشمس، ثم تجمع الحرارة وتحفظ في صخور بخزانات معزولة قابلة للنقل من بلد إلى آخر خلال أسبوع.  
 ويرجع شغف غروس بهذا المجال إلى أزمة الطاقة التي شهدها عام 1973 وأدرك في وقت مبكر أهمية مدّ الكوكب بطاقة متجددة. وأسس وهو في الخامسة عشرة شركة للطاقة الشمسية باع من خلالها حقائب أدوات لبناء أجهزة شمسية. وبعد تخرجه في جامعة كالتيك متخصصًا في الهندسة الميكانيكية، أسس حاضنة أعمال «آيديا لاب» عام 1996 لمخاطبة مشكلات العالم الكبرى، وابتكار حلول تكنولوجية. ونجح في تأسيس أكثر من 150 شركة في مجالات التجارة الإلكترونية، والروبوتات والتكنولوجيا النظيفة. 
 
ثلاثية التواصل والطاقة والمواصلات 
فيما يبدو - وكما يرى المناصر جيرمي ريفكين، مؤلف كتاب «الصفقة الخضراء الجديدة» - تقوم الثورة الصناعية الحالية على إنترنت التواصل الرقمي، وإنترنت الطاقة المتجددة الرقمية التي تعمل بكهرباء مولدة من الشمس والرياح، وحركة رقمية وإنترنت لوجستيات ومركبات تعمل بالكهرباء وتسير بالطاقة الخضراء وتريليونات من المجسات في الأجهزة والآلات توصل كل شيء بكل شخص عبر شبكة رقمية عالمية ذكية تراقب الوضع والأداء، حيث لا إدارة للنشاط ولا للحياة الاجتماعية من دون التواصل؛ ولا طاقة لهما من دون الطاقة؛ ولا حركة من دون مواصلات ولوجستيات. ومن المؤكد أن تغير ثلاثية نظم التواصل والطاقة والمواصلات الجديدة- العناصر المشتركة بين الثورات الصناعية عبر التاريخ - المجتمع، ونماذج الأعمال، والأنماط الحكومية، والكثير سوى ذلك. ومن غير المستبعد أن يتمكن أي شخص من إنتاج كهربته الخاصة النظيفة بتكلفة منخفضة، ويمارس أنشطة تسهم في تخفيض انبعاثات الكربون بمواجهة المخاطر والمخاوف المحتملة ■