ملاحقة التراث

ملاحقة التراث

تتدفق الموسوعات المعجمية، والتراجمية في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، في مجالات عامة، ومجالات تخصصية، وبطباعة أنيقة، ومتنافسة، وبإخراج جميل.  وهذه ظاهرة صحية عالية، ولها إيجابياتها الكثيرة التي لا تخفى على المتابع والمثقف في إبراز الأسماء التي ساهمت بشكل واضح في أوجه الحياة المختلفة.. متكئة – أي تلك الأسماء - على خدمة التراث أولا، ثم خدمة الوطن، والبيئة، ثم دخول ذلك في الإطار الحضاري العام.
وهي إيجابية أيضا لأنها تـُعَرّف الأجيال اللاحقة بأعمال ومآثر، ومنجزات الأجيال السابقة، فيكمل الابن ما توقف عنده، ومعه الأب، ويأخذ الشاب ما ناسبه، وما ذهب به الشيخ وهكذا.
وأرى أن هذه الظاهرة هي أيضا دليل عافية على وجود الوعي المضيء لدى كل من يقوم بمثل هذا العمل الخالد.. الذي لا يخرج إلا (بطلوع الروح).. كما يقولون، لما يصاحبه من جهد عظيم، ومعاناة شديدة، وإحباطات متلاحقة، ومتابعات مضنية، وأموال مبذولة، وأوقات مهدورة، وغير ذلك.
ذلك لأن من يقوم بمثل هذا العمل الضخم سيواجه أمورا كثيرة.. منها:
1- التعريف بماهية عمله، وهدفه، وفائدته.
2 - ملاحقة المعلومات المتناثرة عن الشخص المترجم له، من مصادر ومراجع، وأشخاص عدة للوصول إلى المعلومة الأخيرة المؤكدة الصادقة التي سيرسمها الراصد في المعجم بشكلها النهائي.. التاريخي..!
3- تذليل العقبات والموانع، التي تواجه الباحث من لدن أسرة المترجـَم له، أو أصدقائه، أو غيرهم، وما ينجم عن ذلك أيضا من إحباطات، ومعاناة، ووعود غير صادقة، ومماطلات... الخ 
والمعروف أننا في الخليج عموما، وأجزاء كبيرة من الجزيرة العربية والوطن العربي.. لا يُوْلي آباؤنا، وعلماؤنا، ومبدعونا، اهتماما يذكر بأنفسهم، وأعمالهم، ومآثرهم.. بل كانوا يفرطون في التواضع، والغمر، والظن بأن أعمالهم تلك: لا تستحق الكتابة أو التنويه عنها، أو متابعتها.. لأن هناك – حسب ظنهم - ما هو أفضل منها، ومَنْ هم أحسن منهم.... الخ.. 
وهذا الإفراط في التواضع، والتقليل من أهمية الأعمال جعلهم - بكل آسف - يفـَـرِّطون في القيمة الفعلية، والتاريخية للنتاج الفكري البشري في المنطقة، مما ترك مسئولية صعبة لدى الباحثين والراصدين والجامعين للتراجم للحصول على ما يمكن الكتابة فيه عنهم.. 
وهنا  لا نستبعد – والحال تلك – أن مئات الأعمال ومئات الأشخاص المبدعين.. قد تكون اندثرت، ولم تترك لها أي أثر.. أو أي خيط متابعة للكشف عنها.. 
وما أريد قوله، والدعوة إليه.. هو أن يبادر كل من يقرأ هذا المقال وهو في موقعه، وبلده، ومنطقته.. وبغض النظر عن العمر.. أن يبدأ، ويواصل البحث عن هذا التراث العربي الضخم بكل ألوانه وفنونه، الذي لا يقتصر على المنطقة الشرقية فحسب بل تعيشه معظم مناطق ومدن وقرى الخليج .