جدلية الاستقرار والازدهار في الفضاء العربي

جدلية الاستقرار والازدهار في الفضاء العربي

كان كونفوشيوس يشدد في محاوراته مع تلاميذه على أن من أولى مهامّ السلطة السياسية العادلة ضمان الاستقرار الاجتماعي وتشجيع الازدهار الاقتصادي. ولا يقتصر عملها على تلبية حاجات الناس المادية، بل يتعداها إلى تلبية حاجاتهم الروحية والثقافية والفنية وتعميق القيم الإنسانية.
تركز مقولة الاستقرار الاجتماعي والازدهار الاقتصادي، على أهمية التعاون الوثيق بين السلطة والمجتمع لتحقيق التنمية الشمولية وتنفيذ خطط استراتيجية عصرية هدفها حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية المزمنة، والحد من انتشار الأمية والبطالة والفقر والأوبئة.

 

 يتطلب تنفيذ مقولات نظرية جديدة عن الاستقرار والازدهار استنباط حلول علمية عقلانية تطول جميع ركائز المجتمع، بدءًا بتحرير إرادة الإنسان من قيود الفقر والجهل، ومعالجة النتائج السلبية لثقافة العولمة التي تنشر مقولات أيديولوجية خطيرة حول صراع الحضارات، والدعوة إلى ثقافة كونية استهلاكية تخضع لها قسريًّا الثقافات العريقة تحت شعار كونية الثقافة أو الخيمة الثقافية لعصر العولمة.
مقولة الاستقرار الاجتماعي والازدهار الاقتصادي موغلة في القدم، وقد روّج لها عدد من كبار المفكرين على المستوى العالمي، إلى أن باتت اليوم مدخلًا موثوقًا لبناء مجتمع المعرفة على ركائز صلبة تؤكد أن الإنسان الواعي والمزود بثقافة عصرية منفتحة على جميع الثقافات هو هدف التنمية البشرية والاقتصادية المستدامة وغايتها، لذلك حاول المتنورون العرب في عصر النهضة الاستفادة من تفوّق الغرب التكنولوجي في القرن التاسع عشر واقتباس وسائل تقنية لنشر نماذج من التحديث في المجتمعات العربية، دون التنبّه إلى مخاطر الاقتباس المفضي إلى التغريب وليس إلى الحداثة السليمة، فانقسموا بين دعاة الاقتباس السريع لتكنولوجيا الغرب مع رفض مسبق لقيَمه الثقافية تحت ستار الحفاظ على الأصالة، وبين مَن حذّر من صعوبة الفصل بين نشر العلوم العصرية والقيم الثقافية المتزامنة معها. وما زال الحوار الثقافي متواصلًا حول مشكلات التحديث والحداثة، والتنمية المستدامة، ودور العرب في عصر العولمة والتكتلات «الجغراسية» العملاقة.

 بين الأصالة والمعاصرة
  بما أن الإنسان العربي كائن متجدد، فإنّ أفضل أشكال التنمية الملائمة لتجدده ما يبني الاستقرار والازدهار على قاعدة التوازن بين الأصالة والمعاصرة، وتعزيز التواصل العقلاني مع الأجيال المتعاقبة. ونجاح مجتمع المعرفة العربي رهن باعتماد المساءلة والشفافية في العلاقة المتبادلة بين الناس ووضع أسس سليمة لتحديد مسؤولية المجتمع والسلطة في حماية الطاقات والموارد المادية لتحقيق الاستقرار والازدهار.
 في العقد الأول من القرن الـ 21 أظهرت تقارير الأمم المتحدة أن بعض المجتمعات العربية تبنت ثقافة عصرية شكلت ركيزة صلبة لتنمية مستدامة فيها، ورعت التراث العقلاني العربي المتميز في مختلف مجالات الإبداع. لكنّ مجتمعات عربية أخرى ما زالت تعاني هدر الطاقات البشرية والموارد الطبيعية. وعملت الدول العربية التي حققت نجاحات كبيرة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، لتحقيق زيادة كبيرة في عدد الجامعات المحلية والعالمية والمعاهد العلمية العاملة على أراضيها. وبادرت مؤسسات ثقافية عربية إلى تكريم المبدعين وتقديم جوائز كبيرة للباحثين المتميزين بمختلف حقول المعرفة والفنون. لكنّ البحث العلمي والإنتاج الثقافي الإبداعي ونشر العلوم العصرية في الجامعات ومراكز الأبحاث العربية ما زال يعاني مشكلات بنيوية حادة، كما أن عددًا كبيرًا من المبدعين والمثقفين العرب اختار طريق الهجرة والاستقرار في الخارج، ومنهم من تبوّأ هناك مراكز علمية متقدمة وحصل على جوائز عالمية.

تساؤلات منهجية
   ما سبق يطرح تساؤلات منهجية حول الآفاق المستقبلية لتطبيق مقولة الاستقرار الاجتماعي والازدهار الاقتصادي، وقدرتها على حماية التراث العقلاني العربي، وضمان تنفيذ الخطط العلمية المدروسة للتنمية المستدامة في الفضاء العربي، وإطلاق مشروع نهضوي جديد يستند إلى الطاقات الإبداعية العربية وإبقائها داخل دولها، وجذب قسم من الأدمغة العربية المهاجرة، فالمبدعون العرب اليوم مؤهلون لبناء مجتمع المعرفة كمدخل لنهضة عربية جديدة على أسس سليمة. والثقافة العقلانية ركيزة صلبة في التراث العربي عبر مختلف مراحله. 
وقد عرف العرب كوكبة من المتنورين قلّ نظيرها في تراث الشعوب الأخرى. لكنّ مسيرة الاستقرار والازدهار في غالبية الدول العربية مرتبكة، كما أن التنمية المستدامة على المستوى العربي الشمولي في النظرية والممارسة لم تحقق أهدافها. وبقي الانفتاح على العلوم العصرية والتكنولوجيا المتطورة غير منتظم. وقد أدى التهميش المستمر لدور الشباب العربي وعدم الاستفادة من كفاءاتهم، إلى تعثُّر مشروع النهضة العربية.
ونظرًا لتغليب الثقافة الاستهلاكية على الثقافة الإبداعية فقد تراجع الاستقرار والازدهار على المستوى العربي، وباتت غالبية المثقفين العرب الشباب تكرر المقولات الاستهلاكية السائدة في مجالات عدة، مما أدى إلى تراجع الإنتاج الثقافي الإبداعي العربي بشكل عام.

تغييرات جذرية
  ساهم التطور الهائل في عدد الجامعات والمعاهد الرسمية والخاصة المنتشرة في الوطن العربي في إحداث تغييرات جذرية في عدد من الدول العربية، وبخاصة النفطية منها، وأسس لجيل عربي جديد يمتلك ثقافة عصرية ويتميز بالانفتاح المتزايد على اللغات والثقافات العالمية. وقد تجاوزت بعض الدول العربية التعليم التقليدي المستند إلى التلقين، ونشرت بعض الجامعات والمدارس ثقافات عصرية تتلاءم مع التطلعات المستقبلية للشباب العربي. 
ورغم ذلك، فإن عدم إفساح المجال أمام الشباب للمشاركة الفاعلة في تسيير شؤون مجتمعاتهم، وعدم احتضان المتميزين منهم في مختلف حقول الإبداع الثقافي والفني والعلمي، ما زال يعتبر مؤشرًا سلبيًا على عجز كثير من المؤسسات الثقافية العربية عن استقطاب النخب العربية الجديدة من ذوي الطاقات الإبداعية المتميزة، فأصيبت تلك النخب بالإحباط، وتضاءلت فرص الاستقرار لديه والازدهار لمجتمعاتهم. وتراجع دورهم في إطلاق مشروع نهضوي جديد يؤسس للعرب موقعًا متميزًا عبر الاستقرار والازدهار.
وعند توصيف ركائز الاستقرار والازدهار لا بدّ من الإشارة إلى دور الدولة المركزية العصرية في تحقيق هذا الهدف. وهنا تبرز مقولات عقلانية لتوصيف الدولة العصرية من خلال الإنجازات التي حققتها في إدارة شؤون مجتمعاتها، فتوصف بدولة القانون التي تحترم الحريات العامة وتشجع المؤسسات العصرية، وتحمي العدالة الاجتماعية، وتحترم جميع الأديان وحق رعاياها المؤمنين بممارسة طقوسهم الدينية.

تطور ملحوظ
يتردد مفهوم الدولة العصرية أيضًا عند توصيف إنجازاتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ومع أن استخدامه في الفضاء العربي ما زال ضبابيًا، إلّا أنه يشير إلى رفض التطرف الديني أو العرقي، ويشجع على تطبيق القانون الوضعي، ويحمي التعددية الفكرية، والتنوع الثقافي والاجتماعي، وبناء المؤسسات العصرية في إطار حداثة سليمة، وإطلاق مشاريع كبيرة حققت الاستقرار والازدهار.
وبعد أن شهدت بعض الدول العربية تطورًا ملحوظًا في مجال استخدام العلوم العصرية والتكنولوجيا المتطورة ورصدت موازنات كبيرة لهذه الغاية، تبلور نموذج يحتذى لتطور بقية المجتمعات العربية المعاصرة. لذلك تعتبر الدولة العصرية العادلة الوريث الشرعي لكل ما هو إيجابي في التراث العربي، فهي لا تميّز بين الناس على أساس اللون أو العرق. وتسعى للمساواة بينهم من خلال احترام الكفاءة الشخصية، والإنتاجية، والمساءلة، والشفافية. 
وهي دولة الرعاية والعدالة والرفاه الاجتماعي، ودولة مجتمع المعرفة ونشر العلوم العصرية والتكنولوجيا المتطورة وتوطينها بهدف الإبداع فيها. ونظرًا للزيادة الكبيرة في عدد الجامعات، ومراكز الأبحاث، والمؤسسات العصرية في مجالات عدة تبلورت نخب شبابية متنورة باتت تتبوأ مواقع متقدمة في بعض الدول العربية بفضل طاقاتها الإبداعية وكفاءتها الشخصية.
  وبات من الضروري تطوير مقولة الاستقرار والازدهار لكي ترتدي أهمية استثنائية في تاريخ العرب المعاصر. فالحلول المرتقبة تبنى على حوارات مكثفة بين الباحثين وأصحاب القرار السياسي عند وضع برامج عملية لحل مشكلات المجتمعات العربية في المرحلة الراهنة. وهناك حرص شديد على أن تكون تلك الحلول من صنع المتنورين العرب أنفسهم، مع الاستفادة من تجارب شعوب أخرى تناولت هذه الإشكالية بمنظور عالمي.

آفاق مستقبلية 
في زمن العولمة والتبدلات السريعة، طوّر المبدعون العرب أدواتهم المعرفية بالتزامن مع تحركات شعبية تطالب بالخبز مع الكرامة الإنسانية.
 وبعد أن قادت الانقلابات العسكرية إلى  كوارث اقتصادية واجتماعية وثقافية كبيرة، آن الأوان لكي يستفيد العرب بصورة أفضل من طاقاتهم البشرية الشابة ومواردهم الطبيعية الهائلة، ليحققوا الاستقرار الاجتماعي والازدهار الاقتصادي، والتنمية الثقافية المستدامة بجهود عربية بالدرجة الأولى، علمًا بأن بناء مجتمع المعرفة على أسس سليمة يتطلب الكثير من العمل العقلاني العربي المشترك في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية كافة، على أن ينطلق المفكر العربي النهضوي من عمق الانتماء إلى كل ما هو إيجابي في الثقافات الإنسانية، فالشعوب العربية تعيش اليوم هاجس القلق الشديد على المستقبل في عصر التبدلات العالمية المتسارعة. 
وقد ميّز المفكر العربي قسطنطين زريق بين القلق السلبي الذي يدمّر صاحبه من الداخل، والقلق الإيجابي الذي يساعد على الترقي الحضاري، «فويل لأمة لا تقلق، إذ إنها تبقى في أوضاعها التوحشيّة. وويل أيضًا لها إذا سرى القلق في ثناياها فأوقعها في سلبية القنوط واليأس، أو في السلبية الأشنع، سلبية استغلال الفرص للإيقاع بالغير والإفادة من شقائه». 
والمطلوب برأيه «انطلاق العقول والنفوس من القلق السلبي إلى قلق إيجابي يظل يبعث التمرد على النقص، ويثير التوق إلى الاكتمال والاهتداء، وبالتالي إلى اكتساب حظوظ جديدة من التحرر والتحضر».
وبعد أن حلل المتنورون العرب ثقافات عصر العولمة من خلال دراسة مشكلات التنمية العربية بعمق، والاستفادة من تجارب التنمية الناجحة على المستوى الكوني رسموا سمات بارزة لآفاق الاستقرار الاجتماعي والازدهار الاقتصادي في الفضاء العربي في القرن الحادي والعشرين.

أبرز الاستنتاجات
 لعلّ أبرز الاستنتاجات التي توصلوا إليها تتمحور بالشكل التالي:
 1 - إن الثقافات الغربية الحديثة والمعاصرة، ومنها ثقافات عصر العولمة، ليست شرًّا مطلقًا يجب تفاديه، فبعضها يحمل الكثير من الإيجابيات التي يمكن الاستفادة منها في تنمية الحس الوطني، وإرساء الصيغ المستقبلية للتنمية الثقافية العربية.
2 - لا بدّ من دراسة تجارب التحديث الغربية منها والآسيوية، وفي طليعتها اليابان والصين والهند، والتي تعمل مجتمعة على تحويل القرن الحادي والعشرين إلى قرن آسيوي بامتياز، وهي مسألة نظرية محورية عند البحث عن مقولات ثقافية عربية جديدة قادرة على إدخال تعديلات جذرية في بنية المجتمعات العربية. على أن تعزز الوعي الاجتماعي السليم بقدرة العرب على النهوض بقوة على غرار تلك النمور الآسيوية التي تجمعها بالعرب ثقافة إنسانية عميقة شكلت صمام الأمان لتجديد نهضتها بعد امتلاك وعي نقدي لواقعها الاجتماعي واستنباط الأدوات المعرفية القادرة على تغييره نحو الأفضل.
3 - تشكّل الثقافة العربية موقعًا متقدمًا في الثقافات الآسيوية التي تفاعلت معها منذ أقدم العصور عبر طريق الحرير التاريخي. وفي هذا الجانب، تبرز أهمية بناء مجتمع المعرفة العربي بالحفاظ على كل ما هو إيجابي في التراث العربي الحافل بالطاقات الإبداعية الكبيرة التي تخوله مواجهة تحديات العولمة مع الانفتاح على الثورات العلمية والتكنولوجية الحديثة.
 4 - لا بدّ من إدخال تعديلات جذرية على الواقع العربي المتردي بسبب كثرة المنازعات الداخلية، والحروب الإقليمية، والتدخلات الخارجية، والتي أدت مجتمعة إلى هدر الكثير من الطاقات البشرية والاقتصادية العربية، مما قاد إلى تدمير الطبقة الوسطى وتهجير نسبة كبيرة من الطاقات الإبداعية والمهارات العربية.
 5 - إن إدارة الاختلاف بالحوار العقلاني لتعزيز الاستقرار الاجتماعي والازدهار الاقتصادي شرط أساسي لإنتاج معرفة دقيقة بالمشكلات العربية واقتراح الحلول العقلانية لها. والنقد الإيجابي سلاح أساسي لتعرية المقولات الثقافية التي تحاول إدخال وعي مزيّف يمنع تحقيق التغيير السلمي الشامل، فالإصلاح الجذري بحاجة إلى ثقافة عقلانية جامعة تسهم في تطوير علاقة الإنسان العربي بدولته العصرية، بوصفه مواطنًا حرًّا في دولة عادلة تعترف بحقوقه الأساسية التي يضمنها القانون وترعاها المؤسسات المدنية الحديثة.

قلق إيجابي
  تعيش المنطقة العربية مرحلة الانتقال من القلق السلبي على المصير إلى القلق الإيجابي لبناء مجتمع المعرفة، واعتماد العقلانية، والفكر النقدي، والتوق إلى روح المعاصرة.        
 وعلى قاعدة الخيار العقلاني تتفاعل الثقافة العربية مع الثقافات الكونية من موقع الحفاظ على التراث الإيجابي للشعوب العربية من جهة، والإيمان بقدرة العرب على التجدد الدائم في الحاضر والمستقبل، كأمة عريقة ذات دور مميز في الحضارة الإنسانية من جهة أخرى.
في هذا المجال تشكّل جدلية الاستقرار الاجتماعي والازدهار الاقتصادي مقولة نهضوية بامتياز، لأنها تتضمن حركة مستمرة لتوحيد العالم العربي بأسلوب حضاري تنموي بعيدًا عن كل أشكال العنف، وتتضمن رغبة صادقة وحرصًا دائمًا على التفاعل مع الثقافات الأخرى على المستوى الكوني.
وتعتبر جدلية الاستقرار والازدهار دعوة صريحة لتجاوز الانغلاق على الذات تحت ستار الحفاظ على الأصالة، لأنها تدرك أن العولمة تحولت إلى تيار عالمي يستحيل البقاء خارجه. والقلق الذي يثيره ضغط العولمة في بعض الأوساط الثقافية العربية يقدّم الدليل على تراجع عملية الإبداع الثقافي لدى العرب، بعد أن باتوا مستهلكين لثقافات الغير.
  لذلك يرى بعض الباحثين أن العولمة لا تلغي الثقافات المحلية لأي شعب من الشعوب، بل تفتح أمامها مجال التعويض عن النقص الفادح في طاقاتها الإبداعية، فالعولمة مرحلة تاريخية جديدة شعارها خلق ثقافة كونية شمولية تقوم على التجديد الدائم والإبداع الفردي والجماعي.
 ومن خلالها انتشرت على نطاق واسع مؤسسات مالية وإدارية وثقافية ضخمة تعمل على تسويق الإنتاج الثقافي، وتعزيز ذهنية الاستقرار والازدهار لدى جميع الشعوب، الغنية منها والفقيرة، ولديها القدرة على تهميش الثقافات المحلية العاجزة عن التجدد والإبداع.

ثقافات إبداعية
 وحدها الثقافات الإبداعية الحاضنة للتراث العقلاني، والمنفتحة على العلوم العصرية والتكنولوجيا المتطورة، وذلك يتطلب الحد الأقصى من التضامن الاجتماعي العربي المستند إلى اقتصاد قوي، ومؤسسات مالية عصرية، ومراكز أبحاث منتجة، وانفتاح كامل على الثقافات الإنسانية.
 ختامًا، إن جدلية الاستقرار الاجتماعي والازدهار الاقتصادي حاضرة بقوة على المستوى العربي والإقليمي والدولي، وتنفيذها يتطلب درجة عالية من الوحدة الوطنية في كل دولة عربية، وحشد الكفاءات العلمية العربية، المحلية منها والمهاجرة. 
وقد نجحت عدة دول عربية، وبخاصة النفطية منها، في بناء دول مركزية عصرية مع الاحتفاظ بتقاليدها الاجتماعية القديمة، وتفاخر بإنجازاتها الاقتصادية المهمة، وأثبتت أن التقدم إحدى ثمار التطور العلمي الذي يوضع في خدمة المجتمع، ويقلّص الهوة بين المجتمعات العربية والمجتمعات المتطورة. وهذه الجدلية تُخرج العرب من دائرة السجال العقيم بين التراث والمعاصرة، وهي تواكب ثورات التصنيع، والإعلام، والتواصل، وتشجع البحث العلمي. وهناك آفاق واعدة ومتاحة لتعزيز اللُّحمة بين الشعوب العربية عبر استراتيجية تثبت قدرة العرب على التفاعل الإيجابي مع جدلية الاستقرار الاجتماعي والازدهار الاقتصادي ■