الشباب العربي.. مـــــــن الــمـــجــــــال الافــــتــــراضـــــي للـــــثـــــــورة

الشباب العربي.. مـــــــن الــمـــجــــــال الافــــتــــراضـــــي للـــــثـــــــورة

لكن الوسائط الافتراضية الحديثة بما تضمنته من حماسة الشباب، والنزوع للتفكير الحر والمستقل، وقدرة تلك الوسائط على تجاوز الحدود الرقابية المعتادة في الوسائط التقليدية استطاعت أن تلقي حجرا ضخما في بحيرة الثقافة الراكدة عبر إثارة العديد من الأفكار التي تناقش كل ما يرد على الخاطر، وكل المسكوت عنه، اجتماعيا وسياسيا وأخلاقيا ودينيا.
وكان الناتج الطبيعي لمثل هذه الحيوية الهائلة أن تنتقل من الوسيط الافتراضي إلى الواقع الحقيقي، وهو ما تناولناه في هذه الزاوية أكثر من مرة، مصحوبا بمحاولات لتحليل العديد من الظواهر الخاصة بالتوازي بين الثورة الافتراضية والانتفاضات التي حدثت في العديد من دول المنطقة العربية في نفس الوقت؛ خصوصا في مصر وتونس وليبيا واليمن والبحرين وسورية. 
لكن التراكم الذي حدث لهذه الخبرات والتجارب اصبح موضوعا للبحث والدراسة وهو ما ظهر في العديد من الدراسات والأبحاث. لكنني هنا ساتوقف أمام كتاب لافت، رأيت أنه يستحق أن يسلط عليه الضوء في تناوله للظاهرة، والذي صدر أخيرا بعنوان «جيل الشباب في الوطن العربي ووسائل المشاركة غير التقليدية من المجال الافتراضي إلى الثورة»، الذي صدر عن مركز دراسات مركز الوحدة العربية، بمشاركة عدد من الباحثين الشباب  من أكثر من بلد عربي، وبإشراف الباحث المصري محمد العجاتي.
تتناول التجارب التي يضمها الكتاب كلاً من تونس ومصر وسورية والمغرب والبحرين، إضافة إلى بحث له طابع إقليمي يتناول الظاهرة عربيا بشكل عام.
ويرى محررو الكتاب أنه ليس غريبا أن تكون طليعة الربيع العربي ووقوده شبابية، فمتوسط أعمار السكان في البلدان الخمسة التي شهدت ثورة أو حراكا ثوريا، وهي مصر وتونس والمغرب وسورية والبحرين، وفقا لتقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة عام 2011 يراوح بين 20.1 و30 عاما، وهي باستثناء البحرين تحت المتوسط العالمي البالغ 29.2. 
ويرى محررو الكتاب انه من الطبيعي «أن يقود جيل الشباب هذا الحراك الثوري؛ فقد ذاق هذا الجيل ويلات الاستبداد والفساد منذ نشاته وحتى سن الرشد أكثر من غيره من الأجيال، حيث امتلك قدرة متراكمة على نقد الأوضاع أكثر من أي وقت مضى وأكثر من أي جيل آخر في التاريخ العربي». 

تونس: كيف ينتج القمع المقاومة؟
يتناول الفصل الأول من الكتاب «الشباب التونسي ووسائل المشاركة غير التقليدية» وبعنوان فرعي: كيف ينتج القمع وسائل مقاومته؟ وهو بحث كتبته سونيا تميمي، أستاذة التاريخ في الجامعة التونسية. وفيه تتناول بالرصد كل وقائع الثورة التونسية بدءا من واقعة حرق البوعزيزي لنفسه احتجاجا على الأوضاع الاقتصادية، ثم تتتبع الكيفية التي بدأ فيها الغضب الشعبي ينتقل إلى مناطق واسعة في تونس، وكيف كان للوسائط الافتراضية الدور الحاسم في سرعة اشتعال الغضب الشعبي وانتقاله على النحو الذي سارت عليه الأمور.
تشير الباحثة أيضا إلى العديد من التفاصيل المتعلقة بالدور الرقابي الذي حاولت السلطات التونسية أن تفرضه على المدونين والنشطاء الشباب والكيفية التي تعامل بها النشطاء مع الرقيب وكيف تمكنوا من مراوغته، بل وفضحه على الفضاء الإلكتروني.
لكن الباحثة ترى أنه بعد ما آلت إليه الأمور وانتقال السلطة إلى حزب النهضة قل حماس الشباب للمشاركة السياسية في الوسائط الافتراضية. 
تتتبع تميمي نشأة الفضاء الافتراضي في تونس والذي يعود للعام 2004، عبر عدد من المدونات الإلكترونية التي أنشئت آنذاك. 
لكنها ركزت على موقعي «نواة» و«تونس نيوز» اللذين أديا وفقا لتعبيرها، كل بحسب اختصاصه دورا مهما في خلق فضاء للنقاش وفي إيصال المعلومة للمبحرين في فضاء الإنترنت.
وعن مؤسس نواة تقول تميمي: «سامي بن غربية، من مواليد 1967، مدون تونسي وباحث في مجال حرية التعبير. اختار المنفى سنة 1998، إذ هاجر من تونس مكرها عبر تشاد والسعودية ثم إيران، ليستقر كلاجئ سياسي في هولندا. وله مدونة «فكرة» التي كانت ممنوعة في تونس، ويعتبر من أشهر الناشطين الافتراضيين الذين عارضوا النظام التونسي السابق. وانتقد في مدونته، إضافة إلى النظام التونسي، الشباب التونسي الذي وصفه بأنه ثائر على كل قضايا الحرية في العالم، ولكنه يتحاشى الحديث عن وضع الحريات في بلاده. 
وقد أثار المقال نقاشا واسعا داخل الفضاء التدويني بين معتذر عن عدم إمكانه الخوض في المسائل السياسية وساخط على أفكار «هذا التشي جيفارا الافتراضي الذي يعيش خارج تونس»، معتبرا أن تطوير الأشياء تدريجيا أفضل من البحث الدائم عن الصراع.
وكان أشهر ما قام به غربية هو إنشاء موقع «نواة» كمدونة جماعية مستقلة، مع مجموعة من المدونين التونسيين الذين يعملون من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان لنشر ما يكتبون. وقد أنشأت «نواة» موقعا تابعا لها سمي بـ «تونيليكس»، وهو عبارة عن النسخة التونسية من «ويكيليكس» تترجم فيه إلى العربية والفرنسية وتنشر وثائق دبلوماسية سرية تمس الشأن التونسي حتى يتمكن أكبر عدد من الاطلاع عليها.
من ناحية أخرى، تقول سونيا التميمي في بحثها، «شكلت صحافة الإنترنت للأقلام التونسية الراغبة في إيصال صوتها من دون المرور على هيئة الرقابة والمصادرة ملاذا»، والتجأت غالبية النخب التونسية والقوى الإصلاحية والديمقراطية ذات المصداقية إلى صحافة الإنترنت بسبب تصنيف تونس ضمن قائمة سوداء تضم الدول العشر الأكثر رقابة في العالم. ومن ضمن المواقع الفعالة التي التجأت إليها النخب موقع «تونس نيوز» الذي كان قد بدأ في العام 2000 عبر مجموعة من المواطنين التونسيين في المهجر كنشرة إخبارية يتم إرسالها لنحو 50 ألف مشترك، تجمع فيها الأخبار والبيانات والمواقف والتقارير الوطنية والدولية الخاصة بتونس. 
كما تشير التميمي إلى المدونين الذين تعرضوا للاعتقال والتعذيب وبينهم زهير اليحياوي الذي أنشأ موقع «تونيزين» وخصصه لنشر مقالات ساخرة وناقدة لنظام بن علي، وجرى اعتقاله في 2002 وسجنه 18 شهرا تعرض فيها للتعذيب والإهانة وتم إطلاق سراحه في 2003 لكنه توفي بسبب سوء صحته بفعل التعذيب في عام 2005. 
ثم ترصد الباحثة النشاط المكثف للمدونين التونسيين والنشطاء الذين أشعلوا الثورة التونسية التي نجحت في إسقاط نظام بن علي، ومن ثم هروبه وزوجته خارج تونس.

مصر: من الالتفاف إلى المواجهة
فيما يتعلق بمصر فقد تناولت الباحثتان حبيبة محسن ونوران محمد من منتدى البدائل العربي للدراسات الظاهرة في بحث بعنوان «المشاركة السياسية غير التقليدية لجيل الشباب في مصر: بين الالتفاف على النظام القمعي ومواجهته».
ويورد البحث في البداية حجم الشباب في المجتمع المصري مشيرا ان من تتراوح اعمارهم بين 15 سنة و45 سنة وفقا لتعداد العام 2006 هم القطاع الأكبر في مصر، إذ تبلغ نسبتهم حوالي 48.2  في المائة من جملة السكان، مما يعني أن المجتمع المصري في مجمله مجتمع شاب.
كما تشير الباحثتان إلى عدد من المشكلات الهيكلية الجسيمة التي تواجه المجتمع المصري مثل الأمية والتسرب من التعليم والبطالة.
كما تشيران إلى عدد من المعوقات التي منعت مشاركة الشباب في مصر في العملية السياسية لعقود من بينها اشراف السلطة التنفيذية على العملية الانتخابية بالكامل والتضييق والملاحقة الأمنية للمعارضين وانتشار اعمال البلطجة في اثناء العمليات الانتخابية واستشراء ظاهرة شراء الأصوات.
ويرى البحث أنه بالرغم من قلة المشاركة السياسية لكن بداية الألفية بدأت بعض الحركات الشعبية في الظهور وأولها «اللجنة الشعبية لدعم الشعب الفلسطيني» في عام 2000 والتي اتخذت هيكلا تنظيميا فضفاضا وواسعا تجسد في صورة «الحركة» العابرة للأحزاب أو التيارات السياسية، وهو كذلك إطار غير إيديولوجي بالمعنى التقليدي حيث جمعت اللجنة يساريين وقوميين وإسلاميين وغيرهم وأعلنت أنها «ستستمر باستمرار انتفاضة الشعب الفلسطيني وحالة التعاطف الكائنة في الشارع المصري معها». لكنها كانت أيضا مدخلا لا شك فيه للاحتجاج على الأوضاع الداخلية في مصر.

من «كفاية» إلى «خالد سعيد»
تشير الباحثتان إلى حركة «كفاية» التي ظهرت في العام 2004، والتي مثلت مظلة تنسيقية واسعة لعدد من الحركات الأخرى المناهضة لمشروع التمديد والتوريث، ومنها مثلا مجموعة شباب من أجل التغيير التي أجمع معظم الناشطين من مختلف التيارات السياسية أنها كانت نقطة تحول في تاريخ التحاقهم بالعمل السياسي.
كما يشير البحث إلى انضمام حركات احتجاجية أخرى مع حلول العام 2008 مثل حركة 6 أبريل على خلفية الإضراب العمالي لعمال المحلة الكبرى في 6 أبريل 2008، وتحوله إلى إضراب عام وبدأ الترويج للإضراب عن طريق وسائط التواصل الاجتماعي خصوصا موقع «فيس بوك» تحت شعار «خليك بالبيت»، الذي نجح وشكل مفاجأة في ظل نظام مبارك السلطوي.
يشير البحث من جهة أخرى إلى ظاهرة نشأت بالتوازي تقريبا منذ العام 2005 وهي ظاهرة المدونات السياسية التي أخذت على عاتقها نقد النظام السياسي المصري مما أدى إلى ملاحقة المدونين والنشطاء على الفضاء الافتراضي.
لكن لم تتمكن السلطات من مواجهة المد الكبير لاستخدام الوسائط الافتراضية وشبكات التواصل الاجتماعي منذ العام 2008 بالدعوة للإضراب العام ثم التعبئة الحاشدة التي واكبت عودة البرادعي الى مصر واعلانه نيته ترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية وصولا الى ثورة 25 يناير.
تقوم الباحثتان بتتبع تفاصيل الحشد السابق للثورة انطلاقا من حادث مقتل الناشط خالد سعيد في الإسكندرية على يد رجال الشرطة بسبب التعذيب الذي تعرض له. مما أدى إلى إنشاء صفحة إلكترونية على موقع «فيس بوك» من قبل عدد من النشطاء تحت عنوان «كلنا خالد سعيد» واصبحت هذه الصفحة ذات شعبية ضخمة في فترة قياسية ونجحت في التجييش مع العديد من المواقع الأخرى لتحركات الشباب في ثورة 25 يناير.
كما يشير البحث أيضا إلى تجربة صفحة «قبيلة» وهي صفحة أنشئت بواسطة مجموعة من الشباب قبل نحو ستة أشهر من اندلاع الثورة المصرية بناء على اقتراح من «أحمد فتح الباب»، وبدأت المبادرة بتقديم مواد ذات صلة بالتوعية السياسية مثل سلسلة دليل المواطن لفهم السياسة.

سورية: ثورة على المحك
ويقدم الكاتب والباحث السوري وائل السواح، في الكتاب، دراسة واسعة بعنوان «سورية ما بين المعارضة التقليدية والقوى الشبابية.. ثورة على المحك»، وفيها يرصد أيضا التركيبة السكانية في سورية موضحا أنها ايضا تعد تركيبة فتية، يزيد فيها عدد الشباب بشكل كبير بالنسبة لعدد السكان عن متوسط أعمار السكان الآخرين الذين يزيد متوسط أعمارهم عن 45 عاما.
ويشير إلى أنه بالرغم من التضييق الشديد الذي عانت منه شبكة الإنترنت في سورية، إلا أن الأحداث في كل من تونس ومصر دفعت عديدًا من الشباب السوري للاجتماع والنقاش حول ما يحدث في البلدين، وبدأت هذه المجموعات الشابة تسأل ما الذي يمكن أن نقدمه إلى الثورتين في مصر وتونس؟
وهكذا «روجت صفحة أنا سوري.. أنا تونسي» على الـ«فيسبوك» دعوات إلى تغيير صورة الصفحة الشخصية للمستخدمين السوريين إلى صورة العلم التونسي كتعبير عن «التضامن مع انتفاضة تونس».
 ثم يتتبع الباحث الدعوة ليوم الغضب السوري في يناير من ذلك العام 2011 والذي قوبل بلا حماس كبير، ثم الدعوات التي تلت ذلك التاريخ، والمسيرة البطيئة التي واكبت الحشد لدعم ثورتي تونس ومصر في ذلك الوقت. وبعض وقائع شهر مارس في العام 2011 وكيف تم قمعها بواسطة ما يطلق عليه شبيحة النظام السوري.
يورد الباحث كيفية بدء استخدام الوسائط الحديثة في سورية مشيرا إلى أن «فيسبوك» ربما لم يكن له نفس قوة الدور الذي لعبه في كل من مصر وتونس بسبب تأخر وجوده في سورية من جهة، وبسبب الرقابة على الإنترنت من جهة أخرى.
لكنه يشير إلى أن الوسيط الذي نجح نجاحا كبيرا في سورية كان الهاتف المحمول بكاميراته الرقمية التي تمكنت من بث الكثير مما يحدث من قبل المعارضة والقوات الحكومية في العديد من المواقع السورية وأسهم في تجييش الرفض والاحتجاجات ضد النظام السوري.
يشدد الباحث على ان اللجان التنسيقية التي لعبت دورا مهما عبر الإنترنت والوسائط الاجتماعية نجحت في ان تنقل الصورة إلى خارج سورية، وخصوصا للصحافة الأجنبية.  ويؤكد أن الطابع العام للمطالب الديمقراطية والإصلاحية التي طالبت بها الحركات الاحتجاجية الشابة في سورية وباستخدامها للوسائط الافتراضية أكدت على سلميتها كما هو شأن جميع الحركات الاحتجاجية الأخرى التي ظهرت في المنطقة، ويوضح أن العنف المفرط الذي استخدمه النظام لقمع الحركات الاحتجاجية أجج عنفا مضادا، بحيث أصبح خارجا عن السيطرة في مرحلة لاحقة.

المغرب: 20 فبراير
تتناول الباحثة والناشطة أسماء فلحي الموضوع نفسه في المغرب عبر بحث بعنوان «معادلة المجال الافتراضي والمجال الواقعي في المغرب.. دراسة حالة لحركة 20 فبراير». 
وتوضح في البداية أن الظروف التي يعيشها الشباب المغربي هي نفس الظروف التي يعيشها الشباب في المجتمعات السابق الإشارة إليها والتي تتعلق بارتفاع نسبة الشباب بين عدد السكان، ومعاناة هؤلاء الشباب من التسرب من التعليم وانتشار الأمية. لكن التحولات السياسية الكبرى التي يعرفها الوطن العربي ساهمت في بروز فاعل وفعل جديدين في المغرب، بوصف الكاتبة، «هو الشباب والحراك السياسي للشباب». 
لكن أسماء فلحي، في الوقت نفسه، ورغم إشارتها إلى جدة ظاهرة الحراك السياسي للشباب،  ترى أن تلك الحركة الاحتجاجية الشابة، لم تأت من فراغ، بل تعد امتدادا للعديد من الاحتجاجات ذات الطابع السياسي التي عرفتها المغرب منذ بداية الألفية. وهي الاحتجاجات التي قام بها المتضررون من البطالة من حاملي الشهادات الجامعية، والمكفوفين، وضغطوا بها على الحكومات، وكذلك كانت هناك احتجاجات تتعلق بالمطالبة بأن ينص الدستور على أن اللغة الأمازيغية لغة معترف بها رسميا. اضافة الى الاحتجاجات على ارتفاع الأسعار وتدهور القوة الشرائية للمواطن المغربي وغيرها.
ويمكن وصف حركة 20 فبراير، وفقا للبحث،  كحركة اجتماعية احتجاجية سلمية، تشكل انتقالا واضحا من الاحتجاج الاجتماعي القطاعي (الفئوي) إلى التعبير عن المطلب السياسي العام والشمولي. وهي حركة تندرج في سياق التحولات السياسية التي عرفتها الساحة العربية التي كان محركها الشارعان التونسي والمصري على وجه الخصوص، ومن ثم فهي تتقاطع مع تلك الحركات الاحتجاجية من جهة الفئة العمرية المكونة لها ولجوئها لاستعمال وسائل غير تقليدية للفعل السياسي.
تحمل الحركة كاسم، التاريخ الذي اختارته مجموعة من الشباب، منضوين عموما في ثلاث مجموعات «حرية وديمقراطية الآن»، و«20 فبراير، الشعب يريد التغيير»، و«20 فبراير من أجل الكرامة، الانتفاضة هي الحل»، للدعوة إلى التظاهر عبر شريط فيديو قصير تم بثه على شبكة «فيسبوك» في مجموعة المدن المغربية للمطالبة بالإصلاحات. ومن مميزات تلك الحركة كما ترى الباحثة، كونها خليطا من المكونات تختلف إيديولوجياتها من تيار ذي مرجعية إسلامية محافظة أو ثورية إلى تيار ذي مرجعية اشتراكية علمانية والجمعية الديمقراطية لحقوق الإنسان والشباب الامازيغي وشباب العدل والإحسان (جمعية إسلامية محظورة)، وهو ما مكنها من الانصهار تحت شعارات موحدة، لكن سبب القوة هذا قد اصبح مع مرور الوقت من أسباب ضعفها «حيث يظهر بتطور الحركة أن المجموعات التي تتوفر على القدرة وتجربة في التجييش هي التي تبرز في الواجهة.
وترى اسماء فلحي «أن الثورة الإلكترونية عامل جد مهم لفهم الحراك السياسي الجديد الذي عرفه المغرب، حيث إن الإعلام الجديد وتقنيات الاتصال الحديثة قد مكنت من إيصال فكرة الاحتجاج عن طريق تمكين الأفراد من فضاءات موسعة وتعددية لممارسة حرية افتراضية». 
لكن الباحثة  مع الإشارة إلى نجاح تلك الاحتجاجات في الوصول إلى الكثير من أهدافها أو مطالبها، وبينها تعديل الدستور الذي دعا إليه الملك محمد السادس، في حينه، تلفت الانتباه هنا إلى أن ارتباط التطور التكنولوجي، وارتباط جيل باكمله تقريبا بالتواصل عبر المجالات الافتراضية، وإن كان قد نجح بالفعل في أن يحدث تغييرا في آليات الفعل الجماعي، لكنه لا يغير من طبيعة هذا الفعل في الواقع: «فمجموعات الـ «فيسبوك» لم تسمح بتسييس أفراد جدد أو حشد تعبئة واسعة. ولم تغير شيئا في طرق اتخاذ القرارات وإفراز الزعامات».
فيما يتعلق بالبحرين يورد الباحثون المشاركون في الكتاب علي الديري واحمد الساري وباسمة القصاب تفاصيل وضع الشباب في البحرين اولا ثم حالة استخدام الوسائط الإلكترونية الحديثة في البحرين. ويورد البحث الاستخدام المكثف من قبل الشباب في البحرين للوسائط الحديثة خصوصا «تويتر» و«فيسبوك»، في الدعوات الاحتجاجية وفي نقل اخبار المواجهات مع الشرطة وكذلك الملاحقات الأمنية للمعارضة. وبنفس الطريقة يرى البحث أن قوى الموالاة للحكومة البحرينية تستخدم نفس الوسائط في الدفاع عن صورتها أو تقديم الصورة من وجهة نظرها, ويقتطف البحث العديد من المقولات وبينها مقابلات مع رموز من اصحاب المطالب السياسية في البحرين. كما يشير إلى أن المنتديات والملتقيات الإلكترونية التي بدأت قبل الاحتجاجات بسنوات طويلة تحولت إلى وسيلة حقيقية للتنشئة السياسية، ولمواجهة محاولات تشويه الاحتجاجات بانها طائفية عبر العديد من الصفحات التي تعارض ذلك التوجه.

من المطالب إلى الحقوق
في ختام الكتاب يورد الباحثان المصريان محمد العجاتي (المشرف العام على تحرير الكتاب) والمدير التنفيذي لمنتدى البدائل للدراسات، وعمر سمير الباحث المساعد في المنتدى بحثا ختاميا بعنوان «مشاركة الشباب العربي بين الهموم الوطنية والطموحات الإقليمية»، وهو بمنزلة قراءة تحليلية لباقي فصول الكتاب.
يستخلص هذا البحث الختامي عددا من السمات المشتركة بين الجيل العربي الجديد مثل اليقين في التأثير المتبادل بين الثورات بعضها بعضا، كما يرى أن ثمة تصاعدا لظواهر بعينها بقدر تصاعد الاهتمام بها لدى الوسائط الالكترونية مثل قضية الطائفية مثلا، كما يرى التحليل أن هناك قدرات هائلة للجيل الجديد في التجييش، «وهذه القدرة ناتجة من القيام بأنشطة مشتركة ومن ثم يمكن القول إن نموذجا جديدا للهوية العربية لدى الشباب بصدد التشكل وإن كان أكثر انفتاحا وتحررا من الاتجاهات العربية والقومية السابقة».  كما يرى  الباحثان العجاتي وسمير في التحليل أن مضمون خطاب الشباب، رغم جديته وتعبيره عن الهموم والآمال ورصانة مضمونه، يغلب عليه لغة المطالب وليس الحقوق.  وهو ما ينبغي التحول باتجاهه، وفقا لرؤية الباحثين، تأكيداً لأن المطالب المرفوعة من هذا الجيل الشاب ليست مجموعة من المطالب يمكن المساومة عليها، بل هي حقوق المواطنين التي لا يمكن أن يساوم أحد عليها .