«الربيع العربي».. هل يتحول إلى «ربيع اقتصادي»؟!

«الربيع العربي»..  هل يتحول إلى «ربيع اقتصادي»؟!

شكّلت‭ ‬الثورات‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬غيّرت‭ ‬الوجه‭ ‬السياسي‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬ولاتزال‭ ‬تهز‭ ‬أسس‭ ‬الأنظمة‭ ‬التي‭ ‬بدا‭ ‬وكأنها‭ ‬أبدية‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى،‭ ‬معلمًا‭ ‬رئيسيًا‭ ‬لمطلع‭ ‬العشرية‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين،‭ ‬وغدت‭ ‬مثالاً‭ ‬يُقتدى‭ ‬يلهم‭ ‬المحتجين‭ ‬في‭ ‬قارات‭ ‬وبلدان‭ ‬أخرى،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬أوربا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬نفسها،‭ ‬الساعين‭ ‬إلى‭ ‬إحداث‭ ‬تحولات‭ ‬جذرية‭ ‬في‭ ‬بلدانهم‭.‬

غـــــيـــر‭ ‬أن‭ ‬السؤال‭ ‬الـــــذي‭ ‬يُطرح‭ ‬بإلــــحاح‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭: ‬هل‭ ‬تكون‭ ‬تلك‭ ‬التحــــولات‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬طابعها،‭ ‬التي‭ ‬يشهدها‭ ‬العالم‭ ‬العربــــي،‭ ‬مقدمة‭ ‬لإحداث‭ ‬تغيرات‭ ‬وتحولات‭ ‬جذرية‭ ‬في‭ ‬الميدان‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬حصول‭ ‬نقلــــة‭ ‬نوعــــية‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬باتجاه‭ ‬تحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬الفعلية،‭ ‬الاقتصادية‭ - ‬الاجتماعية،‭ ‬للبلدان‭ ‬والشعوب‭ ‬العربية؟‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تحقق‭ ‬ذلك،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬بدأت‭ ‬الخطوات‭ ‬الملموسة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه،‭ ‬فسنكون‭ ‬بالفعل‭ ‬أمام‭ ‬ربيع‭ ‬عربي‭ ‬حقيقي،‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬نقل‭ ‬الإنسان‭ ‬العربي‭ ‬والمجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬عمومًا،‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬التخــــلف‭ ‬وضعـــــف‭ ‬التطـــور‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬ظلها‭ ‬اليـــــوم،‭ ‬إلى‭ ‬مصاف‭ ‬المجتمـــعات‭ ‬والدول‭ ‬السائرة‭ ‬في‭ ‬ركب‭ ‬التقدم،‭ ‬فليس‭ ‬سرًا‭ ‬أن‭ ‬معدلات‭ ‬النمو‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬العـــربـــــية‭ ‬هـــي‭ ‬من‭ ‬أدنى‭ ‬المعدلات‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬اليوم‭.‬

 

في‭ ‬دوافع‭ ‬الحراك‭ ‬العربي

لم‭ ‬تكن‭ ‬دوافع‭ ‬الحراك‭ ‬العربي،‭ ‬الذي‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬ثورات‭ ‬أخذت‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬البلدان‭ ‬طابعًا‭ ‬عنيفًا،‭ ‬نتيجة‭ ‬المقاومة‭ ‬الشرسة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الأنظمة‭ ‬القائمة،‭ ‬دوافع‭ ‬سياسية‭ ‬فحسب،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الشعارات‭ ‬المباشرة‭ ‬التي‭ ‬طغت‭ ‬عليها،‭ ‬تلخصت‭ ‬في‭ ‬المطالبة‭ ‬بالحريات‭ ‬والديمقراطية‭ ‬والكرامة‭ ‬والعيش‭ ‬الكريم‭ ‬وإسقاط‭ ‬الطغاة‭ ‬والفاسدين‭..‬إلخ،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬للتحركات‭ ‬بعدها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬أيضًا،‭ ‬فكانت‭ ‬بمنزلة‭ ‬انتفاضات‭ ‬على‭ ‬السياسات‭ ‬التي‭ ‬قادت‭ ‬إلى‭ ‬تعميم‭ ‬الفقر‭ ‬والجوع‭ ‬وتفاقم‭ ‬البطالة‭ ‬وانسداد‭ ‬الأفق،‭ ‬أمام‭ ‬الأجيال‭ ‬الشابة‭ ‬بصورة‭ ‬خاصة،‭ ‬وقتل‭ ‬الأمل‭ ‬لديها‭ ‬في‭ ‬مستقبل‭ ‬لائق‭. ‬فنزول‭ ‬الشباب‭ ‬العربي‭ ‬إلى‭ ‬الشوارع،‭ ‬مدعومين‭ ‬بشرائح‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬المجتمع،‭ ‬كان‭ ‬أيضًا‭ ‬نتيجة‭ ‬للركود‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وسوء‭ ‬الأحوال‭ ‬المعيشية،‭ ‬واحتجاجًا‭ ‬على‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬وازدياد‭ ‬معدلات‭ ‬البطالة‭ ‬وتردي‭ ‬مستوى‭ ‬الخدمات،‭ ‬وبسبب‭ ‬الفساد‭ ‬الذي‭ ‬سيطر‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

لقد‭ ‬كانت‭ ‬حصيلة‭ ‬السياسات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المتبعة‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬بائسة‭. ‬فحسب‭ ‬معطيات‭ ‬التقرير‭ ‬العربي‭ ‬الموحد‭ ‬لعام‭ ‬2010،‭ ‬سجلت‭ ‬معدلات‭ ‬نمو‭ ‬الاقتصادات‭ ‬العربية‭ ‬تراجعًا‭ ‬واضحًا‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬2009،‭ ‬تمثل‭ ‬السبب‭ ‬المباشر‭ ‬لهذا‭ ‬التراجع‭ ‬في‭ ‬الأزمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬العالمية‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الأسباب‭ ‬الأبعد‭ ‬مدى‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬فشل‭ ‬تلك‭ ‬السياسات‭. ‬فقد‭ ‬تراجع‭ ‬متوسط‭ ‬معدل‭ ‬النمو‭ ‬بالأسعار‭ ‬الثابتة‭ ‬للدول‭ ‬العربية‭ ‬مجتمعة‭ ‬إلى‭ ‬حوالي‭ ‬1.8‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2009،‭ ‬مقارنة‭ ‬بنحو‭ ‬6.6‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2008‭.‬

وتشير‭ ‬التقديرات‭ ‬الأولية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬قيمة‭ ‬إجمالي‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬بالأسعار‭ ‬الجارية‭ ‬للدول‭ ‬العربية‭ ‬مجتمعة،‭ ‬تراجعت‭ ‬من‭ ‬1.9‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬عام‭ ‬2008‭ ‬إلى‭ ‬حوالي‭ ‬1.7‭ ‬تريليون‭ ‬عام‭ ‬2008،‭ ‬مسجلة‭ ‬انكماشًا‭ ‬قدره‭ ‬11.9‭ ‬في‭ ‬المائة‭.  ‬وانعكس‭ ‬هذا‭ ‬الانكماش‭ ‬سلبًا‭ ‬على‭ ‬حصة‭ ‬الفرد‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬الناتج‭ ‬المحــلي‭ ‬بالأسعار‭ ‬الــــجــــارية،‭ ‬الـــتي‭ ‬تراجـعــت‭ ‬إلى‭ ‬5159‭ ‬دولارًا‭ ‬عام‭ ‬2009‭ ‬مقارنة‭ ‬مع‭ ‬6002‭ ‬دولار‭ ‬عام‭ ‬2008‭.‬

وأفضل‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬الفشل‭ ‬الذريع‭ ‬لهذه‭ ‬السياسات‭ ‬يتجسد‭ ‬في‭ ‬مؤشر‭ ‬التنمية‭ ‬البــــشرية،‭ ‬الــوارد‭ ‬في‭ ‬تــقـارير‭ ‬التنمية‭ ‬الــــبــــشريــــة‭ ‬التي‭ ‬يصـــدرها‭ ‬برنامج‭ ‬الأمــــم‭ ‬المــــتــحــدة‭ ‬الإنمائي‭ ‬‭(‬UNDP‭)‬‭. ‬وهذا‭ ‬المؤشر‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬مقياس‭ ‬تركيبي‭ ‬مــستــــخلــص‭ ‬من‭ ‬مجـمــوعة‭ ‬معطيات‭ ‬إحصائية‭ ‬واقعية،‭ ‬ويرتكز‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬معطيات‭ ‬أساسية،‭ ‬هي‭ ‬مستوى‭ ‬الصحة‭ ‬ومستوى‭ ‬المعرفة‭ (‬أي‭ ‬نسبة‭ ‬الأمية‭ ‬بين‭ ‬البالغين‭) ‬وحصة‭ ‬الفرد‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬الناتج‭  ‬المحلي‭. ‬ويعرّف‭ ‬برنامج‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭  ‬الإنمائي‭ ‬التنمية‭ ‬البشرية‭ ‬بأنها‭ ‬اتوسيع‭ ‬لحريات‭ ‬البشر‭ ‬وإمكاناتهم،‭ ‬فيعيشون‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬يختارونها‭ ‬وينشدونها‭. ‬هي‭ ‬توسيع‭ ‬للخيارات‭. ‬ومفهوم‭ ‬الحريات‭ ‬والإمكانات‭ ‬يتجاوز‭ ‬حدود‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الأساسية‭ ‬إلى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الغايات‭ ‬الأخرى‭ ‬الضرورية‭ ‬لعيش‭ ‬احياة‭ ‬لائقةب،‭ ‬غايات‭ ‬قيمة‭ ‬لذاتها‭ ‬وبحد‭ ‬ذاتها‭.. ‬إن‭ ‬الفئات‭ ‬المحرومة‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬مفهوم‭ ‬التنمية‭ ‬البشرية‭..‬ب‭.‬

تؤكد‭ ‬المعطيات‭ ‬المتوافرة‭ ‬أن‭ ‬غالبية‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬مستويات‭ ‬متدنية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬مستوى‭ ‬التنمية‭ ‬البشرية،‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬تتوافر‭ ‬الشروط‭ ‬الضرورية‭ ‬لتأمين‭ ‬االخياراتب‭ ‬واالحياة‭ ‬اللائقةب‭ ‬التي‭ ‬يتحدث‭ ‬عنها‭ ‬التقرير‭. ‬ويبرز‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬المر‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬ولاتزال‭ ‬مسرحًا‭ ‬للانتفاضات‭ ‬الشعبية‭.‬

وتعتبر‭ ‬البطالة‭ ‬إحدى‭ ‬أخطر‭ ‬المشكلات‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬معدلات‭ ‬البطالة‭ ‬فيها‭ ‬هي‭ ‬بين‭ ‬الأعلى‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬وحسب‭ ‬تقرير‭ ‬لمجلس‭ ‬الوحدة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التابع‭ ‬لجامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬الذي‭ ‬صدر‭ ‬عام‭ ‬2004،‭ ‬قدّرت‭ ‬نسبة‭ ‬البطالة‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬15‭ ‬و20‭ ‬في‭ ‬المائة‭. ‬وكان‭ ‬تقرير‭ ‬منظمة‭ ‬العمل‭ ‬الدولية‭ ‬قد‭ ‬ذكر‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2003،‭ ‬أن‭ ‬متوسط‭ ‬نسبة‭ ‬البطالة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬6.2‭ ‬في‭ ‬المائة،‭ ‬بينما‭ ‬بلغت‭ ‬النسبة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬نفسه‭ ‬12.2‭ ‬في‭ ‬المائة،‭ ‬وتتزايد‭ ‬سنويًا‭ ‬بمعدل‭ ‬3‭ ‬في‭ ‬المائة‭. ‬وتنبأ‭ ‬التقرير‭ ‬بأن‭ ‬يصل‭ ‬عدد‭ ‬العاطلين‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬عام‭ ‬2010‭ ‬إلى‭ ‬25‭ ‬مليونًا‭. ‬وما‭ ‬يجعل‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬60‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬تقريبًا‭ ‬من‭ ‬سكانها‭ ‬هم‭ ‬دون‭ ‬سن‭ ‬الخامسة‭ ‬والعشرين‭. ‬ويُذكر‭ ‬أن‭ ‬منتدى‭ ‬دافوس‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي‭ ‬قال‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬سابق‭ ‬له‭ ‬اإن‭ ‬نسبة‭ ‬البطالة‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬بلغت‭ ‬نحو‭ ‬15‭ ‬في‭ ‬المائة،‭ ‬وإن‭ ‬عدد‭ ‬العاطلين‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬قد‭ ‬يبلغ‭ ‬80‭ ‬مليون‭ ‬شخص‭ ‬عام‭ ‬2013ب‭.‬

ووصفت‭ ‬منظمة‭ ‬العمل‭ ‬العربية،‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬نشر‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬مارس‭ ‬2005،‭ ‬الوضع‭ ‬الحالي‭ ‬للبطالة‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬بـاالأسوأ‭ ‬بين‭ ‬جميع‭ ‬مناطق‭ ‬العالم‭ ‬دون‭ ‬منازعب،‭ ‬وأنه‭ ‬افي‭ ‬طريقه‭ ‬لتجاوز‭ ‬الخطوط‭ ‬الحمراءب،‭ ‬حيث‭ ‬تخطت‭ ‬الـ14‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬العمل‭ (‬17‭ ‬مليون‭ ‬عربي‭)‬،‭ ‬و25‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬بين‭ ‬الشباب‭. ‬ويجب‭ ‬على‭ ‬الاقتصادات‭ ‬العربية‭ ‬ضخ‭ ‬نحو‭ ‬70‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬ورفع‭ ‬معدل‭ ‬نموها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬من‭ ‬3‭ ‬إلى‭ ‬7‭ ‬في‭ ‬المائة،‭ ‬واستحداث‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬خمسة‭ ‬ملايين‭ ‬فرصة‭ ‬عمل‭ ‬سنويًا،‭ ‬حتى‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة‭ ‬الخطيرة،‭ ‬ولكي‭ ‬يتم‭ ‬استيعاب‭ ‬الداخلين‭ ‬الجدد‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العمل،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬العاطلين‭.‬

وبصفة‭ ‬عامة،‭ ‬يرتفع‭ ‬معدل‭ ‬البطالة‭ ‬بين‭ ‬الشباب‭ ‬الداخلين‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭. ‬وتعاني‭ ‬فئة‭ ‬خريجي‭ ‬التعليم‭ ‬العالمي‭ ‬أعلى‭ ‬معدل‭ ‬للبطالة‭ ‬مقارنة‭ ‬بالفئات‭ ‬الأخرى،‭ ‬ما‭ ‬يدفع‭ ‬بأعداد‭ ‬متزايدة‭ ‬منهم‭ ‬للعمل‭ ‬خارج‭ ‬تخصصاتهم،‭ ‬أو‭ ‬للهجرة‭. ‬وكذلك‭ ‬ترتفع‭ ‬معدلات‭ ‬البطالة‭ ‬المقنّعة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭. ‬فحسب‭ ‬بيانات‭ ‬عام‭ ‬2009،‭ ‬وصلت‭ ‬نسبة‭ ‬البطالة‭ ‬وسط‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬إلى‭ ‬45‭ ‬في‭ ‬المائة،‭ ‬وفي‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬ومصر‭ ‬إلى‭ ‬25‭ ‬في‭ ‬المائة‭. ‬وقد‭ ‬أكّدت‭ ‬منظمة‭ ‬العمل‭ ‬الدولية‭ ‬أن‭ ‬مشكلة‭ ‬البطالة‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أهم‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬أشعلت‭ ‬شرارة‭ ‬الثورات‭ ‬الشعبية‭. ‬وأوضحت‭ ‬المنظمة‭ ‬أن‭ ‬معدل‭ ‬البطالة‭ ‬بين‭ ‬الشباب‭ ‬العربي‭ ‬بلغ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬23‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬عام‭ ‬2010‭. ‬وأضافت‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬النسبة‭ ‬ترتفع‭ ‬أكثر‭ ‬بين‭ ‬النساء‭ ‬لتصل‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬30‭ ‬في‭ ‬المائة،‭ ‬وأن‭ ‬مشاركتهن‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬هي‭ ‬الأضعف‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭. ‬وتشير‭ ‬المنظمة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬العربية‭ ‬ضعيفة،‭ ‬ولا‭ ‬تحظى‭ ‬إلا‭ ‬بعدد‭ ‬محدود‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬التشغيل‭. ‬ومما‭ ‬يفاقم‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة‭ ‬ضعف‭ ‬معدلات‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬والخلل‭ ‬الذي‭ ‬يعانيه‭ ‬المناخ‭ ‬العام‭ ‬للاستثمار‭. ‬ففي‭ ‬عام‭ ‬2010،‭ ‬كان‭ ‬90‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬العاطلين‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬الذين‭ ‬تتراوح‭ ‬أعمارهم‭ ‬بين‭ ‬15‭ ‬و24‭ ‬عامًا،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬معدلات‭ ‬البطالة‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬بين‭ ‬خريجي‭ ‬الجامعات‭ ‬والمدارس‭ ‬الثانوية‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬24‭ ‬في‭ ‬المائة‭. ‬وتؤكد‭ ‬منظمة‭ ‬العمل‭ ‬الدولية‭ ‬أن‭ ‬ظروف‭ ‬العمل‭ ‬للشباب‭ ‬العربي‭ ‬سيئة‭ ‬للغاية‭ ‬من‭ ‬جراء‭ ‬الأجور‭ ‬المتدنية‭ ‬والرعاية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والصحية‭ ‬المحدودة‭ ‬وعقود‭ ‬العمل‭ ‬غير‭ ‬الآمنة‭. ‬وتشير‭ ‬الدراسات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بتداعيات‭ ‬الأزمة‭ ‬العالمية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬معدلات‭ ‬الفقر‭ ‬قد‭ ‬تتزايد‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬حدوث‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التراجع‭ ‬في‭ ‬الأجور،‭ ‬وارتفاع‭ ‬البطالة،‭ ‬وانخفاض‭ ‬التحويلات‭ ‬المالية،‭ ‬وانحسار‭ ‬الإنفاق‭ ‬العام‭ ‬والمساعدات‭ ‬الخارجية‭.‬

وثمة‭ ‬مؤشر‭ ‬آخر‭ ‬يكشف‭ ‬حالة‭ ‬الاقتصادات‭ ‬العربية‭ ‬ومستوى‭ ‬معيشة‭ ‬المواطنين‭ ‬العرب،‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬حصة‭ ‬الفرد‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭.‬

فباستثناء‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬التي‭ ‬تضاهي‭ ‬فيها‭ ‬مستويات‭ ‬نصيب‭ ‬الفرد‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬مثيلاتها‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ (‬والفضل‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬يعود‭ ‬أساسًا‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬عوائد‭ ‬النفط‭ ‬والغاز،‭ ‬وليس‭ ‬إلى‭ ‬تطور‭ ‬البنى‭  ‬الاقتصادية‭ ‬فيها‭)‬،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬المؤشر‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬الأخرى،‭ ‬خصوصًا‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬ولاتزال‭ ‬مسرحًا‭ ‬للتحرّكات‭ ‬الاحتجاجية،‭ ‬يعكس‭ ‬صورة‭ ‬بائسة‭ ‬لمستوى‭ ‬المعيشة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الدول،‭ ‬علمًا‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬يعبّر‭ ‬بالكامل‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬الوضع،‭ ‬لكونه‭ ‬يقدم‭ ‬معدلات‭ ‬وسطية‭ ‬تخفي‭ ‬خلفها‭ ‬تفاوتات‭ ‬هائلة‭ ‬في‭ ‬توزيع‭ ‬الثروة‭ ‬بين‭ ‬فئات‭ ‬المجتمع‭.‬

إن‭ ‬التطورات‭ ‬والتحولات‭ ‬التي‭ ‬شهدها‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬منذ‭ ‬الاستقلال،‭ ‬لم‭ ‬تمكّنه‭ ‬عمليًا‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬تنمية‭ ‬حقيقية‭. ‬فالاقتصاد‭ ‬العربي‭ ‬اقتصاد‭ ‬ريعي‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى،‭ ‬يتسم‭ ‬بضعف‭ ‬البنى‭ ‬الإنتاجية‭ ‬التي‭ ‬تعجز‭ ‬عن‭ ‬تأمين‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬وتوفير‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬للأجيال‭ ‬الشابة،‭ ‬وهو‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬الانكشاف‭ ‬على‭ ‬الخارج،‭ ‬حيث‭ ‬تعتمد‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬استيراد‭ ‬معظم‭ ‬حاجاتها‭ ‬الغذائية‭ ‬والصناعية،‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬يجعل‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬للشعوب‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تبعية‭ ‬متزايدة‭ ‬لهذا‭ ‬الخارج،‭ ‬ويفاقم‭ ‬الهوّة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والمعرفية‭ ‬معه‭.‬

 

في‭ ‬التداعيات

من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬الانتفاضات‭ ‬الشعبية‭ ‬العربية‭ ‬ستترك‭ ‬آثارًا‭ ‬وتداعيات‭ ‬على‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬المعنية،‭ ‬على‭ ‬المديين‭ ‬القصير‭ ‬والبعيد‭. ‬وقد‭ ‬رأى‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬تقريره‭ ‬عن‭ ‬اآفاق‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الإقليميب‭ ‬المنشور‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬نوفمبر‭ ‬2011،‭ ‬أن‭ ‬الفترة‭ ‬الراهنة‭ ‬وما‭ ‬تحمله‭ ‬من‭ ‬تغيير‭ ‬غير‭ ‬مسبوق،‭ ‬تبشر‭ ‬بحدوث‭ ‬تحسّن‭ ‬في‭ ‬المستويات‭ ‬المعيشية‭ ‬وتحقيق‭ ‬مستقبل‭ ‬أكثر‭ ‬رخاء‭ ‬لشعوب‭ ‬المنطقة‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ثمار‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬أمر‭ ‬محقق‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل،‭ ‬فإن‭ ‬المنطقة‭ ‬تشهد‭ ‬منذ‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬حالة‭ ‬فريدة‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭ ‬والضغوط‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الناشئة‭ ‬عن‭ ‬مصادر‭ ‬داخلية‭ ‬وخارجية‭ ‬على‭ ‬السواء،‭ ‬ومن‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬تزداد‭ ‬هذه‭ ‬الضغوط‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬تفاقم‭ ‬أوضاع‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬أخيرًا‭.‬

فعلى‭ ‬المدى‭ ‬القصير،‭ ‬ستكون‭ ‬التداعيات‭ ‬سلبية‭ ‬في‭ ‬الغالب،‭ ‬نتيجة‭ ‬الاضطرابات‭ ‬المستمرة‭ ‬وطول‭ ‬أمد‭ ‬الأزمة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬البلدان‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يحل‭ ‬الاستقرار‭ ‬وتعود‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬نصابها‭ ‬وتحدد‭ ‬السلطات‭ ‬الجديدة‭ ‬النهج‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬ستسلكه‭. ‬ويتوقع‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬تقريره‭ ‬الآنف‭ ‬الذكر،‭ ‬أن‭ ‬ينخفض‭ ‬متوسط‭ ‬نمو‭ ‬إجمالي‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬المنطقة‭ ‬المستوردة‭ ‬للنفط‭ ‬من‭ ‬4.33‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬عام‭ ‬2010‭ ‬إلى‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬2‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬عام‭ ‬2011‭. ‬ومن‭ ‬المتوقع‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬يزداد‭ ‬ضعف‭ ‬التعافي‭ ‬الاقتصادي‭ ‬عام‭ ‬2012‭ ‬مقارنة‭ ‬بالتوقعات‭ ‬السابقة،‭ ‬إذ‭ ‬يبلغ‭ ‬النمو‭ ‬المتوقع‭ ‬حاليًا‭ ‬أكثر‭ ‬بقليل‭ ‬من‭ ‬3‭ ‬في‭ ‬المائة‭. ‬وقد‭ ‬تدهورت‭ ‬الأوضاع‭ ‬الخارجية‭ ‬والمالية‭ ‬أخيرًا،‭ ‬حيث‭ ‬تعرض‭ ‬النشاط‭ ‬السياحي‭ ‬والتدفقات‭ ‬الرأسمالية‭ ‬الداخلة‭ ‬لانخفاضات‭ ‬كبيرة‭. ‬وأدى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬المواد‭ ‬الأولية‭ ‬وإلى‭ ‬تقلص‭ ‬الاحتياطيات‭ ‬الــخارجـــية‭. ‬ومن‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬يتسع‭ ‬عجز‭ ‬المالية‭ ‬العامة‭ ‬بمقدار‭ ‬1.5‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬تقريبًا‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬2011‭ ‬إلى‭ ‬2012،‭ ‬نـــــظرًا‭ ‬لاحتـــفاظ‭ ‬السلطات‭ ‬بمـــوقف‭ ‬مالـــيـــتـــها‭ ‬الــــعــامة‭ ‬المــــعـــاكس‭ ‬للاتجاهات‭ ‬الــــــدورية‭. ‬وفــــي‭ ‬سياق‭ ‬الجهود‭ ‬التي‭ ‬تبذل‭ ‬لتخفيف‭ ‬أثر‭ ‬الهبوط‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬المواد‭ ‬الأولية،‭ ‬طرأت‭ ‬زيادة‭ ‬حادة‭ ‬على‭ ‬الدعم‭ ‬والتحويلات‭ ‬الشاملة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تقدم‭ ‬للفقراء‭ ‬سوى‭ ‬منافع‭ ‬محدودة‭. ‬وتم‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬البلدان‭ ‬تخفيض‭ ‬النفقات‭ ‬الرأسمالية،‭ ‬مما‭ ‬يلحق‭ ‬الضرر‭ ‬بالنمو‭ ‬المستقبلي‭. ‬وتوقع‭ ‬الصندوق‭ ‬ألا‭ ‬يتعدى‭ ‬نمو‭ ‬إجمالي‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬لمصر‭ ‬نسبة‭ ‬1.2‭ ‬في‭ ‬المادة‭ ‬عام‭ ‬2012‭ ‬مقارنة‭ ‬بـ5.1‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬عام‭ ‬2011،‭ ‬وفي‭ ‬سورية‭ ‬نسبة‭ ‬2‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬بعد‭ ‬ست‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬النمو‭ ‬القوي،‭ ‬وفي‭ ‬اليمن‭ ‬نحو‭ ‬2.2‭ ‬في‭ ‬المائة‭. ‬وبالنسبة‭ ‬لليبيا‭ ‬توقع‭ ‬الصندوق‭ ‬انكماش‭ ‬إجمالي‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الحقيقي‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬في‭ ‬المائة‭.‬

بدوره،‭ ‬قدم‭ ‬معهد‭ ‬التمويل‭ ‬الدولي‭ ‬توقعات‭ ‬مشابهة‭ ‬للفترة‭ ‬ذاتها‭. ‬فتوقع‭ ‬أن‭ ‬يتراجع‭ ‬النمو‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬والأردن‭ ‬ولبنان‭ ‬والمغرب‭ ‬وسورية‭ ‬وتونس‭ ‬من‭ ‬4.4‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬إلى‭ ‬0.5‭ ‬في‭ ‬المائة‭. ‬ورأى‭ ‬أن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المصري‭ ‬سيشهد‭ ‬انكماشًا‭ ‬بنسبة‭ ‬5.5‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬والاقتصاد‭ ‬اليمني‭ ‬بنسبة‭ ‬4‭ ‬في‭ ‬المائة‭. ‬وقدّر‭ ‬الخسائر‭ ‬الاقتصادية‭ ‬للثورة‭ ‬المصرية‭ ‬بحوالي‭ ‬1.7‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬الخسائر‭ ‬اللاحقة‭ ‬في‭ ‬عائدات‭ ‬التصدير‭ ‬والسياحة‭. ‬وحذّرت‭ ‬مجلة‭ ‬انيوزويكب‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬المعضلة‭ ‬الأكبر‭ ‬التي‭ ‬ستواجه‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المصري‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الثورة،‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬هروب‭ ‬رءوس‭ ‬الأموال‭ ‬إلى‭ ‬الخارج،‭ ‬نظرًا‭ ‬لعدم‭ ‬اليقين‭  ‬الذي‭ ‬لايزال‭ ‬يحيط‭ ‬بالوضع‭. ‬وتراجع‭ ‬احتياطي‭ ‬النقد‭ ‬الأجنبي‭ ‬بمقدار‭ ‬الثلث‭ ‬في‭ ‬الربع‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2011،‭  ‬وثمة‭ ‬تقديرات‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬خروج‭ ‬قرابة‭ ‬30‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬البلاد‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭. ‬وتشير‭ ‬المجلة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬تزداد‭ ‬سوءًا،‭ ‬حيث‭ ‬تجاوز‭ ‬التضخم‭ ‬نسبة‭ ‬12‭ ‬في‭ ‬المائة،‭ ‬وارتفعت‭ ‬معدلات‭ ‬البطالة‭ ‬عن‭ ‬المستوى‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭. ‬وثمة‭ ‬تداعيات‭ ‬مماثلة،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬أكثر‭ ‬حدة،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬تونس‭ ‬وليبيا‭ ‬واليمن‭ ‬وسورية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬أوضاعًا‭ ‬مشابهة‭. ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬طبيعي،‭ ‬فالمراحل‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الثورات‭ ‬تتسم‭ ‬عادة‭ ‬بعدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬وبتراجع‭ ‬المؤشرات‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬ينعكس‭ ‬سلبًا‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭. ‬وتاريخ‭ ‬الثورات‭ ‬العالمية‭ ‬يؤكد‭ ‬ذلك،‭ ‬من‭ ‬الثورة‭ ‬الفرنسية‭ ‬إلى‭ ‬الثورة‭ ‬الروسية‭ ‬إلى‭ ‬الثورة‭ ‬الصينية‭.. ‬إلخ‭.‬

 

ماذا‭ ‬عن‭ ‬المستقبل؟

بديهي‭ ‬أن‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬انتفضت‭ ‬على‭ ‬حكامها،‭ ‬تتطلع‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يؤتي‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬ثماره‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬بأسرع‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭. ‬وهي،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ذاقت‭ ‬طعم‭ ‬الحرية،‭ ‬وكسرت‭ ‬حاجز‭ ‬الخوف،‭ ‬وأدركت‭ ‬حجم‭ ‬القدرات‭ ‬الكامنة‭ ‬لديها،‭ ‬لن‭ ‬تستكين‭ ‬وستظل‭ ‬ترفع‭ ‬الصوت‭ ‬مطالبة‭ ‬بتحقيق‭ ‬أهدافها‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ ‬الحقيقية‭ ‬وتحسين‭ ‬مستوى‭ ‬المعيشة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬مطالبها‭ ‬بالحرية‭ ‬والديمقراطية‭. ‬وستجد‭ ‬الحكومات‭ ‬العربية‭ ‬نفسها‭ ‬مدعوّة‭ ‬لمعالجة‭ ‬مشكلات‭ ‬ملحة،‭ ‬في‭ ‬مقدمتها‭ ‬مشكلات‭ ‬كالبطالة‭ ‬وتضخم‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭ ‬وتفشي‭ ‬الفساد‭ ‬وارتفاع‭ ‬الإنفاق‭ ‬العام‭ ‬وضعف‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تنفيذ‭ ‬مشروع‭ ‬شامل‭ ‬للإصلاح‭ ‬الاقتصادي‭. ‬والإصلاح‭ ‬المنشود‭ ‬يتطلب‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬إدخال‭ ‬تحوّلات‭ ‬جذرية‭ ‬في‭ ‬بنية‭ ‬الاقتصادات‭ ‬العربية،‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تحويلها‭ ‬من‭ ‬اقتصادات‭ ‬ريعية،‭ ‬مشوّهة،‭ ‬أحادية‭ ‬الجانب،‭ ‬إلى‭ ‬اقتصادات‭ ‬منتجة‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬تنويع‭ ‬وتطوير‭ ‬الفروع‭ ‬الإنتاجية‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬يواكب‭ ‬الثورة‭ ‬العلمية‭ ‬التكنولوجية‭ ‬والتحولات‭ ‬الهائلة‭ ‬التي‭ ‬تشهدها‭ ‬اقتصادات‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬ويستفيد‭ ‬من‭ ‬الثورة‭ ‬المعرفية‭ ‬التي‭ ‬تشكّل‭ ‬السمة‭ ‬الرئيسية‭ ‬للاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬اليوم‭. ‬وهذا‭ ‬بدوره‭ ‬يتطلب‭ ‬إحداث‭ ‬ثورة‭ ‬حقيقية‭ ‬في‭ ‬النظم‭ ‬التعليمية‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬كافة،‭ ‬لجعلها‭ ‬منتجًا‭ ‬فعليًا‭ ‬للطاقات‭ ‬والمعارف‭ ‬والمهارات،‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬سد‭ ‬الفجوة‭ ‬المعرفية‭ ‬التي‭ ‬تفصل‭ ‬اقتصاداتنا‭ ‬ومجتمعاتنا‭ ‬عن‭ ‬الاقتصادات‭  ‬المتطورة‭. ‬إن‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬يحقق‭ ‬نموًا‭ ‬اقتصاديًا،‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬تنمية‭ ‬اقتصادية‭ - ‬اجتماعية‭ ‬حقيقية،‭ ‬وأن‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭ ‬للشباب‭ ‬الثائر،‭ ‬وهي‭ ‬ستكون‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭ ‬ذات‭ ‬محتوى‭ ‬معرفي‭ ‬ينقل‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشباب‭ ‬من‭ ‬الاحتجاج‭ ‬في‭ ‬الشارع،‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬الدءوب‭ ‬لتحسين‭ ‬مستوى‭ ‬معيشتهم‭ ‬ولتوسيع‭ ‬حرياتهم‭ ‬وإمكاناتهم‭ ‬وخياراتهم،‭ ‬فيعيشون‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬يختارونها‭ ‬وينشدونها‭. ‬تلك‭ ‬االحياة‭ ‬اللائقةب‭ ‬التي‭ ‬تحدث‭ ‬عنها‭ ‬تقرير‭ ‬التنمية‭ ‬البشرية،‭ ‬والتي‭ ‬يتجاوز‭ ‬فيها‭ ‬مفهوم‭ ‬الحريات‭ ‬والإمكانات‭ ‬حدود‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الأساسية،‭ ‬إلى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الغايات‭ ‬الأخرى‭ ‬الضرورية‭ ‬لعيش‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭. ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تحقق‭ ‬ذلك،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬بدأت‭ ‬الخطوات‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه،‭ ‬فعندها‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نأمل‭ ‬بألا‭ ‬ينقلب‭ ‬االربيع‭ ‬العربيب‭ ‬الواعد،‭ ‬إلى‭ ‬اخريف‭ ‬اقتصاديب‭ ‬لا‭ ‬يترك‭ ‬من‭ ‬ذاك‭ ‬الربيع‭ ‬في‭ ‬كتب‭ ‬التاريخ‭ ‬سوى‭ ‬ذكرى‭ ‬جميلة‭ ‬لأحلام‭ ‬وردية،‭ ‬راودت‭ ‬عقول‭ ‬وقلوب‭ ‬الملايين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬المترامي‭ ‬الأطراف‭ .