ظاهرة جديدة... عالَم نشر متغيّر!

ظاهرة جديدة... عالَم نشر متغيّر!

   سنوات طويلة ونحن نتعايش مع إحجام الناس عن القراءة في الكويت وفي عالمنا العربي مقارنة مع مجتمعات أخرى، ولكن في العقود الأخيرة برزت ظاهرة تستحق الدراسة والاهتمام، هي ظهور العديد من دور النشر، ففي الكويت خلال العقدين الأخيرين حدث ارتفاع كبير لعدد دور النشر المحلية، من محدودة جدًّا إلى أعداد يُقال بين الأربعين والسبعين دار نشر أو أكثر من ذلك بكثير.
  في مقابلة تلفزيونية طُرح سؤال: هل ما يحدث هو دليل على انتعاش، وأن هناك حركة ثقافية نشطة؟، وكانت إجابتي بأن ارتفاع عدد دور النشر والمكتبات وزيادة عدد الكتب التي تصدر بلا شكّ دليل على أن هناك تطورًا قد حدث، وأن هناك إقبالًا على القراءة، والأسباب تعود إلى التطور التكنولوجي الحديث وتعدّد شبكات ووسائل التواصل، حيث ساهم ذلك بشكل كبير في الترويج للكتاب، وكذلك نرى ظهور العديد من المكتبات ونوادي القراءة، ولم يعُد هناك حاجز بين الكاتب والمُتلقي، وباستطاعة الكاتب أن يروّج لصدور كتابه عبر موقعه في اليوم نفسه، أنا شخصيًّا عندما صدرت لي أول مجموعة قصصية عام 1988 عشت تجربة مريرة في كيفية التسويق لكتابي.
   لكن، هل ارتفاع عدد دور النشر وعدد الكتب التي تُطبع سنويًّا ظاهرة صحية بشكل عام؟ أعتقد لا.. لأننا هنا نتحدث عن الكمّ لا عن الكيف، ما نعنيه أننا يجب أن نهتم بالكيف في المقام الأول، لأنّ التميز والقيمة أهمّ، لكنّ المُزعج أن الكاتب المُتميز يعيش في ضياع بين مَن يكتبون فقط لأجل البروز أو التكسّب المادي، حيث دخل مجال النشر العديد من المؤثرين والمؤثرات وغيرهم بإصدارات لها هدف تجاري بحت، وكذلك دخل المجال مَن لا تجارب سابقة لهم في الكتابة، أو حتى علاقة أو صداقة مع الكتاب.
   لكن أرى أن هناك مؤشرات إيجابية، حيث نجد أقلامًا كويتية، وخاصة في مجال السرد أو التوثيق، أصبحت تحتل مكانها في رفوف المكتبات المحلية والعربية، وبرزت أسماء من كتّاب وكاتبات في مجال السيناريو والكتابة للمسرح.
   لكن بين الحين والآخر نسمع أصواتًا غير مسؤولة تطالب بمنع البعض من النشر، أو الرقابة المسبقة على كل ما ينشر، وهذا مطلب غير واقعي، لأنّ حرية النشر مكفولة للجميع بما لا يتعارض مع القوانين السارية، لكن ما نراه هو أن نخلق مؤسسات غير ربحية ومحايدة ومدعومة ماليًّا من جهات حكومية وأهلية، مهمتها تسليط الأضواء على الأعمال المنشورة المُتميزة في المجالات كافة، وبهذا نوجد حافزًا للمبدع المُتميز والباحث الجاد وكذلك الناشر المهني للاستمرار، وهنا تصل رسائل حقيقية للمُتلقي وللجمهور■