المهرّج

المهرّج

سأصبح كوميديانًا عظيمًا في المستقبل وسأرسم ابتسامات كثيرة على ملامح الناس.
كان يأتي في الصباحات الباكرة بلباسه الملوّن وأصباغ المهرج كي يتراقص وسط الشارع المكتظ بالمارة وصخب الأسواق وأبواق السيارات المزدحمة وصراخات الباعة وضجيج الناس، رافعًا يافطة كبيرة وملوحًا بها:
ارسم ابتسامة على ملامحك! 
 لربما تأتيه التفاتة من بعضهم لما يلوح له، وهو يتراقص ويقفز يمينًا وشمالاً مبتسمًا مبتهجًا سعيدًا بنفسه، إنني كوميديان عظيم. 
 إلا أن سرعة المارة كانت أسرع منه، وكم من التهكمات التي انصبت على مسامعه عن سخف اليافطة المرفوعة وعن قبح لباسه وأصباغ وجهه، وعن تفاهة الرقصات التي يرتجلها، مختومة أحيانًا بركلات قوية أو ضربات تطرحه أرضًا لتصاحبها ضحكات عالية من التهكم والاستحقار.
وبعد المحاولات وتكرارها، أصبح يجر نفسه مع خيبات الأمل التي تجلت على ملامحه بابتساماته الحزينة.
ابتسامات كاذبة، فضحتها عيناه الحمراوان - مرآة الروح التي تراكمت بها كل ركلة وكل غصّة وكل شتيمة انصبّت على مسامعه.
وبدا بملامح الوجه المهشّم بفعل التراكمات التي طالت أماكن متفرقة من جسمه، شرخ في القلب، وكدمة على العين، وركلة قوية بمنتصف الظهر قد أهلكت قواه.
إلى أن نهض بعدما طفح الكيل لديه وضرب بآماله عرض الحائط، بما فيها اليافطة المزعومة.
لقد تغيرت روحه، بعد أن استقرت كل التراكمات في قلبه الذي تجمد وجف وتبلد إحساسه، لتتغير ملامحه إلى ملامح ساخطة وإيماءات جسده اللامبالية التي كان يختبئ خلفها برقصاته ليغطي آلامه وحزنه.
هؤلاء البشر، ذوو القلوب المتحجّرة، هم الذين لا يعرفون طريق المسامحة أو الصفح أو التجاوز والتماس العذر.
أتساءل: لو تفهّمنا أثر التجاوز عن صغائر الأمور وعن الهوامش العابرة، بعد ترتيب وتصويب العلاقات وتعديل الأولويات وتصويب المسار، ليس لشيء، بل لتطهر قلبك من أي سواد يؤثر عليه ويؤذيه، لتتصالح ولتعش حياتك بسلام داخلي وهدوء واستقرار وتكمل مسيرة الحياة بالنهج الصحيح الذي تحبه وتختاره.. هذه هي القوة، سامح وأصلح قبل أن يتحجّر قلبك. 
اصفح قبل أن يموت إحساسك ■