مـجـلـة الـهـلال.. والـخـليــج عصرٌ من الإبداع والتواصُل الثقافي
منذ أن صدرت مجلة الهلال قبل أكثر من مائة وعشرين عامًا، حيث صدر عددها الأول في سبتمبر 1892 وهي تواكب الحركة الثقافية العربية وتتفاعل معها وترصد كل المسارات الفكرية والثقافية والتاريخية في كل بقعة عربية ومنها منطقة الخليج والجزيرة العربية.
بالطبع لا يتسع المجال هنا لرصد كل ما جاء في االهلالب من تفاعل وإسهامات، خاصة بمنطقة الخليج، ولكننا سنقدم هنا بعض اللمحات والإشارات لتضيء لنا كل جوانب المشهد لتعكس مدى ذلك التفاعل الثقافي والمشاركة الفكرية، سواء من جانب المجلة أو من جانب بعض أدباء ومثقفي الخليج، وحتى لا نتوه وسط سيل من الاستشهادات والنماذج سنقدم هنا هذه اللمحات للدلالة على ذلك التفاعل والتواصل الثقافي.
الكويت
نشرت االهلالب إضاءة عن الكويت وتاريخها في عدد نوفمبر 1901 تحت عنوات االكويتب، ذكرت فيه معلومات عن جغرافيتها ومساحتها وعن حكامها من آل الصباح، حيث ذكرت أن الكويت بلاد صيد وتجارة وفيها جزر عديدة متفرقة قرب الشاطئ، ويتولى حكومتها شيخ هو بمنزلة الأمير من آل الصباح اسمه مبارك بن آل صباح.
كما نشرت االهلالب نبذة عن الكويت في عدد أول أبريل 1915، وفي عدد أول ديسمبر 1952 نشرت مجلة الهلال مقالا عن أمير الكويت الشيخ عبدالله سالم الصباح (صفحة 51) وذلك نقلًا عن مجلة اريدرز دايجستب الأمريكية ذكرت فيه بعض المعلومات عن الكويت وأميرها، حيث راهنت المجلة على أن سياسة الأمير ستثبت أنه سيكون من أحكم الناس وأبعدهم أثرًا من ناحية مساعدة الدول العربية الشقيقة ماليًا لتنفيذ مشروعاتها الحيوية بقصد العمران ورفع مستوى المعيشة فيها، حتى نضمن الاستقرار في الشرق.
ونقفز إلى سنة 1990 أثناء محنة غزو الكويت من قبل الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، حيث شاركت المجلة في الوقوف بجانب الحقوق الكويتية في الحرية والاستقلال من قبل بعض الخبراء المتخصصين، حيث نشرت المجلة في عدد أول سبتمبر 1990 دراسة للمؤرخ المصري الكبير د. أحمد عبدالرحيم مصطفى عن مشكلة الحدود الكويتية - العراقية في الوثائق البريطانية أثبت فيه الباحث رسوخ حدود الكويت عبر تاريخها وتأكيد ملكيتها لجزيرتي وربة وبوبيان.
وخلص الباحث إلى رفض مبدأ إزالة وانتهاك حدود الدول بحجة تحقيق الوحدة العربية لأن الوحدة لا يجوز أن تفرض بالقوة المسلحة، بل لابد أن تتحقق بإرادة الشعوب وبرضاها حتى لا تكون ستارًا للأطماع الإقليمية التي تراود بعض الحكام في عالم تحكمه مواثيق ومبادئ دولية لابد من مراعاتها.
التواصل الثقافي
التواصل الثقافي مع الكويت شمل الجوانب الأدبية والفكرية والفنية سواء من قبل محرري المجلة أو من خلال بعض أدباء وفناني الكويت.
ففي عدد أول يونيو 1973 من مجلة الهلال أفردت المجلة مجالا لرد الأديب الكويتي أحمد السقاف رئيس وفد رابطة الأدباء في الكويت، ردًا على موقف د. سهيل إدريس أثناء انعقاد مؤتمر الأدباء العرب في تونس في تلك الحقبة، والذي استغله البعض في المهاترات السياسية ضد السياسة المصرية في ذلك الحين قبل حرب أكتوبر 1973، وأكد الأديب أحمد السقاف على موقف أدباء الكويت المبدئي بصورة واضحة قوية حين أعلن انسحاب الوفد الكويتي من المؤتمر وقال:
اإن وفد الكويت أدرك أن هذا المؤتمر يتعرض للمزايدات المفتعلة من أناس لهم ارتباطات خاصة، وصمم الوفد على أن يكون منسجمًا مع نفسه بعيدًا عن المعارك الجانبية المفتعلة وهمه الوحيد قضية تحرير الأرض العربية وما يجب أن يحشد لها في هذه الظروف الحاسمةب!
وصدق حدس أحمد السقاف فلم تمض سوى شهور قليلة حتى قامت حرب أكتوبر المجيدة في السادس من أكتوبر 1973 وتحقق أكبر نصر للعرب في التاريخ الحديث.
وهكذا كانت تلك الروح العروبية الأخوية التي ربطت بين مصر والكويت هي السائدة عبر التاريخ والتي رسختها مجلة الهلال.
أما عن تواصل مجلة الهلال الثقافي مع الكويت فلم ينقطع، حيث نشرت العديد من الموضوعات والدراسات:
1- نشرت المجلة في عدد أول فبراير 1982 دراسة عن الفنون التشكيلية في الكويت للناقد الفني الأستاذ مختار العطار.
2- نشرت االهلالب في عدد مارس 1984 رسالة صحفية من الكويت للكاتب الصحفي محمد سعيد عن مهرجان الخليج الثالث للإنتاج التلفزيوني.
3- دراسة أضواء على الفن التشكيلى في الكويت بقلم د.صبري منصور بعدد أغسطس 1985 من االهلالب.
4- في عدد يونيو 1990 رسالة صحفية من الكويت لرئيس تحرير االهلالب مصطفى نبيل عن الندوة التي عقدت بالكويت تحت عنوان االدوريات الثقافية وآفاق المستقبلب.
5- في عدد يوليو 1990 نشرت رسالة الكويت عن معرض للفن في الكويت ضم المقتنيات التي عثر عليها في المناطق الإسلامية من روسيا.
الإبداع الخليجي في روايات «الهلال»
حرصت مجلة الهلال ومطبوعاتها على نشر الإبداع الخليجي، خاصة في سلسلتها الشهيرة اروايات الهلالب والتي دأبت منذ إصدارها عام 1949 على نشر الإبداع الروائي والقصصي المتميز للأدباء العرب والعالميين ومازالت تواصل رسالتها حتى اليوم.
وقامت السلسلة بنشر رواية الأديب الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل االكائن الظلب في عدد ديسمبر 1999 والتي استحضر فيها التاريخ العربي في قدرة فنية فائقة على التخيل والحنكة القصصية. والجدير بالذكر أن الروائي الكويتي العربي المبدع إسماعيل فهد إسماعيل خص مصر بالعديد من إبداعاته مثل روايته االنيل يجري شمالًاب واالنيل الطعم والرائحةب.
كما نشرت سلسلة روايات الهلال رواية الأديبة الإماراتية ميسون صقر اريحانةب في عدد يناير 2003 والذي جاء كعمل أدبي يضم نماذج ثرية دراميا.
كما صدرت في السلسلة نفسها رواية افيرونيكا تقرر أن تموتب والتي ترجمتها الأديبة الإماراتية ظبية خميس عام 2001. وأصدرت سلسلة كتاب النشر وهي ضمن إصدارات مجلة الهلال رواية الأديب السعودي إبراهيم الناصر الحميدان االغجرية والثعبانب.
كتاب الهلال
أما في سلسلة كتاب الهلال التي بدأت إصداراتها سنة 1952 ضمن مطبوعات مجلة الهلال، فقد حرصت على نشر عدد من الدراسات الأدبية والتاريخية عن الخليج منها كتاب عن اأبوظبيب صدر ضمن كتب النشر. وكتاب افي بلاد السندبادب في عدد أغسطس 1986 عن رحلة الأديب الكبير فاروق خورشيد إلى سلطنة عمان روى فيها العديد من مشاهداته وانطباعاته ومروياته عن عمان تاريخًا وحضارة.
وفي سلسلة كتاب النشر تم إصدار كتاب االقرشي شاعر بحيرة العطشب للأديب محمد رضوان عام 2012 تناول فيه بالدرس والتحليل حياة وشعر الشاعر السعودي العربي حسن عبدالله القرشي.
الإبداع الخليجي في مجلة الهلال
تواصلت مجلة الهلال مع الإبداع الخليجي حيث حرصت على نشر العديد من إبداعات أدباء الخليج ودراساتهم كما تناولت نشاطهم وإبداعاتهم على مدى عشرات السنين وحتى لا نتوه وسط عشرات الموضوعات ما لا يتسع المجال لذكره سنذكر لمحات سريعة تعطي دلالة على حرص مجلة الهلال على متابعة النشاط الثقافي الخليجي وإبداعاته.
ففي عدد سبتمبر 2009 نشر الأديب السعودي فاروق صالح باسلامة دراسة عن الأديب والمؤرخ السعودي محمد سعيد العامودي، وفي عدد نوفمبر 2009 من االهلالب نشر حوار أدبي مطول مع الأديب الكويتي العربي عبدالعزيز سعود البابطين راعي التعليم والثقافة العربية والإسلامية تناول كل أنشطته خاصة مشروعاته الطموحة للتأريخ للشعر العربي المعاصر وإصداره امعجم الشعراء المعاصرينب وامعجم شعراء القرنينب.
كما نشرت مجلة الهلال للعديد من الأدباء الخليجيين من السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة والبحرين وسلطنة عمان وقطر، في مجالات القصة والشعر والدراسة الأدبية والثقافية بالخليج ولا يتسع المجال لذكرها, بل يمكن أن يورد كتاب كامل ودراسة وافية ترصد ملامح ذلك التواصل الثقافي بين مجلة الهلال والإبداع الثقافي الخليجي وأبعاد ذلك ودلالاته الأدبية والفكرية والسياسية والتي تؤكد من جديد مدى ذلك التلاحم والتقارب الفكري بيننا، وذلك التلاحم في مواجهة كل ما يتهدد وجودنا ومستقبل هذه الأمة العربية العريقة.
وبعد، فإن المجال يضيق بذكر تلك الصلة الحميمية بين مجلة الهلال ومطبوعاتها وأدباء ومفكري الخليج وحرصها على مواكبة كل القضايا الفكرية والسياسية والتاريخية التي تتصل بتلك المنطقة الغالية من الأرض العربية، وأزعم أن دولة الكويت الشقيقة كان لها نصيب الأسد في هذا الاهتمام المبكر تاريخا وحضارة وثقافة .