بدر الـدين عـرودكـي و مهـا حســن - البشَر همُ الذين يتحاورون.. لا الحضارات

بدر الـدين عـرودكـي  و مهـا حســن - البشَر همُ الذين يتحاورون.. لا الحضارات

اللقاء‭ ‬مع‭ ‬بدر‭ ‬الدين‭ ‬عرودكي،‭ ‬يعني‭ ‬عدة‭ ‬لقاءات‭ ‬في‭ ‬جلسة‭ ‬واحدة،‭ ‬فهو‭ ‬الرجل‭ ‬المتعدد‭ ‬الخبرات‭ ‬والتجارب‭ ‬الثقافية،‭ ‬حين‭ ‬تجلس‭ ‬أمامه،‭ ‬تحتار‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬تبدأ،‭ ‬كأنك‭ ‬أمام‭ ‬سلة‭ ‬فاكهة‭ ‬مثمرة‭ ‬وناضجة‭ ‬ولا‭ ‬تعرف‭ ‬بأي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الفاكهة‭ ‬تبدأ‭. ‬فعرودكي‭ ‬هو‭ ‬ذلك‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬أمضى‭ ‬نصف‭ ‬حياته‭ ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬في‭ ‬باريس،‭ ‬عاصمة‭ ‬النور‭ ‬والثقافة‭ ‬العالمية،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته،‭ ‬يقول‭ ‬لك‭: ‬‮«‬أنا‭ ‬عربي‮»‬‭. ‬هو‭ ‬ذلك‭ ‬العربي‭ ‬الباريسي،‭ ‬هو‭ ‬الشرقي‭ ‬المقيم‭ ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬أصدقاؤه‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬الفرنسيين‭ ‬وكذلك‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬العرب‭. ‬بل‭ ‬يكاد‭ ‬يشبه‭ ‬أحيانًا‭ ‬ذلك‭ ‬الميزان‭ ‬الذي‭ ‬نرى‭ ‬رمزه‭ ‬في‭ ‬المحاكم‭. ‬وبعيدًا‭ ‬عن‭ ‬صيغة‭ ‬المحاكمة،‭ ‬الأبعد‭ ‬عن‭ ‬الثقافة،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الرجل،‭ ‬هو‭ ‬الميزان‭ ‬نفسه،‭ ‬الحامل‭ ‬لكفتين،‭ ‬المقيم‭ ‬بين‭ ‬الضفتين‭. ‬ناقل‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬للغرب،‭ ‬والعكس‭ ‬كذلك،‭ ‬ناقل‭ ‬ثقافة‭ ‬الغرب‭ ‬للعرب‭.‬

بدر‭ ‬الدين‭ ‬عرودكي‭ ‬المولود‭ ‬في‭ ‬دمشق،‭ ‬والقادم‭ ‬إلى‭ ‬باريس‭ ‬لإنجاز‭ ‬مشروع‭ ‬الدكتوراه،‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬باريس‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬تألقها،‭ ‬في‭ ‬الثمانينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬جذبته‭ ‬المدينة‭ ‬وجذبه‭ ‬هاجس‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية،‭ ‬ليشتغل‭ ‬على‭ ‬التعريف‭ ‬بها،‭ ‬للغربي‭.‬

بين‭ ‬الترجمة،‭ ‬وعمله‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬وكتاباته‭ ‬النقدية‭ ‬والإبداعية،‭ ‬نحن‭ ‬فعلًا‭ ‬أمام‭ ‬سلة‭ ‬فاكهة‭ ‬ثقافية‭.‬

كتب‭ ‬عرودكي‭ ‬النقد‭ ‬السينمائي‭ ‬والمسرحي‭ ‬والروائي،‭ ‬حيث‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬السورية‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1962‭. ‬وعمل‭ ‬كمحرر‭ ‬فني،‭ ‬ثم‭ ‬كمحرر‭ ‬أدبي،‭ ‬وبدوام‭ ‬يومي‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬االطليعةب‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1969،‭ ‬وكان‭ ‬له‭ ‬مقال‭ ‬أسبوعي‭ ‬في‭ ‬النقد‭ ‬الأدبي‭ ‬والمسرحي‭ ‬والسينمائي،‭ ‬يقول‭: ‬اكتبت‭ ‬عن‭ ‬معظم‭ ‬التجارب‭ ‬المسرحية‭ ‬التي‭ ‬قدمها‭ ‬المسرح‭ ‬القومي‭ ‬في‭ ‬دمشق،‭ ‬وأغلب‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تصدر‭ ‬في‭ ‬سورية‭ ‬ومصر،‭ ‬وكنت‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬قدّم‭ ‬يوسف‭ ‬القعيد‭ ‬في‭ ‬سورية،‭ ‬حين‭ ‬كتبتُ‭ ‬عن‭ ‬روايته‭ ‬االحدادب‭ ‬ونشرت‭ ‬قصصه‭ ‬وكذلك‭ ‬قصص‭ ‬جمال‭ ‬الغيطاني‭ ‬ومجيد‭ ‬طوبيا‭ ‬وسواهم‭ ‬من‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬آنئذ‭. ‬كنت‭ ‬ألاحق‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية‭ ‬وأجري‭ ‬مقابلات‭ ‬مع‭ ‬أدباء‭ ‬سوريين‭ ‬وعراقيين‭ ‬ومصريين‭ ‬وليبيين،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬المقابلات‭ ‬المهمة‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬أجريتها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬مع‭ ‬يوسف‭ ‬إدريس،‭ ‬حنا‭ ‬مينه،‭ ‬علي‭ ‬الجندي،‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬البياتي،‭ ‬محمد‭ ‬الفيتوري‭.. ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬المقالات‭ ‬النقدية‭ ‬التي‭ ‬كتبتها‭ ‬عن‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية‭ ‬للجيل‭ ‬الجديد‭ ‬آنئذ،‭ ‬إذ‭ ‬كنت‭ ‬مثلًا‭ ‬أوّل‭ ‬من‭ ‬كتب‭ ‬عن‭ ‬أوّل‭ ‬رواية‭ ‬لعبدالنبي‭ ‬حجازي‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬أوّل‭ ‬مجموعة‭ ‬قصصية‭ ‬لعبدالله‭ ‬عبدب‭. ‬

لدى‭ ‬عرودكي‭ ‬بين‭ ‬مائتين‭ ‬وثلاثمائة‭ ‬مقال‭ ‬في‭ ‬النقد‭ ‬المسرحي‭ ‬والسينمائي‭.‬

 

الرحلة‭ ‬إلى‭ ‬باريس

جاء‭ ‬عرودكي‭ ‬إلى‭ ‬باريس‭ ‬لتحضير‭ ‬أطروحة‭ ‬الدكتوراه،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬سنة‭ ‬1972،‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته،‭ ‬مراسلًا‭ ‬لمجلة‭ ‬الآداب‭ ‬البيروتية،‭ ‬يقول‭ ‬ضاحكًا‭ ‬شارحًا‭ ‬مفارقة‭ ‬الكتابة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬وصعوبة‭ ‬العيش‭ ‬الباريسي‭: ‬امن‭ ‬أجل‭ ‬كتابة‭ ‬مقال،‭ ‬كان‭ ‬عليّ‭ ‬حضور‭ ‬معرض‭ ‬فني،‭ ‬وحضور‭ ‬فيلم‭ ‬سينمائي،‭ ‬وشراء‭ ‬كتاب،‭ ‬وتسديد‭ ‬قيمة‭ ‬القهوة،‭ ‬أربعة‭ ‬فناجين‭ ‬قهوة‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬في‭ ‬مقهى‭ ‬باريسي‭ ‬لإعداد‭ ‬المقال،‭ ‬ثم‭ ‬أجرة‭ ‬إرسال‭ ‬المقال‭ ‬بريديًا،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬االإنترنتب‭ ‬متوافرة‭ ‬آنذاك،‭ ‬أي‭ ‬كنت‭ ‬أدفع‭ ‬نفقات‭ ‬اأدوات‭ ‬العملب‭ ‬ضعف‭ ‬المبلغ‭ ‬الذي‭ ‬أحصل‭ ‬عليه‭ ‬لقاء‭ ‬المقالب‭.‬

يضيف‭ ‬عرودكي‭ ‬مستذكرًا‭ ‬بدايات‭ ‬علاقته‭ ‬بالترجمة‭:‬

امن‭ ‬الصدف‭ ‬ذات‭ ‬الدلالة‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬ما‭ ‬نشرته‭ ‬من‭ ‬الترجمات‭ ‬كانت‭ ‬ترجمتي‭ ‬لقصيدة‭ ‬الشاعر‭ ‬الفرنسي‭ ‬رامبو‭ ‬االحدّادب‭. ‬وقد‭ ‬اقتُرِحَ‭ ‬عليّ‭ ‬إثر‭ ‬نشرها‭ ‬أن‭ ‬أعمل‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬االطليعةب‭ ‬السورية‭ ‬التي‭ ‬نشرت‭ ‬بعدئذ‭ ‬فيها‭ - ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬المقالات‭ ‬النقدية‭ - ‬ترجمة‭ ‬بعض‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية‭ ‬الفرنسية‭ ‬مثل‭ ‬االغرفة‭ ‬السريةب‭ ‬لآلان‭ ‬روب‭ ‬غرييه‭ ‬عميد‭ ‬الرواية‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭..‬ب‭. ‬

من‭ ‬خلال‭ ‬مجلة‭ ‬الآداب،‭ ‬عرض‭ ‬سهيل‭ ‬إدريس‭ ‬على‭ ‬عرودكي‭ ‬إعداد‭ ‬وترجمة‭ ‬كتاب‭ ‬االفكر‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬النهضةب،‭ ‬لأنور‭ ‬عبدالملك‭.  ‬ثم‭ ‬تلقى‭ ‬من‭ ‬مؤنس‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬ترشيح‭ ‬اجاك‭ ‬بيركب‭ ‬اقتراحًا‭ ‬لترجمة‭ ‬مذكرات‭ ‬سوزان‭ ‬طه‭ ‬حسين‭. ‬يقول‭ ‬عرودكي‭: ‬ااقترح‭ ‬بيرك‭ ‬أن‭ ‬يترجم‭ ‬الكتاب‭ ‬سوري‭ ‬وأن‭ ‬يراجع‭ ‬الترجمة‭ ‬مصري‭ ‬شيوعي‭ ‬لإضفاء‭ ‬بُعْدٍ‭ ‬عربي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬السوري‭ ‬ولإضفاء‭ ‬بُعْدٍ‭ ‬مستقبلي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المصري‭ ‬على‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ (‬بدر‭ ‬الدين‭ ‬عرودكي‭ ‬مع‭ ‬محمود‭ ‬أمين‭ ‬العالم‭). ‬

يضحك‭ ‬عرودكي‭ ‬وهو‭ ‬يذكر‭ ‬تعبير‭ ‬بيرك‭ ‬الأخير‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬أنيس‭ ‬منصور‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يشرف‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬دار‭ ‬المعارف‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يحبذ‭ ‬وجود‭ ‬محمود‭ ‬أمين‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬غلاف‭ ‬كتاب‭ ‬يصدر‭ ‬عن‭ ‬الدار‭ ‬التي‭ ‬يشرف‭ ‬عليها‭ ‬لما‭ ‬بينهما‭ ‬من‭ ‬خلاف‭ ‬فكري‭ ‬وسياسي،‭ ‬فوضع‭ ‬اسم‭ ‬المترجم‭ ‬والمراجع‭ ‬في‭ ‬أسفل‭ ‬الصفحة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬وبحرف‭ ‬صغير‭ ‬لا‭ ‬يكاد‭ ‬يُقرأ‭! ‬لكن‭ ‬القارئ‭ ‬المصري‭ ‬راح‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬اسم‭ ‬من‭ ‬ترجم‭ ‬كتاب‭ ‬سوزان‭ ‬طه‭ ‬حسين،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سمح‭ ‬للجمهور‭ ‬المصري‭ ‬أن‭ ‬يتعرف‭ ‬عليّ‭.. ‬وحين‭ ‬نشر‭ ‬أنيس‭ ‬منصور‭ ‬مقتطفات‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬أوّل‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬أكتوبر‭ ‬التي‭ ‬رأس‭ ‬تحريرها‭ ‬أغفل‭ ‬اسمينا‭ ‬معًا‭ ‬حتى‭ ‬كتبت‭ ‬إحدى‭ ‬المجلات‭ ‬العربية‭: ‬االوحدة‭ ‬المصرية‭ ‬السورية‭ ‬تعود‭ ‬بإغفال‭ ‬اسمي‭ ‬المترجم‭ ‬والمراجع‭ ‬لكتاب‭ ‬سوزان‭ ‬طه‭ ‬حسينب‭.‬

أسأله‭ ‬مجددًا‭ ‬عن‭ ‬كيفية‭ ‬اختياره‭ ‬لما‭ ‬يترجم،‭ ‬وفيما‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يقترح‭ ‬ما‭ ‬يرغب‭ ‬بترجمته،‭ ‬أم‭ ‬أنه‭ ‬يتلقى‭ ‬الطلبات‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬النشر،‭ ‬فيشرح‭ ‬لي‭: ‬االكتاب‭ ‬الأخير‭ ‬مثلا،‭ ‬االوعي‭ ‬والروايةب،‭ ‬حدثني‭ ‬عنه‭ ‬الطاهر‭ ‬لبيب،‭ ‬قال‭ ‬لي،‭ ‬هذا‭ ‬كتاب‭ ‬يهم‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يكتب‭ ‬الرواية‭ ‬أو‭ ‬النقد‭ ‬الأدبي‭ ‬وخاصة‭ ‬النقد‭ ‬الروائي،‭ ‬فقررت‭ ‬ترجمة‭ ‬الكتاب،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قرأته‭ ‬طبعًا‭. ‬الكتاب‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬ترجمته‭ ‬وفق‭ ‬طلب‭ ‬من‭ ‬دار‭ ‬النشر،‭ ‬كان‭ ‬كتاب‭ ‬االعدو‭ ‬الأمريكي‭: ‬أصول‭ ‬النزعة‭ ‬الفرنسية‭ ‬المعادية‭ ‬لأمريكاب،‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬المركز‭ ‬القومي‭ ‬للترجمة‭ ‬بالقاهرة،‭ ‬ولكنني‭ ‬أحببت‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب،‭ ‬وأجريت‭ ‬عند‭ ‬صدور‭ ‬الترجمة‭ ‬مع‭ ‬مؤلفه‭ ‬ندوة‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬المقهى‭ ‬الأدبي‭ ‬التابع‭ ‬لمعهد‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭. ‬أما‭ ‬كتاب‭ ‬اروح‭ ‬الإرهابب‭ ‬لجان‭ ‬بودريار‭ ‬مثلًا،‭ ‬فقد‭ ‬ترجمته،‭ ‬ونشرت‭ ‬منه‭ ‬الفصل‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬عنوان‭ ‬الكتاب،‭ ‬في‭ ‬اأخبار‭ ‬الأدبب‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬وبـ‭ ‬امجلة‭ ‬الفكر‭ ‬العربي‭ ‬المعاصرب‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬وفي‭ ‬جريدة‭ ‬القدس‭ ‬العربي‭ ‬بلندن،‭ ‬وذلك‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يصدر‭ ‬بالقاهرة‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬كامل‭ ‬يضم‭ ‬مجموع‭ ‬المقالات‭ ‬التي‭ ‬كتبها‭ ‬بودريار‭ ‬عن‭ ‬11‭ ‬سبتمبرب‭. ‬

 

محطة‭ ‬كونديرا

يكاد‭ ‬يرتــبط‭ ‬اسم‭ ‬كونديـــرا‭ ‬متـــرجمًا‭ ‬باســــم‭ ‬د‭. ‬بدر‭ ‬الدين‭ ‬عرودكي،‭ ‬إذ‭ ‬قادته‭ ‬ذائقته‭ ‬في‭ ‬ترجمة‭ ‬كونديرا،‭ ‬إلى‭ ‬اللقاء‭ ‬بهذا‭ ‬الروائي‭ ‬المهمّ‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الرواية‭ ‬المعاصرة،‭ ‬وإلى‭ ‬ترجمة‭ ‬أغلب‭ ‬أعماله‭.‬

بدأ‭ ‬عرودكي‭ ‬بترجمة‭ ‬فصول‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ ‬افن‭ ‬الروايةب‭ ‬ونشر‭ ‬تلك‭ ‬الفصول،‭ ‬على‭ ‬مراحل،‭ ‬في‭ ‬دمشق‭ ‬وبيروت‭: ‬اأترجم‭ ‬ما‭ ‬يعجبني،‭ ‬ولا‭ ‬أترجم‭ ‬بدافع‭ ‬المالب‭ ‬يقول‭ ‬لي‭.‬

الفصل‭ ‬الأصعب‭ ‬كان‭ ‬الفصل‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬عنوان‭ ‬ا77‭ ‬كلمةب،‭ ‬وحكايته‭ ‬هي‭: ‬احين‭ ‬جاء‭ ‬كونديرا‭ ‬إلى‭ ‬فرنسا،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬أسئلة‭ ‬الصحافة‭ ‬له،‭ ‬اكتشف‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬عيوبًا‭ ‬في‭ ‬الترجمة‭ ‬الفرنسية‭ ‬لرواياته،‭ ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬للترجمة‭ ‬بأسلوبه‭. ‬لهذا‭ ‬قرر‭ ‬وقف‭ ‬بيع‭ ‬الترجمات،‭ ‬لإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬ترجمة‭ ‬رواياته‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬نقلت‭ ‬إلى‭ ‬الفرنسية‭. ‬إثر‭ ‬ذلك،‭ ‬اقترح‭ ‬عليه‭ ‬رئيس‭ ‬تحرير‭ ‬مجلة‭ ‬الو‭ ‬ديباب،‭ ‬بيار‭ ‬نورا،‭ ‬أن‭ ‬يكتب‭ ‬بعد‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬مقالًا‭ ‬يذكر‭ ‬فيه‭ ‬الكلمات‭/‬المفاتيح‭ ‬في‭ ‬رواياته،‭ ‬فكان‭ ‬مقال‭ ‬الـ‭ ‬77‭ ‬كلمة،‭ ‬بمنزلة‭ ‬قاموس‭ ‬للكلمات‭ ‬الجوهرية‭ ‬التي‭ ‬يستعملها،‭ ‬وشروحاته‭ ‬لها‭. ‬كان‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬ترجمة‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‭ ‬إلى‭ ‬العربية‭. ‬فاللغة‭ ‬العربية‭ ‬اشتقاقية،‭ ‬بينما‭ ‬الفرنسية‭ ‬تركيبية‭ ‬من‭ ‬لغات‭ ‬عدّة‭ ‬الاتينية،‭ ‬يونانية،‭ ‬جرمانية‭..‬ب‭.  ‬وفي‭ ‬اللغة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬يعتمد‭ ‬كونديرا‭ ‬على‭ ‬معاني‭ ‬جذور‭ ‬الكلمة،‭ ‬لكن‭ ‬وضع‭ ‬كلمة‭ ‬عربية‭ ‬تعادل‭ ‬الكلمة‭ ‬الفرنسية‭ ‬في‭ ‬جذورها‭ ‬أمرٌ‭ ‬مستحيل‭. ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬يمثل‭ ‬عقبة‭ ‬أمام‭ ‬ترجمة‭ ‬هذا‭ ‬الفصل،‭ ‬لكني‭ ‬أخيرًا‭ ‬عزمت‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬التحدي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ذكر‭ ‬الكلمة‭ ‬الفرنسية‭ ‬مع‭ ‬الكلمة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬اخترتها‭ ‬مقابلًا‭ ‬لها‭ ‬وشرح‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يجب‭ ‬شرحه‭ ‬من‭ ‬الكلمات‭ ‬الفرنسية‭ ‬في‭ ‬جذورها‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬كونديرا‭ ‬يشير‭ ‬إليها،‭ ‬ما‭ ‬سمح‭ ‬لي‭ ‬أخيرًا‭ ‬بنشر‭ ‬مجموع‭ ‬الفصول‭ ‬ضمن‭ ‬كتاب‭ ‬واحد‭. ‬في‭ ‬لقائي‭ ‬الأول‭ ‬مع‭ ‬كونديرا‭ ‬قبيل‭ ‬نشر‭ ‬كتاب‭ ‬افن‭ ‬الروايةب‭ ‬في‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء،‭ ‬شرحت‭ ‬له‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬اتبعتها‭ ‬في‭ ‬ترجمة‭ ‬الكتاب‭ ‬وكيف‭ ‬حللت‭ ‬مشكلة‭ ‬الفصل‭ ‬الخاص‭ ‬بالكلمات‭ ‬السبع‭ ‬والسبعين،‭ ‬فوافق‭ ‬أن‭ ‬أستخدم‭ ‬الهوامش‭ (‬وقد‭ ‬وضعت‭ ‬21‭ ‬هامشًا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‭ ‬وحده‭!) ‬كما‭ ‬شرحت‭ ‬له،‭ ‬استثناء،‭ ‬نظرًا‭ ‬لخصوصية‭ ‬الموضوع،‭ ‬على‭ ‬رفضه‭ ‬عمومًا‭ ‬لجوء‭ ‬المترجم‭ ‬إلى‭ ‬الهوامش‭ ‬في‭ ‬ترجمة‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبيةب‭.‬

 

عرودكي‭ ‬كأحد‭ ‬المساهمين‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬العالم‭ ‬العربي

خلال‭ ‬إعداد‭ ‬رسالة‭ ‬الدكتوراه،‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬المكتب‭ ‬الثقافي‭ ‬لدولة‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬باريس،‭ ‬حيث‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬كلف‭ ‬بمهام‭ ‬المندوب‭ ‬الدائم‭ ‬لدولة‭ ‬الكويت‭ ‬لدى‭ ‬االيونسكوب‭ ‬والمستشار‭ ‬الثقافي‭ ‬بالنيابة‭.  ‬ثم‭ ‬انتقل‭ ‬اعتبارًا‭ ‬من‭ ‬أول‭ ‬ديسمبر‭ ‬1983،‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭. ‬

وقد‭ ‬أسند‭ ‬إليه‭ ‬رؤساء‭ ‬المعهد،‭ ‬مختلف‭ ‬المهام‭ ‬والمسئوليات‭. ‬فقد‭ ‬عهد‭ ‬إليه‭ ‬رئيس‭ ‬المعهد‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1986‭ ‬بيار‭ ‬غيدوني‭ ‬بمهام‭ ‬إدارة‭ ‬العلاقات‭ ‬الثقافية‭ ‬والإشراف‭ ‬على‭ ‬برنامج‭ ‬نشاطات‭ ‬افتتاح‭ ‬المعهد‭ ‬في‭ ‬مقره‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬قيد‭ ‬البناء،‭ ‬والذي‭ ‬تم‭ ‬افتتاحه‭ ‬تحت‭ ‬رئاسة‭ ‬السيد‭ ‬بول‭ ‬كارتون‭ ‬للمعهد‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1988‭. ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1989،‭ ‬عهد‭ ‬إليه‭ ‬رئيس‭ ‬المعهد‭ ‬إدغار‭ ‬بيزاني‭ ‬بمهام‭ ‬إعداد‭ ‬وتنظيم‭ ‬أول‭ ‬معرض‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬عن‭ ‬امصر‭ ‬عبر‭ ‬العصورب‭ ‬الذي‭ ‬استقبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أربعمائة‭ ‬ألف‭ ‬زائر،‭ ‬ثم‭ ‬بمهام‭ ‬الإشراف‭ ‬على‭ ‬النشاطات‭ ‬الثقافية‭ ‬الكبرى‭ ‬وعلى‭ ‬جميع‭ ‬الأقسام‭ ‬الفنية‭ ‬والإدارية‭ ‬في‭ ‬المعهد‭. ‬وخلال‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬نظم‭ ‬كبرى‭ ‬المعارض‭ ‬التي‭ ‬اشتهر‭ ‬المعهد‭ ‬بها‭ ‬مثل‭ ‬اسورية،‭ ‬ذاكرة‭ ‬وحضارةب،‭ ‬وادولاكروا،‭ ‬الرحلة‭ ‬إلى‭ ‬المغربب،‭ ‬واماتيسب‭ ‬واالسودان،‭ ‬ممالك‭ ‬على‭ ‬النيلب‭ ‬الذي‭ ‬جال‭ ‬في‭ ‬ست‭ ‬مدن‭ ‬أوربية‭ ‬خلال‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬ونشر‭ ‬الكتاب‭ ‬الخاص‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬ست‭ ‬لغات‭.‬

أما‭ ‬الرئيس‭ ‬كميل‭ ‬كابانا،‭ ‬فقد‭ ‬عهد‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1996‭ ‬بمسئولية‭ ‬تأسيس‭ ‬مكتبة‭ ‬معهد‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬موئل‭ ‬المهتمين‭ ‬بالثقافة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬وفي‭ ‬أوربا‭. ‬كما‭ ‬عهد‭ ‬إليه‭ ‬بتطوير‭ ‬القسم‭ ‬التجاري‭ ‬في‭ ‬المعهد‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬زيادة‭ ‬موارده‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬بلغت‭ ‬نسبة‭ ‬35‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬ميزانيته‭ ‬العامة‭.‬

وفي‭ ‬مايو‭ ‬2007‭ ‬عهد‭ ‬إليه‭ ‬الرئيس‭ ‬دومينيك‭ ‬بوديس‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬مسئولياته‭ ‬عن‭ ‬المكتبة‭ ‬والقسم‭ ‬التجاري‭ ‬بمهام‭ ‬مدير‭ ‬المتحف‭ ‬والمعارض‭ ‬لإعادة‭ ‬تنظيمها‭ ‬ومتابعة‭ ‬نشاطات‭ ‬المعارض‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬أنجز‭ ‬منها‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الخمس‭ ‬الماضية‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المعارض‭ ‬منها‭ ‬معرض‭ ‬الفينيقيين،‭ ‬ثم‭ ‬معرض‭ ‬ابونابرت‭ ‬ومصرب‭ ‬الذي‭ ‬قدم‭ ‬تحت‭ ‬إشراف‭ ‬مديرية‭ ‬المتحف‭ ‬والمعارض‭ ‬الكامل‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬أراس‭ ‬بشمال‭ ‬فرنسا‭. ‬وبهذه‭ ‬الصفة‭ ‬قام‭ ‬بمهام‭ ‬مدير‭ ‬المشروع‭ ‬الأوربي‭ ‬ـ‭ ‬أورو‭/‬ميد‭ ‬اقنطرةب‭ ‬الذي‭ ‬أشرف‭ ‬عليه‭ ‬معهد‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬تسع‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬وأوربية‭.‬

وفي‭ ‬يونيو‭ ‬2008،‭ ‬عهد‭ ‬إليه‭ ‬الرئيس‭ ‬دومينيك‭ ‬بوديس‭ ‬بمهمة‭ ‬المدير‭ ‬العام‭ ‬المساعد‭ ‬لمعهد‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬التي‭ ‬يمارسها‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬مهامه‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬المتحف‭ ‬والمعارض‭ ‬والمكتبة‭ ‬والقسم‭ ‬التجاري‭.‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬مهامه‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬عينته‭ ‬المديرية‭ ‬العامة‭ ‬لـااليونسكوب‭ ‬عضوًا‭ ‬في‭ ‬اللجنة‭ ‬الاستشارية‭ ‬للمبدعات‭ ‬الفنية‭ ‬التي‭ ‬انتخبته‭ ‬في‭ ‬دورتها‭ ‬الأولى‭ ‬نائبًا‭ ‬لرئيس‭ ‬اللجنة‭ ‬وفي‭ ‬دورتها‭ ‬الثانية‭ ‬رئيسًا‭ ‬لها‭. ‬وكان‭ ‬المدير‭ ‬العام‭ ‬للهيئة‭ ‬المصرية‭ ‬العامة‭ ‬للكتاب،‭ ‬الدكتور‭ ‬ناصر‭ ‬الأنصاري،‭ ‬قد‭ ‬عينه‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2006‭ ‬مستشارًا‭ ‬له،‭ ‬مثلما‭ ‬كلفه‭ ‬المدير‭ ‬العام‭ ‬للمركز‭ ‬القومي‭ ‬للترجمة‭ ‬الدكتور‭ ‬جابر‭ ‬عصفور‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2007‭ ‬بمهام‭ ‬مستشار‭ ‬المركز‭. ‬

 

لقاء‭ ‬الروائيين‭ ‬الفرنسيين‭ ‬والعرب

كان‭ ‬اللقاء‭ ‬بين‭ ‬عشرين‭ ‬روائيًا‭ ‬فرنسيًا‭ ‬وعشرين‭ ‬روائيًا‭ ‬عربيًا‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1988،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬عرودكي‭ ‬صاحب‭ ‬الفكرة‭ ‬والمبادرة،‭ ‬حين‭ ‬اقترحها‭ ‬وعمل‭ ‬عليها‭ ‬مع‭ ‬فريق‭ ‬عمل‭ ‬اختاره‭ ‬بنفسه،‭ ‬هو‭ ‬أول‭ ‬لقاء‭ ‬من‭ ‬نوعه‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الروائيين‭ ‬الفرنسيين‭ ‬والعرب‭. ‬حيث‭ ‬اجتمع‭ ‬جميع‭ ‬هؤلاء‭ ‬ولمدة‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام،‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬مارس‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬السنة،‭ ‬حول‭ ‬موضوع‭ ‬االإبداع‭ ‬الروائي‭ ‬اليومب،‭ ‬وتبنت‭ ‬االمجلة‭ ‬الأدبية‭ ‬الفرنسيةب،‭ ‬إصدار‭ ‬عدد‭ ‬خاص‭ ‬بمناسبة‭ ‬ذلك‭ ‬اللقاء،‭ ‬كان‭ ‬عرودكي‭ ‬رئيس‭ ‬التحرير‭ ‬الزائر‭ ‬لإنجاز‭ ‬ذلك‭ ‬العدد‭. ‬من‭ ‬بين‭ ‬المشاركين،‭ ‬كان‭ ‬آلان‭ ‬روب‭ ‬غرييه،‭ ‬فيليب‭ ‬سوليزر،‭ ‬ديدييه‭ ‬دو‭ ‬كوان،‭  ‬هاني‭ ‬الراهب،‭ ‬عبدالسلام‭ ‬العجيلي،‭ ‬حنا‭ ‬مينة،‭ ‬جمال‭ ‬الغيطاني،‭ ‬بهاء‭ ‬طاهر،‭ ‬غالي‭ ‬شكري،‭ ‬الطاهر‭ ‬وطار،‭ ‬إلياس‭ ‬خوري،‭ ‬سهيل‭ ‬إدريس،‭ ‬إميل‭ ‬حبيبي،‭ ‬فؤاد‭ ‬التكرلي،‭ ‬جبرا‭ ‬إبراهيم‭ ‬جبرا،‭ ‬محمد‭ ‬برادة‭...‬

تمت‭ ‬ترجمة‭ ‬أعمال‭ ‬اللقاء‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬إبراهيم‭ ‬العريس،‭ ‬وطُبع‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬لدى‭ ‬دار‭ ‬الحوار‭ ‬في‭ ‬سورية‭. ‬اشتمل‭ ‬الكتاب‭ ‬على‭ ‬مداخلات‭ ‬المشاركين‭ ‬في‭ ‬الندوة‭ ‬والنقاشات‭ ‬التي‭ ‬حفلت‭ ‬بها‭ ‬الجلسات،‭ ‬وكذلك‭ ‬كلمتيْ‭ ‬الافـــتــــــتاح،‭ ‬كـــلــمــة‭ ‬المــديـــــــر‭ ‬الـــعــام‭ ‬لمـعــهــد‭ ‬العالــــم‭ ‬العربي،‭ ‬وكلمة‭ ‬بدر‭ ‬الدين‭ ‬عرودكي‭.‬

‭(‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الإبداع‭ ‬الروائي‭ ‬الــــعــربي‭ ‬مـــعـــروفًا‭ ‬للــقارئ‭ ‬الفرنسي،‭ ‬ولا‭ ‬للروائي‭ ‬الفرنسي،‭ ‬كانت‭ ‬الترجمات‭ ‬آنذاك‭ ‬قليلة،‭ ‬لم‭ ‬تتجاوز‭ ‬عددًا‭ ‬ضئيلًا‭ ‬من‭ ‬الروايات،‭ ‬كزقاق‭ ‬المدق‭ ‬لنجيب‭ ‬محفوظ،‭ ‬أنا‭ ‬أحيا‭ ‬لليلى‭ ‬بعلبكي،‭ ‬الزيني‭ ‬بركات‭ ‬لجمال‭ ‬الغيطاني‭ ‬والحرام‭ ‬ليوسف‭ ‬إدريس‭.. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬جبرا‭ ‬إبراهيم‭ ‬جبرا‭ ‬مُترجمًا‭ ‬ولا‭ ‬حنا‭ ‬مينه‭ ‬أو‭ ‬هاني‭ ‬الراهب،‭ ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬اللقاء‭ ‬كان‭ ‬مهمًا‭ ‬لتعريف‭ ‬الروائي‭ ‬الفرنسي‭ ‬بالروائي‭ ‬العربي،‭ ‬والعكس،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬لاحظتُه‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬الندوات،‭ ‬هو‭ ‬اختلاف‭ ‬الخطاب‭ ‬عن‭ ‬مهنة‭ ‬الروائي‭ ‬لدى‭ ‬كلٍّ‭ ‬من‭ ‬الطرفين‭. ‬لايمكن‭ ‬مثلا‭ ‬مقارنة‭ ‬طريقة‭ ‬حديث‭ ‬آلان‭ ‬روب‭ ‬غرييه،‭ ‬بطريقة‭ ‬حنا‭ ‬مينه،‭ ‬يمكن‭ ‬لقارئ‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬غطّى‭ ‬تلك‭ ‬الندوات‭ ‬أن‭ ‬يلاحظ‭ ‬ذلك‭ ‬أيضًا،‭ ‬مثلما‭ ‬لاحظ‭ ‬كذلك‭ ‬كلُّ‭ ‬من‭ ‬حضر‭ ‬الندوة،‭ ‬نحن‭ ‬نتبيّن‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬حد‭ ‬يعيش‭ ‬الكاتب‭ ‬الغربي‭ ‬في‭ ‬حرية‭ ‬شبه‭ ‬مطلقة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فلا‭ ‬حدود‭ ‬للطرق‭ ‬التي‭ ‬يعبر‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬نفسه،‭ ‬دون‭ ‬خوف،‭ ‬ودون‭ ‬خشية،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الكاتب‭ ‬العربي‭ ‬يبدو‭ ‬مكبّلًا‭ ‬بمجموعة‭ ‬من‭ ‬الحبال‭ ‬تربطه‭ ‬تارة‭ ‬إلى‭ ‬الدين‭ ‬وتارة‭ ‬إلى‭ ‬السياسة‭ ‬وتارة‭ ‬إلى‭ ‬النظم‭ ‬التي‭ ‬أتى‭ ‬منها،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يمارس‭ ‬الكتابة‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يستمتع‭ ‬بها‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬وأن‭ ‬يعيش‭ ‬الحرية‭ ‬مثلما‭ ‬يحياها‭ ‬الكاتب‭ ‬الغربي‭).‬

يعود‭ ‬محاوري‭ ‬ليشرح‭ ‬أكثر‭ ‬حول‭ ‬فكرة‭ ‬الحرية‭ ‬التي‭ ‬تدعو‭ ‬أحدنا‭ ‬إلى‭ ‬المقارنة‭: ‬اليست‭ ‬حرية‭ ‬الكتابة،‭ ‬إنما‭ ‬الخطاب‭ ‬ذاته،‭ ‬ودلالته‭ ‬على‭ ‬الشخص‭. ‬مثلًا،‭ ‬آلان‭ ‬روب‭ ‬غرييه‭ ‬تحدث‭ ‬عن‭ ‬فرنسا‭ ‬والمجتمع‭ ‬الفرنسي‭ ‬وكأنه‭ ‬يقوم‭ ‬بعمل‭ ‬حفريات‭ ‬اأركيولوجياب،‭ ‬راح‭ ‬يحلل‭ ‬الطبقات‭ ‬الفكرية‭ ‬الدفينة‭ ‬للمجتمع‭ ‬الفرنسي،‭ ‬ويقوم‭ ‬بحفريات‭ ‬لابد‭ ‬منها‭ ‬لفهم‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬حتى‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬الكتابة‭ ‬عنه،‭ ‬أما‭ ‬الكاتب‭ ‬العربي،‭ ‬فكان‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬كتابته‭ ‬وفق‭ ‬مناهج‭ ‬ومدارس‭ ‬أدبية،‭ ‬وليس‭ ‬وفقًا‭ ‬لتجربته‭ ‬هو،‭ ‬ووعيه‭ ‬الخاص‭. ‬على‭ ‬أني‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أشيد‭ ‬خصوصًا‭ ‬بإميل‭ ‬حبيبي،‭ ‬الذي‭ ‬يكاد‭ ‬يكون‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يتمتع‭ ‬بسخرية‭ ‬لاذعة،‭ ‬وكان‭ ‬يضرب‭ ‬ضربات‭ ‬مباشرة‭ (‬ضحك‭)..‬ب‭.‬

لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬طرح‭ ‬السؤال‭ ‬التقليدي،‭ ‬المطروح‭ ‬دومًا‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬اللقاء‭ ‬بمثقفين‭ ‬مطلعين‭ ‬على‭ ‬الثقافتين‭ ‬معًا،‭ ‬العربية‭ ‬والأوربية،‭ ‬أي‭ ‬السؤال‭ ‬عن‭ ‬حوار‭ ‬الثقافات،‭ ‬يجيبني‭ ‬د‭. ‬عرودكي‭:‬

الا‭ ‬وجود‭ ‬في‭ ‬نظري‭ ‬لما‭ ‬سُمِّيَ‭ ‬حوار‭ ‬الثقافات‭ ‬أو‭ ‬حوار‭ ‬الحضارات‭. ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬للحضارات‭ ‬أو‭ ‬للثقافات‭ ‬أن‭ ‬تتحاور؟‭ ‬الحوار‭ ‬بين‭ ‬البشر،‭ ‬بين‭ ‬بشر‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬ثقافات‭ ‬مختلفة،‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الحوار‭. ‬وجود‭ ‬مؤسسة‭ ‬كمعهد‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬يعني‭ ‬وجود‭ ‬مكان‭ ‬للحوار،‭ ‬ووجود‭ ‬إمكان‭ ‬للحوار،‭ ‬لو‭ ‬أُحسِنَ‭ ‬استخدامه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجالب‭. ‬

كروائية‭ ‬أيضًا،‭ ‬وباستمتاع‭ ‬كبير‭ ‬حول‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الرواية،‭ ‬وألق‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالروائيين،‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬قد‭ ‬بدأت‭ ‬فيها‭ ‬الكتابة‭ ‬بعد،‭ ‬عتبت‭ ‬على‭ ‬الدكتور‭ ‬عرودكي،‭ ‬انحصار‭ ‬اهتمامه‭ ‬بجيل‭ ‬ومرحلة‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬الكتاب،‭ ‬سألته‭ ‬عن‭ ‬جيلنا،‭ ‬عن‭ ‬الأجيال‭ ‬التالية،‭ ‬عن‭ ‬أمير‭ ‬تاج‭ ‬السر،‭ ‬منصورة‭ ‬عز‭ ‬الدين،‭ ‬سمر‭ ‬يزبك‭ ‬وبقية‭ ‬الأسماء‭ ‬الروائية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يتسع‭ ‬المجال‭ ‬لذكرها‭ ‬جميعًا،‭ ‬فيردّ‭:‬

االحقيقة‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أتوقف‭ ‬عن‭ ‬متابعة‭ ‬ما‭ ‬يُنشر‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬العربية‭.. ‬لكنها‭ ‬متابعة‭ ‬القارئ‭ ‬لامتابعة‭ ‬الناقد‭ ‬المحترف‭ ‬الذي‭ ‬كنته‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬قبل‭ ‬مغادرتي‭ ‬دمشق‭ ‬إلى‭ ‬باريس‭.. ‬الروائيون‭ ‬العرب‭ ‬الجدد،‭ ‬ألاحق‭ ‬ما‭ ‬يكتبونه،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬أشتري‭ ‬كتبهم،‭ ‬وأمني‭ ‬النفس‭ ‬بقراءتها‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭.. ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أنني‭ ‬كففت‭ ‬عن‭ ‬متابعة‭ ‬ما‭ ‬يكتبه‭ ‬الذين‭ ‬سبق‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬قرأت‭ ‬أعمالهم‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬أو‭ ‬الذين‭ ‬كتبت‭ ‬عنهم‭.. ‬سواء‭ ‬كانوا‭ ‬كتابًا‭ ‬سوريين‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬الأخرى‭.. ‬لم‭ ‬أكف‭ ‬مثلًا‭ ‬عن‭ ‬متابعة‭ ‬ما‭ ‬يكتبه‭ ‬زكريا‭ ‬تامر‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬ولاسيما‭ ‬أنني‭ ‬أعتبره‭ ‬أكبر‭ ‬كاتب‭ ‬للقصة‭ ‬القصيرة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬اليوم‭.. ‬لقد‭ ‬ارتبطت‭ ‬منذ‭ ‬الستينيات‭ ‬ولاأزال‭ ‬بصداقة‭ ‬شخصية‭ ‬شديدة‭ ‬الجمال‭ ‬مع‭ ‬زكريا‭ ‬تامر،‭ (‬وقد‭ ‬أتيح‭ ‬لي‭ ‬عام‭ ‬1970‭ - ‬وكنتُ‭ ‬فعلًا‭ ‬محظوظًا‭ - ‬أن‭ ‬أقوم‭ ‬صحبته‭ ‬وصحبة‭ ‬محمد‭ ‬الماغوط‭ ‬برحلة‭ ‬إلى‭ ‬ألمانيا‭ ‬الشرقية‭). ‬زكريا‭ ‬تامر‭ ‬في‭ ‬تاريخنا‭ ‬الأدبي‭ ‬العربي‭ ‬المعاصر‭ ‬حدثٌ‭ ‬في‭ ‬حدِّ‭ ‬ذاته‭. ‬منذ‭ ‬مجموعته‭ ‬القصصية‭ ‬الأولى،‭ ‬اصهيل‭ ‬الجواد‭ ‬الأبيضب،‭ ‬التي‭ ‬رسمت‭ ‬آفاق‭ ‬عالمه‭ ‬وخياله‭ ‬اللامحدود‭ ‬وسخريته‭ ‬العميقة‭ ‬النفاذة‭ ‬اللاذعة‭ ‬وحتى‭ ‬كتاباته‭ ‬اليومية‭ ‬في‭ ‬موقعه‭ ‬الإلكتروني،‭ ‬المهماز،‭ ‬لم‭ ‬يكف‭ ‬عن‭ ‬الحفر‭ ‬عميقًا‭ ‬في‭ ‬ثنايا‭ ‬مجتمعنا‭ ‬وثقافتنا‭ ‬وأيديولوجياتنا،‭ ‬بجرأة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬وبإخلاص‭ ‬لفنه‭ ‬لا‭ ‬يساويه‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬قلة‭ ‬نادرة‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬أو‭ ‬الشعراء‭ (‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬أو‭ ‬محمد‭ ‬الماغوط‭). ‬هو‭ ‬ذا‭ ‬كاتب‭ ‬لم‭ ‬يهادن‭ ‬سلطة‭ ‬أو‭ ‬نظامًا،‭ ‬تشهد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬مجموعاته‭ ‬القصصية‭ ‬المتتالية‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬لايزال‭ ‬زكريا‭ ‬تامر‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬أرى‭ ‬غير‭ ‬مقروء‭ ‬كما‭ ‬يجب،‭ ‬وغير‭ ‬معروف‭ ‬كما‭ ‬يستحق،‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬نخبة‭ ‬من‭ ‬القراء‭ ‬العرب‭.. ‬سعدت‭ ‬سعادة‭ ‬كبيرة‭ ‬حين‭ ‬احتفل‭ ‬المصريون‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬بتكريمه،‭ ‬على‭ ‬تأخر‭ ‬هذا‭ ‬التكريم‭! ‬لكن‭ ‬التكريم‭ ‬الحقيقي‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يُقرأ‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬العربيب‭.‬

ربما‭ ‬يكون‭ ‬انهماك‭ ‬بدرالدين‭ ‬عرودكي‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬الأدب‭ ‬الغربي،‭ ‬بقصد‭ ‬متعة‭ ‬القراءة‭ ‬أولًا،‭ ‬ثم‭ ‬الاتجاه‭ ‬إلى‭ ‬ترجمة‭ ‬ما‭ ‬يروق‭ ‬له،‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬كتاب،‭ ‬أرسله‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬إلى‭ ‬دار‭ ‬النشر،‭ ‬وهو‭ ‬كتاب‭ ‬االوعي‭ ‬والروايةب،‭ ‬سببًا‭ ‬في‭ ‬تخوّف‭ ‬عرودكي‭ ‬من‭ ‬انحياز‭ ‬ذائقته،‭ ‬فضلا‭ ‬عما‭ ‬يشبه‭ ‬تخصصه‭ ‬كمترجم‭ ‬في‭ ‬أدب‭ ‬كونديرا‭ ‬العالي،‭ ‬ربما‭ ‬شكّل‭ ‬هذا‭ ‬حاجزًا‭ ‬أمام‭ ‬قراءة‭ ‬الرواية‭ ‬العربية‭ ‬المعاصرة،‭ ‬فوقف‭ ‬عرودكي‭ ‬لدى‭ ‬أسماء‭ ‬مرحلة‭ ‬قديمة‭. ‬مع‭ ‬أنه‭ ‬أشاد‭ ‬كثيرًا‭ ‬بتجربة‭ ‬سلوى‭ ‬النعيمي،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬المعجبين‭ ‬بمجموعتها‭ ‬القصصية‭ ‬اكتاب‭ ‬الأسرارب،‭ ‬ولكنه‭ ‬رغم‭ ‬هذا‭ ‬يقول‭: ‬اكنت‭ ‬أخشى‭ ‬ألا‭ ‬يعجبني‭ ‬الكتاب‭ ‬العربي،‭ ‬بسبب‭ ‬افتقاد‭ ‬الكتابة‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬الثقافة‭ ‬النقدية،‭ ‬وكنت‭ ‬أعتبر‭ ‬نفسي‭ ‬محظوظًا‭ ‬إن‭ ‬راقني‭ ‬عمل‭ ‬روائي‭ ‬عربيب‭. ‬وبإشادته‭ ‬بكتاب‭ ‬سلوى‭ ‬النعيمي،‭ ‬يقول‭ ‬عرودكي‭: ‬اهناك‭ ‬صفتان‭ ‬أساسيتان‭ ‬للكتاب،‭ ‬أولًا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يدعى‭ ‬بالأدب‭ ‬النسائي،‭ ‬وأنا‭ ‬شخصيا‭ ‬أرفض‭ ‬هذه‭ ‬التصنيفات،‭ ‬وثانيا،‭ ‬هناك‭ ‬قصتان‭ ‬أو‭ ‬ثلاث‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لرجل‭ ‬أن‭ ‬يكتبهاب‭.‬

 

عرودكي‭ ‬كاتبًا

من‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الأوصاف‭ ‬والمهام‭ ‬التي‭ ‬تشتغل‭ ‬عليها،‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬الصفة‭ ‬التي‭ ‬تمثلك‭ ‬أكثر؟‭ ‬أسأله‭ ‬فيقول‭: ‬الا‭ ‬أشعر‭ ‬بأنني‭ ‬في‭ ‬بيتي،‭ ‬إلا‭ ‬حين‭ ‬أكتبب‭. ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬مشاريعه‭ ‬القادمة،‭ ‬بعد‭ ‬حصوله‭ ‬على‭ ‬التقاعد‭ ‬من‭ ‬العمل،‭ ‬سيتفرغ‭ ‬لإنجاز‭ ‬كتبه،‭ ‬حيث‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬لديه‭ ‬مخطوط‭ ‬رواية،‭ ‬كتبها‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬العشرين،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬أضاعها،‭ ‬ولكنه‭ ‬سيعود‭ ‬للكتابة‭ ‬الروائية‭ ‬والإبداعية،‭ ‬كما‭ ‬يص``فها‭ ‬بـاحبه‭ ‬الأوّلب‭. ‬

تجربة‭ ‬بدر‭ ‬الدين‭ ‬عرودكي‭ ‬ضخمة‭ ‬وثرية،‭ ‬وربما‭ ‬لا‭ ‬يغطّـــيها‭ ‬حوار‭ ‬مكتوب‭ ‬واحد،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الصفحات،‭ ‬بمنزلة‭ ‬تقديم‭ ‬موجز‭ ‬لتجربة‭ ‬مليئة‭ ‬بالمحطات‭ ‬المهمة،‭ ‬واللقاءات‭ ‬الثقافية،‭ ‬والخبرات‭ ‬المهمة‭ ‬للقارئ‭ ‬والناقد‭ ‬والكاتب‭ ‬العربي،‭ ‬ربما‭ ‬تتاح‭ ‬جلسات‭ ‬أخرى،‭ ‬لإلقاء‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬تفاصيل‭ ‬هذه‭ ‬التجربة،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬ننتظر‭ ‬ما‭ ‬سيكتبه‭ ‬عرودكي‭ ‬بنفسه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬كتبه‭ ‬القادمة‭.