لغز النافذة المكسورة

عندما‭ ‬عادت‭ ‬بطة‭ ‬من‭ ‬مدرستها،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬والدتها‭ ‬في‭ ‬المنزلِ،‭ ‬فعلمت‭ ‬أنها‭ ‬عند‭ ‬جارتهم‭ ‬أم‭ ‬غريب،‭ ‬برفقة‭ ‬خالد،‭ ‬أخيها‭ ‬الصغير‭. ‬تركت‭ ‬حقيبتها‭ ‬على‭ ‬الفورِ،‭ ‬وذهبت‭ ‬لتتحرى‭ ‬الأمر‭.‬

وفي‭ ‬الحجرة‭ ‬من‭ ‬الطابق‭ ‬الثاني،‭ ‬حيث‭ ‬زجاج‭ ‬النافذة‭ ‬المكسور،‭ ‬كانت‭ ‬والدة‭ ‬بطة‭ ‬ووالدة‭ ‬غريب‭ ‬تجمعان‭ ‬زجاج‭ ‬النافذة‭ ‬المتناثر‭ ‬فوق‭ ‬البساط‭.‬

قالت‭ ‬بطة‭ ‬متسائلة‭: ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬هنا‭ ‬بالضبط؟

قالت‭ ‬والدة‭ ‬بطة‭ ‬وهي‭ ‬تبدو‭ ‬مغتاظة‭: ‬فلتسأليه‭.‬

ثم‭ ‬أشارت‭ ‬إلى‭ ‬خالد‭ ‬الذي‭ ‬بدا‭ ‬وجهه‭ ‬محمراً،‭ ‬وعيناه‭ ‬مليئتان‭ ‬بالدموع،‭ ‬ثم‭ ‬جاءت‭ ‬الإجابة‭ ‬من‭ ‬أمها‭ ‬التي‭ ‬قالت‭ ‬لها‭: ‬لقد‭ ‬نبّهت‭ ‬عليه‭ ‬كثيراً‭ ‬ألا‭ ‬يلعب‭ ‬بالكرة‭ ‬في‭ ‬الشارع،‭ ‬وها‭ ‬هي‭ ‬نتيجة‭ ‬عدم‭ ‬سماعه‭ ‬للكلام،‭ ‬لقد‭ ‬هشّم‭ ‬زجاجَ‭ ‬نافذةِ‭ ‬جارتنا‭ ‬العزيزة‭.‬

لم‭ ‬يتحمّل‭ ‬خالد‭ ‬فهرول‭ ‬خارج‭ ‬الغرفة‭ ‬وصوت‭ ‬بكائه‭ ‬يرتفع‭ ‬عالياً‭. ‬لم‭ ‬تعره‭ ‬بطة‭ ‬انتباهاً،‭ ‬لكنها‭ ‬أخذت،‭ ‬ولسبب‭ ‬ما،‭ ‬تتطلّع‭ ‬إلى‭ ‬الحجرة،‭ ‬حتى‭ ‬وقع‭ ‬نظرها‭ ‬على‭ ‬شئ‭ ‬غريب‭ ‬لفت‭ ‬انتباهها،‭ ‬ثم‭ ‬بدأت‭ ‬تقترب‭ ‬من‭ ‬النافذة‭ ‬المحطّمة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬انتهت‭ ‬الوالدتان‭ ‬من‭ ‬جمع‭ ‬كل‭ ‬بقايا‭ ‬زجاج‭ ‬النافذة‭ ‬المكسور،‭ ‬وشرعتا‭ ‬في‭ ‬إلقائه‭ ‬بعيداً،‭ ‬انحنت‭ ‬بطة‭ ‬ملتقطة‭ ‬شيئاً،‭ ‬بدا‭ ‬صغيراً‭ ‬جداً،‭ ‬لهذا‭ ‬ربما‭ ‬لم‭ ‬ينتبه‭ ‬له‭ ‬أيّ‭ ‬من‭ ‬الوالدتين‭. ‬تفحصته‭ ‬قليلا‭ ‬ثم‭ ‬وضعته‭ ‬داخل‭ ‬جيبها‭. ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬تغادر‭ ‬أطلقت‭ ‬بصرها‭ ‬إلى‭ ‬غريب‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يقف‭ ‬في‭ ‬الغرفة،‭ ‬لكنه‭ ‬تحاشى‭ ‬النظر‭ ‬اليها‭.‬

وفي‭ ‬البيت‭ ‬استمر‭ ‬خالد‭ ‬في‭ ‬بكائه‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬بطة‭ ‬تواسيه‭ ‬قائلة‭ ‬له‭: ‬لا‭ ‬عليك‭ ‬يا‭ ‬خالد،‭ ‬أنا‭ ‬أعلم‭ ‬أنك‭ ‬لست‭ ‬الجاني‭.‬

قالت‭ ‬أمها‭ ‬وهي‭ ‬تكاد‭ ‬ترفع‭ ‬خالد‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬بعينيها‭ ‬من‭ ‬كثرة‭ ‬ما‭ ‬كتمت‭ ‬من‭ ‬غيظها‭: ‬ومَن‭ ‬هو‭ ‬الجاني‭ ‬في‭ ‬رأيك،‭ ‬أيتها‭ ‬المحققة‭ ‬العظيمة؟

قالت‭ ‬بطة‭ ‬وهي‭ ‬تبتسم‭: ‬لدي‭ ‬من‭ ‬القرائن‭ ‬يا‭ ‬أمي‭ ‬ما‭ ‬يثبت‭ ‬صحة‭ ‬استنتاجي‭ ‬أن‭ ‬خالد‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬المذنب،‭ ‬أولاً‭ ‬لعلك‭ ‬لم‭ ‬تلاحظي‭ ‬يا‭ ‬أمي‭ ‬أن‭ ‬الكرة‭ ‬التي‭ ‬يلعب‭ ‬بها‭ ‬خالد‭ ‬دوماً‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الخفيف،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬تهشيم‭ ‬أضعف‭ ‬أنواع‭ ‬الزجاجة‭ ‬أمراً‭ ‬صعباً،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مستحيلاً،‭ ‬ولنفترض‭ ‬أن‭ ‬الكرة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬بحوزة‭ ‬خالد‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬هشّمت‭ ‬الزجاج‭ ‬من‭ ‬البداية،‭ ‬ألم‭ ‬تلاحظي‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬الزجاج‭ ‬المهشّم‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬قطع‭ ‬صغيرة‭ ‬نسبياً،‭ ‬وعملياً‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬الكرة‭ - ‬أي‭ ‬كرة‭ ‬مطاطية‭ - ‬أن‭ ‬تُحدث‭ ‬هذا؟‭ ‬ولنأت‭ ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬مهمة‭ ‬جداً،‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬خالد‭ ‬الصغير‭ ‬الضعيف،‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يقوى‭ ‬على‭ ‬ركل‭ ‬الكرة‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المسافة‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬خفة‭ ‬وزن‭ ‬الكرة‭ ‬نفسها‭ ‬لا‭ ‬تؤهلها‭ ‬للاندفاع‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المسافة‭. ‬

ثم‭ ‬أخرجت‭ ‬بطة‭ ‬من‭ ‬جيبها‭ ‬قطعة‭ ‬من‭ ‬معدن‭ ‬الرصاص‭ ‬الغامق‭ ‬اللون،‭ ‬أظهرتها‭ ‬لوالدتها‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬أن‭ ‬تدرك‭ ‬شيئاً‭ ‬بعد،‭ ‬وبطة‭ ‬تكمل‭ ‬قائلة‭: ‬هي،‭ ‬كما‭ ‬ترين،‭ ‬صغيرة‭ ‬مصنوعة‭ ‬من‭ ‬معدن‭ ‬الرصاص،‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬يستخدم‭ ‬في‭ ‬بنادق‭ ‬القنص‭ ‬للطيور‭ ‬الصغيرة،‭ ‬وجدتها‭ ‬أسفل‭ ‬النافذة‭ ‬المكسورة،‭ ‬قريباً‭ ‬منها،‭ ‬تحديداً‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الأيمن،‭ ‬حيث‭ ‬عُلقت‭ ‬تلك‭ ‬البندقية‭ ‬السوداء‭ ‬الصغيرة‭. ‬ولنا‭ ‬أن‭ ‬نتخيّل‭ ‬الآن‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬تماماً‭. ‬غريب‭ ‬كان‭ ‬يلعب‭ ‬بتلك‭ ‬البندقية‭. ‬

وفجأة‭ ‬يضغط‭ ‬على‭ ‬الزناد‭ ‬فتندفع‭ ‬الطلقة‭ ‬مصطدمة‭ ‬بزجاج‭ ‬النافذة‭ ‬فتهشمه،‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تندفع‭ ‬فيه‭ ‬كرة‭ ‬خالد‭ ‬مقتربة‭ ‬من‭ ‬النافذة،‭ ‬وليس‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نحدد‭ ‬بدقة‭ ‬هل‭ ‬بالفعل‭ ‬اصطدمت‭ ‬الكرة‭ ‬بالزجاج‭ ‬فعاونت‭ ‬على‭ ‬تهشيمه،‭ ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬من‭ ‬الأساس‭ ‬لم‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬زجاج‭ ‬النافذة؟‭ ‬ولكن‭ ‬الذي‭ ‬يعنينا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬كله‭ ‬أن‭ ‬الفاعل‭ ‬الأساسي‭ ‬في‭ ‬تهشيم‭ ‬الزجاج‭ ‬هو‭ ‬غريب‭ ‬بواسطة‭ ‬تلك‭ ‬البندقية،‭ ‬كما‭ ‬أنك‭ ‬لم‭ ‬تلاحظي‭ ‬قطع‭ ‬كمية‭ ‬الزجاج‭ ‬الذي‭ ‬قمتما‭ ‬بكنسه،‭ ‬كانت‭ ‬قليلة‭ ‬لا‭ ‬تتناسب‭ ‬تماماً‭ ‬مع‭ ‬حجم‭ ‬الزجاج‭ ‬المكسور،‭ ‬مما‭ ‬يضعنا‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬أمام‭ ‬الحقيقة،‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬الزجاج‭ ‬قد‭ ‬كُسر‭ ‬من‭ ‬الداخل،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬الخارج‭.‬

وفجأة‭ ‬رن‭ ‬جرس‭ ‬الهاتف‭ ‬الأرضي‭ ‬للبيت،‭ ‬أنهت‭ ‬الأم‭ ‬المكالمة‭ ‬بعد‭ ‬دقائق‭ ‬معدودة‭ ‬وهي‭ ‬لا‭ ‬تنفك‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬بطة‭ ‬وفي‭ ‬عينيها‭ ‬إعجاب‭ ‬طاغٍ،‭ ‬قائلة‭ ‬لها‭:‬‭ ‬أتعلمين‭ ‬من‭ ‬المتصل؟

قالت‭ ‬بطة‭: ‬إنها‭ ‬أم‭ ‬غريب،‭ ‬اتصلت‭ ‬لتعتذر‭ ‬عمّا‭ ‬سببه‭ ‬ولدها‭ ‬غريب‭ ‬من‭ ‬إحراج‭ ‬لك‭ ‬ولخالد،‭ ‬فلقد‭ ‬رأيت‭ ‬وجهه‭ ‬النادم،‭ ‬يوشك‭ ‬أن‭ ‬يُفصح‭ ‬عن‭ ‬فعلته،‭ ‬وخيراً‭ ‬فعل‭.‬