الصحراء الكويتية أرض قاحلة تعج بالحياة

الصحراء الكويتية  أرض قاحلة تعج بالحياة

هل يمكنك تخيُّل العيش هنا في هذه الصحراء الحارقة، بمكان يحكمه كل من الشمس ومناخ جاف يُعدّ من أقسى الظروف المعيشية للكائنات الحية، تصل فيه درجة الحرارة إلى أكثر من 65 درجة تحت الشمس، ومعدل أمطار أقل من 250 ملم سنويًا؟ 
المدهش أنها، على الرغم من كونها أرضاً قاحلة، فهي مكان يعجّ بالحياة، تكيّف الكثير من الحيوانات والنباتات على العيش فيه، رغم كل هذه الظروف القاسية، لكن الصراعات مع الطبيعة ستشتد، وسيقل الماء والغذاء، والتغيّر المناخي القادم سيكون الأقسى.. أهلًا بكم معنا في الصحراء الكويتية.

 

الفصول تتغير، لكنّ الشمس الحارقة حاضرة هنا في كل الفصول، وتوافر الماء والطعام في الصحراء ليس بالشيء السهل. والأمطار هي وحدها التي تجلب الحياة لهذا المكان، وإذا تعذّر هطلُها يدقّ ناقوس الخطر. إذن كيف تعيش النباتات والحيوانات في مثل هذا الطقس؟ الغريب أنها رغم كونها أرضًا جرداء، فإنها تمتلك موائل غنية بيولوجيًا، ويعتبر هذا التنوّع البيولوجي هائلًا مقارنة بالظروف البيئية السيئة للنظم الإيكولوجية الأرضية.

أمواج ذهبية
ذهبنا في رحلة إلى الصحراء للتخييم وقضاء ليلة واحدة في منطقة اللياح شمال الكويت، وسأخبركم لاحقًا عن سبب اختيارنا هذا المكان. 
أفضل الأوقات للذهاب هو أواخر فصل الشتاء وفصل الربيع، ففي هذا الوقت تعتدل درجات الحرارة نسبيًّا.
ليس هناك الكثير الذي يمكن رؤيته على طول الطريق، باستثناء عدد قليل جدًا من الجِمال وبعض الأعشاب المتفرقة. معظم مخلوقات الصحراء كائنات ليلية، لذلك قد لا ترى أيًّا منها.
تغيّرت الصحراء بشكل هائل! المشهد لا يحمل سوى الرمال، كانت في الماضي البعيد في مثل هذا الوقت خضراء، وموطنًا لمجموعة متنوعة من النباتات والحيوانات.
تقع الكويت في الجزء الشمالي الشرقي من الصحراء العربية، وهي تتكون بشكل رئيسي من أراضٍ صحراوية مسطحة نسبيًا، مع عدد قليل جدًا من الارتفاعات الطفيفة والوديان والمنخفضات، وبعض الكثبان الرملية المنخفضة.
رمال الصحراء الكويتية مفككة وخفيفة تحملها الرياح بسهولة، وذات درجة ملوحة عالية، وتشكل عائقًا للنمو لمعظم النباتات، عدا التي لديها مقاومة عالية للأملاح من فصائل النباتات الملحية.
وعلى الرغم من صمت الصحراء، فقد غمرتنا الكثبان الرملية التي تحيط بنا بالدفء... بحر من الأمواج الذهبية. هي فرصة للتأمل وسط فضاء حُرّ خالٍ من الغرباء. في أحضانها ستحظى برؤية 360 درجة لعالَم فارغ بشكل مخيف، تجعلك تشعر كأنّك قد انتقلت إلى كوكب آخر. أرض قاسية لكنّها جميلة. تبدو جرداء، لكنّها في الواقع تعجّ بالحياة.
تُعد الصحراء موطنًا للثعابين والعناكب والعقارب السامّة، لذلك كُن حذرًا، وراقب أين تمشي وأين تضع يديك وأين تجلس.
تشهد الصحراء في الصيف عواصف رملية هائلة، بسبب اختفاء الغطاء النباتي من جراء عمليتَي الرعي أو الاقتلاع، وتؤثر الرياح بشكل كبير على سطح التربة، فتفقدها الكثير من خصائصها وتؤثر على الطبقة التي تحتوي على البذور والمواد العضوية، ويؤدي هذا إلى تحرُّك الحبيبات والمواد الخشنة المتراكمة على سطح الغطاء الرملي؛ فيتغير تكوينه من تجمعات رملية على شكل قِباب إلى غطاءات رملية متموجة وحبيبات متوجة، وهذه المرحلة الأخيرة من التعرية تعدّ أكثر قسوة، لأنها تعيق تكوّن النباتات وإنبات البذور. وفي هذه الفترة تكون معظم بذور النباتات الحولية بحالة سُبات، أما النباتات المعمرة فيقل نشاطها. 
تكيّفت النباتات الصحراوية على العيش في هذه الظروف القاسية. الغريب أن بعض النباتات تستطيع البقاء دون مياه عذبة لسنوات، والبعض الآخر له وسائله الخاصة للحصول على المياه؛ فنباتات الصحراء تتميز بالجذور الطويلة لاستخراج المياه من أعماق الأرض. ومعظم أوراقها صغيرة حتى تتمكّن من إدارة كمية المياه القليلة التي تحصل عليها بشكل فعال، بعض الأوراق لها جلد شمعي سميك على سطحها، وهذا يقلل من فقدان الماء عن طريق النتح. 
بعض النباتات تخزن الماء في سيقانها أو جذورها، أو حتى ثمارها، ويمكن أن تظل بذور تلك النباتات خاملة فترات طويلة من الزمن إذا كانت هناك موجة جفاف شديدة، أو كانت الأمطار أقل من معدلاتها، وهو أمر شائع جدًا في الصحارى. 
 ومع ذلك بمجرد أن تُمطر تنبت البذور على الفور، وتبدأ في النمو في فترة زمنية قصيرة جدًا، يمكن لهذه الميزة للنمو السريع أن تحوّل الصحارى بين عشية وضحاها إلى أرض خضراء إذا تلقّت كمية وفيرة من الأمطار في مواسمها. وبالرغم من أن كميات الأمطار قليلة في الكويت، فإنها تمثّل الحد الأدنى لمتطلبات إنبات البذور الحولية وللنباتات الدائمة؛ كي تستعيد نشاطها وتنتج براعم وأغصانًا جديدة. هذا ما ذكرته لنا د. مطره المطيري الباحثة في معهد الكويت للأبحاث العلمية وأضافت، «يوجد في الكويت نحو 376 نوعًا نباتيًا تابعًا لـ 55 عائلة معروفة محليًا؛ منها 256 عشبية حولية و83 عشبية دائمة و34 شجيرة. وأشهر هذه الشجيرات العرفج السائد في وسط الكويت وجنوبها، وينبت ويزهر في الربيع. ونبات الرمث هو السائد في المناطق الشمالية، وهو يثمر في فصل الخريف، وجذوره سميكة وقوية، ونبات الغردق الذي يعيش على الكثبان الرملية».

اللياح
بعد العدوان العراقي على الكويت عام 1990 وما صاحَبه من تدمير كبير على كل الصُّعد من حرق الآبار النفطية والأنشطة العسكرية، تراجعت البيئة وتدهورت إمكاناتها الطبيعية، ووصلت إلى مرحلة كان من الصعوبة أن تتعافى من جديد. 
وعاشت الحيوانات والنباتات المحلية في بيئة تعادي حياتها وتهدد وجودها، من هنا بدت الحاجة الملحّة لإقامة المحميات الطبيعية، فخصصت الكويت 15 بالمئة من مساحتها كمحميات طبيعية لإعادة تأهيل المناطق المتدهورة لتعود الحياة إلى طبيعتها، وإعادة توطين أنواع انقرضت من البيئة المحلية وما زالت موجودة في البلدان المجاورة بإدخالها مرة أخرى، مثل الحبارى وغزال الريم والمها والقط والأرنب البريّين.
كانت منطقة اللياح من أكثر المناطق المتدهورة في الصحراء الكويتية، بعدما كانت في خمسينيات القرن الماضي مكانًا تجول فيه قطعان الغزلان والذئاب والأرانب، لكنّها تعرّضت لضغوط بيئية شديدة. واستغلت مواردها الطبيعية بشكل مفرط، إذ كانت أحد المحاجر الأساسية لاستخراج الصلبوخ، وانعدمت فيها الحياة البرية بالكامل، ولم يعد هناك وجود للنباتات ولا للحيوانات، واعترتها الحفر وأكوام الرمال والمخلفات المتراكمة، حتى وضع معهد الكويت للأبحاث العلمية مع جهات بيئية كويتية خطة منهجية لإعادة تأهيل المنطقة من جديد، فتمّ وضع سور خاص لحماية المنطقة من التعديات البشرية كالرعي الجائر والاحتطاب وغيرهما، ثم البدء بتنظيفها من المخلفات والإطارات ونحوها، وبعدها قامت عمليات الردم بتسوية السطح وإعادة الطبيعة السطحية للتربة، ثم إعادة الحياة الفطرية اللازمة لتلك المنطقة بتوفير البيئة الحاضنة للطيور والحيوانات، وزراعة النباتات الفطرية، مثل العوسج والأراك والقرظي والعرفج والسبط والطلح والسدر والرمث التي يتم ريّها بالتنقيط، فأصبحت بذلك منطقة اللياح بيئة جاذبة وآمنة، وتربتها متماسكة بعدما كانت أرضًا جرداء متحركة. ويقدّر عدد الشتلات التي تم استزراعها فيها بـ 40 ألف شتلة من الأثل والسدر والصفصاف على شكل حزام خارجي دائري بمساحة 12 كم2 ومحيط 6 كم، وهو ما ساهم في استقطاب الحياة الفطرية، إضافة إلى توافر جميع الظروف البيئية الأخرى، مثل وجود مصدر دائم لمياه الشرب، وتوافر أنواع من الأشجار تصلح لبناء أعشاش لتكاثر الطيور، ووجود التلال والنباتات التي لديها القدرة على تكوين أجسام رملية من رواسب الرياح تُعرف بـ «النباك» التي توفّر بيئة مناسبة لعمل جحور للحيوانات البرية، وأيضًا توفر البيئة الآمنة البعيدة عن مخاطر الصيد.
  وقد «بدأ الكثير من الحيوانات الفطرية في الظهور، مثل الثعلب البري، والقنفذ الحبشي، والجربوع، وتم رصد العديد من الزواحف كالضب والورل والثعابين، ومن الطيور العقاب والحبارى والبوم، وأيضًا الكثير من الحشرات المتنوعة». هذا ما ذكرته نور الدوسري أحد أعضاء فريق معهد الأبحاث الكويتية المشرف على مسيجة اللياح، واليوم تعد مسيّجة اللياح من التجارب الناجحة والمتميزة بإعادة التأهيل، لهذا وقع اختيارنا على هذا المكان الرائع للتخييم فيه لمراقبة الحياة البرية عن قُرب، بعد موافقة الجهات البيئية.

كائنات ليلية
لا تختلف حيوانات الصحراء عن النباتات في طرقها وحيلها للبقاء على قيد الحياة. وقد طورت معظمها آليات سلوكية وفسيولوجية لحلّ مشاكل الحرارة والمياه التي تخلقها البيئة الصحراوية. 
 معظمها لا تخرج للصيد إلّا بعد غروب الشمس لتجنّب الحرارة الشديدة. بعض الطيور تتبول على أرجلها لتبريدها خلال النهار، أما النسور فتطلق الحرارة من أذنيها، وترفع الزواحف الرملية ساقًا واحدة في كل مرة تمشي على الرمال، لتفادي الحرارة الشديدة. وتنشط الحشرات عند الفجر والغسق عندما تكون درجات الحرارة أقل. 
وخلال ذروة النهار تحفر الخنافس في الرمال هربًا من الحرارة، وتعكس هياكلها الخارجية اللامعة ضوء الشمس، مما يمنعها من أن تصبح شديدة الحرارة. تمتلك بعض الحيوانات العديد من التكيفات الجسدية التي تساعدها على تجنب الحيوانات المفترسة.  عادة ما يكون لونها في البرية بنيًّا شاحبًا، وهو اللون الذي يمتزج جيدًا مع محيط الصحراء ويجعلها أقل وضوحًا للطيور الجارحة.  لديها سمع دقيق ينذرها بالخطر، وكذلك رؤية محيطية جيدة.  
جربوع الصحراء يمتلك ذيلًا طويلًا للمحافظة على التوازن أثناء القفز. وإذا شعر بالخطر فإنه غالبًا ما يضرب ذيله بالأرض ليحذّر الجرابيع الأخرى المجاورة من وجود خطر. وإذا تم القبض عليه من الذيل فإنه ينسلخ جزء منه مما يسمح للجربوع بالهروب.  
ويعيش في هذه الصحراء عدد كبير من الحيوانات البرية، نحو 412 نوعًا من الطيور، أغلبها من الطيور المهاجرة و32 من الثدييات، و42 نوعًا من الزواحف، و806 أنواع من المفصليات طبقا لإحصائية تم تسجيلها في معهد الكويت للأبحاث العلمية.

أمير الرمال
غربت الشمس، وأصبح المكان أكثر برودة، درجات الحرارة تنخفض بشكل كبير ليلًا في الشتاء، على خلاف اعتقاد الكثيرين أن الصحراء مناخ حار باستمرار. يمكن أن تتأرجح درجات الحرارة شتاءً بشكل كبير بين الليل والنهار في اليوم الواحد، أي إنه ستشوى في الصحراء نهارًا ثم ستتجمد ليلًا.
قمنا بإشعال النار، وكانت الأمور على ما يرام، حتى اقتربت من المخيم 3 ثعالب على التوالي، أمّ مع صغيرتين، انتابنا الرعب للحظات، لكنّه تبدد سريعًا، فعندما يتعلّق الأمر بثعالب الصحراء، لا داعيَ للقلق كثيرًا، فهي لا تشكّل أي خطر، في الواقع الثعالب هي الأكثر عُرضة للخطر، إنها صغيرة لدرجة أنها يمكن افتراسها من قبل النسور.
 تتمتع الثعالب بطباع فضولية تدفعها إلى البحث عن أي شيء، لكنها في الوقت نفسه حَذِرة بطبيعتها، وتسارع إلى الفرار إذا كان هناك شيء يخيفها، وفور أن شاهدتنا نلتقط لها صورًا هربت جميعها.
مثل العديد من الحيوانات الصحراوية، الثعالب حيوانات ليلية تنام أثناء النهار عندما تكون حرارة الصحراء في أقصى درجاتها، وعندما تغرب الشمس تذهب للبحث عن الحشرات أو القوارض أو البيض، أو أي طعام يمكنها العثور عليه. 
  ذيل الثعلب طويل ذو فراء كثيف يشمل حتى باطن أقدامه، مما يسمح له بالركض فوق رمال الصحراء الساخنة من دون ألم، ويمتلك أذنين كبيرتين، إذ يصل طول أذنيه إلى 6 بوصات يستطيع من خلالها أن يسمع أصوات الحشرات الكبيرة، كالخنافس والجراد وهي تدبّ على الرمال، وتساعده على تحديد موقع الفريسة أثناء الخروج ليلًا، أذنه الكبيرة أيضًا تتصرف مثل مكيفات الهواء لتبريد الحرارة، من خلال تصفية الدم عن طريق الشعيرات الدموية في أذنيه الصغيرة، وتبريدها، ثم إعادة تدويرها إلى بقية أجزاء الجسم. 
أما المياه فتحصل عليها الثعالب عن طريق امتصاصها من الطعام أو شربه مباشرةً إذا كان متوافرًا، ويمكنها أيضًا أن تستهلك أيّ ندى يتجمع على الجدران الداخلية لجحورها.
هناك ثلاثة أنواع من الثعالب عاشت هنا في هذه الصحراء: الفنك الملقّب بـ «أمير الصحراء»، وهو أصغر أنواعها، ثم يأتي «الروبل» ثعلب الرمال، وأكبرها هو الثعلب الأحمر، الذي يلقب بــ «الحصني»، وهو النوع الوحيد الذي لا يزال يوجد في الصحراء. الثعالب يتراوح عمرها بين 10 و14 سنة. تتزاوج لمرّة واحدة في السنة خلال شهري يناير وفبراير، وتلد في مارس وأبريل، وتتراوح فترة حمل هذه الثعالب بين 50 و52 يومًا. تصدر هذه الثعالب مجموعة متنوعة من الأصوات العالية كالنّباح والصراخ، كتكتيك دفاعي عندما تشعر بالتهديد أو الخطر، بالرغم من صغر حجمها. وتعيش في مجموعات، حيث لا يغادر الصغار المجموعة حتى عند ولادة الجيل الذي يليها. وهي من الحيوانات المُحبة للحفر وتقوم بإنشاء الجحور بأنفسها، وغالبًا ما تحفر سلسلة من الأنفاق التي يمكن أن يصل طولها إلى 10 أمتار. لهذه الأوكار مداخل ومخارج متعددة لتوفير ملاذ آمن في حالة وجود تهديد خارجي. تستخدم الثعالب أقدامها كمجارف في عمليات الحفر المتكررة، والشعر الموجود على أقدامها يجعل الحفر أكثر كفاءة. ويعطيه قوة جرّ أفضل بكثير. وبالرغم من قدرتها على التكيف، فقد تضاءلت أعدادها بشكل كبير، والسبب الرئيسي لذلك هو الصيد واختفاء الموائل وتدمير النباتات المحلية.

الوشق
لا يوجد شيء أجمل من التأمل في الصحراء ليلًا ومراقبة النجوم. الإيقاع هادئ وأكثر وضوحًا. لا توجد ضوضاء عدا أصوات الحيوانات الصاخبة التي تطلقها للعثور على رفقاء عند الحاجة.  ليل الصحراء الطويل ألهم الكثير من شعراء العرب منذ القدم، دعونا نتذكر ما قاله امرؤ القيس في وصف هذا السكون:
وَلَيلٍ كََمَوجِ البحرِ أرخى سُدُولَهُ
عليَّ بأنواعِ الهمومِ لِيَبتلي
فُقلتُ لهُ لمّا تمطَّى بصُلْبِهِ
وأردفَ أعجازاً وناءَ بِكَلْكَلِ
ألا أيُّها الليلُ الطويلُ ألاَ انجلي
بِصُبْــحٍ وما الإصباحُ منكَ بأَمْثَلِ
فَيالكَ من ليلٍ كــأنَّ نجومَهُ
بِكُلِّ مُغَارِ الفَتْلِ شُدَّتْ بِيِذْبُلِ
كأنَّ الثَّريا عُلِّقَتْ في مَصَامها
بِأَمراسِ كتّانٍ إلى صُمِّ جَنْدَلِ
في هذا الظلام سمعنا صوت نباح مماثل لصوت الكلاب لكن مصدره كان «قط الرمال»، فهو غالبًا يصدر أصواتًا مشابهة لأصوات الكلاب. يعد قط الرمال من الحيوانات البرية الشرسة الصغيرة، وهو معرض أيضًا للانقراض من البيئة الصحراوية الكويتية، كما تعرض الوشق للانقراض بسبب الصيد الجائر وبيعه بشكل غير قانوني كحيوانات أليفة.
تتجنب هذه القطط حرارة النهار بالاختباء في حفر تحت الصخور أو في التلال.  ومن الممكن أن تقضي قطط الرمال معظم حياتها بمفردها، كما يمكنها العيش بسهولة في مناطق بعيدة عن الماء، وعلى الرغم من أنها تشرب الماء عندما تستطيع، إلا أنها تحصل على ما يكفيها من الماء من فرائسها، وعادة ما تكون هذه الفريسة عبارة عن قوارض صغيرة كالحشرات والزواحف والعناكب، لكن أحيانًا تصطاد قطط الرمال الأرانب البرية والطيور.  وهنا في الصحراء تواجه قطط الرمال الثعابين السامة، لكن تتميز هذه القطط الصغيرة بأنها صائدة ماهرة للأفاعي، حيث تصطادها عن طريق صعقها بضربات سريعة على الرأس، ثم قتلها. 
أقدام قطط الرمال كالثعالب يغطيها فراء يساعدها في المشي على الرمال الساخنة، ولديها آذان كبيرة مشعّرة تساعدها على تبريد جسمها وخفض درجة حرارتها.  تلد الأنثى من 1 إلى 8 قطط صغيرة في المرة الواحدة بمكان منعزل بعد فترة حمل تتراوح بين 60 و63 يومًا. جسمه الصغير يساعده على الحركة الرشيقة عبر الرمال، ولديه القدرة على الجري بسرعة تصل إلى 25 ميلًا في الساعة. قطط الرمال أيضًا تحب الحفر، وهي كالسناجب تدفن طعامها وتخبئه في أي مكان لتتناوله في وقت لاحق. 
من الصعب العثور على قطط الرمال وتتبعها، فالفراء الموجود على الجوانب السفلية من أقدامها يسمح لها بالمشي عبر الرمال من دون أن تغرق فيه، ولا يترك أي آثار أقدام خلفها. 

سفينة الصحراء
في الصباح الباكر، اقتربت مجموعة كبيرة من الجمال حولنا. كان الجمل فيما مضى سفينة الصحراء التي تجوبها طولًا وعرضًا. حيوانات فريدة لها قدرة عجيبة على تحمُّل المعيشة في الصحراء. لكنّ تربية الإبل ومراقبتها أصبحتا أكثر رفاهية من الماضي، فمُلّاكها يراقبونها عبر الرعاة المستأجرين، ويتتبعونها من خلال إحداثيات GPS عبر الصحراء. 
يستطيع الجمل أن يسير لأسابيع من دون ماء، وأثناء نقص الغذاء يستخدم الدهون المخزنة لتحويلها إلى طاقة وماء. كما يستطيع أن يستعيد الماء الموجود في الهواء الذي يتنفّسه، وله أنف مفلطح كبير من الداخل، يقوم بعمل المكثِّف، ويكثّف بخار الماء الخارج مع هواء الزفير، فيخرج ثاني أكسيد الكربون ويتكثف بخار الماء، وبذلك يحول دون خروجه، ويمكن لأقدامه العريضة والقاسية أن تتحمل حرارة رمال الصحراء، حتى في درجات حرارة تزيد على 40 درجة سيليزية. 
 نادراً ما تتعرق الجمال، مما يحافظ على الماء، رموشها الطويلة وحواجبها الكثيفة وفتحات الأنف التي يمكن إغلاقها كليًا أو جزئيًا بواسطة الصمامات العضلية تعمل على إبعاد الرمال عن عيونها. وتؤدي حدبة الجمل وظيفة تخزين الدهون الغنية بالطاقة وليس الماء، خلافًا للاعتقاد السائد. والتي تدعم الإبل أثناء الرحلات الطويلة عبر الصحراء.
للجمل أذن صغيرة غزيرة الشعر حتى لا يتعرّض لضرر رمال الصحراء، وله عين كبيرة مزودة بصفين من الرموش الطويلة للوقاية من الحصى والرمال المتطايرة.  ولا تعرق الإبل إلّا إذا ارتفعت درجة حرارة الجو المحيط بها عن اثنين وأربعين درجة، ولديها القدرة على شرب الماء المالح، وذلك لأنّ الكلى يمكنها التخلص من الأملاح الزائدة. ويشرب الجمل الماء بغزارة بنحو ثمانية عشر لترًا إذا عطش دون أن تتأثر كرات الدم، لأنّها خلقت بيضاوية، ولم تُخلق كروية كسائر الكائنات، ويستطيع الجمل أن يحتفظ بالبول في المثانة مادامت هناك حاجة إلى الماء، حيث يمتص الدم الماء والبول مرة أخرى. ويتحمّل فقدان الماء بنسبة ثلاثين بالمئة، ويستطيع الجمل أن يخزّن الماء أسفل قدميه، اللتين تعملان كوسادتين تساعدانه في السير بالصحراء.
 
خطر الانقراض
التنوع الأحيائي يعد مؤشرًا دقيقًا على حياة صحية جيدة. وفقدان هذا التنوع يؤدي تدريجيًا إلى فقدان الغذاء والدواء ومصادر مهمة للحياة البشرية. 
ونتيجة لقلة الأمطار السنوية ونقص المياه السطحية على مدى العقود القليلة الماضية، والإفراط في الصيد، شهدت صحراء الكويت انقراض عدد كبير من الحيوانات؛ منها الفهد والفنك والذئب والمها العربي والغزال والضبع المخطط والعفري وابن آوى والوشق والقط البري، ولا يزال اختفاء الموائل يتوعّد الحياة البرية الموجودة في الكويت.  
  كان الغزال العربي والحبارى متوافرين بكثرة في الماضي القريب، حيث كانت تلك الحيوانات تعتمد في غذائها على الشجيرات القصيرة، مثل العرفج والرمث، التي كانت توفّر الغذاء والملجأ لهذه الحيوانات. وهناك قائمة أخرى من الحيوانات مهددة بالانقراض، وهي: الثعلب الأحمر وغرير العسل والنّمس الهندي الرمادي والقط البرّي وخمسة من الطيور، وهي الحبارى وزقزاق السرطان والجليل والغراب البنّي والقطا البلدي. ومن أنواع النباتات المهددة بالانقراض العنصيل والقرضي والأرطى. 
هذا ما ذكرته د. سميرة السيد عمر المديرة العامة لمعهد الكويت للأبحاث العلمية في كتابها «الغطاء النباتي في الكويت»، الذي يتناول الحياة البرية والنباتات بشكل خاص.

محطة الأبحاث والابتكار 
في طريق العودة كنّا بالقرب من إحدى المحميات البرية «محطة الأبحاث والابتكار» التابعة لمعهد الأبحاث الكويتية، وقد دفعنا الفضول إلى زيارتها. 
أنشئت هذه المحطة عام 1975 لحماية النباتات الصحراوية والحياة البرية في الكويت والمحافظة عليها، والقيام بأنشطة بحثية متعددة في مجال الزراعة والبيئة والحيوانات الصحراوية، منها أبحاث الإنتاج الحيواني ودراسات إنتاج الأعلاف المروية واستخداماتها وأبحاث إنتاج الخضراوات وأبحاث إكثار النباتات الصحراوية، وإعادة تأهيل المناطق التي تراجع فيها الغطاء النباتي.
تحتوي المحطة على شجيرات العرفج المعمرة وخليط من النباتات الأخرى، منها الحشائش المعمّرة كالثندي والنصي والثمام، مع حشائش أخرى حولية، مثل الخافور والنباتات العشبية العريضة الورق، مثل الربلة والحلب ولحية التيس والجلوة، وتوجد في المحطة أيضًا نباتات نادرة أو محدودة الانتشار؛ مثل اللبانة والعنصيل والخاتمي.

بنك البذور 
 تعدّ محطة الأبحاث والابتكار مصدرًا مهمًّا لبذور النباتات الصحراوية؛ إذ يتم جمع البذور منها لاستخدامها لأغراض البحث العلمي، مثل تجارب إكثار النباتات البرية وإعادة تأهيل البيئات المتدهورة. 
وقد تم جمع 88 مجموعة من البذور المختلفة من محطة التجارب الزراعية وتخزينها في وحدة «بنك البذور» بمعهد الكويت للأبحاث العلمية للحفاظ على البذور البرية المنتجة محليًا، وتخزينها على المديين المتوسط والبعيد. أيضًا يقوم المعهد بتجميع البذور من مناطق برية في مواسم مختلفة كل عام، ويتم تخزينها بطريقة خاصة للمحافظة عليها وإكثارها عن طريق زراعة قسم منها مرة أخرى في المحميات والمناطق المتضررة التي تحتاج إلى إعادة تأهيل.
بالإضافة إلى دراسة كفاءة البذور وفترات نموها لتحديد الظروف الطبيعية المثلى لزراعة البذور، تم إنشاء معشبة نباتية في معهد الكويت للأبحاث العلمية عام 1970 لتوثيق وحفظ عينات من النباتات البرية في البيئة الكويتية، بحيث يتم تجميع هذه العينات للنباتات من مناطق صحراوية مختلفة. وبعد تنظيفها وكبسها وتجفيفها يتم تثبيتها على بطاقات خاصة بالمعشبة وتعريفها حسب معايير تصنيف النبات وتدوين المعلومات الخاصة باسم العائلة والصنف والنوع. 

الحياة البرية 
الصحراء متنوعة بيولوجيًا بطريقتها الخاصة، وعلى الرغم من الافتراض الشائع بأنها أماكن قاحلة وبلا حياة، فإن الصحارى في جميع أنحاء العالم تستضيف العدد نفسه لأنواع الكائنات الحية في الغابات. 
فوفقًا للتحليلات الأخيرة التي أجرتها جمعيات الحفاظ على الحياة البرية، تعد الصحارى موطنًا لـ 25 بالمئة من أنواع الفقاريات الأرضية، ولا يزال استمرار الحياة على سطح الأرض مرهونًا بوجود الكائنات الحيّة الدقيقة والنباتات والحيوانات. وانقراض أحد أنواعها يؤدي إلى حدوث خلل واضح في منظومة التوازن البيئي.
 وتقدّم هذه الأنواع رؤى قيّمة حول الأساس الفسيولوجي والوراثي للحرارة الشديدة وتحمُّل الجفاف، والمعرفة التي يمكن أن تطلعنا وتحسّن نهجنا في زراعة الأراضي الجافة، وإدارة الحفظ، وحتى العلاجات الطبية. 
وقد كانت هذه اللحظات التي قضيناها في أحــضان الصــحراء ممــتعة ولا تُــنسى عـــلى الإطلاق ■

 

النسر الأسمر الأوراسي من الطيور المهاجرة التي تصل الكويت في موسم الهجرة الخريفية قادمًا من شمال أوربا ومتجهًا جنوبًا إلى إفريقيا، ويعد من الطيور المفترسة التي تتغذى على الحيوانات الميتة والمتحللة، وهي ميزة تجعله واحدًا من أكثر الطيور المفترسة أهمية في العالم لتنظيف البيئة والمحافظة عليها

يتغذى الورل على الحشرات والزواحف والطيور ويحتوي لعابه على بكتيريا سامة تقوم بقتل فرائسه ثم يبتلعها بالكامل (تصوير: محمد الصالح)

القنفذ طويل الآذان

خرشنة بيضاء الخد مع صغيرها

البومة النسارية

الخفاش

الطحن

الثعلب الأحمر الملقب بــ «الحصني»

البلشون الأبيض ونورس دقيق المنقار

الكمأ «الفقع» في محطة الأبحاث والابتكار وهو نبات الأمطار يخرج طبيعياً في الصحراء بعد موسم الأمطار في ديسمبر وهي النبتة الأغلى سعراً في الكويت

السبد الأوربي يطلق عليه محلياً (ملهي الرعيان) وسمي بهذا الأسم لأنه يحط بين الإبل أو الغنم فيراه الراعي 
ويحاول صيده برمي الحجارة عليه، لكنه كلما اقترب من الراعي طار وحط قريباً منه فيتبعه حتى يلهيه عن رعيه

العقاب المنقط الكبير

قط الرمال (تصوير: راشد الحجي)

يطلق سكان الجزيرة العربية على الأبل ذوات اللون الأبيض «الوضح» وهي أغلى مايمتلكه بدو الصحراء قديماً

منطقة اللياح قبل إعادة تأهيلها (صور أرشيفية من معهد الكويت للأبحاث العلمية)

عودة الحياة إلى منطقة اللياح

الأرنب البري (تصوير: عودة البذالي)

الحرباء

الجربوع

الجراد الصحراوي

د. مطره المطيري خلال شرحها لنا طريقة حفظ البذور وتخزينها في بنك البذور

بذور نبات السبط

حفظ عينات مجففة من النباتات المحلية بعد تصنيفها في معشبة معهد الأبحاث العلمية

الكروان (تصوير: عبد العزيز اليوسف)

«البريقش» طائر مهاجر يصل الكويت في فصل الربيع