تنظيف الفضاء من الخردة
تُمجِّد الشعوب المُتحضِّرة عامل النظافة وتعتبره «مهندس الشارع»، كما يُثني الناس على كل من يهتم بالحفاظ على نظافة وترتيب منزله وحيِّه وبلدته... إلا أنه، وبعد مرور أكثر من خمسين عاماً على غزو الإنسان للفضاء الخارجي، يبدو أن البشر قد نسوا تنظيف ما تركوه وراءهم من نفايات فضائية. فغزو الفضاء وما خلَّفه من اكتشافات وإنجازات هائلة لم يكن من دون ثمن، بل خلَّف بالمُقابل أجهزة مُعطَّلة ومعدَّات تالفة وغيرها من خردة تسبح هائمةً في الفضاء، وتُشكِّل خطراً على مستقبل الرحلات الفضائية!
أصدقائي... لنتعرَّف معاً على تلك المُعضِلة وسُبُل حلِّها:
مشكلة المشكلات
المشكلة ولكم ان تتخيلوا، أنه يوجد في الفضاء الخارجي المُحيط بكوكب الأرض حوالي 6000 طن من الخردة (تتكوَّن من أكثر من نصف مليون قطعة) تعود إلى 4900 مهمة فضائية تمَّت منذ بداية الرحلات إلى الفضاء وحتى الآن، وهي بقايا ناتجة عن مُخترعات الإنسان، من صواريخ مُستهلَكة وأقمار اصطناعية مُحطَّمة أو خرجت من الخدمة، أو مواد فقدها روَّاد الفضاء هناك، أو حتى المُخلَّفات الصغيرة الحجم كقشور الأصباغ التي تُطلى بها المركبات الفضائية. والمشكلة الأكبر أن قطع الحطام الفضائي تلك بحدِّ ذاتها تتضاعف باستمرار، نظراً لاصطدامها بعضها ببعض، وتشظِّيها إلى قطع أصغر! ما يُشكِّلُ خطراً كبيراً على روَّاد الفضاء والمركبات الفضائية والأقمار الاصطناعية، وحتى على الناس على سطح الأرض في حالة دخولها الغلاف الجوي!
رادارات ضخمة لرصد النفايات الفضائية
يستعين العلماء بمراصد ضخمة على الأرض لمُراقبة حركة تلك الخردة، فمثلاً، يُعدُّ رادار «تيرا» الموجود في غرب ألمانيا أقوى نظام رادار في أوربا، ويبلغ قطر مرآة القطع المُكافئ فيه 34 متراً، وهي تُستخدَم لرصد كتل الخردة في الفضاء بدقَّة، كما يتَّجِه هوائي الرادار إلى السماء بشكلٍ عمودي، وهذا يضمن أن كل الأجسام التي تعبر مجال أشعة الرادار يتمُّ رصدها من مسافة 1000 كيلومتر، حتى تلك التي يصل طولها إلى سنتيمترين؛ ليلاً أو نهاراً. ولذلك أهمية كبيرة في محاولة منع وقوع أية كارثة عبر إجراء مناورات التجنُّب للقمر الاصطناعي أو المركبة الفضائية التي توشك قطع الخردة على الاصطدام بهما.
تقوية دروع المركبات الفضائية والأقمار الاصطناعية
وللحيلولة دون وقوع أضرار أو إصابات، أو حتى لتخفيف نتائجها ما أمكن، يقوم العلماء بدراسة تقوية الدروع الحامية للأقمار والمركبات عبر جعل الدروع تتكون من عدة طبقات وصنعها من مادة «الكيفلار» المُستخدَمة في صنع السترات المُقاومة للرصاص، وذلك بدلاً من مادتي الزجاج أو «التريسبكس» المُستخدمتين حالياً في نوافذ محطة الفضاء الدولية وغيرها مثلاً.
تقنية المركبات الفضائية القَمََّامَة
كذلك يعكف العلماء على إيجاد خدمة سحب الأقمار الاصطناعية المُعطَّلة أو التالفة عبر «أقمار السَّحب» أو «القَطر»، فباستخدام هذه التكنولوجيا يمكن للعلماء التحكُّم في الأقمار الاصطناعية الهائمة في الفضاء بعد توقفها عن الخدمة أو تلك التي استهلكت مخزونها من الوقود... وتوجيهها من على كوكب الأرض، حيث يمكن ربط القمر الاصطناعي ليعود إلى العمل ويعود التحكُّم به من جديد، وبالتالي إطالة عمر هذه الأقمار لسنوات طويلة. أما عندما يصبح القمر تالفاً وغير صالح تماماً، فينبغي عندئذ أن تتدخل خدمة القَطر لإزالة تلك النفاية الخطيرة نهائياً من الفضاء. كذلك يدرس العلماء فكرة أخرى تتمثَّل في إطلاق «قمر اصطناعي قمَّام»مُزوَّد بذراع آلية لقبض القمر الاصطناعي التالف وجلبه إلى مخزن في القمر القمَّام، حيث يُناور الأخير للدخول في الغلاف الجوي للأرض وينصهر القمران معاً.
خطة الحربة لاصطياد المُخلَّفات الفضائية
وهناك فكرة أخرى تعتمد على استخدام مركبة فضائية مُطارِدة غير مأهولة، تُطلِق لدى اقترابها من المُخلَّفات الفضائية حربَة شائكة، ومن ثمَّ تُستخدَم وحدة دفع أصغر حجماً، لسحب القطع الفضائية نحو الغلاف الجوي، حيث تحترق بأمان عند إعادة إدخالها المجال الجوي.
الاستفادة من أخطاء الماضي
ترك البشر آلاف المخلَّفات في مدار الأرض دون التفكير إلى ما سيؤول إليه الأمر في المستقبل. واليوم، وفي ظل التفكير بإطلاق رحلات فضائية (مأهولة بالبشر وغير مأهولة) إلى كواكب أخرى كالقمر والمريخ، أُطلِقَ جرس الإنذار منذ الآن لتفادي تكرار ما خلَّفته الرحلات الفضائية المُفيدة من أضرار والحيلولة دون تشكُّل أحزمةٍ من الخردة الفضائية حول كوكبي القمر والمريخ.