تُعد القيادة والتبعية ظاهرة اجتماعية بأي مكان وأي زمان، وقد اتخذت القيادة البشرية أشكالًا وأنماطًا مختلفة عبر تطور الحياة منذ بداية الخلق حتى الآن، ويؤكد (Seefeldt,1990) أن التقنيات والأساليب التي يتبعها المربون والمعلمون وممارستها بشكل سليم مع الأطفال تساعد في اكتساب مهارات التحكم الذاتي وممارسة الاستقلالية، وهي البوابة الأولى نحو السلوك القيادي عند الطفل.

هناك ثلاثة تساؤلات لموضوع الطفل القائد، وهي:
السؤال الأول: رأي العلماء في سلوك القيادة... فطري أم مكتسب؟

العلماء كان لهم أكثر من رأي:
- الفريق الأول: يرى أن القيادة أمر فطري وأن بعض الأفراد يولدون قادة تمامًا مثلما تتولى بعض الذئاب قيادة قطيعها بشكلٍ غريزي، لكنهم لا يمثلون أكثر من 2 %.
- الفريق الثاني: يرى أن القادة يصنعون، وأن الأمر يتعلق بالخبرات المتراكمة والتدريبات، وهو  ما يشير  إلى أنه بمقدور كل شخص أن يصبح قائدًا إذا ما تلقى التدريبات اللازمة، وقد يكون اليوم في آخر الصف، لكنه قد يصبح مع تبني التوجه السليم بالمعرفة والمهارات والخبرات اللازمة في مقدمة هذا الصف يقود الجميع نحو المستقبل، وهؤلاء يمثلون 96 % من أفراد المجتمع.
- الفريق الثالث: يرى أن هناك أفرادًا لا ينفعون إلا أن يكونوا تابعين، وهم يمثلون 2 % من أفراد المجتمع.

مهارات الطفل القائد
تتمثل إجمالاً بأمور جوهرية، على رأسها أن يتحلى بالقيادة الذاتية «ضبط النفس، مستمع، يعبر، يختار  يشارك، ينتهج المسار الصحيح المبني على القيم والمبادئ، المرونة والقدرة على التعامل مع المتغيرات الداخلية».
وفي دراسة قامت بها (Bisland  Amy (2004 بعنوان «برنامج مقترح لتطوير المهارات القيادية للأطفال والمراهقين».
حددت أهم المهارات القيادية للأطفال والمراهقين وهي «القدرة على حل المشكلات، على اتخاذ القرارات، تكوين العلاقات جديدة، المرونة في التفكير، القدرة على تحفيز الآخرين، المهارات اللغوية».
 واعتمد البرنامج على «الألعاب، العصف الذهني، حل المشكلات، القصص، الدراما، الحوار»، وأهم المواضيع التي تم استعراضها في البرنامج: «أن يذكر الطفل أسماء قادة عظماء مع تحديد أهم خصائصهم القيادية، أن يفرق الطالب بين الإيجابية والسلبية لدى القادة، وأن يسرد الطالب قصصًا عن القادة، توليد حلول مبتكرة للمشاكل التي تواجهه، إظهار مهارات التواصل الفعال أثناء الحديث والاستماع والمشاهدة، القدرة على اتخاذ القرارات، تقييم الأفكار المطروحة»، وكان من أهم التوصيات:
■ الشراكة بين أولياء الأمور والمعلمين لوضع برامج لتنشئة جيل قيادي من الأطفال والمراهقين.
■ استغلال المواقف اليومية في صقل مهارات القيادة عند الطفل.
■ الاستفادة من الإجازات والرحلات.
■ مساعدة الطفل في الاستقلال بالتفكير وحل مشاكله، واتخاذ قراراته.
■ وجود نموذج قيادي فعال للأطفال والمراهقين من المربين والمعلمين.
■ عمل ورش تدريبية للمعلمين والآباء لتطوير المهارات القيادية للطفل والمراهق.

السؤال الثاني: هل خططت ليكون طفلك قائدًا؟
إن أي مشروع ناجح يحتاج إلى تخطيط والمثل يقول «إن الفشل في التخطيط يعني التخطيط للفشل»، لذلك فإن بناء جيل قيادي يحتاج منا إلى تركيز وتخطيط، ويعتمد بالتالي على خطوات من أهمها:
أولاً: بناء تقدير عالٍ للذات عند الطفل، وهو ما يسمى «الثقة بالنفس».
ثانياً: إيجاد بيئة داعمة ونموذج محفز للتقليد الإيجابي.
ثالثاً: التركيز على جودة التعليم المقدم للطفل.
سنناقش هذه النقاط بشيء من التفصيل الموجز:
أولاً: بناء ثقة الطفل بنفسه: 
إن الثقة بالنفس لدى الجميع- سواءً كانوا بالغين أو أطفالًا-  هي بوابة الانطلاق الأولى نحو الإبداع، وعندما نقدر الطفل بشكله المناسب نحن نخبره بشكل غير مباشر بأن كل شيء يقوم به هو محل تقدير وجدير بالاهتمام، لذلك نحن نمنحهم شجاعة مضاعفة ونجعلهم يتقبلون الفشل ويرحبون بخبرات جديدة، كما أن هناك أربعة أمور مهمة تخص الطفل يتمحور حولها تقدير الذات لديه ويجب علينا احترامها وتقديرها، وهي:
1 -خصائص جسمه: «طوله، وزنه، لون بشرته، لون عينيه، حجمه».
2 - تفضيلاته: «في المأكل المشرب والملبس».
3 - كفاءات: ما يستطيع أن يقوم به من أعمال متسقة مع إمكانياته وخصائصه.
4 - ممتلكاته «دائمًا ما يردد: لعبتي، قلمي، غرفتي، حقيبتي، طعامي».
تقدير الطفل لذاته وثقته بنفسه تؤديان به إلى مهارات يحتاجها الطفل القيادي، ومنها: «خلق وظيفة إيجابية عند الطفل، طفل يعيش ببهجة وسعادة أكثر، قادر على الإنتاج والتعاون والتشارك، وعلى اتخاذ القرارات، والتعبير عن مشاعره، وهو طفل ثابت على مبادئه وقيمه، قادر على التفاوض وتقبل الحلول وتنفيذها».
ثانياً: إيجاد النموذج أو القدوة إيجابية ومحفزة:
وجود قدوة للطفل كشخصية قيادية منضبطة ذاتيًّا قادرة على منح الآخرين التعاطف والحب والتطوع من منطلق الشعور بالإنسان والحيوان والنبات، مع تطبيق الأنظمة والقوانين واحترام الذوق العام. نحن بذلك نكون قادرين على صناعة الفارق، لأننا كبالغين نعتبر مرآة للطفل. ويؤكد العالم بندورا Bandura بقوله «إن الأبناء لا يسلكون وفقًا للتوجيهات اللفظية التي يسمعونها من آبائهم بقدر ما يسلكون وفقًا لما يرونه من سلوكهم الفعلي».
 وينقسم أسلوب النمذجة لاكتساب الطفل المهارات القيادية، إلى نوعين:
1 - النمذجة البسيطة للقيادة: وتستهدف تعليم صفات وأنماط وسلوكيات القائد، وهذه تصلح لرياض الأطفال والمرحلة الابتدائية.
2 - النمذجة المركبة (العميقة) للقيادة: تحديد صفات وسمات الأشياء المراد تعلمها بصورة ما وراء المعرفة، وهذه تصلح مع طلاب المدارس المتوسطة والثانوية والجامعات؛ لاعتمادها بصورة أكبر على برامج القدرات العقلية العالية.
كما أن التقليد والمحاكاة لدى الطفل ينقسمان إلى أربعة أنواع، وهي: 
 تقليد طبق الأصل، وتقليد تخيلي، وتقليد عاقل «تكيف اجتماعي»، وتقليد مؤجل.
ثالثاً: جودة التعليم المقدَّم:
إن أثمن وأفضل استثمار  هو  في الأطفال والأبناء على مستوى الأفراد والجماعات، لو تحدثنا عن الثمن الذي ستدفعه من أجل هذا الاستثمار فسنجد أن القيمة عالية لكن المردود منها أعلى، وستبذل (المال، الوقت، الطاقة)، ويتطلب هذا العمل شراكة من قبل منظومة المجتمع كأفراد وجماعات ومؤسسات تعليمية، كما أن العلم والتعلم هما الأداة الأولى لضبط النفس، والطريقة الأكيدة نحو مجتمع طموح، والإمام الشافعي يقول في أجمل أبياته:
 تعلّم فليسَ المرءُ يولدُ عالمًا 
    وَلَيْسَ أخو عِلْمٍ كَمَنْ هُوَ جَاهِلُ
وإنَّ كَبِير الْقَوْمِ لَا علْمَ عِنْدَهُ 
    صَغيرٌ إذا الْتَفَّتْ عَلَيهِ الْجَحَافِلُ
لذلك فإن تنويع أساليب التعليم والتعلم الذي تنادي به الوزارات والمؤسسات التعليمية قابل للتجديد والتطوير، لتتوافق هذه الأساليب مع الأطفال والعولمة والتقنية، وهذا التنوع يتيح لهم مراعاة الفروق الفردية بين الأطفال والسماح لكل طفل بالتعلم والتعليم وفقاً لقدراته وإمكانياته، كما أن هذا التنوع المرتبط بأهداف تربوية يتيح احترام عقلية الطفل وذاتيته وشخصيته، وهذا ما تنادي به الاتجاهات الحديثة بالتربية، حيث إن الطفل يتعلم بطريقة فعالة تتناسب مع طبيعة نموهم العقلي والاجتماعي والانفعالي.
يرى (Denig,2004) أنه يجب على التربويين تنويع أساليب التعليم وتطويرها بطريقة تتناسب مع (استيعاب وتعلم وتذكر المعلومات والمهارات والقيم)، وأنه يجب على المعلمين قبل ذلك أن يتعرفوا على أساليب تعليم طلابهم وأطفالهم باستخدام أدوات وطرق مناسبة لقياس هذه الأساليب حتى يتوافقوا معها ■