سعـود السـنـعـوســي: كتبت «ساق البامبو» قاصدًا أن أسبب الوجع لمن يقرأ!

سعـود السـنـعـوســي:  كتبت «ساق البامبو»  قاصدًا أن أسبب الوجع لمن يقرأ!

لأسباب‭ ‬عديدة‭ ‬شعرت‭ ‬بسعادة‭ ‬غامرة‭ ‬حين‭ ‬أُعلن‭ ‬فوز‭ ‬رواية‭ ‬ساق‭ ‬البامبو‭ ‬للكاتب‭ ‬الكويتي‭ ‬سعود‭ ‬السنعوسي‭ ‬بالجائزة‭ ‬العالمية‭ ‬للرواية‭ ‬العربية‭ (‬بوكر‭)‬،‭ ‬بينها‭ ‬أنني‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬كتب‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الرواية،‭ ‬وبحماس‭ ‬يستحقه‭ ‬العمل‭ ‬وجدية‭ ‬صاحبه،‭ ‬وبشرّت‭ ‬بميلاد‭ ‬كاتب‭ ‬تنبأت‭ - ‬بيقين‭ ‬كامل‭ - ‬أنه‭ ‬سيكون‭ ‬قريباً‭ ‬فخراً‭ ‬للكويت،‭ ‬وهذا‭ ‬دوري،‭ ‬وليس‭ ‬لي‭ ‬فضل‭ ‬فيه؛‭ ‬فموهبة‭ ‬سعود‭ ‬اللافتة‭ ‬كانت‭ ‬السبب‭ ‬الرئيس‭ ‬لكل‭ ‬هذا‭. ‬ثم‭ ‬إنني‭ ‬سعيد‭ ‬أيضاً‭ ‬لأنني‭ ‬كنت‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬بشّر‭ ‬سعود‭ ‬بوصول‭ ‬روايته‭ ‬إلى‭ ‬القائمة‭ ‬الطويلة‭ ‬لهذه‭ ‬الدورة‭ ‬من‭ ‬الجائزة‭. ‬وأخيراً‭ ‬وليس‭ ‬آخرا،‭ ‬لأنني‭ ‬أرى‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬الرواية‭ ‬جانبين‭ ‬مهمين‭ ‬أولهما‭ ‬اهتمام‭ ‬الرواية‭ ‬بتفاصيل‭ ‬ثقافة‭ ‬أخرى‭ ‬هي‭ ‬ثقافة‭ ‬شرق‭ ‬آسيا‭ ‬والفلبين‭ ‬خصوصاً،‭ ‬وهو‭ - ‬كانفتاح‭ ‬ضروري‭ ‬على‭ ‬الثقافات‭ ‬الأخرى‭ - ‬أمر‭ ‬نادر‭ ‬جدا‭ ‬في‭ ‬النصوص‭ ‬العربية‭ ‬المعاصرة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الجزء‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬موضوع‭ ‬الرواية‭ ‬والخاص‭ ‬بقضية‭ ‬المواطنة‭ ‬والهوية‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬هو‭ ‬بالفعل‭ ‬قضية‭ ‬الساعة‭ ‬بامتياز‭.  ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬محاولة‭ ‬لولوج‭ ‬العالم‭ ‬الخاص‭ ‬لسعود‭ ‬السنعوسي‭ ‬ككاتب‭ ‬شاب،‭ ‬وأيضا‭ ‬لدخول‭ ‬عالم‭ ‬‮«‬ساق‭ ‬البامبو‮»‬،‭ ‬كيف‭ ‬جاءت‭ ‬وبماذا‭ ‬مرت‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الاختمار‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬نصا‭ ‬مكتملاً‭ ‬ولعله‭ ‬من‭ ‬البديهي‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬القضية‭ ‬الرئيسة‭ ‬التي‭ ‬تعالجها‭ ‬الرواية‭ ‬وهي‭ ‬المواطن‭ ‬الكويتي‭ ‬والآخر‭ ‬سوف‭ ‬تكون‭ ‬لها‭ ‬مساحة‭ ‬كبيرة‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الحوار،‭ ‬لكن‭ ‬لتكن‭ ‬البداية‭ ‬من‭ ‬الآخر‭.. ‬من‭ ‬الفلبين‭.‬

‭< ‬لماذا‭ ‬الفلبين؟‭ ‬

‭- ‬الحقيقة‭ ‬أنني‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬كنت‭ ‬متحيرا‭ ‬بين‭ ‬اختيار‭ ‬الثقافة‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬ستكون‭ ‬موضوع‭ ‬الرواية،‭ ‬وكانت‭ ‬الهند‭ ‬هي‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬خطر‭ ‬في‭ ‬بالي‭. ‬لكني‭ ‬بعد‭ ‬تفكير‭ ‬اكتشفت‭ ‬أن‭ ‬ملامح‭ ‬الهنود،‭ ‬قد‭ ‬تضيع‭ ‬أحياناً‭ ‬بيننا،‭ ‬ولا‭ ‬تمتلك‭ ‬الملامح‭ ‬المميزة‭ ‬المختلفة‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬ملامح‭ ‬أهل‭ ‬شرق‭ ‬آسيا،‭ ‬ولهذا‭ ‬اخترت‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬بطل‭ ‬القصة‭ ‬من‭ ‬الفلبين‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الأمر‭.‬

‭< ‬لماذا‭ ‬أحسست‭ ‬بضرورة‭ ‬السفر‭ ‬إلى‭ ‬الفلبين‭ ‬لمعايشة‭ ‬الثقافة‭ ‬الفلبينية،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬جالية‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الفلبينيين‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬أنك‭ ‬تعرف‭ ‬عنها‭ ‬الكثير؟

‭- ‬صحيح،‭ ‬ومن‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬أجد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الفلبينيين‭ ‬هنا،‭ ‬وأن‭ ‬أتعرف‭ ‬منهم‭ ‬على‭ ‬حياتهم‭ ‬بشكل‭ ‬جيد،‭ ‬لكني‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬أفهم‭ ‬تماما‭ ‬ما‭ ‬يحكيه‭ ‬عن‭ ‬حياته‭ ‬في‭ ‬الفلبين،‭ ‬سيكون‭ ‬أغلب‭ ‬ما‭ ‬يقوله‭ ‬مجهولاً‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي،‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬أتمكن‭ ‬من‭ ‬فهمه‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬كنت‭ ‬قد‭ ‬قرأت‭ ‬رواية‭ ‬ابعيداً‭ ‬إلى‭ ‬هناب‭ ‬لإسماعيل‭ ‬فهد‭ ‬إسماعيل،‭ ‬وكان‭ ‬بها‭ ‬جزء‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬سريلانكا‭. ‬وأعجبتني‭ ‬كثيراً‭ ‬التفاصيل‭ ‬التي‭ ‬تناولها‭ ‬النص،‭ ‬ووصف‭ ‬الجبل‭ ‬والمنزل‭ ‬وكيفية‭ ‬زراعة‭ ‬وجمع‭ ‬أوراق‭ ‬الشاي،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬التفاصيل‭. ‬عندما‭ ‬سألت‭ ‬إسماعيل‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬التفاصيل‭ ‬حصيلة‭ ‬القراءة‭ ‬فقط‭ ‬فقال‭ ‬لي‭ ‬إنه‭ ‬عاش‭ ‬لفترة‭ ‬في‭ ‬سريلانكا،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬كان‭ ‬قراري‭ ‬أن‭ ‬أسافر‭ ‬للفلبين‭. ‬خصوصاً‭ ‬أن‭ ‬عمر‭ ‬البطل‭ ‬خوزيه‭ ‬مندوزا‭ ‬18‭ ‬عاما‭ ‬عاشها‭ ‬كلها‭ ‬في‭ ‬الفلبين،‭ ‬وبالتالي‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لدي‭ ‬حصيلة‭ ‬جيدة‭ ‬عن‭ ‬البيئة‭ ‬التي‭ ‬نشأ‭ ‬فيها‭.‬

‭< ‬واكتشفت‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أهمية‭ ‬لهذه‭ ‬المعايشة؟‭ ‬

‭- ‬بالتأكيد‭.. ‬عندما‭ ‬ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬هناك‭ ‬وجدت‭ ‬حياة‭ ‬أخرى‭ ‬وثقافة‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬نكاد‭ ‬نعرف‭ ‬عنها‭ ‬شيئا،‭ ‬ومعاناة‭ ‬حقيقية،‭ ‬تجعلك‭ ‬تدرك‭ ‬أن‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬تراه‭ ‬أنت‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬ويبتسم‭ ‬في‭ ‬وجهك‭ ‬باستمرار،‭ ‬غالباً‭ ‬له‭ ‬قصة‭ ‬معاناة‭ ‬كبيرة،‭ ‬وكل‭ ‬شخص‭ ‬وراءه‭ ‬حكاية‭. ‬تسأل‭ ‬فتجد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يأتي‭ ‬ليعيل‭ ‬عائلته‭ ‬أو‭ ‬لعلاج‭ ‬أمٍ‭ ‬مريضة‭ ‬بالسرطان،‭ ‬أو‭ ‬لكي‭ ‬يستطيع‭ ‬أبناؤه‭ ‬استكمال‭ ‬الدراسة،‭ ‬إضافة،‭ ‬طبعاً،‭ ‬لأنني‭ ‬مهتم‭ ‬بفكرة‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬الآخر،‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬يتيح‭ ‬لك‭ ‬أن‭ ‬تتعرف‭ ‬على‭ ‬نفسك‭ ‬أكثر،‭ ‬وتعرف‭ ‬مكانك‭ ‬الحقيقي،‭ ‬وتدرك‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أشخاصًا‭ ‬آخرين؛‭ ‬بعضهم‭ ‬أفضل‭ ‬منك،‭ ‬وبعضهم‭ ‬أنت‭ ‬أفضل‭ ‬منهم،‭ ‬بل‭ ‬وأن‭ ‬هناك‭ ‬أناسًا‭ ‬يستحقون‭ ‬الحياة‭ ‬أكثر‭ ‬منك،‭ ‬ولكنهم‭ ‬يقومون‭ ‬بخدمتك،‭ ‬ولذلك‭ ‬تولَّد‭ ‬لدي‭ ‬قدر‭ ‬كبير‭ ‬جدا‭ ‬من‭ ‬احترام‭ ‬الآخر،‭ ‬وعندما‭ ‬أدركت‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأمور‭ ‬أردت‭ ‬أن‭ ‬أشرك‭ ‬القارئ‭ ‬معي‭ ‬فيها‭.‬

‭< ‬في‭ ‬افتتاحية‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬ساق‭ ‬البامبو‮»‬‭ ‬اقتطفت‭ ‬مقولة‭ ‬للبطل‭ ‬القومي‭ ‬الفلبيني‭ ‬‮«‬خوزيه‭ ‬ريزال‮»‬‭ ‬عن‭ ‬العبودية‭. ‬فهل‭ ‬أمكن‭ ‬لك‭ ‬أن‭ ‬تتعرف‭ ‬على‭ ‬تراثه‭ ‬الأدبي‭ ‬والفكري‭ ‬ودوره‭ ‬في‭ ‬الوعي‭ ‬الشعبي‭ ‬هناك؟

‭- ‬طبعا،‭ ‬فقد‭ ‬زرت‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يعيش‭ ‬فيه،‭ ‬كما‭ ‬زرت‭ ‬الحصن‭ ‬الإسباني‭ ‬العتيق‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬اعتقاله‭ ‬فيه‭ ‬ثم‭ ‬إعدامه‭. ‬ولم‭ ‬أكن‭ ‬متحمسا‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬لذكره‭ ‬في‭ ‬الرواية،‭ ‬ولكن‭ ‬حين‭ ‬تعرف‭ ‬أن‭ ‬الفلبين‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬استعمرت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الإسبان‭ ‬لمدة‭ ‬300‭ ‬عام،‭ ‬وأن‭ ‬خوزيه‭ ‬ريزال‭ (‬يونيو‭ ‬1861‭ -  ‬ديسمبر‭ ‬1896‭)  ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يحرر‭ ‬بلاده‭ ‬برواية،‭ ‬حيث‭ ‬إنه‭ ‬تعرض‭ ‬للاعتقال‭ ‬بعد‭ ‬صدورها،‭ ‬وتم‭ ‬منعها،‭ ‬ونفذ‭ ‬فيه‭ ‬حكم‭ ‬بالإعدام‭ ‬كان‭ ‬سبباً‭ ‬لاندلاع‭ ‬ثورة‭ ‬شعبية‭ ‬انتهت‭ ‬بالتخلص‭ ‬من‭ ‬حكم‭ ‬الإسبان‭. ‬فحين‭ ‬تعرف‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬فإنك‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تفكر‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬كثيراً‭. ‬ولهذا‭ ‬تساءلت‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬نقوم‭ ‬نحن‭ ‬بكتابة‭ ‬رواية‭ ‬لنثور‭ ‬على‭ ‬أعرافنا‭ ‬وتقاليدنا‭ ‬السلبية،‭ ‬وليس‭ ‬على‭ ‬تقاليدنا‭ ‬الإيجابية‭ ‬منها‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال؟

‭< ‬هناك‭ ‬مقولة‭ ‬لا‭ ‬أذكر‭ ‬قائلها‭ ‬الآن‭ ‬يوضح‭ ‬فيها‭ ‬أنه‭ ‬عندما‭ ‬يكتب‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬نص‭ ‬كان‭ ‬يتمنى‭ ‬أن‭ ‬يقرأه‭ ‬ولم‭ ‬يجده‭. ‬فهل‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬شأنك‭ ‬مع‭ ‬‮«‬ساق‭ ‬البامبو»؟‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬هناك‭  ‬دوافع‭ ‬أخرى‭ ‬مثلت‭ ‬المحرض‭ ‬لكتابة‭ ‬هذه‭ ‬الرواية؟

‭- ‬الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬الدافع‭ ‬لكتابة‭ ‬الرواية‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬الألم،‭ ‬ومن‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬انتقاد‭ ‬الذات،‭ ‬ودعوة‭ ‬أبناء‭ ‬الوطن‭ ‬لكي‭ ‬يتأملوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬في‭ ‬المرايا،‭ ‬وصحيح‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬بعض‭ ‬الروايات‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬لكن‭ ‬ليس‭ ‬بالطريقة‭ ‬الموجعة‭ ‬التي‭ ‬كنت‭ ‬أرى‭ ‬أنها‭ ‬ضرورية،‭ ‬لأنني‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬لا‭ ‬يشعر‭ ‬بحاجته‭ ‬للعلاج‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬شعر‭ ‬بالألم،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬أنني‭ ‬أيضاً‭ ‬كنت‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬ينتقدهم‭ ‬خوزيه‭ ‬مندوزا‭ ‬في‭ ‬الرواية‭. ‬كنت‭ ‬أكتب‭ ‬النص‭ ‬قاصدا‭ ‬أن‭ ‬أسبب‭ ‬الوجع‭ ‬لمن‭ ‬يقرأ‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬وطني؛‭ ‬محبة‭ ‬فيهم‭ ‬وفي‭ ‬الوطن،‭ ‬ورغبة‭ ‬في‭ ‬إظهار‭ ‬وتجسيد‭ ‬الصورة‭ ‬التي‭ ‬يراها‭ ‬علينا‭ ‬الآخر‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬جاء‭ ‬الدافع‭ ‬للكتابة‭ ‬وليس‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬نص‭ ‬لم‭ ‬أجده،‭ ‬خصوصا‭ ‬وأنا‭ ‬أعرف‭ ‬أن‭ ‬لدينا‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬مساحة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الحرية‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نكتب‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬مجتمعنا‭. ‬صحيح‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬حرية‭ ‬مطلقة‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬لكن‭ ‬هناك‭ ‬هامشًا‭ ‬كبيرًا‭.‬

‭< ‬ولماذا‭ ‬تعتقد‭ ‬أن‭ ‬البعض‭ ‬ينصرف‭ ‬عن‭ ‬طرح‭ ‬قضايا‭ ‬حقيقية‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬بشكل‭ ‬عام؟‭ ‬هل‭ ‬يعود‭ ‬ذلك‭ ‬ربما‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يتهموا‭ ‬بأنهم‭ ‬يعرون‭ ‬المجتمع‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬اتهامك‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬الكويت؟

‭- ‬الحقيقة‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬السبب‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬ينصرفون‭ ‬عن‭ ‬طرح‭ ‬قضايا‭ ‬حقيقية‭. ‬البعض‭ ‬يرى‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬واجبنا‭ ‬أن‭ ‬نقوم‭ ‬بكشف‭ ‬عيوبنا‭. ‬وهو‭ ‬بالفعل‭ ‬اتهام‭ ‬وجِّه‭ ‬لي‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬البعض‭ ‬الذين‭ ‬قالوا‭ ‬اأنت‭ ‬تعري‭ ‬المجتمعب‭. ‬والحقيقة‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أحب‭ ‬كلمة‭ ‬تعري،‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬السلبيات‭ ‬التي‭ ‬تضمنها‭ ‬النص،‭ ‬موجودة‭ ‬بالفعل،‭ ‬والآخر‭ ‬يراها‭ ‬بكل‭ ‬وضوح‭. ‬أنا‭ ‬فقط‭ ‬أشير‭ ‬إليها‭. ‬وصحيح‭ ‬أن‭ ‬بها‭ ‬بعض‭ ‬القسوة‭ ‬لدرجة‭ ‬أنني‭ ‬حتى‭ ‬لبعض‭ ‬الوقت‭ ‬كنت‭ ‬أفكر‭ ‬اهل‭ ‬من‭ ‬حقي‭ ‬أن‭ ‬أفرح‭ ‬بجائزة‭ ‬البوكر‭ ‬على‭ ‬عمل‭ ‬أقسو‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬مجتمعي‭ ‬بالنقدب؟‭ ‬أم‭ ‬أنه‭ ‬ينبغي‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أشعر‭ ‬بتأنيب‭ ‬الضمير؟‭ ‬لكني‭ ‬حين‭ ‬أتأمل‭ ‬الأمر‭ ‬بموضوعية‭ ‬أقول‭: ‬اوما‭ ‬المشكلة‭ ‬أن‭ ‬أوجع‭ ‬مجتمعي‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬الهدف‭ ‬نبيل‭ ‬في‭ ‬النهاية؟ب‭.‬

‭< ‬هل‭ ‬تعتقد‭ ‬أن‭ ‬عدم‭ ‬رغبة‭ ‬المجتمعات‭ ‬في‭ ‬نقد‭ ‬الذات‭ ‬ظاهرة‭ ‬كويتية‭ ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬ظاهرة‭ ‬عربية‭ ‬عامة؟‭ ‬وأذكرك،‭ ‬بهذه‭ ‬المناسبة،‭ ‬أن‭ ‬يوسف‭ ‬شاهين‭ ‬حين‭ ‬قدم‭ ‬عملاً‭ ‬انتقد‭ ‬فيه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬سلوكيات‭ ‬المصريين‭ ‬قبل‭ ‬وفاته‭ ‬بفترة‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬القاهرة‭ ‬منورة‭ ‬بأهلها‮»‬‭ ‬هوجم‭ ‬بقوة‭ ‬من‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬النقاد،‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬النزعة‭ ‬الشوفينية،‭ ‬الذين‭ ‬رأوا‭ ‬أنه‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬يرى‭ ‬الآخرون‭ ‬عوراتنا‭. ‬واليوم‭ ‬وكما‭ ‬نرى‭ ‬جميعاً‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬حذر‭ ‬منه‭ ‬شاهين‭ ‬آنذاك‭ ‬قد‭ ‬انفجر‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الجميع‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬ولايزال‭.‬

‭- ‬طبعا‭ ‬الظاهرة‭ ‬تخص‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مجتمع‭ ‬عربي،‭ ‬لكن‭ ‬ظاهرة‭ ‬نقد‭ ‬الذات‭ ‬هي‭ ‬ظاهرة‭ ‬إنسانية،‭ ‬تخص‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الروايات‭ ‬العالمية‭ ‬هناك‭ ‬دائما‭ ‬نقد‭ ‬ذاتي‭. ‬

‭< ‬لكن‭ ‬النقد‭ ‬الذاتي‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الغربية‭ ‬مسألة‭ ‬طبيعية،‭ ‬بل‭ ‬وجزء‭ ‬من‭ ‬الثقافة‭ ‬نفسها،‭ ‬في‭ ‬مجتمعات‭ ‬شفافة‭ ‬ولديها‭ ‬الثقة‭ ‬والقوة‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬نقد‭ ‬الذات‭.‬

‭- ‬نحن‭ ‬نادرا‭ ‬ما‭ ‬تحدث‭ ‬لدينا‭ ‬مكاشفة‭ ‬للذات،‭ ‬ربما‭ ‬لأننا‭ ‬نفضل‭ ‬أن‭ ‬نداري‭ ‬سوءاتنا،‭ ‬لكني‭ ‬لا‭ ‬أتصور‭ ‬أن‭ ‬وظيفة‭ ‬الأدب‭ ‬هي‭ ‬تجميل‭ ‬الواقع‭ ‬أو‭ ‬تزييف‭ ‬الحقيقة‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أحد‭ ‬أدواره‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مرآة‭ ‬للواقع‭ ‬يواجه‭ ‬فيها‭ ‬الأديب‭ ‬أو‭ ‬الكاتب‭ ‬مجتمعه،‭ ‬بل‭ ‬ويواجه‭ ‬ذاته‭ ‬أولا‭.‬

وأعتقد‭ ‬أنني‭ ‬بالفعل‭ ‬خلال‭ ‬كتابة‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬كنت‭ ‬أتعرف‭ ‬على‭ ‬ذاتي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عين‭ ‬الآخر،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬شيئاً‭ ‬جديداً‭ ‬عليّ‭. ‬فمنذ‭ ‬عدت‭ ‬من‭ ‬مطار‭ ‬مانيلا‭ ‬إلى‭ ‬الكويت‭ ‬وأنا‭ ‬أنظر‭ ‬إلى‭ ‬المجتمع‭ ‬بعيون‭ ‬مختلفة‭. ‬فقد‭ ‬عدت‭ ‬بعيني‭ ‬خوزيه‭ ‬مندوزا،‭ ‬وبدأت‭ ‬أنتبه‭ ‬إلى‭ ‬موظف‭ ‬المطار،‭ ‬وطريقة‭ ‬تعامله‭ ‬مع‭ ‬المسافرين‭ ‬الأجانب،‭ ‬كما‭ ‬بدأت‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬سلوكيات‭ ‬الأفراد‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬وفي‭ ‬البيت،‭ ‬وهي‭ ‬سلوكياتنا،‭ ‬أصبحت‭ ‬أرصد‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬بعين‭ ‬مختلفة‭.‬

‭< ‬كيف‭ ‬تفسر‭ ‬غياب‭ ‬ثقافة‭ ‬نقد‭ ‬الذات،‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الكويتي،‭ ‬وربما‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬العربية،‭ ‬ولكن‭ ‬بالنسبة‭ ‬للكويت‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬خاص‭ ‬كيف‭ ‬تفسر‭ ‬الظاهرة‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬المواطن‭ ‬الكويتي‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬مواطني‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬وربما‭ ‬المواطن‭ ‬الخليجي‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬السفر‭ ‬بسبب‭ ‬الوفرة‭ ‬المادية‭ ‬والتسهيلات‭ ‬الخاصة‭ ‬بالتأشيرات‭. ‬كيف‭ ‬لمن‭ ‬يسافر‭ ‬كثيرا‭ ‬ألا‭ ‬يملك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬مقارنة‭ ‬ذاته‭ ‬بالآخر‭ ‬ونقد‭ ‬سلوكياته‭ ‬الذاتية؟

‭- ‬أحببت‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬كثيرا‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭. ‬وتفسيري‭ ‬لهذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬هو‭ ‬أننا‭ ‬حين‭ ‬نسافر‭ ‬للسياحة،‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬فإننا‭ ‬نسافر‭ ‬بثقافتنا‭ ‬كأننا‭ ‬نضع‭ ‬أنفسنا‭ ‬داخل‭ ‬صناديق‭ ‬مغلقة‭ ‬نذهب‭ ‬ونعود‭ ‬فيها‭. ‬فنجد‭ ‬أن‭ ‬الكويتيين،‭ ‬وربما‭ ‬الخليجيين‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬يسافرون‭ ‬في‭ ‬تجمعات،‭ ‬ويتحركون‭ ‬معا،‭ ‬بنفس‭ ‬الثقافة‭ ‬والذهنية،‭ ‬وبنفس‭ ‬الانشغالات‭ ‬التي‭ ‬تشغلهم‭ ‬في‭ ‬أوطانهم،‭ ‬دون‭ ‬طرح‭ ‬أسئلة‭ ‬جديدة،‭ ‬أو‭ ‬معايشة‭ ‬ثقافة‭ ‬مختلفة‭. ‬ربما‭ ‬هم‭ ‬يعيشون‭ ‬لفترة‭ ‬محدودة‭ ‬في‭ ‬طبيعة‭ ‬مختلفة‭ ‬وبيئة‭ ‬ومكان‭ ‬مختلفين،‭ ‬لكنهم‭ ‬يتحركون‭ ‬بثقافتهم،‭ ‬ويتحدثون‭ ‬مع‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض،‭ ‬بلا‭ ‬انفتاح‭ ‬على‭ ‬الآخر،‭ ‬ولا‭ ‬حوار‭ ‬أو‭ ‬محاولة‭ ‬للتعرف‭ ‬على‭ ‬الآخر‭. ‬

وأنا‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المــــثال‭ ‬حين‭ ‬ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬الفلبين‭ ‬ثم‭ ‬قررت‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬القرية‭ ‬التي‭ ‬توفي‭ ‬بها‭ ‬جد‭ ‬سائق‭ ‬السيارة‭ ‬الأجرة‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يرافــقـــــني،‭ ‬ارتكــــبت‭ ‬أمراً‭ ‬مضحكاً‭ ‬جداً‭. ‬فأول‭ ‬ما‭ ‬ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬الفلبين‭ ‬بهدف‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬الآخر‭ ‬ذهبت‭ ‬بثقافتي‭. ‬فحين‭ ‬سكنت‭ ‬في‭ ‬كوخ‭ ‬البامبو‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬جواري‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬العائلات‭ ‬الفلبينية،‭ ‬وقد‭ ‬أصابهم‭ ‬الضيق‭ ‬الشديد‭ ‬من‭ ‬وجــــودي‭ ‬بينهم،‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬أحدهم‭ ‬جاء‭ ‬ليخبرني‭ ‬بأن‭ ‬السيدة‭ ‬العجوز‭ ‬في‭ ‬الجوار‭ ‬ترى‭ ‬أنني‭ ‬شخص‭ ‬مريب‭ ‬ومخيف‭. ‬

فقد‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬السيدة‭ ‬تخرج‭ ‬يومياً‭ ‬من‭ ‬كوخها‭ ‬لكي‭ ‬تسقي‭ ‬الزرع‭ ‬وتطعم‭ ‬دجاجاتها،‭ ‬وكنت‭ ‬حين‭ ‬أراها،‭ ‬وكما‭ ‬هو‭ ‬شائع‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬حين‭ ‬أرى‭ ‬سيدة‭ ‬كبيرة،‭ ‬أدير‭ ‬وجهي‭ ‬احتراماً‭ ‬لها،‭ ‬ولكي‭ ‬تتحرك‭ ‬ابراحتهاب‭. ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬ليس‭ ‬موجوداً‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬الفلبينية،‭ ‬فعندما‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬السيدة‭ ‬تراني‭ ‬أدير‭ ‬وجهي‭ ‬عنها‭ ‬يصيبها‭ ‬ذلك‭ ‬بالضيق،‭ ‬لأنها‭ ‬فسرته‭ ‬بأنه‭ ‬نفور‭ ‬منها،‭ ‬وتسبب‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الشعور‭ ‬بأنني‭ ‬شخص‭ ‬مريب‭.‬

وجاءني‭ ‬الفتى‭ ‬الذي‭ ‬ساعدني‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬هناك‭ ‬وأهداني‭ ‬كلمة‭ ‬السر،‭ ‬وقال‭ ‬لي‭: ‬قل‭ ‬لها‭ ‬صباح‭ ‬الخير،‭ ‬ببساطة‭.‬

وعندما‭ ‬نطقت‭ ‬لها‭ ‬بهاتين‭ ‬الكلمتين‭ ‬انقلبت‭ ‬الحال‭ ‬تمامًا،‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬هي‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬يرحب‭ ‬بي‭ ‬ويبتسم‭ ‬لي،‭ ‬بل‭ ‬انتقل‭ ‬شعورها‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬الموجودين،‭ ‬وأصبح‭ ‬الطعام‭ ‬يصلني‭ ‬إلى‭ ‬الكوخ‭ ‬بانتظام‭ ‬من‭ ‬الجيران،‭ ‬فالمشكلة‭ ‬أننا‭ ‬حين‭ ‬نسافر‭ ‬بالفعل‭ ‬ننتقل‭ ‬بثقافتنا‭ ‬ونمارس‭ ‬نفس‭ ‬سلوكياتنا‭ ‬وبلا‭ ‬أي‭ ‬انفتاح‭ ‬أو‭ ‬محاولة‭ ‬للتعرف‭ ‬على‭ ‬الآخر‭.‬

‭< ‬وهل‭ ‬تعتقد‭ ‬أن‭ ‬الأدب‭ ‬وحده‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬خلخلة‭ ‬هذه‭ ‬المعايير؟‭ ‬

‭- ‬لا‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الأدب‭ ‬لوحده‭ ‬يكفي‭ ‬لمثل‭ ‬هذا‭ ‬التغيير‭. ‬نحتاج‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬الجهد‭ ‬من‭ ‬جهات‭ ‬عديدة‭ ‬لكي‭ ‬نتمكن‭ ‬من‭ ‬خلخلة‭ ‬معايير‭ ‬راسخة‭ ‬ومستقرة‭.‬

‭< ‬كانت‭ ‬لديّ‭ ‬ملاحظة‭ ‬وأخبرتك‭ ‬بها‭ ‬عقب‭ ‬فوزك‭ ‬بالجائزة‭ ‬بأيام،‭ ‬حول‭ ‬أنني‭ ‬وجدت‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬أرادوا‭ ‬الاحتفاء‭ ‬بالكويت‭ ‬في‭ ‬شخصك،‭ ‬البعض‭ ‬كان‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يأخذ‭ ‬الرواية‭ ‬لمنطقه،‭ ‬والاحتفاء‭ ‬بمنجز‭ ‬كويتي،‭ ‬لكن‭ ‬بنعرة‭ ‬تختلف‭ ‬تماماً‭ ‬مع‭ ‬رسالة‭ ‬الرواية‭. ‬هل‭ ‬تعتقد‭ ‬أن‭ ‬الرواية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬توجد‭ ‬صراعاً‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬يستقطب‭ ‬الآخر‭ ‬لمنطقه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الآخر؟

‭- ‬صحيح،‭ ‬وأظن‭ ‬أن‭ ‬الفرد‭ ‬الذي‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬السلبيات‭ ‬التي‭ ‬أشارت‭ ‬لها‭ ‬الرواية‭ ‬ربما‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يتمنى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬الإنجاز‭ ‬قد‭ ‬تحقق،‭ ‬لأنها‭ ‬تكشف‭ ‬الكثير‭ ‬مما‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يُكشف،‭ ‬لكني‭ ‬متأكد‭ ‬أن‭ ‬السلبيات‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬ستلفت‭ ‬الانتباه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيرها،‭ ‬فأنا‭ ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬من‭ ‬انتبه‭ ‬مثلا‭ ‬إلى‭ ‬مجموعة‭ ‬امجــانين‭ ‬بوراكيب‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ (‬مجموعة‭ ‬شباب‭ ‬كويتيين‭ ‬يتسمون‭ ‬بالانفتاح‭ ‬والتفتح،‭ ‬ولديهم‭ ‬نوازع‭ ‬وطنية‭ ‬ورغبة‭ ‬في‭ ‬المشاركة‭ ‬بالعمل‭ ‬الوطني‭)‬،‭ ‬لم‭ ‬ينتبه‭ ‬لهم‭ ‬أحد‭. ‬الكل‭ ‬توقف‭ ‬عند‭ ‬السلبيات‭. ‬وتواردت‭ ‬أسئلة‭ ‬من‭ ‬قبيل‭: ‬كيف‭ ‬تُصوّر‭ ‬رجل‭ ‬الشرطة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو؟‭ ‬كيف‭ ‬تُصوّر‭ ‬رجل‭ ‬الشارع‭ ‬هكذا؟‭ ‬للأسف‭ ‬نحن‭ ‬لدينا‭ ‬حساسيات‭ ‬ونحتاج‭ ‬إلى‭ ‬أعمال‭ ‬أدبية‭ ‬أخرى‭ ‬تلح‭ ‬وتؤكد‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬القيم‭ ‬حتى‭ ‬تتحول‭ ‬مسألة‭ ‬النقد‭ ‬الذاتي‭ ‬أمراً‭ ‬عادياً‭ ‬ومقبولاً‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الكويتي‭.‬

‭< ‬الانطباع‭ ‬العام‭ ‬المعروف‭ ‬عن‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬بها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬جنسية،‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬ثقافة‭ ‬أنها‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬مجتمعات‭ ‬منفتحة‭ ‬على‭ ‬الآخر،‭ ‬وتأخذ‭ ‬سمة‭ ‬التسامح‭ ‬قيمة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭. ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬معروفا‭ ‬عن‭ ‬الكويت،‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬الثروة‭ ‬النفطية،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬مجتمع‭ ‬تجارة‭ ‬مفتوحًا‭ ‬على‭ ‬الهند‭ ‬وغيرها،‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬تستقطب‭ ‬أفرادا‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬للعمل‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬الغوص‭ ‬مثلا،‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬حين‭ ‬جاءت‭ ‬الثروة‭ ‬النفطية‭ ‬قررت‭ ‬الكويت‭ ‬أن‭ ‬تلعب‭ ‬دورا‭ ‬مؤثرا‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬يعوض‭ ‬صغر‭ ‬حجمها،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬الكويت‭.. ‬بلد‭ ‬كل‭ ‬العرب‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬شعارا‭ ‬حقيقيا،‭ ‬له‭ ‬إرهاصات‭ ‬عدة،‭ ‬بينها‭ ‬استقطاب‭ ‬أهم‭ ‬المبدعين‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬المجالات‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الكويتي‭ ‬وإثراء‭ ‬الخبرات‭ ‬المحلية‭ ‬بالخبرات‭ ‬الوافدة،‭ ‬ثم‭ ‬تصدير‭ ‬الثقافة‭ ‬المترجمة‭ ‬والعربية‭ ‬بشكل‭ ‬يفوق‭ ‬إمكانات‭ ‬أي‭ ‬مجتمع‭ ‬عربي‭ ‬آخر،‭ ‬وإنشاء‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬العربي‮»‬‭ ‬التي‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬تأكيد‭ ‬تواصل‭ ‬كل‭ ‬ثقافات‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬ببعضها‭ ‬البعض،‭ ‬لكننا‭ ‬اليوم‭ ‬نرى‭ ‬منطقا‭ ‬مغايرا‭ ‬تماما،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تبدو‭ ‬تجلياته‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬ساق‭ ‬البامبو‮»‬‭.. ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬حدث؟

‭- ‬حقيقة‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬بالضبط،‭ ‬ليست‭ ‬لدي‭ ‬إجابة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬السؤال،‭ ‬بمعنى‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬أين‭ ‬بدأت‭ ‬نقطة‭ ‬التغير،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬أعرفه‭ ‬جيدا‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬الكويتي‭ ‬عندما‭ ‬احتضن‭ ‬الآخر‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬أيضا‭ ‬مجتمع‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬الثقافة،‭ ‬بسبب‭ ‬التنوع‭ ‬والاحتكاك‭ ‬بالثقافات‭ ‬المختلفة،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬زكي‭ ‬طليمات‭ ‬موجودا‭ ‬في‭ ‬المسرح،‭ ‬وأحمد‭ ‬زكي‭ ‬في‭ ‬االعربيب،‭ ‬وفؤاد‭ ‬زكريا‭ ‬يقيم‭ ‬مشروعات‭ ‬فكرية‭ ‬كبيرة،‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬لبنان‭ ‬وفلسطين‭ ‬وسوريا‭. ‬هذا‭ ‬بالتالي‭ ‬كان‭ ‬مفيدا‭ ‬للمجتمع‭ ‬الكويتي‭. ‬ولست‭ ‬أعرف‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬للغزو‭ ‬تأثير‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬ظاهرة‭ ‬الانغلاق‭ ‬التدريجي‭ ‬هذه‭ ‬ربما‭ ‬بدأت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الغزو‭. ‬

فالآخر‭ ‬موجود،‭ ‬ويمثل‭ ‬صورة‭ ‬المجتمع‭ ‬شئنا‭ ‬أم‭ ‬أبينا‭. ‬فنحن‭ ‬نتكلم‭ ‬عن‭ ‬نحو‭ ‬مليون‭ ‬ومائتي‭ ‬ألف‭ ‬كويتي‭ ‬وضعف‭ ‬الرقم‭ ‬تقريبا‭ ‬من‭ ‬الوافدين‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬لكنك‭ ‬اليوم‭ ‬بالفعل‭ ‬تكاد‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬تفاعلا‭ ‬بين‭ ‬الجاليات‭ ‬الأجنبية‭ ‬وبين‭ ‬الكويتيين‭ ‬مع‭ ‬استثناءات‭ ‬بالتأكيد،‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تمثل‭ ‬ظاهرة‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يتمنى‭ ‬فيه‭ ‬الفرد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬دور‭ ‬للمثقف‭ ‬الكويتي‭ ‬في‭ ‬تفعيل‭ ‬هذا‭ ‬الانفتاح‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬جمعيات‭ ‬النفع‭ ‬العام‭ ‬عادت‭ ‬للخلف،‭ ‬وتقوقعت‭ ‬على‭ ‬ذاتها،‭ ‬وأصبحت‭ ‬للكويتيين‭ ‬فقط،‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬محزن‭. ‬انظر‭ ‬نتاجها،‭ ‬لقد‭ ‬أصبحنا‭ ‬نسخا‭ ‬مكررة‭ ‬من‭ ‬بعضنا‭ ‬البعض،‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬وجود‭ ‬حقيقي‭ ‬لآخر‭ ‬نتأثر‭ ‬به‭ ‬ونتفاعل‭ ‬معه‭.‬

‭< ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أتوقف‭ ‬عند‭ ‬لغة‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬ساق‭ ‬البامبو‮»‬،‭ ‬وأنا‭ ‬بشكل‭ ‬شخصي‭ ‬أرى‭ ‬أنها‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬الغنائية‭ ‬والشعرية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬سمة‭ ‬أساسية‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬النصوص‭ ‬التي‭ ‬يكتبها‭ ‬كتاب‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج،‭ ‬والتي‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬مناسبة‭ ‬للتطور‭ ‬الحداثي‭ ‬للنصوص‭ ‬المعاصرة‭. ‬هل‭ ‬انتبهت‭ ‬أنت‭ ‬لذلك‭ ‬وبالتالي‭ ‬حاولت‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الغنائية؟

‭- ‬أحسست‭ ‬بهذه‭ ‬المشكلة‭ ‬بالفعل‭ ‬بعد‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الصفحات‭ ‬الأولى،‭ ‬فقد‭ ‬استخدمت‭ ‬تقريباً‭ ‬نفس‭ ‬اللغة‭ ‬التي‭ ‬استخدمتها‭ ‬في‭ ‬روايتي‭ ‬السابقة‭ ‬اسجين‭ ‬المراياب،‭ ‬لكني‭ ‬اكتشفت‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تناسب‭ ‬الفتى‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يزيد‭ ‬عمره‭ ‬عن‭ ‬20‭ ‬عاما،‭ ‬ولا‭ ‬النص‭ ‬الذي‭ ‬يقدم‭ ‬سيرته‭ ‬ويفترض‭ ‬أنه‭ ‬نص‭ ‬مترجما‭ ‬عن‭ ‬الفلبينية،‭ ‬كإحدى‭ ‬الحيل‭ ‬السردية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬وجدت‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المعقول‭ ‬أو‭ ‬المبرر‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لغته‭ ‬غنائية‭ ‬أو‭ ‬جمالية‭ ‬مستغرقة‭ ‬في‭ ‬الوصف‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الشاعرية‭.‬

لهذا‭ ‬كان‭ ‬عليّ‭ ‬أن‭ ‬أتحدى‭ ‬نفسي‭ ‬لخلق‭ ‬لغة‭ ‬أخرى‭ ‬بسيطة‭ ‬تناسب‭ ‬الراوي‭. ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬صعباً‭ ‬في‭ ‬البداية،‭ ‬ربما‭ ‬لأنها‭ ‬ليست‭ ‬اللغة‭ ‬التي‭ ‬أحب‭ ‬الكتابة‭ ‬بها،‭ ‬خصوصاً‭ ‬وأنني‭ ‬كان‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬أتقمص‭ ‬ذهنية‭ ‬شاب‭ ‬ليست‭ ‬لديه‭ ‬ثقافة‭ ‬كبيرة‭ ‬بقدر‭ ‬الإمكان،‭ ‬وأحيانا‭ ‬في‭ ‬المقاطع‭ ‬العاطفية‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬أجد‭ ‬نفسي‭ ‬أعود‭ ‬لاستخدام‭ ‬اللغة‭ ‬الغنائية،‭ ‬لكني‭ ‬كنت‭ ‬أنتبه‭ ‬وأعود‭ ‬للغة‭ ‬التي‭ ‬اخترتها‭ ‬للنص‭.‬

‭< ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬المثيرة‭ ‬للاهتمام‭ ‬في‭ ‬النص،‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬شخصية‭ ‬الجد‭ ‬مندوزا،‭ ‬وابنة‭ ‬الخالة‭ ‬‮«‬ميرلا‮»‬،‭ ‬وأيضا‭ ‬الجدة‭ ‬الكويتية‭ ‬ماما‭ ‬غنيمة‭. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬تصور‭ ‬قدرة‭ ‬استلهام‭ ‬شخصية‭ ‬الجدّة‭ ‬لأنها‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬بيئة‭ ‬وثقافة‭ ‬أنت‭ ‬تعرفها‭ ‬جيداً،‭ ‬لكن‭ ‬ماذا‭ ‬عن‭ ‬مندوزا‭ ‬وميرلا؟

‭- ‬بالنسبة‭ ‬لمندوزا‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬شخصية‭ ‬مركّبة‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬شخص‭. ‬فقد‭ ‬ذهبت‭ ‬لعزاء‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬توفي‭ ‬وعشت‭ ‬في‭ ‬الكوخ‭ ‬الخاص‭ ‬به‭. ‬والذي‭ ‬وصفت‭ ‬مشهد‭ ‬وفاته‭ ‬في‭ ‬الكنيسة‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬الرواية‭. ‬وهناك‭ ‬شاهدت‭ ‬شخصية‭ ‬مقامر‭ ‬ديوك،‭ ‬كان‭ ‬لافتاً‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي،‭ ‬ورأيت‭ ‬شخصا‭ ‬آخر‭ ‬شارك‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬فيتنام‭. ‬ولمحت‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬منهم‭ ‬جانباً‭ ‬شخصيا‭ ‬لفت‭ ‬انتباهي،‭ ‬ومنهم‭ ‬جميعاً‭ ‬جاءت‭ ‬شخصية‭ ‬مندوزا‭.‬

أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬لشخصية‭ ‬ميرلا،‭ ‬ففي‭ ‬الحقيقة‭ ‬هذه‭ ‬الشخصية‭ ‬كانت‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬ذهني‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬كتابة‭ ‬الرواية،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تظهر‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬آخر‭ ‬عن‭ ‬الفتاة‭ ‬المثلية‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬مثليتها‭ ‬مبرراً‭ ‬لأسباب‭ ‬بعينها‭: ‬أولاً‭ ‬كُرها‭ ‬في‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬يجسده‭ ‬والدها،‭ ‬الذي‭ ‬تخلى‭ ‬عنها‭ ‬ولم‭ ‬تعرف‭ ‬عنه‭ ‬شيئاً،‭ ‬وتضامناً‭ ‬مع‭ ‬أمها‭ ‬بالتالي،‭ ‬ثم‭ ‬تأثراً‭ ‬من‭ ‬كلام‭ ‬أمّها‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تردد‭ ‬أن‭ ‬الرجال‭ ‬ديوك‭ ‬والنساء‭ ‬دجاجات،‭ ‬وتثبيت‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬في‭ ‬ذهنها،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬نفورها‭ ‬من‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الرجل‭ ‬والمرأة‭. ‬وقد‭ ‬تعاطفت‭ ‬كثيرا‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الشخصيات‭ ‬لذلك‭ ‬جاءت‭ ‬مقنعة،‭ ‬وكما‭ ‬يقول‭ ‬د‭.‬جلال‭ ‬أمين‭ ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬الشخصيات‭ ‬مثل‭ ‬مندوزا‭ ‬أو‭ ‬الجدة‭ ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬شخصيات‭ ‬شريرة،‭ ‬لكنها‭ ‬كانت‭ ‬تدعو‭ ‬للتعاطف‭ ‬معها‭ ‬وتصديقها‭.‬

‭< ‬شخصية‭ ‬‮«‬غسان‮»‬،‭ ‬البدون،‭ ‬صديق‭ ‬والد‭ ‬خوزيه‭ ‬راشد‭ ‬الطاروف‭. ‬هل‭ ‬كان‭ ‬المقصود‭ ‬منه‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬مظاهر‭ ‬أزمة‭ ‬الهوية؟

‭-‬‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬التي‭ ‬تجلت‭ ‬لديها‭ ‬مظاهر‭ ‬أزمة‭ ‬الهوية‭: ‬فسوف‭ ‬تجد‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬شخصية‭ ‬خوزيه،‭ ‬ولدى‭ ‬غسان‭ ‬البدون،‭ ‬وميرلا‭ ‬نصف‭ ‬الفلبينية،‭ ‬نصف‭ ‬الأوربية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تكره‭ ‬ملامحها‭ ‬الشقراء،‭ ‬لأنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تعرف‭ ‬والدها،‭ ‬وتعوض‭ ‬ذلك‭ ‬بحب‭ ‬ودراسة‭ ‬تاريخ‭ ‬الفلبين،‭ ‬نهاية‭ ‬بشخصية‭ ‬الجد‭ ‬مندوزا‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬تكشف‭ ‬الرواية‭ ‬أيضا‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬مجهول‭ ‬الهوية،‭ ‬ويعاني‭ ‬بالتالي‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬الصراع‭. ‬وبالتالي‭ ‬فالهوية‭ ‬في‭ ‬النص‭ ‬سؤال‭ ‬مفتوح‭ ‬باستمرار‭. ‬وهناك‭ ‬تجليات‭ ‬لهذا‭ ‬السؤال‭ ‬وأيضا‭ ‬تناقضات،‭  ‬فخوزيه‭ ‬الذي‭ ‬عاش‭ ‬18‭ ‬عاما‭ ‬من‭ ‬حياته‭ ‬في‭ ‬الفلبين‭ ‬يمتلك‭ ‬أوراقاً‭ ‬ثبوتية‭ ‬كويتية،‭ ‬والذي‭ ‬يساعده‭ ‬في‭ ‬الحضور‭ ‬للكويت‭ ‬هو‭ ‬غسان‭ ‬البدون،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمتلك‭ ‬أوراق‭ ‬الهوية،‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬ولد‭ ‬وعاش‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬ودافع‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الغزو،‭ ‬إلخ‭. ‬

‭< ‬من‭ ‬هم‭ ‬الكتاب‭ ‬الذين‭ ‬تأثرت‭ ‬بأعمالهم،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬تجد‭ ‬هوى‭ ‬في‭ ‬نفسك‭ ‬تجاه‭ ‬أعمالهم‭ ‬الأدبية‭ ‬أو‭ ‬الفكرية‭ ‬بشكل‭ ‬عام؟

‭- ‬الحقيقة‭ ‬أنني‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬القراءة‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬التوقف‭ ‬عند‭ ‬أسماء‭ ‬بعينها،‭ ‬لأنني‭ ‬أقرأ‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬يدي‭. ‬لكن‭ ‬لو‭ ‬أحببت‭ ‬أن‭ ‬أذكر‭ ‬لك‭ ‬بعض‭ ‬الأمثلة‭ ‬فأنا‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭ ‬أهوى‭ ‬أعمال‭ ‬فيكتور‭ ‬هيجو‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬وهو‭ ‬يمثل‭ ‬أيقونة‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭. ‬وليقل‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬يحب‭ ‬أنه‭ ‬كلاسيكي‭. ‬فعمل‭ ‬مثل‭ ‬البؤساء‭ ‬مثلاً،‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬أعود‭ ‬لقراءته‭ ‬بين‭ ‬الآن‭ ‬والآخر‭ ‬لأجدد‭ ‬حنيني‭ ‬للوقت‭ ‬الذي‭ ‬قرأت‭ ‬فيه‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى،‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يستدعيه‭ ‬ذلك،‭ ‬فهو‭ ‬عمل‭ ‬ملحمي‭ ‬يسطر‭ ‬جزءا‭ ‬مهما‭ ‬من‭ ‬التاريخ،‭ ‬ويفصل‭ ‬طبيعة‭ ‬حياة‭ ‬المهمشين‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬تاريخية‭ ‬بعينها،‭ ‬فهذا‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬تأثرت‭ ‬بها‭.‬

في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬تستهويني‭ ‬أعمال‭ ‬الروائي‭ ‬الأمريكي‭ ‬بول‭ ‬أوستر،‭ ‬وتعجبني‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يضرب‭ ‬عرض‭ ‬الحائط‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬متعارف‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬قوانين‭ ‬الرواية‭ ‬لكي‭ ‬يقول‭ ‬ما‭ ‬يريد‭ ‬بالطريقة‭ ‬التي‭ ‬يرغب‭. ‬كما‭ ‬يعجبني‭ ‬الكاتب‭ ‬البرتغالي‭ ‬ساراماجو‭ ‬الذي‭ ‬أظنه‭ ‬كاتبا‭ ‬عبقريا،‭ ‬فهو‭ ‬يجهدك‭ ‬في‭ ‬قراءته،‭ ‬ويشركك‭ ‬في‭ ‬نصه‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬أو‭ ‬آخر،‭ ‬ولذلك‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬أن‭ ‬ينسى‭ ‬المرء‭ ‬نصا‭ ‬لساراماجو‭ ‬بكل‭ ‬تفاصيله‭ ‬لأنك‭ ‬تتعب‭ ‬وأنت‭ ‬تقرأه‭.‬

بالنسبة‭ ‬لمصر‭ ‬طبعا‭ ‬الأسماء‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تحصى،‭ ‬ولا‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أعددهم‭ ‬لأنني‭ ‬قرأت‭ ‬أغلب‭ ‬الكتاب‭ ‬المصريين‭ ‬وارتبطت‭ ‬بالعديد‭ ‬منهم،‭ ‬وخصوصا‭ ‬توفيق‭ ‬الحكيم‭. ‬فهو‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬كاتب‭ ‬مؤثر‭ ‬جدا،‭ ‬ربما‭ ‬لأني‭ ‬قرأته‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬مبكر‭ ‬من‭ ‬عمري‭.‬

‭< ‬وماذا‭ ‬عن‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬الكويت؟

‭- ‬طبعا‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬تأثرت‭ ‬بالأستاذة‭ ‬ليلى‭ ‬العثمان،‭ ‬لأنني‭ ‬قرأت‭ ‬أعمالها‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬مبكر‭ ‬جدا‭. ‬كما‭ ‬تأثرت‭ ‬بإسماعيل‭ ‬فهد‭ ‬إسماعيل،‭ ‬لكني‭ ‬قرأته‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬كبيرة‭ ‬نسبيا‭. ‬قرأت‭ ‬له‭ ‬السباعية‭ ‬أولا،‭ ‬فأحببتها‭ ‬جدا‭ ‬وبعدها‭ ‬داومت‭ ‬على‭ ‬قراءة‭ ‬بقية‭ ‬أعماله‭. ‬والحقيقة‭ ‬أنه‭ ‬أثر‭ ‬فيّ‭ ‬كثيراً‭ ‬على‭ ‬الصعيدين‭ ‬الأدبي‭ ‬والإنساني،‭ ‬خصوصا‭ ‬عندما‭ ‬تعرفت‭ ‬عليه‭ ‬واكتشفت‭ ‬أنه‭ ‬مثل‭ ‬كتابته،‭ ‬وأنه‭ ‬الشخص‭ ‬نفسه‭ ‬أينما‭ ‬ألتقيه،‭ ‬وهو‭ ‬أيضا‭ ‬أفادني‭ ‬كثيرا،‭ ‬لأنني‭ ‬كنت‭ ‬أقرأ‭ ‬عليه‭ ‬النص‭ ‬أثناء‭ ‬الكتابة،‭ ‬وكنت‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تعبيرات‭ ‬وجهه‭ ‬أعرف‭ ‬انطباعه‭. ‬

‭< ‬ماذا‭ ‬عن‭ ‬مشروعاتك‭ ‬المستقبلية؟

‭-‬‭ ‬الحقيقة‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬أفكر‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬موضوع‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬وبعض‭ ‬الأفكار‭ ‬تتضمن‭ ‬قدرا‭ ‬من‭ ‬التجريب‭ ‬لكنها‭ ‬تحتاج‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القراءة،‭ ‬لكن‭ ‬هناك‭ ‬موضوعا‭ ‬ثالثا‭ ‬أظنه‭ ‬قد‭ ‬توافرت‭ ‬فيه‭ ‬الدوافع‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬جعلتني‭ ‬أتحمس‭ ‬لكتابة‭ ‬ساق‭ ‬البامبو‭.‬

‭< ‬هل‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬الجائزة‭ ‬ستفيدك‭ ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تعطيلك‭ ‬بعض‭ ‬الشيء؟

‭- ‬الحقيقة‭ ‬أنني‭ ‬بالجائزة‭ ‬وبدون‭ ‬الجائزة‭ ‬متريث‭ ‬بطبيعتي،‭ ‬وبعد‭ ‬الجائزة‭ ‬أشعر‭ ‬أن‭ ‬مساحة‭ ‬القراء‭ ‬اتسعت‭ ‬كثيرا،‭ ‬وهذه‭ ‬فرصة‭ ‬ذهبية،‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬لك‭ ‬قارئا‭. ‬

وبالتالي‭ ‬فإما‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لدي‭ ‬ما‭ ‬أقوله‭ ‬وبشكل‭ ‬جاد،‭ ‬وإما‭ ‬أن‭ ‬أصمت‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬أفقد‭ ‬هذا‭ ‬القارئ‭ ‬الذي‭ ‬أولاني‭ ‬ثقته‭ .