لغتنا وتحديات الثقافة المعاصرة

لغتنا وتحديات الثقافة المعاصرة

لعله‭ ‬مما‭ ‬يلفت‭ ‬الانتباه،‭ ‬ويدعو‭ ‬للتفاؤل‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬انطلاق‭ ‬متزامن‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬الفعاليات‭ ‬العربية‭ ‬والدولية‭ ‬التي‭ ‬رفعت‭ ‬جميعًا‭ ‬شعار‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬خلال‭ ‬الشهور‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية،‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬مجمع‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬بالقاهرة‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬فبراير‭ ‬الماضي،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬مؤتمري‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬اللذين‭ ‬عقد‭ ‬أحدهما‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬الملك‭ ‬عبدالله‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬الدولي‭ ‬لخدمة‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬بالرياض،‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬مايو‭ ‬الماضي،‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬الملتقى‭ ‬التنسيقي‭ ‬للجامعات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬المعنية‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‮»‬،‭ ‬والآخر‭ ‬في‭ ‬دبي،‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭  ‬‮«‬الملتقى‭ ‬الثاني‭ ‬للغة‭ ‬العربية‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬نظمه‭ ‬المجلس‭ ‬الدولي‭ ‬للغة‭ ‬العربية،‭ ‬برعاية‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬راشد،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬مؤتمر‭ ‬آخر‭ ‬عقد‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬الأردنية‭ ‬عمّان‭.‬

لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬يؤكد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تحديات‭ ‬كبيرة‭ ‬وخطيرة‭ ‬تواجه‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الشواهد‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نراها‭ ‬جميعًا‭ ‬بوضوح،‭ ‬والتي‭ ‬تنعكس؛‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬أصبحت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬قنواته‭ ‬الفضائية‭ ‬تهرب‭ ‬إلى‭ ‬اللهجات‭ ‬المحلية‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬اللغة‭ ‬الفصحى،‭ ‬ونراها‭ ‬بوضوح‭ ‬في‭ ‬تدني‭ ‬مستوى‭ ‬عربية‭ ‬الذين‭ ‬يقدمون‭ ‬البرامج‭ ‬ويقرأون‭ ‬نشرات‭ ‬الأخبار،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬انتشار‭ ‬ظاهرة‭ ‬التعليم‭ ‬الأجنبي‭ ‬في‭ ‬دولنا‭ ‬العربية،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬ظهور‭ ‬أجيال‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬الطلاب‭ ‬والطالبات‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يجيدون‭ ‬القراءة‭ ‬بلغتهم‭ ‬الأم،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬انتشار‭ ‬العلامات‭ ‬التجارية‭ ‬الأجنبية‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬وفي‭ ‬اللوحات‭ ‬الإعلانية‭ ‬وفي‭ ‬التلفزيون‭ ‬والراديو‭ ‬والصحافة‭ ‬مع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الظواهر‭ ‬الأخرى،‭ ‬وبينها‭ ‬عدم‭ ‬إتقان‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أبنائنا‭ ‬الدارسين‭ ‬والطلاب‭ ‬العرب‭ ‬للغتهم‭ ‬الأم،‭ ‬وتفضيل‭ ‬الكثير‭ ‬منهم‭ ‬للقراءة‭ ‬بلغات‭ ‬أجنبية‭.‬

ومع‭ ‬انتشار‭ ‬استخدام‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الحديثة‭  ‬كالإنترنت‭ ‬والتويتر‭ ‬وغيرهما‭ ‬انتشرت‭ ‬لغة‭ ‬جديدة‭ ‬للتواصل‭ ‬إما‭ ‬باستخدام‭ ‬الشباب‭ ‬للغة‭ ‬الأجنبية‭ ‬في‭ ‬التواصل‭ ‬وإما‭ ‬بابتكار‭ ‬لغة‭ ‬عربية‭ ‬مشوّهة‭ ‬مكتوبة‭ ‬بحروف‭ ‬لاتينية،‭ ‬وهي‭ ‬جميعًا‭ ‬ظواهر‭ ‬خطيرة‭ ‬وتحتاج‭ ‬إلى‭ ‬اهتمام‭ ‬المؤسسات‭ ‬العربية‭ ‬الثقافية‭ ‬والتعليمية‭ ‬والإعلامية‭ ‬بتوجيه‭ ‬الاهتمام‭ ‬الواجب‭ ‬لهذه‭ ‬الظاهرة‭.‬

 

لغتنا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مجالاً‭ ‬للفخر

ولعل‭ ‬الأخطر‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬كله‭ ‬هو‭ ‬النظرة‭ ‬التي‭ ‬ينظر‭ ‬بها‭ ‬الشباب‭ ‬العربي‭ ‬إلى‭ ‬لغتهم،‭ ‬وهي‭ ‬نظرة،‭ ‬مع‭ ‬الأسف،‭ ‬لا‭ ‬تحمل‭ ‬التقدير‭ ‬الواجب،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يظهر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تفضيلهم‭ ‬للحديث‭ ‬باللغات‭ ‬الأجنبية،‭ ‬كما‭ ‬أنهم‭ ‬يتصورون،‭ ‬بسبب‭ ‬استخدامهم‭ ‬للغات‭ ‬أجنبية‭ ‬في‭ ‬تحصيل‭ ‬العلم،‭ ‬أن‭ ‬اللغة‭ ‬التي‭ ‬ينتمون‭ ‬إليها‭ ‬ليست‭ ‬لغة‭ ‬تعليم‭ ‬وعلم،‭ ‬خصوصا‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬المصطلحات‭ ‬العلمية‭ ‬التي‭ ‬يحصلونها‭ ‬في‭ ‬تعليمهم‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬بينها‭ ‬أي‭ ‬مصطلح‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭.‬

وهذه‭ ‬أيضًا‭ ‬أزمة‭ ‬أخرى‭ ‬خطيرة‭ ‬تتحمل‭ ‬مسئوليتها‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬المؤسسات‭ ‬التعليمية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تهتم‭ ‬بأن‭ ‬توضح‭ ‬للطلاب‭ ‬والدارسين‭ ‬العرب‭ ‬أن‭ ‬لغتهم‭ ‬العربية‭ ‬كانت‭ ‬اللغة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬قبل‭ ‬عدة‭ ‬قرون،‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬العالم‭ ‬الغربي‭ ‬ينقل‭ ‬عنها‭ ‬ما‭ ‬أنجزه‭ ‬العلماء‭ ‬العرب‭ ‬الأوائل‭ ‬في‭ ‬الكيمياء‭ ‬والطب‭ ‬والرياضيات‭ ‬والتشريح‭ ‬وعلم‭ ‬الفلك‭ ‬والفلسفة‭ ‬والموسيقى،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬فروع‭ ‬المعرفة‭ ‬والعلم،‭ ‬مما‭ ‬أنجزه‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العاشر‭ ‬حتى‭ ‬القرن‭ ‬الرابع‭ ‬عشر‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭.‬

ولعل‭ ‬أهم‭ ‬خطوة‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تتخذ‭ ‬لكي‭ ‬تستعيد‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬مكانتها‭ ‬بين‭ ‬أبنائها‭ ‬أن‭ ‬يشعر‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأبناء‭ ‬بالفخر‭ ‬بلغتهم،‭ ‬وأن‭ ‬يتعرفوا‭ ‬على‭ ‬المنجز‭ ‬الهائل‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬تدوينه‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬العلم‭ ‬والأدب‭ ‬والفكر‭ ‬والفلسفة،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬الغرب‭ ‬النهضة‭ ‬بقرون‭ ‬عديدة‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬العلماء‭ ‬والباحثين‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬تعلموا‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬لكي‭ ‬ينقلوا‭ ‬عنها‭ ‬ويؤسسوا‭ ‬نهضتهم‭ ‬العلمية‭ ‬حين‭ ‬بدأ‭ ‬عصر‭ ‬النهضة،‭ ‬لأن‭ ‬الانكفاء‭ ‬عن‭ ‬اللغة‭ ‬الأم‭ ‬وعدم‭ ‬الاعتداد‭ ‬بها،‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬الهزيمة‭ ‬النفسيَّة‭. ‬وأي‭ ‬لغة‭ ‬أصحابها‭ ‬مهزومون‭ ‬حضاريًا،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تصمد‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬أي‭ ‬تحدٍّ،‭ ‬وعلى‭ ‬أي‭ ‬مستوى‭ ‬ينتظر‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬فيه‭ ‬هذه‭ ‬اللغة‭ ‬بدورها‭ ‬المأمول‭.‬

من‭ ‬المهم‭ ‬الإشارة‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬المبادرة‭ ‬التي‭ ‬أطلقها‭ ‬وزير‭ ‬التعليم‭ ‬الكويتي‭ ‬د‭.‬نايف‭ ‬الحجرف‭ ‬عبر‭ ‬مشروع‭ ‬تعمل‭ ‬عليه‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬لتعزيز‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬ومحاربة‭ ‬ظاهرة‭ ‬الـ‭ ‬SMS Language‭. ‬وجاء‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬من‭ ‬الوزير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ظاهرة‭ ‬تأثر‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الطلبة‭ ‬بهذه‭ ‬اللغة‭ ‬الدخيلة‭ ‬على‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬باتت‭ ‬واضحة،‭ ‬ومقلقة،‭ ‬اوقد‭ ‬شاهدت‭ ‬ورقة‭ ‬اختبار‭ ‬أحد‭ ‬الطلبة‭ ‬كتب‭ ‬اسمه‭ ‬بهذه‭ ‬اللغةب،‭ ‬محذرًا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬وقفة‭ ‬جادة‭ ‬من‭ ‬الوزارة،‭ ‬وكل‭ ‬الميدان‭ ‬التربوي‭ ‬مسئول‭ ‬عن‭ ‬حماية‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬وتعزيز‭ ‬هذه‭ ‬اللغة‭ ‬وتشجيع‭ ‬الطلبة‭ ‬على‭ ‬حبها‭ ‬ودراستها‭ ‬وتعلمها‭.‬

وربما‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬أعود‭ ‬للتذكير‭ ‬بما‭ ‬كنت‭ ‬أشرت‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬سابق،‭ ‬نشر‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬فبراير‭ ‬الماضي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الزاوية،‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬أصبحت‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬اللغات‭ ‬الرسمية‭ ‬التي‭ ‬تحتفي‭ ‬بها‭ ‬منظمة‭ ‬اليونسكو‭ ‬سنويا،‭ ‬منذ‭ ‬أعلنت‭ ‬يوم‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬ديسمبر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬ايوما‭ ‬عالميا‭ ‬للغة‭ ‬العربيةب،‭ ‬والذي‭  ‬تم‭ ‬اعتماده‭ ‬ضمن‭ ‬برنامج‭ ‬احتفالات‭ ‬المنظمة‭ ‬السنوي،‭ ‬لما‭ ‬لهذه‭ ‬اللغة‭ ‬من‭ ‬ادور‭ ‬وإسهام‭ ‬في‭ ‬حفظ‭ ‬ونشر‭ ‬حضارة‭ ‬الإنسان‭ ‬وثقافتهب،‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬اللغة‭ ‬هي‭ ‬لغة‭ ‬اثنين‭ ‬وعشرين‭ ‬عضوا‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬اليونسكو،‭ ‬وهي‭ ‬لغة‭ ‬رسمية‭ ‬في‭ ‬المنظمة‭ ‬ويتحدث‭ ‬بها‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬422‭ ‬مليون‭ ‬عربي،‭ ‬ويحتاج‭ ‬إلى‭ ‬استعمالها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مليار‭ ‬ونصف‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭.‬

وهذه‭ ‬لفتة‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الأهمية‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يحتفي‭ ‬بها‭ ‬الشباب‭ ‬العرب،‭ ‬ويتأكد‭ ‬بها،‭ ‬وبغيرها‭ ‬من‭ ‬ثوابت‭ ‬الثقافة‭ ‬والتاريخ،‭ ‬إن‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مصدرا‭ ‬للفخر‭ ‬والاعتزاز‭ ‬لمن‭ ‬ينطق‭ ‬بها،‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬صميم‭ ‬مسئولية‭ ‬مؤسسات‭ ‬التعليم‭ ‬وواجبها‭.‬

وحين‭ ‬يتأمل‭ ‬الفرد‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬ابتعاد‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية،‭ ‬وخصوصا‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة،‭ ‬عن‭ ‬لغتهم‭ ‬الأم،‭ ‬يجد‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬تلك‭ ‬الأسباب،‭ ‬ما‭ ‬يعد‭ ‬ظرفا‭ ‬ثقافيا‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬ارتباط‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬بأنها‭ ‬لغة‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬ولغة‭ ‬الفقه‭ ‬والعبادة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬منحها‭ ‬لونًا‭ ‬من‭ ‬القداسة‭ ‬جعل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬ينظرون‭ ‬إليها‭ ‬بهذه‭ ‬القداسة،‭ ‬وليس‭ ‬كلغة‭ ‬حياة‭ ‬يومية،‭ ‬تطورت‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تنزع‭ ‬عنها‭ ‬سمة‭ ‬الحيوية‭ ‬وإمكان‭ ‬دخولها‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬العامة‭ ‬للأفراد‭.‬

 

إحياء‭ ‬اللغة‭ ‬وتطويرها

وهذا‭ ‬تقريبًا‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬الغربيون‭ ‬جميعًا،‭ ‬حين‭ ‬حاولوا‭ ‬باستمرار‭ ‬أن‭ ‬يقللوا‭ ‬الفجوة‭ ‬بين‭ ‬لغتهم‭ ‬الفصحى‭ ‬واللهجة‭ ‬المستخدمة‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية،‭ ‬مما‭ ‬أثرى‭ ‬لغاتهم،‭ ‬كما‭ ‬أنهم‭ ‬للسبب‭ ‬نفسه‭ ‬كانوا،‭ ‬ولايزالون،‭ ‬يعكفون‭ ‬على‭ ‬القواميس‭ ‬والمعاجم‭ ‬اللغوية‭ ‬الخاصة‭ ‬بلغاتهم،‭ ‬ينقحونها،‭ ‬ويستبعدون‭ ‬منها‭ ‬الكلمات‭ ‬الميتة،‭ ‬ويضيفون‭ ‬إليها‭ ‬الكلمات‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬دخلت‭ ‬في‭ ‬حيز‭ ‬التعامل‭ ‬اليومي‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬للأفراد،‭ ‬وكذلك‭ ‬الأمر‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمصطلحات‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬العلوم،‭ ‬وفي‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬المعرفة،‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬معاجمهم‭ ‬تتطور‭ ‬باستمرار‭ ‬وتمارس‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬اللغة‭ ‬وإحيائها‭.‬

وهنا‭ ‬تظهر‭ ‬مفارقة‭ ‬أخرى‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬جميعا‭ ‬تعتبرها‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬السمات‭ ‬المشتركة‭ ‬التي‭ ‬يجتمع‭ ‬عليها‭ ‬العرب‭ ‬ويعدونها‭ ‬وسيلة‭ ‬للتقارب‭ ‬والوحدة،‭ ‬مع‭ ‬الأسف،‭ ‬وربما‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬الاهتمام‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬الوجه‭ ‬المأمول،‭ ‬أو‭ ‬تراجع‭ ‬هذا‭ ‬الاهتمام،‭ ‬لم‭ ‬تتسبب‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬التكتل‭ ‬العربي‭. ‬بينما‭ ‬نرى،‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬الأوربية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تجمع‭ ‬بينها‭ ‬لغة‭ ‬واحدة،‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬تكتلاً‭ ‬أوربيًا‭ ‬قويا‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬الجغرافيا‭ ‬والاقتصاد‭ ‬وارتباط‭ ‬المصالح‭ ‬بين‭ ‬أبناء‭ ‬دول‭ ‬أوربا‭.‬

إن‭ ‬هناك‭ ‬أيضًا‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المتغيرات‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬التغيير‭ ‬في‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬الأم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أبنائها،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬زيادة‭ ‬عدد‭ ‬الشركات‭ ‬الأجنبية،‭ ‬متعددة‭ ‬الجنسيات،‭ ‬أو‭ ‬العابرة‭ ‬للقارات،‭ ‬التي‭ ‬تتيح‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭ ‬لهؤلاء‭ ‬الشباب،‭ ‬بشرط‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬من‭ ‬خريجي‭ ‬الجامعات‭ ‬الأجنبية،‭ ‬وبمقابل‭ ‬مادي‭ ‬كبير،‭ ‬ما‭ ‬خلق‭ ‬توجها‭ ‬كبيرا‭ ‬لدى‭ ‬الأفراد‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الدخل‭ ‬المرتفع‭ ‬نسبيا‭ ‬إلى‭ ‬إلحاق‭ ‬أبنائهم‭ ‬بتلك‭ ‬المدارس،‭ ‬والجامعات‭ ‬لاحقًا،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أنها‭ ‬تعد‭ ‬الخطوة‭ ‬الرئيسية،‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الشركات‭.‬

وبسبب‭ ‬عدم‭ ‬فرض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬بعض‭ ‬المعايير‭ ‬والقوانين‭ ‬التي‭ ‬تلزم‭ ‬تلك‭ ‬الشركات‭ ‬بأن‭ ‬تكون‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬لغة‭ ‬رسمية‭ ‬بين‭ ‬اللغات‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬التعامل‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المؤسسات،‭ ‬كشرط‭ ‬للعمل‭ ‬على‭ ‬أراضيها‭ ‬مثلًا،‭ ‬فإن‭ ‬اللغة‭ ‬الأجنبية‭ ‬تصبح‭ ‬هي‭ ‬اللغة‭ ‬الوسيطة‭ ‬للتعامل‭ ‬بين‭ ‬الموظفين‭ ‬العرب‭ ‬والمديرين‭ ‬الأجانب،‭ ‬وتصبح‭ ‬هي‭ ‬أيضا‭ ‬لغة‭ ‬الاتصال‭ ‬بين‭ ‬الموظفين‭ ‬العرب‭ ‬جميعًا‭. ‬وهي‭ ‬ازدواجية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬مثلها‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬تحترم‭ ‬لغتها‭ ‬الأم‭ ‬وتحافظ‭ ‬عليها،‭ ‬خصوصا‭ ‬أن‭ ‬انتشار‭ ‬اللغة‭ ‬الأجنبية،‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬بلدها‭ ‬الأصلي،‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو،‭ ‬يعد‭ ‬امتدادا‭ ‬للقوى‭ ‬الأجنبية‭ ‬وسطوتها‭ ‬على‭ ‬السيادة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬الوطنية،‭ ‬التي‭ ‬يفترض‭ ‬ألا‭ ‬تكتمل‭ ‬السيادة‭ ‬فيها‭ ‬إلا‭ ‬باستكمال‭ ‬سيادة‭ ‬اللغة‭ ‬الوطنية‭ ‬عليها،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬اللغة‭ ‬الأجنبية‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭ ‬وتعميق‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬شرائحه‭.‬

وحين‭ ‬نتأمل‭ ‬أكثر‭ ‬الأوراق‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تداولها‭ ‬خلال‭ ‬المؤتمرات‭ ‬السابقة‭ ‬الإشارة‭ ‬إليها‭ ‬عن‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬سنجد‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬منها‭ ‬أشارت‭ ‬إلى‭ ‬مواطن‭ ‬الأزمة،‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬ربما‭ ‬معروفة‭ ‬للجميع‭ ‬من‭ ‬كثرة‭ ‬ما‭ ‬كررناها‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تكرار‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬الخطيرة‭ ‬دونما‭ ‬كلل‭ ‬حتى‭ ‬تعود‭ ‬للغة‭ ‬المكانة‭ ‬التي‭ ‬تستحقها‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬العربية‭.‬

إن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الظواهر‭ ‬جميعًا‭ ‬قد‭ ‬تعد‭ ‬نتيجة‭ ‬وسببا‭ ‬مشتركا‭ ‬لأزمة‭ ‬خطيرة،‭ ‬هي‭ ‬أزمة‭ ‬الهوية‭ ‬التي‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬انقطاع‭ ‬الشباب‭ ‬والمواطنين‭ ‬العرب‭ ‬عن‭ ‬لغتهم‭ ‬الأم،‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬الانقطاع‭ ‬عن‭ ‬اللغة‭ ‬الأم،‭ ‬وعدم‭ ‬امتلاك‭ ‬أدواتها،‭ ‬يعني‭ ‬انقطاع‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشباب‭ ‬عن‭ ‬ثقافتهم‭ ‬التي‭ ‬ينتمون‭ ‬إليها‭.‬

 

اللغة‭ ‬وعاء‭ ‬الثقافة‭ ‬والهوية

فلغة‭ ‬أي‭ ‬مجتمع‭ ‬من‭ ‬المجتمعات‭ ‬تمثل‭ ‬الوعاء‭ ‬اللغوي‭ ‬لثقافة‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭. ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬فاللغة‭  ‬تعد‭ ‬أقدم‭ ‬تجليات‭ ‬الهويّة،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬اللغة‭ ‬المشتركة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬كلّ‭ ‬فئة‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬اجماعةب‭ ‬واحدة،‭ ‬ذات‭ ‬هويَّة‭ ‬مستقلة،‭ ‬ويزداد‭ ‬الاهتمام‭ ‬باللغة‭ ‬والهويّة‭ ‬معا،‭ ‬ويشيع‭ ‬الحديث‭ ‬عنهما،‭ ‬في‭ ‬المفاصل‭ ‬التاريخيَّة‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الجماعات،‭ ‬وفي‭ ‬الغالب‭ ‬يتمُّ‭ ‬الربط‭ ‬بينهما‭ ‬ويتماهيان‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أنهما‭ ‬يكادان‭ ‬يصبحان‭ ‬شيئا‭ ‬واحدًا‭.‬

ولهذا‭ ‬يرى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬واللغة‭ ‬أن‭ ‬اللغة‭ ‬والهويَّة‭ ‬هما‭ ‬وجهان‭ ‬لشيء‭ ‬واحد،‭ ‬وأن‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬جوهره‭ ‬ليس‭ ‬سوى‭ ‬لغة‭ ‬وهويَّة،‭ ‬اللغة‭ ‬تعد‭ ‬بالنسبة‭ ‬له‭ ‬فكره‭ ‬ولسانه‭ ‬وانتماءه،‭ ‬وهذه‭ ‬الأشياء‭ ‬تجسد‭ ‬حقيقته‭ ‬وهويته‭.‬

وفي‭ ‬مقالة‭ ‬سابقة‭ ‬قلت‭: ‬اإن‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تضافر‭ ‬الجهود‭ ‬من‭ ‬القائمين‭ ‬على‭ ‬التعليم‭ ‬والإعلام‭ ‬والثقافة‭ ‬والدبلوماسية‭ ‬العربية،‭ ‬وتحتاج‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬أولاًَ‭ ‬إلى‭ ‬لون‭ ‬من‭ ‬التخطيط‭ ‬والتنسيق‭ ‬يشترك‭ ‬فيه‭ ‬الجميع‭ ‬لوضع‭ ‬مبادرات‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تخص‭ ‬كل‭ ‬بلد‭ ‬عربي‭ ‬على‭ ‬حدة،‭ ‬ثم‭ ‬يمكن‭ ‬تعميم‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬يصلح‭ ‬لكل‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬أخرىب‭.‬

لذلك‭ ‬فإن‭ ‬المبادرة‭ ‬التي‭ ‬أطلقها‭ ‬الملتقى‭ ‬الثاني‭ ‬للغة‭ ‬العربية،‭ ‬الذي‭ ‬نظمه‭ ‬المجلس‭ ‬الدولي‭ ‬للغة‭ ‬العربية،‭ ‬في‭ ‬دبي،‭ ‬والتي‭ ‬أعلن‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬البيان‭ ‬الختامي‭ ‬للملتقى،‭ ‬سيكون‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬استعادة‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬جزءًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬مكانتها‭ ‬التي‭ ‬تستحق‭.‬

فقد‭ ‬أعلن‭ ‬د‭.‬علي‭ ‬موسى،‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للمجلس‭ ‬الدوليّ‭ ‬للغة‭ ‬العربية‭ ‬عن‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬التوصيات،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬الموافقةُ‭ ‬على‭ ‬مشروعِ‭ ‬قانونِ‭ ‬اللغة،‭ ‬الذي‭ ‬ينظّم‭ ‬وضع‭ ‬اللغة‭ ‬الوطنية‭ ‬والمحلية‭ ‬والأجنبية،‭ ‬وتأييد‭ ‬عرضه‭ ‬على‭ ‬جهات‭ ‬قانونية‭ ‬متخصصة‭ ‬لمراجعته،‭ ‬ثم‭ ‬إرساله‭ ‬لجميع‭ ‬الدول‭ ‬والمنظمات‭ ‬الحكومية‭ ‬والأهلية‭ ‬والمؤسسات،‭ ‬لعرضه‭ ‬على‭ ‬المسئولين‭ ‬وأصحاب‭ ‬القرار‭ ‬والمشرّعين‭ ‬وواضعي‭ ‬السياسات‭ ‬والمخططين‭ ‬والمهتمين‭ ‬والغيورين‭ ‬على‭ ‬لغتهم،‭ ‬بهدف‭ ‬الاستفادة‭ ‬مما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬بنوده‭ ‬من‭ ‬مواد‭ ‬قانونية‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬سياسات‭ ‬لغوية‭ ‬وطنية‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬السليمة‭ ‬وحمايتها‭ ‬من‭ ‬الإقصاء،‭ ‬وتمكينها‭ ‬من‭ ‬إثبات‭ ‬ذاتها‭ ‬في‭ ‬مواقعها‭ ‬الطبيعية‭ ‬بقوة‭ ‬القانون،‭ ‬وبما‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬وحدِة‭ ‬المجتمع‭ ‬ويدعم‭ ‬الاستقرار‭ ‬والسيادة‭ ‬الوطنية،‭ ‬وإعادة‭ ‬إنتاجِ‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬بلغتِها‭ ‬الجامعة‭ ‬والموحدة‭ ‬التي‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬هويتها،‭ ‬وتعزز‭ ‬ولاءها‭ ‬وانتماءَها‭ ‬لأوطانها‭ ‬ولعروبتِها،‭ ‬وتحافظُ‭ ‬على‭ ‬مرجعياتها‭ ‬وثوابتها‭ ‬وقيمِها‭.‬

أما‭ ‬تفاصيل‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬شرحها‭ ‬في‭ ‬فعاليات‭ ‬المؤتمر‭ ‬فتتلخص‭ ‬في‭ ‬تعريب‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬والتعليم‭ ‬والإدارة‭ ‬والإعلام‭ ‬وجميع‭ ‬المؤسسات‭ ‬الوطنية‭ ‬والعربية،‭ ‬وسد‭ ‬الفجوة‭ ‬الهائلة‭ ‬بين‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬والمعارف‭ ‬والعلوم‭ ‬والتقنية‭ ‬والصناعة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المجالات،‭ ‬وربط‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬بجميع‭ ‬معطيات‭ ‬العصر‭ ‬وتطوراته‭ ‬في‭ ‬الميادين‭ ‬كافة،‭ ‬وتوفير‭ ‬الكتاب‭ ‬الجامعي‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬التخصصات‭ ‬العلمية‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬العربية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬التواصل‭ ‬المستمر‭ ‬والآني‭ ‬مع‭ ‬مراكز‭ ‬البحث‭ ‬ودور‭ ‬النشر‭ ‬العلمية‭ ‬والجامعات‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬المختلفة،‭ ‬والاطلاع‭ ‬على‭ ‬أحدث‭ ‬المخترعات‭ ‬والمكتشفات‭ ‬ونقلها‭ ‬للغة‭ ‬العربية،‭ ‬والنهوض‭ ‬بالترجمة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الكوادر‭ ‬البشرية‭ ‬والتجهيزات‭ ‬التقنية،‭ ‬ودعم‭ ‬المكتبة‭ ‬العربية‭ ‬بالمؤلفات‭ ‬الحديثة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬التخصصات،‭ ‬وزيادة‭ ‬تدريب‭ ‬المترجمين‭ ‬والمعجميين‭ ‬والتقنيين‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬اللسانيات،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬الأبحاث‭ ‬والدراسات‭ ‬اللغوية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالتقنية‭ ‬والصناعات‭ ‬الحديثة،‭ ‬وربط‭ ‬الجامعات‭ ‬العربية‭ ‬ببعضها‭ ‬البعض‭ ‬علميًّا‭ ‬ومعرفيًّا‭ ‬وبحثيًّا‭ ‬وتقنيًّا‭.‬

وهو‭ ‬مشروع‭ ‬لو‭ ‬تمكنت‭ ‬المؤسسات‭ ‬العربية‭ ‬المختصة،‭ ‬والحكومات‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬دعمه‭ ‬لأمكن‭ ‬بالفعل‭ ‬تحقيق‭ ‬نقلة‭ ‬مهمة‭ ‬لتعزيز‭ ‬مكانة‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬أوطانها‭.‬

 

الاستثمار‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬العربية

كما‭ ‬أعرب‭ ‬الملتقى‭ ‬عن‭ ‬نيته‭ ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬موضوع‭ ‬الدورة‭ ‬المقبلة‭ ‬من‭ ‬الملتقى‭  ‬هو‭ ‬االاستثمارُ‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬ومستقبلِها‭ ‬الوطني‭ ‬والعربي‭ ‬والدوليب،‭ ‬ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنطلقِ‭ ‬فإن‭ ‬المجلس‭ ‬يدعو‭ ‬جميع‭ ‬المؤسسات‭ ‬الحكومية‭ ‬والأهلية‭ ‬والأفراد‭ ‬للمشاركة‭ ‬بالدراسات‭ ‬الجادة‭ ‬والتجارب‭ ‬الناجحة‭ ‬والمبادرات‭ ‬الخلاقة‭ ‬والمشاريع‭ ‬العملية‭ ‬التي‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تتبوأَ‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬مواقعَها‭ ‬الطبيعية‭ ‬في‭ ‬كلِّ‭ ‬المحافلِ‭ ‬والميادين‭.‬

وهو‭ ‬موضوع‭ ‬على‭ ‬جانب‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭ ‬لأنه‭ ‬سيحفز‭ ‬أصحاب‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬في‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬مشروعات‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تساعد‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬تبوؤ‭ ‬المكانة‭ ‬التي‭ ‬تستحقها‭.‬

وهناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المشروعات‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬موضوعا‭ ‬للاستثمار‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬من‭ ‬مثل‭ ‬إنشاء‭ ‬معاجم‭ ‬عربية‭ ‬معاصرة‭ ‬تتوافر‭ ‬للشباب‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬وسائط‭ ‬حديثة،‭ ‬أو‭ ‬تمويل‭ ‬مؤسسات‭ ‬عربية‭ ‬حكومية‭ ‬أو‭ ‬خاصة‭ ‬لمجامع‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬تبتغي‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬بعمل‭ ‬معاجم‭ ‬جديدة‭ ‬تنقح‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وتضيف‭ ‬إليها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المصطلحات‭ ‬المستحدثة‭.‬

ولعله‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الملتقيات‭ ‬الخاصة‭ ‬بدعم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وجوها‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬شباب‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬الذين‭ ‬يثبتون،‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬اهتمام‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬بلغته‭ ‬الأم‭ ‬ووعاء‭ ‬ثقافته‭ ‬والحضارة‭ ‬التي‭ ‬ينتمي‭ ‬إليها،‭ ‬كما‭ ‬يكون‭ ‬لهم‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الرؤى‭ ‬الحديثة‭ ‬والعصرية‭ ‬الخاصة‭ ‬بالحفاظ‭ ‬على‭ ‬اللغة،‭ ‬والتي‭ ‬سيكون‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحال،‭ ‬هم‭ ‬الجيل‭ ‬الذي‭ ‬سيستمر‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬اللغة،‭ ‬لأن‭ ‬المستقبل‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬مرهون‭ ‬باستمرار‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬لغتنا‭ ‬العربية‭ ‬وثقافتنا‭ ‬وتأكيد‭ ‬أصالتها‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬المنافسة‭ ‬في‭ ‬المستقبل،‭ ‬فإنه‭ ‬مرهون‭ ‬أيضًا‭ ‬بحماس‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة‭ ‬للغتهم‭ ‬ومستقبلها‭ ‬ومستقبلهم‭ ‬أيضًا‭ .