مضادات الاكتئاب ومدى فعاليتها

مضادات الاكتئاب ومدى فعاليتها
        

          لأن مضادات الاكتئاب هي من ضمن الأدوية الأكثر تداولاً في العالم، ولأن مرض الاكتئاب يقدّر بأنه يصيب نحو 13 في المائة من الرجال و21 في المائة من النساء، هناك اهتمام كبير بدراسة فعالية تلك الأدوية. ويقول د. شنكر فيدانتام الذي قام بدراسة ذلك الموضوع عام 2002 إنه بعد الآلاف من الدراسات ومئات الملايين من الوصفات الطبية وعشرات المليارات من الدولارات من المبيعات، هناك أمران مؤكدان حول الأقراص التي تعالج الاكتئاب، وهما أن تلك الأقراص فعّالة وكذلك هي أقراص الـPlacebo الخالية من الدواء.

          تستخدم أقراص الأدوية التي تعطى لمجرّد إرضاء المريض أي الخالية من أي مركّب طبي إلا من كمية قليلة من السكر والتي تسمى بأقراص الـ Placebo، في جميع الاختبارات التي تحدد فعالية أي دواء جديد وذلك على مدى أكثر من خمسين عامًا. ويكمن الفرق بين الأدوية الطبية من جهة وأدوية الأعشاب المكمّلة من جهة ثانية في العلاقة مع أقراص الـ Placebo، إذ يتمّ اختبار الأولى بمقارنة فعاليتها مع فعالية أقراص الـ Placebo، بينما لا يحدث الأمر نفسه مع أدوية الأعشاب، لذلك، عندما يقول بعض المرضى إنهم تحسنوا باستخدامهم بعض أدوية الأعشاب أو بعض أنواع الطب البديل يعزو الأطباء ذلك الأمر إلى تأثير العامل النفسي.

          ولكن ذلك الفرق أصبح أقل وضوحًا، وبالذات بالنسبة للأدوية المضادة للاكتئاب، وذلك في ضوء الأبحاث الأخيرة التي نظرت إلى ما يحصل داخل الدمـاغ عنـد إعطـاء المريـض تلـك الأدويـــة، بالمقارنــة مـــع مــا يحصــل داخلـــه عنــد إعطائــه أقـــراص الـ Placebo. قام د. أندرو لويشتير Andrew Leuchter أستاذ الطب النفسي في جامعة كاليفورنيا بدراسة ما يحصل داخل الدماغ، عندما يتجاوب أحدهم مع قرص الـ Placebo في تجربة محاربة الاكتئاب. فقد وضع لويشتير عددًا من المرضى على جهاز تخطيط الدماغ في مراحل منتظمة حيث أعطى نصفهم أدوية مضادة للاكتئاب، وأعطى النصف الآخر أقراص الـPlacebo، وتمّت مراقبة المجموعتين على فترة ثمانية أسابيع، وقد لاحظ لويشتير نشاطًا دماغيًا في كلا الفريقين، وخصوصًا في المناطق الدماغية التي تتحكم بالمزاج.

عامل نفسي

          ويكمن الفرق أنه بعد انتهاء التجربة وعندما تم إخبار الفريق الذي تناول أقراص الـPlacebo بأنهم تناولوها ولم يتناولوا أي مركب طبي حقيقي، تدهورت حالتهم بسرعة، وهذا يفسّر العامل النفسي الكبير في معالجة الاكتئاب، وفي 1998 قام الطبيب النفسي إيرفينج كيرش Irving Kirsch بدراسة واسعة شملت عددًا كبيرًا من أدوية مضادات الاكتئاب لدراسة فعاليتها فوجد أن 75 في المائة من فعالية تلك الأدوية تعود إلى العامل النفسي وأن التحسّن الذي يقدّر بـ25 في المائة والذي يعود إلى المركب الكيميائي ليس مؤكدًا، وربما يعود إلى العامل النفسي الذي يأتي من الإحساس بالعوارض الجانبية التي تؤكد للمريض أن هناك تغييرات فيزيائية حقيقية تحدث داخل جسمه من جراء تلك الأدوية. وبعد أن قام د. عارف خان Arif Khan بدراسة عامة لفعالية مضادات الاكتئاب على مدى سبعة عشر عامًا وجد أنّه في 52 في المائة من حالات التجارب لم يكن بالإمكان التمييز بين النتائج التي تعطيها الأدوية الطبية والنتائج التي تعطيها أقراص الـPlacebo. ويقول خان إنّ السبب يعود إلى أن هؤلاء المرضى يحظون باهتمام كبير من قبل الأطباء الذين يتعاملون معهم إذ يمضون نحو عشرين ساعة وهم يُسألون أسئلة مفصلة عن معاناتهم وما يشعرون به، كما يستنتج لويشتير ويقول: «إننا نحب أن نعتقد بأننا نعطي الوصفات الطبية إلى المرضى وبأنهم يشعرون بتحسن، ولكننا في الواقع لا نعرف لماذا يتحسنون، من دون أي شك، فإنّ الوقت الذي نمضيه مع الأشخاص، والشعور بالتواصل الدائم معهم هو الذي يؤثر عليهم بهذه الطريقة الإيجابية».

          إذن، هناك حقيقة ظهرت في معظم الدراسات التي أجريت بالنسبة لفعالية مضادات الاكتئاب، تعززت ببحث مميز نشر في «مجلة الرابطة الطبية الأمريكية» «The Journal of the American Medical Association» يمكن اختصارها بالقول إن الأدوية فعّالة في التغلب على الاكتئاب ولكن فعاليتها لا تفوق فعالية أقراص الـ Placebo. ومن هنا تبرز المعضلة الأخلاقية: إن قول الحقيقة لأي مريض بأن فعالية الأدوية المضادة للاكتئاب الموصوفة له تعتمد على الإيمان والأمل والتوقعات فقط، قد يخرّب كل شيء، تمامًا مثلما حصل مع فيل ديزني الظريف «دامبو» الذي اعتقد بأنه يستطيع الطيران لمجرّد أن علقت ريشة في خرطومه وتبخّر هذا الاعتقاد فور إزالتها.

          ولكن إذا كان الخبراء يعلمون بأن مضادات الاكتئاب ليست أفضل من أقراص الـPlacebo، فلماذا لا يغيّر الأطباء وصفاتهم باتجاه تلك الأقراص؟ يقول د. كيرش إنّ ردّة فعل معظم الأطباء على نتائج الدراسات بخصوص فعالية الأدوية المضادة للاكتئاب تكون بالغضب والتشكيك، إذ يصعب عليهم تصديق التشكيك بفعالية مضادات الاكتئاب، خصوصًا إذا ما تمت الموافقة عليها من قبل إدارة «الغذاء والدواء» الأمريكية أو ما يعرف بالـFDA. كما أن الأطباء يجدون صعوبة في وصف أقراص الـPlacebo إذ ليست لديهم الخبرة لاختبار كيفية تجاوب المرضى معها، كما أنهم لا يفهمون كيف يكون قرص فارغ من أي مكوّن كيميائي أكثر فعالية من قرص دواء يفوق سعره سعر قرص الـPlacebo بأربعة أضعاف.

          أما بالنسبة لشركات الأدوية فالأمر يشبه ما حدث في قصة «ثياب الإمبراطور الجديدة» حيث قام شخصان بحياكة ثياب جدية للإمبراطور وكان يمكن رؤيتها من قبل الجميع باستثناء الأشخاص غير الكفوئين. وهكذا هو الحال مع شركات الأدوية التي لا ترى تلك الدراسات وإمكان صحتها، وذلك بسبب الأرباح الكبيرة التي تحققها من مبيعات مضادات الاكتئاب. هذا بالرغم من وجود شركات لا ترفض كليًا تلك النتائج إلا أنها تشير إلى أنّ هناك أشخاصًا يتجاوبون معها وآخرين لا يتجاوبون وذلك لأن مرض الاكتئاب هو مرض شخصي جدًا وأنه لا يتجاوب جميع المرضى بالطريقة نفسها مع علاج محدد.

          ولكن كما أشار الخبيران هولن ودي روبيس Hollo&De Rubis، وهما من ضمن الباحثين الذين غاصوا في رمال الأبحاث المتعلقة بمضادات الاكتئاب فإنه «قد لا يكون الأطباء والمرضى على اطلاع بأنّه قد تم اختبار فعالية معظم تلك الأدوية من خلال دراسات أجريت على أشخاص يعانون من حالات اكتئاب حاد، لذلك يجب عدم الاستخفاف بالمعالجة النفسية البحتة، التي يمكنها معالجة حالات الاكتئاب الطفيفة من أي مضاعفات سلبية».

 

 

مهى قمر الدين   
 




من أعمال فان جوخ المصورة للاكتئاب





د. أندرو لويشتير





د. إيرفينج كيرش