سليمان الفهد.. خواطرُ شتّى عن ذكرياتِ سِنَّ الرُّشْد

سليمان الفهد..  خواطرُ شتّى عن ذكرياتِ سِنَّ الرُّشْد

مَن أنا؟ فوجئت بولدي الغالي.. ماضي عبدالله الخميس، المعروف سابقًا حركيًا باسم «رئيس تحرير مجلة الحدث»، يطلب من العبد لله، الكتابة عن «سليمان الفهد» ذاته بنفسه وبقلمه! وببلاهة لا أغبط عليها، وجدتني أنصاع لرغبته قائلاً: «غالي والطلب رخيص!». والحق أنه ليس كذلك لأسباب شتى، أحسب أن أهمها أن كاتب هذه السطور لم يحدث له طوال حياته الصحفية، أن مارس فعلاً صحفيًا استجابة لـ «أوامر» الرئيس، أيّا كان هذا الرئيس! (ودرءًا لأي التباس، فالرئيس في هذا السياق - بداهة - هو رئيس التحرير!).

الزمان‭ ‬1962م،‭ ‬المكان‭: ‬كلية‭ ‬الآداب،‭ ‬قسم‭ ‬الدراسات‭ ‬النفسية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬جامعة‭ ‬عين‭ ‬شمس‭. ‬المشهد‭ ‬رقم‭ ‬1،‭ ‬نهار‭ ‬خارجي‭: ‬الطلبة‭ ‬الجدد‭ ‬من‭ ‬الجنسين،‭ ‬يستعدون‭ ‬لأداء‭ ‬الامتحان‭ ‬المرعب‭! ‬أعني‭ ‬الامتحان‭ ‬الذي‭ ‬يجابهه‭ ‬الطالب‭ ‬الجديد،‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الجنة‭ ‬أكاديميةب‭ ‬يرأسها‭ ‬الأستاذ‭ ‬الدكتور‭ ‬مصطفى‭ ‬زيور‭ ‬عميد‭ ‬الطب‭ ‬النفسي‭ ‬التحليلي،‭ ‬أو‭ ‬شيخ‭ ‬علماء‭ ‬النفس‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬المحروسة،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬أقل‭ ‬في‭ ‬المشرق‭ ‬العربي‭ ‬جلّه‭ ‬أو‭ ‬كلّه‭!‬

ولا‭ ‬حاجة‭ ‬بي‭ ‬لوصف‭ ‬المناخ‭ ‬المفعم‭ ‬بالقلق‭ ‬والتوتر،‭ ‬الذي‭ ‬يسكن‭ ‬الوجدان‭ ‬الجمعي‭ ‬للطلبة‭ ‬اإناثًا‭ ‬وذكورًا‭ ‬وجنسًا‭ ‬ثالثًاب‭..! ‬حسبي‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أنهم‭ ‬يُهرعون‭ ‬إلى‭ ‬الطالب‭ ‬الخارج‭ ‬لتوّه‭ ‬من‭ ‬اللجنة،‭ ‬لمعرفة‭ ‬نوعية‭ ‬الأسئلة‭ ‬التي‭ ‬يوجهها‭ ‬رئيس‭ ‬وأعضاء‭ ‬لجنة‭ ‬اختبار‭ ‬صلاحية‭ ‬الطالب‭ ‬لدراسة‭ ‬علم‭ ‬النفس‭! ‬أو‭ ‬علم‭ ‬الاجتماع،‭ ‬وفق‭ ‬اختياره‭ ‬ونتيجة‭ ‬قبوله‭.‬

‭< ‬المشهد‭ ‬رقم‭ ‬2‭. ‬نهار‭ ‬داخلي،‭ ‬حيث‭ ‬مقر‭ ‬اللجنة،‭ ‬والعبد‭ ‬لله‭ ‬يقف‭ ‬باردًا‭ ‬كلوح‭ ‬ثلج‭! ‬مع‭ ‬الاحترام‭ ‬الشديد‭ ‬لحضرة‭ ‬اللوح‭ ‬والثلج‭ ‬معًا‭! ‬بحلقت‭ ‬في‭ ‬عينيّ‭ ‬أستاذنا‭ ‬الفذ‭ ‬ادكتور‭ ‬زيورب‭ ‬وحده‭ ‬دون‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬أساتذتي‭ ‬الأفاضل‭! ‬العرق‭ ‬ينضح‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬جسمي،‭ ‬خشية‭ ‬إخفاقي‭ ‬في‭ ‬اجتياز‭ ‬امتحان‭ ‬االقبولب‭!‬

حدجني‭ ‬د‭.‬ازيّورب‭ ‬بعيني‭ ‬الصقر‭ ‬المدججتين‭ ‬بالفراسة‭ ‬والحدس‭ ‬والإنذار‭ ‬المبكر‭! ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬قال‭ - ‬بصوته‭ ‬الرخيم‭ ‬الجهوري‭ -: ‬لم‭ ‬اخترت‭ ‬دراسة‭ ‬علم‭ ‬النفس؟‭! ‬الحق‭ ‬أني‭ ‬فوجئت‭ ‬اببساطةب‭ ‬السؤال‭ ‬كما‭ ‬حسبت‭ ‬وظننت‭ ‬آنذاك،‭ ‬سيما‭ ‬إذا‭ ‬قارنته‭ ‬بالأسئلة‭ ‬الصعبة‭ ‬التي‭ ‬جابهها‭ ‬االسابقونب‭ ‬من‭ ‬الطلبة‭ ‬الجدد‭!‬

ولا‭ ‬أعرف‭ - ‬ساعتها‭ - ‬لم‭ ‬أجبت‭ ‬أستاذنا‭ ‬الفاضل‭ - ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬وأسكنه‭ ‬فسيح‭ ‬جناته‭ - ‬قائلاً‭: ‬لكي‭ ‬أعرف‭ ‬نفسي‭!! ‬وفوجئت‭ ‬به‭ ‬يقول‭ ‬بحسم‭ ‬قاطع‭ ‬كسيف‭ ‬هندي‭ ‬باتر‭: ‬احيث‭ ‬كده‭ ‬اتفضل‭ ‬برهب،‭ ‬وأرني‭ ‬أكتافك‭ ‬الهزيلة‭ ‬اأيامهاب‭ ‬ونادي‭ ‬يا‭ ‬عم‭ ‬اعوضب‭ ‬على‭ ‬الطالب‭ ‬الذي‭ ‬يليه‭ ‬في‭ ‬الدور‭!‬

 

حوار‭ ‬صريح‭ ‬مع‭ ‬حمادة‭ ‬أو‭ ‬أحمد‭ ‬‮«‬الجعدة‮»‬‭ ‬آخر‭ ‬العنقود‭.‬

‭< ‬في‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬1996‭ ‬سألني‭ ‬أحمد‭ ‬اأصغر‭ ‬الأولاد‭ ‬سنًا‭ ‬وآخر‭ ‬العنقودب‭ ‬حتى‭ ‬إشعار‭ ‬آخر‭! ‬قل‭ ‬لي‭: ‬أيها‭ ‬العبد‭ ‬لله‭: ‬كم‭ ‬بلغ‭ ‬عمرك‭ ‬الحين؟‭!‬

قلت‭: ‬يعني‭ ‬فوق‭ ‬الخمسين‭.. ‬و‭.. ‬قاطعني‭ ‬غاضبًا‭: ‬لم‭ ‬اللف‭ ‬والدوران؟‭! ‬أتظن‭ ‬نفسك‭ ‬خالتي‭ ‬اتحية‭ ‬كاريوكاب‭ ‬أخت‭ ‬الرجال؟‭! ‬أم‭ ‬أنك‭ ‬البرنسيسة‭ ‬اشيريهانب‭ ‬أو‭ ‬العم‭ ‬ابوعال‭.. ‬عبدالحسين‭ ‬عبدالرضا؟‭!‬ب‭ ‬ولأني‭ ‬أب‭ ‬اديمقراطيب‭ ‬على‭ ‬الطريقة‭ ‬الكويتية،‭ ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬بأسًا‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يلعلع‭ ‬بما‭ ‬يعن‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬كلام،‭ ‬مادام‭ ‬القرار‭ ‬بيدي‭! ‬وهو‭ ‬بدوره‭ ‬ااهتبلب‭ ‬الفرصة‭ ‬فراح‭ ‬يمطرني‭ ‬بأسئلة‭ ‬لها‭ ‬العجب‭! ‬وهاك‭ ‬عينة‭ ‬منها‭: ‬أجبته‭ - ‬بعد‭ ‬لأي‭ - ‬بأني‭ ‬من‭ ‬مواليد‭ ‬1938م‭ ‬على‭ ‬ذمة‭ ‬اأم‭ ‬فهدب‭ ‬التي‭ ‬سحبتني‭ ‬من‭ ‬الرحم‭ ‬الذي‭ ‬خُلقت‭ ‬فيه‭! ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الصديق‭ ‬الباحث‭ ‬الكاتب‭ ‬المعروف‭ ‬حمد‭ ‬السعيدان‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬عمري‭ ‬الزمني‭ ‬بدأ‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1939م،‭ ‬في‭ ‬15‭ ‬أكتوبر‭ ‬من‭ ‬السنة‭.‬

قال‭ ‬االجعدةب‭ ‬المسكون‭ ‬بالسؤال‭ ‬والصدق،‭ ‬مثل‭ ‬كل‭ ‬طفل‭ ‬في‭ ‬سنه‭: ‬لم‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الهذرة،‭ ‬وتزوير‭ ‬التاريخ؟‭ ‬أمَردُّ‭ ‬ذلك،‭ ‬تزامن‭ ‬ميلادك‭ ‬مع‭ ‬اسنة‭ ‬المجلس؟ب‭ ‬الشهيرة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الكويت؟‭!‬

بالطبع،‭ ‬لم‭ ‬يرد‭ ‬في‭ ‬ذهن‭ ‬العبد‭ ‬لله،‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬علاقة‭ ‬بين‭ ‬ميلادي‭ ‬وبين‭ ‬قضيـــــة‭ ‬كبرى‭ ‬مثل‭ ‬تزوير‭ ‬التاريخ‭! ‬فرحت‭ ‬أمسّد‭ ‬لحيتي،‭ ‬وأحك‭ ‬قرعتي،‭ ‬علّني‭ ‬أعرف‭ ‬سر‭ ‬هذا‭ ‬الولد‭ ‬اللحوح‭ ‬بالسؤال‭!‬

ولسوء‭ ‬الحظ،‭ ‬لم‭ ‬يدعني‭ ‬أستمر‭ ‬في‭ ‬التأمل،‭ ‬وممارسة‭ ‬لعبة‭ ‬ضرب‭ ‬الأخماس‭ ‬بالأسداس‭!‬

زين‭.. ‬زين‭.. ‬عرفنا‭ ‬الآن‭ ‬أنك‭ ‬من‭ ‬الجيل‭ ‬الخمسيني،‭ ‬فمتى‭ ‬تكبر‭ ‬وتهمد‭ ‬وتخمد؟‭! ‬أجب‭ ‬بسرعة‭ ‬متى‭ ‬اتكبرب؟‭! ‬أجبته‭ ‬بسرعة‭ ‬لأفحمه،‭ ‬علّه‭ ‬يرعوي‭ ‬ويبلع‭ ‬ريقه‭ ‬اتسألني‭ ‬متى‭ ‬أكبرب؟‭! ‬صحيح‭ ‬أنك‭ ‬اباشاب‭ (‬1‭) ‬مثل‭ ‬أبيك‭! ‬مع‭ ‬أن‭ ‬الحمار‭ ‬يتعلم‭ ‬من‭ ‬التكرار‭! ‬أهذا‭ ‬سؤال‭ ‬يطرحه‭ ‬امسخوطب‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬الصامدين‭ ‬على‭ ‬والده؟‭! ‬قال‭ - ‬لا‭ ‬فض‭ ‬فوه‭ - ‬إياك‭ ‬أن‭ ‬تلعب‭ ‬معي‭ ‬لعبة‭ ‬االكلمات‭ ‬المتقاطعةب‭! ‬اأراني‭ ‬أخبرك‭ ‬زينب‭!‬

قلت‭: ‬معذرة‭ ‬يا‭ ‬سيدي‭. ‬عمري‭ ‬ست‭ ‬سنوات‭ ‬بس‭!‬

قال‭ ‬بسرعة‭ ‬شديدة‭: ‬بس؟‭ ‬أتقول‭ ‬بس‭ ‬بصيغة‭ ‬مجانية‭ ‬تقريرية؟‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنها‭ ‬بدهية‭ ‬لا‭ ‬تحتمل‭ ‬الحوار‭ ‬والنقاش؟‭! ‬و‭.. ‬قاطعته‭ ‬أنا‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬قائلاً‭: ‬أرجوك‭ ‬افهمني،‭ ‬ودعني‭ ‬أشرح‭ ‬لك‭ ‬المسألة،‭ ‬منعًا‭ ‬لأي‭ ‬تلبيس‭ ‬وخلافه‭! ‬المسألة‭ ‬ببساطة‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬عمري‭ ‬الزمني‭ ‬اثابتب‭ ‬على‭ ‬سن‭ ‬الطفولة‭ (‬بالمعنى‭ ‬الفرويدي‭ ‬للعبارة‭!) ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬أشعر‭ ‬بأني‭ ‬ولدت‭ ‬اشايبًاب‭! ‬تمامًا‭ ‬مثل‭ ‬عمك‭ ‬الطيب‭ ‬الفنان‭ ‬الجميل‭ ‬اعبدالوارث‭ ‬عسرب‭! ‬لأن‭ ‬العبد‭ ‬لله‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬شاهد‭ ‬السينما‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬عقد‭ ‬الخمسينيات،‭ ‬لاحظ‭ ‬أن‭ ‬العم‭ ‬الفنان‭ ‬اعسرب‭ ‬شايب‭ ‬لا‭ ‬يشيب‭!‬

غضب‭ ‬الطفل‭ ‬النزق‭ ‬أو‭ ‬االنزقةب‭ ‬فطار‭ ‬صوابه،‭ ‬لظنه‭ ‬أني‭ ‬عدت‭ ‬ثانية‭ ‬للكلمات‭ ‬المتقاطعة‭.‬

 

حكايتي‭ ‬مع‭ ‬المرض‭ ‬العصبي‭ ‬النفسي‭!‬

‭< ‬في‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬1996‭ ‬غادرت‭ ‬الديرة‭ ‬في‭ ‬الظهيرة،‭ ‬مقعدًا‭ ‬معاقًا‭ ‬مصابًا‭ ‬بـاالشلل‭ ‬الهستيريب‭!‬

‭(‬راجع‭ ‬موسوعة‭ ‬الطب‭ ‬النفسي،‭ ‬أو‭ ‬اسأل‭ ‬الإذاعة‭ ‬إن‭ ‬شئت‭! ‬والأسهل‭ ‬لك‭ ‬سؤال‭ ‬بنيَتنا‭ ‬ألطاف‭ ‬عيسى‭ ‬السلطان‭! ‬فعندها‭ ‬الخبر‭ ‬اليقين‭ ‬لكونها‭ ‬أخصائية‭ ‬العلاج‭ ‬النفسي‭ ‬ومولاة‭ ‬عيادة‭ ‬نفسية‭ ‬متخصصة‭ ‬من‭ ‬بريطانيا‭).‬

وقد‭ ‬سافرت‭ ‬ظهيرة‭ ‬االعرس‭ ‬الديمقراطيب،‭ ‬مكسور‭ ‬الخاطر‭ ‬والوجدان،‭ ‬مقهقهًا‭ ‬على‭ ‬إيقاع‭ ‬اشر‭ ‬البلية‭ ‬ما‭ ‬يضحكب‭! ‬كيف‭ ‬ولماذا‭ ‬أقول‭ ‬لك؟‭!‬،‭ ‬فقد‭ ‬كنت‭ ‬طلبت‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬الذراري،‭ ‬مراجعة‭ ‬الجهات‭ ‬المختصة‭ ‬عن‭ ‬انتخابات‭ ‬منطقة‭ ‬اكيفانب‭ ‬وضواحيها،‭ ‬كي‭ ‬أتأكد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬معالي‭ ‬المختار‭ ‬الشعبي‭ (‬بو‭ ‬عبدالقادر‭ ‬عبدالله‭ ‬تيفوني‭) ‬قام‭ ‬بواجبه‭ ‬بشأن‭ ‬تسجيل‭ ‬اسمي‭ ‬ضمن‭ ‬ناخبي‭ ‬المنطقة‭! ‬وخرج‭ ‬الولد‭ ‬ولم‭ ‬يعد،‭ ‬بعد‭ ‬ربع‭ ‬ساعة‭ ‬كما‭ ‬حسبت‭!‬

وبصراحة‭ ‬شديدة،‭ ‬نسيت‭ ‬الولد‭ ‬والعرس،‭ ‬وطفقت‭ ‬ألملم‭ ‬نفسي‭ ‬وأوراقي‭ ‬وأوجاعي‭ ‬استعدادًا‭ ‬واحتشادًا‭ ‬لزيارة‭ ‬اأم‭ ‬الدنياب‭ ‬العرباوية‭ ‬مصر‭ ‬المحروسة،‭ ‬التي‭ ‬اعتدت‭ ‬اللوذ‭ ‬بها‭ ‬كلما‭ ‬حاصرني‭ ‬الاكتئاب‭ ‬القومي‭!‬

وقد‭ ‬راعني‭ ‬أن‭ ‬اقلب‭ ‬العروبةب‭ ‬مريض،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أفضى‭ ‬بي‭ ‬إلى‭ ‬الهروب‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬كرسي‭ ‬متحرك،‭ ‬ميممًا‭ ‬صوب‭ ‬مراكش‭.. ‬الملاذ‭ ‬الأخير‭ ‬لمن‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬حالتي‭ ‬النفسية،‭ ‬ووجدتني‭ ‬أسأل‭: ‬مَن‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬التاريخ‭ ‬لا‭ ‬يعيد‭ ‬نفسه؟‭! ‬الخواجة‭ ‬اماركسب‭ ‬بالطبع‭! ‬تسألني‭ ‬أيها‭ ‬الطفل‭ ‬النفطي‭: ‬أي‭ ‬ماركس‭ ‬أعني؟‭! ‬ماركس‭ ‬آند‭ ‬سبنسر‭ - ‬من‭ ‬دون‭ ‬شك‭ - ‬الذي‭ ‬تخبره‭ ‬جيدًا‭ ‬مثل‭ ‬أي‭ ‬كويتي‭ ‬وخليجي‭ ‬معتبر‭!‬

‭< ‬ضجر‭ ‬الولد‭ ‬من‭ ‬الهذرة‭ ‬الفارغة‭ ‬من‭ ‬المعنى،‭ ‬فأعادني‭ ‬ثانية‭ ‬إلى‭ ‬مسألة‭ ‬الانتخابات‭ ‬البر‭..‬لمانية،‭ ‬كما‭ ‬يحلو‭ ‬له‭ ‬تسميتها‭! ‬فقال‭ ‬بجذل‭ ‬معجون‭ ‬بشماتة‭ ‬االحريمب،‭ ‬وكل‭ ‬عباد‭ ‬الله‭ ‬المحرومين‭ ‬من‭ ‬ممارسة‭ ‬احقهمب‭ ‬المشروع‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬البر‭.. ‬لمان‭: ‬مجلس‭ ‬الأمة‭..!. ‬ولكن‭ ‬تعال‭ ‬هنا‭: ‬لماذا‭ ‬هربت‭ ‬يوم‭ ‬االعرسب‭ ‬إياه،‭ ‬الموسوم‭ ‬أو‭ ‬الموصوم‭ ‬بـ‭ ‬االديمقراطيب؟‭! ‬قلت‭: ‬الحق‭ ‬على‭ ‬الحرامي‭ ‬الذي‭ ‬سرق‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬هويتي‭ (‬جواز‭ ‬سفر،‭ ‬بطاقة‭ ‬مدنية،‭ ‬بطاقة‭ ‬تعريف،‭ ‬شهادة‭ ‬جنسية‭ ‬كويتية‭ ‬بالتأسيس‭ ‬لا‭ ‬بالتدليس‭!‬ب‭.‬

باختصار‭: ‬صرت‭ ‬ابدونب‭ ‬ولله‭ ‬الحمد‭! ‬ربما‭ ‬أنك‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬الخارجين‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬محنة‭ ‬الاحتلال‭: ‬أجزم‭ ‬بأنك‭ ‬تعرف‭ ‬الآن،‭ ‬أن‭ ‬االبدونب‭ ‬إياهم‭ ‬كويتيون‭ ‬بالضرورة،‭ ‬رغم‭ ‬أنف‭ ‬قانون‭ ‬الجنسية‭ ‬ومجلس‭ ‬البر‭..‬لمان‭ ‬إياه‭!‬

قال‭: ‬دعنا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الثرثرة‭: ‬هب‭ ‬أنك‭ ‬لم‭ ‬تفقد‭ ‬أوراق‭ ‬هويتك‭.. ‬ما‭ ‬هو‭ ‬لونك؟‭ ‬مذهبك؟‭ ‬أتكون‭ ‬مرشحًا‭.. ‬سنيًا‭ ‬أم‭ ‬شيعيًا؟‭ ‬قلت‭ - ‬وقد‭ ‬طفح‭ ‬الكيل‭- ‬أووه‭.. ‬والله‭ ‬حالة‭! ‬حتى‭ ‬أنت‭ ‬أيها‭ ‬الطفل‭ ‬المضمخ‭ ‬بالبراءة،‭ ‬صرت‭ ‬تطرح‭ ‬هكذا‭ ‬أسئلة؟‭!‬

قال‭: ‬أجب‭ ‬بصراحة‭.. ‬لا‭ ‬تهرب‭ ‬من‭ ‬الجواب‭! ‬هيا‭! ‬قلت‭ ‬بالإيقاع‭ ‬نفسه‭: ‬سأكون‭ ‬المرشح‭ ‬االشنيب‭! ‬قال‭: ‬أظنك‭ ‬تعني‭ ‬المرشح‭ ‬السني؟‭ ‬لأ‭. ‬لأ‭. ‬أعني‭ ‬المرشح‭ ‬الشني‭.. ‬أي‭ ‬السني‭ - ‬الشيعي‭ ‬معًا‭! ‬لاذ‭ ‬بالصمت‭ ‬ولم‭ ‬يعقّب‭!‬

 

النأي‭ ‬عن‭ ‬كتابة‭ ‬السيرة‭ ‬الذاتية‭!‬

‭< ‬كثيرون‭ ‬من‭ ‬القرّاء‭ ‬والمريدين‭ ‬والأصدقاء‭ ‬والأقارب‭ ‬تمنوا‭ ‬على‭ ‬العبد‭ ‬لله‭ ‬كتابة‭ ‬سيرته‭ ‬الذاتية،‭ ‬وكنت‭ ‬أجابه‭ ‬هذه‭ ‬الأمنية‭ ‬بالقول‭ ‬باستحالة‭ ‬تنفيذها‭ ‬البتة‭! ‬لاعتقادي‭ ‬بأن‭ ‬صياغتها‭ ‬ستثير‭ ‬غضب‭ ‬وزعل‭ ‬وحفيظة‭ ‬الكثيرين‭ ‬من‭ ‬الأولاد‭ ‬والأحفاد‭ ‬والأقارب‭ ‬والأصدقاء،‭ ‬ومن‭ ‬لف‭ ‬لفهم‭! ‬

وحين‭ ‬يتأمل‭ ‬المرء‭ ‬في‭ ‬السير‭ ‬الذاتية‭ ‬التي‭ ‬كتبها‭ ‬الأدباء‭ ‬والمفكرون‭ ‬والساسة‭ ‬العرب‭ ‬وغيرهم،‭ ‬يجد‭ ‬أن‭ ‬جلهم‭ ‬ملائكة‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬الخطأ‭ ‬ولا‭ ‬الخطيئة‭ ‬البتة‭!‬

من‭ ‬هنا،‭ ‬اخترت‭ ‬النأي‭ ‬عن‭ ‬كتابة‭ ‬مذكراتي،‭ ‬بقضها‭ ‬وقضيضها‭! ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬صياغة‭ ‬مختارات‭ ‬منها،‭ ‬لا‭ ‬تثير‭ ‬حفيظة‭ ‬أحد‭! ‬ولا‭ ‬غضب‭ ‬عدو‭ ‬أو‭ ‬صديق‭!‬

وقد‭ ‬حسمت‭ ‬هذه‭ ‬المسألة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬بلغت‭ ‬سن‭ ‬الرشد‭ ‬ا74‭ ‬سنة‭..!‬ب‭ ‬وأخبرت‭ ‬الصديق‭ ‬الأديب‭ ‬الشاعر‭ ‬مهاب‭ ‬نصر‭ ‬بقراري‭ ‬الحاسم‭ ‬الجازم‭ ‬حين‭ ‬نقل‭ ‬لي‭ ‬رغبة‭ ‬الصديقة‭ ‬الأديبة‭ ‬الناشرة‭ ‬الدكتورة‭ ‬فاطمة‭ ‬البودي‭ (‬مولاة‭ ‬دار‭ ‬العين‭ ‬للنشر‭ ‬بمصر‭ ‬المحروسة‭)‬،‭ ‬لنشر‭ ‬مذكراتي‭ ‬في‭ ‬الدار‭ ‬المذكورة‭.‬

وأخبرته‭ ‬بمبررات‭ ‬نأيي‭ ‬عن‭ ‬كتابة‭ ‬سيرتي‭ ‬لأني‭ ‬لست‭ ‬من‭ ‬الملائكة‭ ‬الذين‭ ‬تجد‭ ‬سيرهم‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬العيوب‭ ‬والمثالب‭! ‬وتنأى‭ ‬عن‭ ‬ذكر‭ ‬أي‭ ‬نقيصة‭ ‬أو‭ ‬سلوك‭ ‬إنساني‭ ‬مشين‭! ‬فالكاتب‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬غضاضة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬سيرته‭ ‬ناصعة‭ ‬البياض‭! ‬كأنه‭ ‬طفل‭ ‬بريء‭ ‬نقي‭ ‬امفلترب‭ ‬وملاك‭ ‬طاهر،‭ ‬وليس‭ ‬بشرًا‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬الخطأ‭ ‬والخطيئة،‭ ‬كما‭ ‬ذكرت‭ ‬آنفًا‭!‬

وقد‭ ‬نستثني‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬االملائكةب‭ ‬الشاعر‭ ‬المصري‭ ‬اأحمد‭ ‬فؤاد‭ ‬نجمب‭ ‬والروائي‭ ‬المغربي‭ ‬امحمد‭ ‬شكريب‭ ‬فقط‭ ‬لا‭ ‬غير‭!‬

 

هل‭ ‬أنت‭ ‬حفيدتي‭ ‬أم‭ ‬أمي؟‭!‬

‭< ‬السؤال‭ ‬المتربع‭ ‬على‭ ‬هامة‭ ‬العنوان‭ ‬يخص‭ ‬انورة‭ ‬البنورةب‭ ‬حفـــيــدتي‭ ‬الحنون‭! ‬الرقـــيــــقة‭ ‬الهــــشة،‭ ‬المعرّضة‭ ‬للمرض‭ ‬لأسباب‭ ‬شتى،‭ ‬تشي‭ ‬بحاجتها‭ ‬الماسّة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬عيادة‭ ‬متخصصة،‭ ‬تسبر‭ ‬غور‭ ‬عزوفها‭ ‬التام‭ ‬عن‭ ‬الطعام‭! ‬وافتراسها‭ ‬لـاالحلوياتب‭ ‬دون‭ ‬كلل‭ ‬ولا‭ ‬ملل‭! ‬وإذا‭ ‬حدث‭ ‬مرة،‭ ‬وطُعمت‭ ‬من‭ ‬وجبة‭ ‬الغداء،‭ ‬وسعدنا‭ ‬بهذا‭ ‬الإنجاز،‭ ‬وهللنا‭ ‬له‭! ‬إذا‭ ‬بها‭ ‬تستفرغه‭ ‬كله‭! ‬في‭ ‬التو‭ ‬والحين‭!‬

الشاهد‭ ‬أن‭ ‬لكل‭ ‬داء‭ ‬دواء‭ ‬بخاصة‭ ‬إذا‭ ‬تعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بحكيم‭ ‬يسبر‭ ‬أغوار‭ ‬المرض‭ ‬لينبش‭ ‬أسبابه‭ ‬ومبرراته،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬تبدو‭ ‬لي‭ ‬انورة‭ ‬البنورةب‭ ‬نشازًا‭ ‬في‭ ‬سرب‭ ‬آكل‭ ‬الفهد‭ ‬االدبّاغ‭ ‬الأطولب‭! ‬بحيث‭ ‬أن‭ ‬اثنين‭ ‬من‭ ‬أجدادها‭ ‬افترسا‭ ‬خروفًا‭ ‬نجديًا،‭ ‬وحدهما‭ ‬بالصلاة‭ ‬على‭ ‬النبي‭!‬

وهي‭ ‬حكاية،‭ ‬كما‭ ‬سترى،‭ ‬يمكن‭ ‬قراءتها‭ ‬في‭ ‬نطاق‭ ‬اصدّق‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬تصدّق‭!‬ب‭ ‬كان‭ ‬العم‭ ‬عبدالعزيز،‭ ‬والعم‭ ‬فهد‭ ‬يغذان‭ ‬السير‭ ‬باللوري‭ ‬االفوردب‭ ‬صنع‭ ‬أواخر‭ ‬الأربعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬المقلع‭ ‬الماضي،‭ ‬ميممين‭ ‬صوب‭ ‬الرياض،‭ ‬ويحملان‭ ‬شحنة‭ ‬مواد‭ ‬غذائية‭ ‬لأحد‭ ‬التجار‭.‬

هناك‭ ‬وعلى‭ ‬مشارف‭ ‬الرياض‭ ‬طاب‭ ‬لهما‭ ‬التوقف،‭  ‬وشبّ‭ ‬النار‭ ‬لاحتساء‭ ‬القهوة‭ ‬والشاي،‭ ‬سيما‭ ‬أن‭ ‬الأرض‭ ‬ربيع‭ ‬أخضر،‭ ‬ومهرجان‭ ‬زهور‭ ‬برية‭ ‬تتراقص‭ ‬على‭ ‬إيقاع‭ ‬اصبا‭ ‬نجدب‭ ‬وبردها‭ ‬االلي‭ ‬مالوش‭ ‬حلب‭ ‬بحسب‭ ‬إخوتنا‭ ‬االمصاروة‭..‬ب‭! ‬وقد‭ ‬مر‭ ‬بهما‭ ‬راعي‭ ‬غنم‭ ‬وشياه،‭ ‬فانتقيا‭ ‬منه‭ ‬خروفًا‭ ‬سمينًا‭ ‬معافى،‭ ‬رازا‭ ‬إليته،‭ ‬فوجداها‭ ‬مترعة‭ ‬بالشحم‭! ‬فسارع‭ ‬ابن‭ ‬العم‭ ‬بوصالح‭ (‬عبدالله‭ ‬الإبراهيم‭ ‬الفهد‭) ‬بذبحها‭ ‬وسلخها‭ ‬في‭ ‬دقائق،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬هرع‭ ‬إلى‭ ‬الرياض‭ ‬ماشيًا‭ ‬ليحضر‭ ‬البهارات‭ ‬والملح‭ ‬وغيرهما‭.‬

في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬بادر‭ ‬أعمامه‭ ‬بشواء‭ ‬الكبدة‭ ‬بداعي‭ ‬االنقنقةب‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬عودة‭ ‬ابن‭ ‬أخيهما‭ ‬الكبير‭! ‬وحين‭ ‬طعما‭ ‬الكبدة‭ ‬المشوية،‭ ‬قالت‭ ‬لهما‭ ‬نفسهما‭ ‬الأمّارة‭ ‬بالأكل‭: ‬لم‭ ‬لا‭ ‬تشويا‭ ‬الفخذ‭ ‬الأيمن‭ ‬بس؟‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬يعود‭ ‬االولدب‭ ‬من‭ ‬السوق‭ ‬راجلاً؟‭! ‬والله‭ ‬أعلم‭ ‬متى‭ ‬سيعود‭! ‬وربما‭ ‬يتأخر،‭ ‬جراء‭ ‬مروره‭ ‬على‭ ‬ديوان‭ ‬االنعيثرب‭ ‬أو‭ ‬العم‭ ‬اعبدالله‭ ‬الجارالله‭ ‬الحميدب‭ ‬شقيق‭ ‬جدي‭ ‬لأمي‭ ‬اناصر‭ ‬الجاراللهب،‭ ‬أو‭ ‬غيرهما‭ ‬من‭ ‬الأقارب‭ ‬والأصدقاء؟‭! ‬الشاهد،‭ ‬حين‭ ‬عاد‭ ‬عبدالله‭ ‬الإبراهيم‭ ‬سليمان‭ ‬الفهد‭ ‬المعروف‭ ‬لاحقًا‭ ‬بـابوصالحب،‭ ‬سيجد‭ ‬أن‭ ‬الخروف‭ ‬جلّه‭ ‬يرقد‭ ‬في‭ ‬معدتي‭ ‬اأعمامهب‭! ‬ولم‭ ‬يتركا‭ ‬له‭ ‬سوى‭ ‬الكرشة،‭ ‬والرأس،‭ ‬والكراعين‭ ‬والمصارين،‭ ‬والدم‭ ‬المسفوح‭ ‬على‭ ‬الأرض‭! ‬والريانة‭ ‬ابالخياريب‭ ‬المتكونة‭ ‬من‭ ‬المطر‭ ‬الديمة‭! ‬والطريف،‭ ‬أن‭ ‬صاحبنا،‭ ‬أعد‭ ‬البواقي‭ ‬المذكورة‭ ‬للشي‭ ‬والقلي،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬افترسها‭! ‬ولسان‭ ‬حاله‭ ‬يقول‭ ‬االعوض‭ ‬ولا‭ ‬القطيعة‭..!‬ب

 

العم‭ ‬بوصالح‭ ‬المربي‭ ‬الأول‭ ‬للعبدلله‭!‬

‭< ‬والعم‭ ‬بوصالح‭ (‬عبدالله‭ ‬الإبراهيم‭ ‬سليمان‭ ‬الفهد‭) ‬لعب‭ ‬دورًا‭ ‬مهمًا‭ ‬وحيويًا‭ ‬في‭ ‬احتوائي،‭ ‬سعيًا‭ ‬منه‭ ‬لتدجين‭ ‬نزقي،‭ ‬وغرابة‭ ‬أطواري‭! ‬وبخاصة‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬الصبا‭ ‬والمراهقة‭ ‬الأولى‭!‬

فحين‭ ‬وعيت‭ ‬على‭ ‬الدنيا،‭ ‬وجدته‭ ‬يحدب‭ ‬عليّ‭ ‬ويرعاني،‭ ‬ويمازحني‭ ‬دومًا‭! ‬وعرفت‭ ‬لاحقًا‭ ‬أنه‭ ‬متزوج،‭ ‬وولده‭ ‬البكر‭ ‬اصالحب‭ ‬يماثلني‭ ‬سنًا‭ - ‬والأخير‭- ‬على‭ ‬عكسي‭ ‬تمامًا‭ - ‬فهو‭ ‬هادئ‭ ‬الطبع،‭ ‬ويتسم‭ ‬بالحياء‭ ‬المحبب‭ ‬المقبول‭ ‬واالمهضومب‭ ‬بحسب‭ ‬إخوتنا‭ ‬اللبنانيين‭ ‬والشوام‭ ‬كافة‭!‬

وكان‭ ‬العم‭ ‬ابوصالحب‭ ‬بمنزلة‭ ‬مدير‭ ‬أعمال‭ ‬لعمنا‭ ‬اعبدالعزيز‭ ‬السليمان‭ ‬الفهدب‭ ‬الذي‭ ‬شارك‭ ‬في‭ ‬حربيّ‭ ‬االرقعي‭ ‬والجهراءب‭. ‬وبخاصة‭ ‬أن‭ ‬العم‭ ‬ابوسليمانب‭ ‬كان‭ ‬أميّا‭ ‬لا‭ ‬يقرأ‭ ‬ولا‭ ‬يكتب‭! ‬كما‭ ‬هو‭ ‬شأن‭ ‬أخويه‭ ‬العم‭ ‬اإبراهيمب‭ ‬واصالحب‭ ‬والدي‭! ‬وحده‭ ‬العم‭ ‬افهدب‭ ‬الذي‭ ‬تعلَّم‭ ‬بالمباركية،‭ ‬وهو‭ ‬االحملدارب‭ (‬مولى‭ ‬القافلة‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬مَن‭ ‬نقلوا‭ ‬الحجاج‭ ‬الكويتيين‭ ‬بالسيارات،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬غابت‭ ‬الجمال‭ ‬عن‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة،‭ ‬والمدينة‭ ‬المنورة‭!‬

الشاهد‭ ‬أن‭ ‬ابوصالحب‭ ‬هو‭ ‬أول‭ ‬صديق‭ ‬حميم‭ ‬لي‭ ‬وشقيق‭ ‬كبير،‭ ‬عم‭ ‬بله‭ ‬أب‭ ‬رحيم،‭ ‬كريم،‭ ‬وضحوك،‭ ‬وحازم‭ ‬عند‭ ‬اللزوم‭! ‬ويتنفس‭ ‬دعابة‭ ‬ومزاحًا،‭ ‬حين‭ ‬يتحلق‭ ‬الولد‭ ‬والأعمام‭ ‬وزوارهم‭ ‬بديوانية‭ ‬حي‭ ‬االمرقابب‭ ‬حول‭ ‬االوجاقب‭ ‬المنعوت‭ ‬بالدراجة‭ ‬الكويتية‭ ‬بـاالوجارب‭!‬

 

العم‭ ‬إبراهيم‭ ‬وقصر‭ ‬نايف‭!‬

‭< ‬وقد‭ ‬اختار‭ ‬العم‭ ‬الأكبر‭ ‬اإبراهيمب‭ ‬السكن‭ ‬والإقامة‭ ‬في‭ ‬اقصر‭ ‬نايفب‭ ‬وهو‭ ‬ملقب‭ ‬بـابوسليمانب،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ابنه‭ ‬البكر‭ ‬هو‭ ‬اعبداللهب‭ ‬السالف‭ ‬ذكره‭ ‬آنفًا‭! ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬القوم‭ ‬ألفوا‭ ‬مناداة‭ ‬المرء،‭ ‬بلقب‭ ‬يحمل‭ ‬اسم‭ ‬أبيه‭ ‬بالضرورة‭! ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬االمخالفةب‭ ‬المتبدية‭ ‬باختيار‭ ‬اسم‭ ‬اعبداللهب‭ ‬اسمًا‭ ‬لابنه،‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬العادة‭ ‬السائدة‭ ‬آنذاك،‭ ‬وما‭ ‬برحت‭ ‬حاضرة‭ ‬إلى‭ ‬الألفية‭ ‬الثالثة‭!‬

أقول‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬الاختيار‭ ‬االشاذب‭ ‬المغرد‭ ‬خارج‭ ‬السرب‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬ينطوي‭ ‬في‭ ‬ظني،‭ ‬على‭ ‬إشارة،‭ ‬إلى‭ ‬النأي‭ ‬عن‭ ‬التقاليد‭ ‬الاجتماعية‭ ‬السائدة‭! ‬والتي‭ ‬ما‭ ‬أنزل‭ ‬الله‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬قرآن‭ ‬وسلطان‭! ‬ومن‭ ‬نافل‭ ‬القول‭ ‬التنويه‭ ‬بأن‭ ‬اعبداللهب‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬الشاي‭ ‬والقهوة‭ ‬النجدية،‭ ‬والعابقة‭ ‬بشذى‭ ‬االهيلب‭ ‬والمختلطة‭ ‬برائحة‭ ‬االحمضب،‭ ‬وغيرهما‭ ‬من‭ ‬الأشجار‭ ‬البرية‭ ‬زكية‭ ‬الرائحة‭! ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬صاحبنا‭ ‬بدعًا‭ ‬في‭ ‬فعله‭! ‬لأنه‭ ‬شأن‭ ‬عيال‭ ‬الديرة‭ ‬كلهم‭! ‬فكان‭ ‬العبد‭ ‬لله‭ - ‬مثلاً‭ - ‬وهو‭ ‬صبي،‭ ‬يجلب‭ ‬الخبز‭ ‬والباقلاء‭ ‬فجرًا،‭ ‬ثم‭ ‬يجلب‭ ‬اللحم‭ ‬من‭ ‬سوق‭ ‬اللحم،‭ ‬والسمك‭ ‬والخضار‭ ‬والبرسيم‭ ‬االجتب‭ ‬من‭ ‬السوق‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬المدرسة‭! ‬لأن‭ ‬اكومارب‭ ‬وصحبه‭ ‬من‭ ‬الشغيلة‭ ‬االرفاقب‭ ‬الآسيويين،‭ ‬لم‭ ‬يقتحموا‭ ‬بعد‭ ‬نسيج‭ ‬حياتنا‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والذين‭ ‬توكل‭ ‬إليه،‭ ‬وإليهم،‭ ‬الأفعال‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬أهل‭ ‬الدار،‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬أن‭ ‬مولى‭ ‬البيت‭ ‬وسيده،‭ ‬لم‭ ‬يبق‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬فعل‭ ‬يمارسه‭ ‬في‭ ‬داره‭ ‬سوى‭ ‬افعلب‭ ‬الإنجاب‭ ‬ولله‭ ‬الحمد‭! ‬

ما‭ ‬علينا‭! ‬سقى‭ ‬الله‭ ‬الأيام‭ ‬الخوالي‭! ‬أقولها‭ ‬بمنأى‭ ‬عن‭ ‬ايامالب‭ ‬البكاء‭ ‬على‭ ‬أطلال‭ ‬الماضي‭!‬

كما‭ ‬هو‭ ‬دأب‭ ‬الشيّاب‭ ‬أمثالي‭!‬

 

البصرة‭.. ‬أول‭ ‬رحلة‭ ‬خارج‭ ‬الحدود‭!‬

‭< ‬وإن‭ ‬أنسى،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لي‭ ‬نسيان‭ ‬رحلتي‭ ‬الأولى‭ ‬خارج‭ ‬الحدود،‭ ‬حين‭ ‬قام‭ ‬ابن‭ ‬العم‭ ‬الأكبر‭ ‬باصطحابي‭ ‬بمعية‭ ‬ابنه‭ ‬البكر‭ ‬اصالحب‭ ‬إلى‭ ‬البصرة‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬عقد‭ ‬الخمسينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭.‬

أيامها،‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬الابتدائية‭ ‬القديمة‭ ‬بـامدرسة‭ ‬المرقاب‭ ‬الابتدائيةب‭. ‬وأبعد‭ ‬مكان‭ ‬وصلت‭ ‬إليه،‭ ‬خارج‭ ‬السور،‭ ‬هو‭ ‬فضاء‭ ‬منطقة‭ ‬االبدعب‭ ‬بفصل‭ ‬الربيع‭!‬،‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬بيئة‭ ‬الكويت‭ ‬نقية،‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬التلوث‭ ‬بتبدياته‭ ‬كافة‭! ‬وكانت‭ ‬الفصول‭ ‬الأربعة‭ ‬تتواتر‭ ‬وتتعاقب،‭ ‬بزمنها‭ ‬االعجيري‭ ‬العبقريب،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يأتيه‭ ‬الخطأ‭ ‬في‭ ‬االروزنامةب‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬صوب‭!‬

وكان‭ ‬لنا‭ ‬بيت‭ ‬طيني‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬االبدعب‭ ‬يحاذي‭ ‬سيف‭ ‬البحر،‭ ‬ويتحرّش‭ ‬به‭ ‬وقت‭ ‬المد‭!‬

وكانت‭ ‬الأسرة‭ ‬كلها،‭ ‬تنتقل‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬منطقة‭ ‬البدع،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يجاوره‭ ‬بيت‭ ‬العم‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬ابوسليمانب‭ ‬مدير‭ ‬الجمارك‭ ‬بالمطار‭ ‬حاليًاب‭!‬

وكانت‭ ‬الديوانية‭ ‬بـاالمرقابب‭ ‬واسعة‭ ‬وطويلة‭ ‬وفيها‭ ‬اليوانب‭ ‬وحوش‭ ‬سعي‭ ‬مزروع‭ ‬بالنخيل‭ ‬وشجر‭ ‬السدر‭!‬

وكان‭ ‬العبد‭ ‬لله‭ ‬هو‭ ‬اصبيب‭ ‬البيت‭ ‬الذي‭ ‬يؤدي‭ ‬الأشغال‭ ‬االشاقةب‭ ‬الموكلة‭ ‬إليه‭ ‬كجمع‭ ‬االخثيةب‭ ‬أي‭ ‬فضلات‭ ‬البقرة‭ - ‬حاشاكم‭ - ‬والتي‭ ‬تستخدم‭ ‬وقودًا‭ ‬لطبخ‭ ‬الطعام،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يضاف‭ ‬إليها‭ ‬االتبنب‭ - ‬حاشاكم‭ - ‬كمان‭ ‬وكمان‭!‬

‭< ‬هذه‭ ‬نتف‭ ‬من‭ ‬السيرة،‭ ‬دبجتها‭ ‬على‭ ‬عجالة،‭ ‬كما‭ ‬عنَت‭ ‬لي‭ ‬بلا‭ ‬تزويق‭! ‬اخترتها‭ ‬لتكون‭ ‬مقدمة،‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬العالم‭ ‬الساحر‭ ‬للأحفاد‭ ‬من‭ ‬الجنسين‭! ‬وكما‭ ‬ترون‭ ‬فإن‭ ‬العبد‭ ‬لله‭ ‬يبدو‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬النتف‭ ‬لسيرته،‭ ‬ملاكًا‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭! ‬اختار‭ ‬أن‭ ‬ينأى‭ ‬عن‭ ‬ذكر‭ ‬الأخطاء‭ ‬والخطايا،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬ابن‭ ‬آدم‭ ‬ينتسب‭ ‬بيولوجيًا‭ ‬لأبينا‭ ‬آدم‭ ‬العاصي‭!‬

 

الحفيد‭ ‬البكر‭ ‬‮«‬تاجر‭ ‬الشنطة‮»‬‭.. ‬سليمان

‭< ‬ورّطني‭ ‬حفيدي‭ ‬البكر‭ ‬اسليمانب‭ ‬باقتناء‭ ‬موبايل‭ ‬اآي‭ ‬فونب،‭ ‬بينما‭ ‬العبد‭ ‬لله‭ ‬متشبث‭ ‬بالموبايل‭ ‬طيب‭ ‬الذكر،‭ ‬انطلق‭ ‬واحد‭! ‬ومازال‭ ‬على‭ ‬علاقة‭ ‬يومية‭ ‬حميمة‭ ‬بالتلفون‭ ‬الأرضي‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭! ‬ويستخدم‭ ‬االفاكسب‭ ‬المحتضر‭ ‬لإرسال‭ ‬مقالاته‭! ‬والرد‭ ‬على‭ ‬اإيميلاتهب‭! ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يرف‭ ‬له‭ ‬جفن‭ ‬الحداثة‭! ‬واسليمانب‭ ‬الحفيد‭ ‬له‭ ‬العجب‭ ‬العجاب‭! ‬فمحياه‭ ‬هادئ‭ ‬ومعجون‭ ‬ابالخبثب‭! ‬ومنزوع‭ ‬من‭ ‬اقشطةب‭ ‬براءة‭ ‬الأطفال‭ ‬إياها‭! ‬والتي‭ ‬كانوا‭ ‬يوصفون‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬الخوالي‭! ‬حين‭ ‬كانوا‭ ‬ينعتون‭ ‬الواحد‭ ‬منهم،‭ ‬بـاالياهلب‭ ‬أو‭ ‬الجاهل‭ ‬سواء‭!‬

ولست‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬إشهار‭ ‬اغشامةب‭ ‬العبد‭ ‬لله،‭ ‬وجهله،‭ ‬وخصومته‭ ‬لأجهزة‭ ‬الاتصال‭ ‬الحديثة‭! ‬من‭ ‬هنا‭ ‬اهتبل‭ ‬المحروس‭ ‬الفرصة‭ ‬ليبيعني‭ ‬االعدةب‭ ‬القديمة،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬دأبه،‭ ‬كلما‭ ‬عنّ‭ ‬له‭ ‬التخلص‭ ‬منها،‭ ‬وذلك‭ ‬بثمن‭ ‬باهظ‭ ‬لأنه‭ ‬يمارس‭ ‬التجارة،‭ ‬متأسيا‭ ‬بسلوك‭ ‬الباعة‭ ‬الجوالين،‭ ‬من‭ ‬إخوتنا‭ ‬االمهارةب‭ ‬وتجار‭ ‬اسوق‭ ‬الحميديةب‭ ‬بدمشق‭ ‬الأبية‭! ‬وبازارات‭ ‬اسطنبول‭ ‬الشهيرة‭! ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يكل‭ ‬ولا‭ ‬يملل،‭ ‬من‭ ‬المساومة‭! ‬واالفصالب‭ ‬المدججين‭ ‬بالإيمان‭ ‬المغلظة‭ ‬للتأكيد‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬صادق‭ ‬وأمين‭! ‬وهو‭ ‬بريء‭ ‬منهما‭ ‬براءة‭ ‬الذئب‭ ‬من‭ ‬دم‭ ‬ابن‭ ‬سيدنا‭ ‬يعقوب‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬وأقول‭ ‬ذلك،‭ ‬لأني‭ ‬سمعته،‭ ‬بعد‭ ‬إتمام‭ ‬فعلة‭ ‬البيع،‭ ‬وهو‭ ‬يقول‭ ‬لأختيه‭ ‬انورةب‭ ‬البنورة،‭ ‬واياراب‭ ‬العيّارة‭!‬ب‭: ‬بأنه‭ ‬ضحك‭ ‬على‭ ‬جده،‭ ‬وباعه‭ ‬سقط‭ ‬المتاع،‭ ‬بمائة‭ ‬دينار‭ ‬كويتي‭! ‬ربما‭ ‬لأن‭ ‬ابابا‭ ‬جدوب‭ ‬غشيم،‭ ‬وجاهل،‭ ‬ولا‭ ‬علم‭ ‬له‭ ‬بوجود‭ ‬أجيال‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬الموبايلات‭ ‬تلي‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬اقتنيته‭ ‬منه‭! ‬وهكذا‭ ‬ترى‭ ‬بأنه‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬العلم‭ ‬نور،‭ ‬فالجهل‭ ‬أنور‭!‬

حفيدتي‭ ‬دالية‭ ‬علي‭ ‬سليمان‭ ‬الفهد‭..‬

‭< ‬دالية‭ ‬عمرها‭ ‬سنتان،‭ ‬كأنها‭ ‬دمية‭ ‬خارجة‭ ‬من‭ ‬رحم‭  ‬مسرح‭ ‬العرائس‭! ‬تسير‭ ‬مندفعة‭ ‬دومًا‭ ‬وتنادي‭ ‬أمها‭ ‬بلقب‭ ‬امدامب‭ ‬يسبق‭ ‬اسمها‭! ‬ووالدهما‭ ‬بلقب‭ ‬اسيرب‭ ‬يرصع‭ ‬اسمه‭! ‬ربما‭ ‬لأنها‭ ‬تسمع‭ ‬الشغالة‭ ‬الآسيوية‭ ‬المهذبة،‭ ‬تناديهما‭ ‬هكذا‭! ‬ولأن‭ ‬الشغالة‭: ‬هي‭ ‬االمربيةب‭ ‬أو‭ ‬الأم‭ ‬بالوكالة‭ ‬إن‭ ‬شئت،‭ ‬وشاء‭ ‬لي‭ ‬االحرملكب‭ ‬الكويتي‭ ‬والمهموم‭ ‬بالوظيفة‭ ‬الحكومية،‭ ‬والمزنرة‭ ‬بالامتيازات‭ ‬التي‭ ‬تحظى‭ ‬بها‭ ‬المواطنات‭! ‬بدعوى‭ ‬الحمل‭ ‬والولادة،‭ ‬والتفرغ‭ ‬االقسريب‭ ‬لتربية‭ ‬المولود‭! ‬شريطة‭ ‬أن‭ ‬يرضع‭ ‬من‭ ‬مرضعته‭ ‬الحنون‭ ‬الخواجاية‭ ‬انستللهب‭ ‬إياها‭!‬

ذلك‭ ‬أن‭ ‬الأم‭ ‬بالأصالة‭ ‬تخشى‭ ‬على‭ ‬جمال‭ ‬نهديها‭ ‬من‭ ‬الرضاعة‭ ‬الطبيعية‭! ‬والتي‭ ‬أفتى‭ ‬المختصون‭ ‬بأنها‭ ‬الأنفع‭ ‬والأصح‭ - ‬نفسيًا‭ ‬وروحيًا‭ ‬وصحيًا‭ - ‬لجسد‭ ‬المولود‭ ‬وأمه‭ ‬سواء‭!‬

ولكن‭.. ‬وآخ‭ ‬من‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭! ‬على‭ ‬مَن‭ ‬تقرأ‭ ‬مزاميرك،‭ ‬وتلعلع‭ ‬بمواعظك‭ ‬يا‭ ‬أبا‭ ‬داوود؟‭!‬

 

حفيدتي‭ ‬‮«‬لين‮»‬‭ ‬المهذارة‭!‬

‭< ‬أما‭ ‬حفيدتي‭ ‬الينب‭ ‬الملسونة‭ ‬المهذارة،‭ ‬والمخاصمة‭ ‬لـابراءة‭ ‬الأطفالب‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬بامتياز‭ ‬لا‭ ‬تغبط‭ ‬عليه‭! ‬فحدّث‭ ‬عنها‭ ‬ولا‭ ‬حرج‭! ‬صحيح‭ ‬القول‭ ‬المأثور‭ ‬امَن‭ ‬شابه‭ ‬أباه‭ ‬فما‭ ‬ظلم‭!‬ب‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬بزت‭ ‬أبيها‭ ‬في‭ ‬خفة‭ ‬الدم،‭ ‬واالكاريزماب‭ ‬والجرأة‭ ‬اوالشيطنةب،‭ ‬والاستحواذ‭ ‬على‭ ‬طعام‭ ‬جديها‭ ‬الخاص،‭ ‬والمختار‭ ‬من‭ ‬أخصائي‭ ‬السكر،‭ ‬والضغط،‭ ‬والأملاح،‭ ‬والبقية‭ ‬قادمة‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬بالضرورة،‭ ‬بحكم‭ ‬تجليات‭ ‬اأرذل‭ ‬العمرب‭ ‬التعيسة‭ ‬المرهقة‭ ‬للجميع‭! ‬ما‭ ‬علينا‭! ‬

والحق‭ ‬أن‭ ‬الينب‭ ‬تنافس‭ ‬بنت‭ ‬عمها‭ ‬ايارا‭ ‬العيارةب،‭ ‬ولذا‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬سرقة‭ ‬الكاميرا‭ ‬منها‭ - ‬كما‭ ‬يقال‭ ‬بلغة‭ ‬أهل‭ ‬كار‭ ‬السينما‭- ‬لتستحوذ‭ ‬على‭ ‬المشهد‭ ‬والمشاهدين‭ ‬من‭ ‬الأحفاد،‭ ‬والآباء،‭ ‬والأجداد‭ ‬سواء‭! ‬ولا‭ ‬يهدأ‭ ‬لها‭ ‬بال‭ ‬إلا‭ ‬حين‭ ‬تستعرض‭ ‬على‭ ‬الحاضرين‭ ‬قدراتها‭ ‬في‭ ‬الغناء،‭ ‬والحركات‭ ‬االأكروباتيةب‭ ‬البهلوانية‭ ‬الصعبة‭ ‬المرعبة،‭ ‬والرقص‭ ‬الشرقي،‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬االزفان،‭ ‬والردح‭ ‬والعرضة،‭ ‬والسامري‭ ‬على‭ ‬إيقاع‭ ‬االخماريب‭..! ‬وهي‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تستجيب‭ ‬للموسيقى‭ ‬بالرقص‭ ‬الفوري،‭ ‬وكأنها‭ ‬قُدت‭ ‬من‭ ‬مسرح‭ ‬ومهرجان‭ ‬ساحة‭ ‬اجامع‭ ‬الفناب‭ ‬بمدينة‭ ‬مراكش‭ ‬بالمغرب‭! ‬ولو‭ ‬سافرت‭ ‬بمعيتي‭ ‬إلى‭ ‬هناك،‭ ‬لاستحوذت‭ ‬على‭ ‬عقل‭ ‬ووجدان‭ ‬الجماهير‭ ‬الغفيرة،‭ ‬المحتشدة‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬المدهش‭! ‬الذي‭ ‬عمّدته‭ ‬هيئة‭ ‬االيونسكوب‭ ‬الدولية‭ ‬أثرًا‭ ‬عالميًا،‭ ‬يستأهل‭ ‬المحافظة‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الدار،‭ ‬ومن‭ ‬المعنيين‭ ‬بالتراث‭ ‬الشعبي‭ ‬الشفاهي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬مثيل‭ ‬له‭! ‬وربما‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬قادم‭ ‬السنين‭ ‬اعالمةب‭ ‬تنتسب‭ ‬إلى‭ ‬االعوالمب‭ ‬بلغة‭ ‬أهل‭ ‬مصر‭ ‬المحروسة،‭ ‬أو‭ ‬إن‭ ‬شئت‭ ‬اغازيةب‭ ‬ترقص‭ ‬بأفراح‭ ‬الفلاحين‭ ‬بمصر،‭ ‬أو‭ ‬اطقاقةب‭ ‬أعراس‭ ‬لا‭ ‬منافس‭ ‬لها،‭ ‬بحسب‭ ‬قول‭ ‬االخلايجةب‭ ‬ما‭ ‬غيرهم‭! ‬سيما‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المهنة،‭ ‬تدر‭ ‬نقودًا‭ ‬وانقوطًاب،‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬والليلة،‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬تدره‭ ‬عالمة‭ ‬ذرّة،‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬كامل‭!‬

ومن‭ ‬هنا‭: ‬أنصح‭ ‬والدها‭ ‬بإلحاقها‭ ‬بفرقة‭ ‬االحلوب‭ ‬المصرية‭ ‬البهلوانية‭! ‬أو‭ ‬بسيرك‭ ‬موسكو‭ (‬تنطق‭ ‬موسكو‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬أخينا‭ ‬اأكرم‭ ‬خزامب‭ ‬مراسل‭ ‬الجزيرة‭ ‬إياه‭!) ‬أقول‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬جل‭ ‬الفنانين‭ ‬والمبدعين‭ ‬االحداثيينب‭ ‬والتقليديين‭ ‬وفدوا‭ ‬من‭ ‬فضاء‭ ‬مجتمع‭ ‬محافظ‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬أسرة‭ ‬ارجعية‭!‬ب‭ ‬كما‭ ‬يقال‭! ‬ولأن‭ ‬العبد‭ ‬لله‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬حاضرًا‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬الموعود،‭ ‬فاضطر‭ ‬إلى‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬الشطح‭ ‬والخيال،‭ ‬علّني‭ ‬أستشرف‭ ‬واقع‭ ‬حال‭ ‬الينب‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭! ‬وأحدس‭ ‬مهنتها‭ ‬االدنبكجيةب‭ ‬المموسقة،‭ ‬والممرسحة،‭ ‬والمدججة‭ ‬بالقدرات‭ ‬الفنية،‭ ‬السالف‭ ‬ذكرها‭! ‬يا‭ ‬لين‭ ‬الزين،‭ ‬يا‭ ‬نور‭ ‬وقرّة‭ ‬العين‭! ‬يا‭ ‬مُهرة‭ ‬عصية‭ ‬على‭ ‬الترويض‭ ‬والتدجين،‭ ‬الله‭ ‬يرعاك‭ ‬حتى‭ ‬تعرسين‭!‬

 

‮«‬جنى‮»‬‭ ‬الحفيدة‭ ‬الأمريكية‭!‬

بعد‭ ‬الحفيد‭ ‬البكر‭ ‬بسنتين،‭ ‬أطلت‭ ‬اجنىب‭ ‬الحفيدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬بحكم‭ ‬إقامة‭ ‬والدها‭ ‬بنيويورك،‭ ‬وهي‭ ‬الحفيدة‭ ‬الأولى،‭ ‬ولسانها‭ ‬افرانكو‭ ‬آرابب،‭ ‬ترطن‭ ‬بعربية‭ ‬مكسّرة،‭ ‬معجونة‭ ‬بالظرف‭! ‬من‭ ‬جراء‭ ‬تنقل‭ ‬والدها‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬الله،‭ ‬لعمله‭ ‬في‭ ‬السلك‭ ‬الدبلوماسي‭! ‬وهذه‭ ‬الغربة،‭ ‬والتنقل‭ ‬المتواتر،‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬دراسة‭ ‬الأولاد،‭ ‬وتخلفهم‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭! ‬فالآنسة‭ ‬اجنىب‭ ‬ترطن‭ ‬بالإنجليزية‭ ‬كما‭ ‬احماميلب‭ ‬وشيالة‭ ‬اجاشنمالب‭ ‬لساحة‭ ‬الصفاة‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬الخوالي‭ ‬من‭ ‬الخمسينيات‭! ‬والشاهد‭ ‬أن‭ ‬رطانتها،‭ ‬كانت‭ ‬حائلاً‭ ‬دون‭ ‬تواصلها‭ ‬مع‭ ‬أترابها‭ ‬من‭ ‬الحفيدات‭ ‬انورة،‭ ‬يارا،‭ ‬لين،‭ ‬داليةب،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬الحفيد‭ ‬البكر‭ ‬سليمان،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬العجيب‭ ‬الذي‭ ‬يرضع‭ ‬مع‭ ‬الحليب‭ ‬معرفة‭ ‬الـالاب‭ ‬توب،‭ ‬والموبايلب‭ ‬وما‭ ‬خفي‭ ‬أعظم‭! ‬جيل‭ ‬له‭ ‬العجب‭ ‬والدهشة‭ ‬والإعجاب،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬معان‭ ‬تحدد‭ ‬ملامح‭ ‬هويته،‭ ‬وشخصيته‭ ‬الإنسانية‭!‬

 

عالم‭ ‬الأحفاد‭.. ‬ردّة‭ ‬زينة‭ ‬إلى‭ ‬زمن‭ ‬الطفولة‭!‬

‭< ‬إن‭ ‬دنيا‭ ‬وعالم‭ ‬الأحفاد،‭ ‬لا‭ ‬يعدله‭ ‬عالم‭ ‬لدى‭ ‬جيل‭ ‬الأجداد‭! ‬قيل‭ ‬بحق‭: ‬لا‭ ‬أعز‭ ‬من‭ ‬الولد‭ ‬سوى‭ ‬ولد‭ ‬الولد‭.. ‬اكما‭ ‬نوهت‭ ‬آنفًا،‭ ‬فهو‭ ‬ولد‭ ‬الفهد‭.. ‬بعد‭ ‬جبدي‭ ‬يا‭ ‬بعدب‭! ‬ماذا‭ ‬أقول‭ ‬وأهذر‭ ‬عن‭ ‬دنياهم،‭ ‬والساعات‭ ‬التي‭ ‬أمضيتها‭ ‬بمعيتهم؟‭! ‬حيث‭ ‬يرتد‭ ‬الجد‭ ‬منا،‭ ‬شاء‭ ‬أم‭ ‬أبى،‭ ‬رغبة‭ ‬أم‭ ‬عنوة،‭ ‬إلى‭ ‬الطفل‭ ‬الذي‭ ‬يسكنه،‭ ‬ويتربع‭ ‬في‭ ‬وجدانه‭! ‬تقول‭ ‬انوراب‭ ‬بغنج‭ ‬ودلع‭: ‬كن‭ ‬جملاً‭ ‬ليمتطيك‭ ‬جماعة‭! ‬فأصير‭ ‬بعيرًا‭ ‬توًا؟‭!‬

فأنت‭ ‬الجد،‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬سوى‭ ‬الانصياع‭ ‬إلى‭ ‬بداهة‭ ‬اسي‭ ‬السيدب‭ ‬بالاختيار،‭ ‬والدكتاتور‭ ‬الآسر،‭ ‬الذي‭ ‬يهلل‭ ‬ويطرب‭ ‬بطغيانه‭ ‬معشر‭ ‬الأجداد‭ ‬من‭ ‬الجنسين‭! ‬فيزأر‭ ‬الواحد‭ ‬منهم‭ ‬قائلاً‭: ‬ابابا‭ ‬جبيبرب‭: ‬هات‭ ‬عيدية‭ ‬الحين‭!‬

وإياك‭ ‬التسرّع‭ ‬بقولة‭: ‬العيد‭ ‬فات‭ ‬وعدى‭! ‬لأن‭ ‬العيد‭ ‬في‭ ‬ثقافة‭ ‬االكوايتةب‭ ‬متواتر‭ ‬طوال‭ ‬السنة‭! ‬يلاحق‭ ‬الأجداد‭ ‬كظلهم،‭ ‬ساعة‭ ‬الظهيرة‭! ‬فتخرج‭ ‬دينارًا،‭ ‬بأريحية‭ ‬وارمه‭ ‬بـاالــــكرمب‭ ‬المــــزعوم،‭ ‬فتنفحه‭ ‬للحفيدة‭ ‬بأهايد‭ ‬احاتمطائيب‭ ‬معتبر‭! ‬فيبحلق‭ ‬فيك‭ ‬الدكتاتور‭ ‬الصــغـــير،‭ ‬ويحدجك‭ ‬شزرًا،‭ ‬دلالة‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬أي‭ ‬االدينارب‭ ‬يليق‭ ‬بالطفلة‭ ‬اياراب‭ ‬ولا‭ ‬يجوز‭ ‬أن‭ ‬تعطيه‭ ‬لآنسة‭ ‬اتقرأب،‭ ‬وتدرس‭ ‬في‭ ‬الابتدائية‭ ‬بمنطقة‭ ‬االشويخب‭ ‬على‭ ‬شارعين،‭ ‬وفيها‭ ‬حديقة‭ ‬مؤثثة‭ ‬بأثاث‭ ‬اخرافيب‭ ‬كريم‭! ‬لأن‭ ‬ميزانية‭ ‬وصندوق‭ ‬المدرسة‭ ‬على‭ ‬الحديدة،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬دأبها‭!‬

 

فضاء‭ ‬الأحفاد‭ ‬جنة‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬أرضه‭!‬

‭< ‬إذا‭ ‬اجتمع‭ ‬الأحفاد‭ ‬والحفيدات،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬وفضاء‭ ‬واحد،‭ ‬فستشعر‭ ‬بأنك‭ ‬في‭ ‬روضة‭ ‬من‭ ‬رياض‭ ‬الجنة‭! ‬بمعنى‭ ‬من‭ ‬المعاني‭ ‬المجازية‭ ‬المزاجية‭! ‬فهذه‭ ‬الساعات‭ ‬التي‭ ‬وصفتها‭ ‬بكونها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬عقارب،‭ ‬تستأهل‭ ‬وجدان‭ ‬شاعر‭ ‬يدبجها‭ ‬قصيدة‭ ‬رومانسية،‭ ‬بل‭ ‬امعلقةب‭ ‬تتغنى‭ ‬بجمال‭ ‬اللحظات‭ ‬ومحاسنها‭ ‬وفوائدها‭ ‬الجمة‭ ‬للصحة‭ ‬النفسية‭ ‬للأجداد‭!‬

 

وقت‭ ‬الأحفاد‭ ‬ساعات‭ ‬بلا‭ ‬عقارب‭!‬

‭< ‬لعلي‭ ‬لا‭ ‬أقول‭ ‬جديدًا،‭ ‬بشأن‭ ‬المشاعر‭ ‬تجاه‭ ‬الأحفاد‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬مشاعر‭ ‬الأجداد‭ ‬كافة،‭ ‬تنسحب‭ ‬عليها‭ ‬مقولة‭: ‬اما‭ ‬أعز‭ ‬من‭ ‬الولد،‭ ‬سوى‭ ‬ولد‭ ‬الولد،‭ ‬كما‭ ‬نوّهت‭ ‬آنفًا‭! ‬لذا‭ ‬عرف‭ ‬الحفيد‭ ‬مقامه‭ ‬افتدللاب‭! ‬فالجد‭ ‬ملاذ‭ ‬الحفدة‭ ‬والعكس‭ ‬صحيح‭ ‬بالضرورة‭! ‬ففي‭ ‬حضرة‭ ‬الجد،‭ ‬يلحس‭ ‬الحفيد،‭ ‬كل‭ ‬ممنوعات‭ ‬الوالدين‭ ‬ويبلعها،‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬تزأر‭ ‬االمربيةب‭ ‬بهتاف‭: ‬حان‭ ‬موعد‭ ‬النوم،‭ ‬والأحلام،‭ ‬والحكايا‭ ‬الجالبة‭ ‬للنعاس،‭ ‬توًا‭ ‬وفي‭ ‬الحال‭! ‬فيتحوّل‭ ‬الجد‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬الحاوي‭ ‬واالخمارب‭ ‬والساحر‭ ‬إلى‭ ‬دور‭ ‬االحكواتيب‭ ‬الريّان‭ ‬بالحزاوي‭ ‬والغطاوي‭ ‬والحكاوي‭ ‬والسوالف‭. ‬دع‭ ‬عنك‭ ‬طقوس‭ ‬وممارسات‭ ‬االدغدغة‭ ‬والدلدغةب‭ ‬وإيلاج‭ ‬أصابعك‭ ‬المثلجة‭ ‬إلى‭ ‬جسمه‭ ‬الدافئ،‭ ‬ومداعبة‭ ‬وجهه‭ ‬الوارم‭ ‬بالشيطنة‭ ‬بريشة‭ ‬دجاجة‭! ‬مثلاً‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭!‬

واسليمان‭ ‬فوازب‭ ‬هو‭ ‬حفيدي‭ ‬البكر،‭ ‬عشر‭ ‬سنوات،‭ ‬ويليه‭ ‬باسم‭ ‬الله‭ ‬ما‭ ‬شاء‭ ‬الله‭ ‬حفيدات‭ ‬هن‭ ‬على‭ ‬التوالي‭:‬

1-جنى‭ ‬8‭ ‬سنوات‭ ‬2-‭ ‬نورة‭ ‬8‭ ‬سنوات‭ ‬3-‭ ‬لين‭ ‬4‭ ‬سنوات‭ ‬4-‭ ‬ريما‭ ‬سنة‭ ‬5-‭ ‬يارا‭ ‬سنة‭ ‬ونيف‭.. ‬والخير‭ ‬لقدام‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬إخوتنا‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬الشقيق،‭ ‬واللهم‭ ‬زد‭ ‬وبارك‭! ‬وحريّ‭ ‬بالذكر‭ ‬أنه‭ ‬لحكمة‭ ‬ربنا‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬قد‭ ‬قضت‭ ‬وشاءت‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬كل‭ ‬أولادي‭ ‬من‭ ‬فصيلة‭ ‬الذكور‭ ‬الخناشير‭! ‬وقد‭ ‬جرت‭ ‬محاولات‭ ‬حثيثة،‭ ‬لإنجاب‭ ‬البنات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬جدوى‭! ‬ورزق‭ ‬الهبل‭ ‬الذين‭ ‬هم‭ ‬نحن‭ (‬بعلتي‭ ‬وأنا‭) ‬على‭ ‬المجانين‭ ‬هم‭ ‬أصحاب‭ ‬الوصفات‭ ‬العجيبة‭ ‬التي‭ ‬توصف‭ ‬بأنها‭ ‬اما‭ ‬تخرش‭ ‬الميةب‭ ‬بشأن‭ ‬خلفة‭ ‬البنات‭! ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬تجد‭ ‬أن‭ ‬بناتي‭ ‬الأثيرات‭ ‬الغاليات‭ ‬هن‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬الأمومة‭ ‬المعنوية‭! ‬أعني‭ ‬بناتي‭.‬

 

الأحفاد‭ ‬جيل‭ ‬الألفية‭ ‬الثالثة‭!‬

‭< ‬إن‭ ‬جيل‭ ‬الأحفاد،‭ ‬هو‭ ‬جيل‭ ‬الألفية‭ ‬الثالثة،‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬ثورة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الاتصال،‭ ‬وثورة‭ ‬المعلوماتية‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تنطوي‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬معرفة‭ ‬ثرة‭ ‬ومتنوعة‭! ‬فحين‭ ‬يجاورك‭ ‬الحفيد‭ ‬منهم،‭ ‬تجد‭ ‬نفسك‭ ‬إزاء‭ ‬رجل‭ ‬راشد‭ ‬عارف،‭ ‬ملسون،‭ ‬جريء،‭ ‬يثير‭ ‬أسئلة‭ ‬غير‭ ‬مألوفة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬االيهالب‭ ‬أي‭ ‬الأطفال،‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬ينعتون‭ ‬بــااليهالب،‭ ‬المترعين‭ ‬بالبراءة‭ ‬والسذاجة،‭ ‬اللائقتين‭ ‬بسنهم‭ ‬البرعمي‭ ‬الأخضر‭ ‬الطري‭.‬

الروحيات،‭ ‬وهن،‭ ‬ولله‭ ‬الحمد‭ ‬كثر‭! ‬وربما‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الهم‭ ‬على‭ ‬القلب‭! ‬لأنهن‭ ‬لا‭ ‬يتذكرن‭ ‬االباباب‭ ‬إلا‭ ‬حين‭ ‬تتخانق‭ ‬إحداهن‭ ‬مع‭ ‬أبيها‭ ‬البيولوجي‭ ‬أو‭ ‬بعلها‭ ‬االبيولوجيب‭ ‬برضه‭!‬

لكنهن‭ - ‬والحق‭ ‬يقال‭ - ‬أول‭ ‬مَن‭ ‬يذكرني‭ ‬بعيد‭ ‬ميلادي‭! ‬والذي‭ ‬أتحاشى‭ ‬ذكره‭!‬

‭< ‬الشاهد‭ ‬أن‭ ‬البنات‭ ‬الروحيات،‭ ‬حكاية‭ ‬أخرى،‭ ‬تستاهل‭ ‬صفحات‭ ‬خاصة‭! ‬قد‭ ‬نسطرها‭ ‬ذات‭ ‬مقالة‭ ‬قادمة‭ ‬بإذن‭ ‬واحد‭ ‬أحد‭!‬

لكن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يمنع‭ ‬من‭ ‬ذكر‭ ‬أنني‭ ‬زوجت‭ ‬جلهن،‭ ‬لأصدقاء‭ ‬حميمين‭ ‬حرصًا‭ ‬مني‭ ‬ومنهن،‭ ‬على‭ ‬تواصل‭ ‬الأبوّة‭ ‬الوجدانية‭ ‬الإنسانية‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬شاء‭ ‬الله‭! ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬صحيحًا‭ ‬القول‭: ‬ارب‭ ‬أخ‭ ‬لم‭ ‬تلده‭ ‬أمك‭!‬ب‭ ‬فهو‭ ‬صحيح‭ ‬أيضًا‭ ‬القول‭: ‬ارب‭ ‬ولد‭ ‬لك‭ ‬لم‭ ‬تلده‭ ‬زوجتك‭ (‬البيولوجية‭)!‬ب‭.‬

والحق،‭ ‬أن‭ ‬الذراري‭ ‬الروحيين،‭ ‬الذين‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬صلبي‭ ‬البيولوجي،‭ ‬هم‭ ‬أعمق‭ ‬بنوّة‭ ‬من‭ ‬الأبناء‭ ‬البيولوجيين‭! ‬ولو‭ ‬كنت‭ ‬أعرف‭ ‬هذه‭ ‬االحقيقةب،‭ ‬لكنت‭ ‬عزفت‭ ‬عن‭ ‬الزواج‭! ‬ولما‭ ‬ارتكبته‭ ‬ثلاث‭ ‬مرات‭! ‬وكأن‭ ‬كل‭ ‬زيجة‭ ‬فعلتها‭ ‬تلد‭ ‬أخرى‭! ‬وتفضي‭ ‬إليها‭ ‬بالتداعي‭ ‬الحر‭! ‬كما‭ ‬يقولون‭ ‬بلغة‭ ‬التحليل‭ ‬النفسي‭! ‬ما‭ ‬علينا‭! ‬عود‭ ‬على‭ ‬بدء‭ ‬إلى‭ ‬محور‭ ‬هذرتنا،‭ ‬بشأن‭ ‬قلوبنا‭ ‬التي‭ ‬تدب‭ ‬على‭ ‬الأرض‭: ‬الحفيدات،‭ ‬واللواتي‭ ‬تكون‭ ‬الساعات‭ ‬التي‭ ‬نمضيها‭ ‬بمعيتهن،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬عقارب‭ ‬الدقائق‭ ‬والثواني‭! ‬كما‭ ‬نوّهت‭ ‬مرارًا‭! ‬فهو‭ ‬وقت‭ ‬لا‭ ‬تشعر‭ ‬كيف‭ ‬يمضي‭ ‬كالومضة‭ ‬الخاطفة‭! ‬فهن‭ ‬وحدهن،‭ ‬اللواتي‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬إقصاء‭ ‬حضرات‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬تحيط‭ ‬بالعبد‭ ‬لله،‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬صوب‭ ‬كما‭ ‬ظله‭! ‬فإذا‭ ‬حضرت‭ ‬الحفيدات،‭ ‬غابت‭ ‬المطالعة‭ ‬والقراءة‭! ‬وتوارت‭ ‬المصنفات‭ ‬الأدبية‭ ‬والفاترية‭ ‬وغيرهما،‭ ‬وهرعت‭ ‬إلى‭ ‬مكانها‭ ‬في‭ ‬المكتبة‭! ‬أو‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬موقع‭ ‬آخر‭!‬

 

كل‭ ‬حفيدة‭ ‬بجدها‭ ‬معجبة‭!‬

‭< ‬وأحسب،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬أقل‭ ‬أجزم،‭ ‬بأن‭ ‬مقولة‭: ‬اكل‭ ‬فتاة‭ ‬بأبيها‭ ‬معجبةب،‭ ‬باتت‭ ‬تنسحب‭ ‬على‭ ‬الجد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الأب‭! ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬صحيحًا‭ ‬أنه‭ ‬اما‭ ‬أعز‭ ‬من‭ ‬الولد‭ ‬إلا‭ ‬ولد‭ ‬الولدب،‭ ‬فإنه‭ ‬صحيح‭ ‬أيضًا،‭ ‬وبالضرورة،‭ ‬أنه‭ ‬ما‭ ‬أعز‭ ‬من‭ ‬الأب‭ ‬سوى‭ ‬الجد‭! ‬حين‭ ‬يجد‭ ‬الجد‭ ‬ويحين‭ ‬حسم‭ ‬االخياراتب‭ ‬العاطفية،‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مشاعر‭ ‬الأحفاد‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭!‬

ولعلي‭ ‬هنا،‭ ‬أتحدث‭ ‬عن‭ ‬طبيعة‭ ‬بشرية‭ ‬إنسانية‭ ‬عامة،‭ ‬حاضرة‭ ‬في‭ ‬وجدان‭ ‬الأجداد‭ ‬والأحفاد‭ ‬كافة‭! ‬كما‭ ‬يتبدى‭ ‬ذلك،‭ ‬حين‭ ‬يشرع‭ ‬الأجداد‭ ‬في‭ ‬تدبيج‭ ‬معلـقــاتــهم‭ ‬الـخــاصة‭ ‬بعـلاقــتــــهم‭ ‬العضوية‭ ‬الحميمة‭ ‬مع‭ ‬الأحفاد‭! ‬فثمة‭ ‬شعراء‭ ‬أبدعوا‭ ‬قصائد‭ ‬رائعة،‭ ‬تتغنى‭ ‬بهذه‭ ‬العلاقة‭ ‬السحرية،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تعدلها‭ ‬علاقة‭ ‬البتة‭!‬

 

الأحفاد‭ ‬جيل‭ ‬عجوزْ‭!‬

‭< ‬ولعلي‭ ‬أزعم،‭ ‬بأن‭ ‬جيل‭ ‬الأحفاد‭ ‬يولد‭ ‬عجوزًا،‭ ‬يستاهل‭ ‬الحوار‭ ‬معه‭ ‬كإنسان‭ ‬راشد‭ ‬عارف،‭ ‬وليس‭ ‬واحدا‭ ‬يردد‭ ‬مقولاته‭ ‬بـ‭ ‬اببغاويةب‭. ‬الأطفال‭ ‬وقروديتهم‭! ‬واللتين‭ ‬يقلدان‭ ‬بهما‭ ‬آباءهم‭ ‬وإخوتهم‭ ‬الكبار‭!‬

ولذا‭ ‬لزم‭ ‬التنويه‭! ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬االولدب‭ ‬كآدمي‭ ‬ناضج،‭ ‬يعي‭ ‬ما‭ ‬يقول‭ ‬ويعنيه‭! ‬وإن‭ ‬بدا‭ ‬لنا‭ ‬يتجاوز‭ ‬عمره‭ ‬الزمني،‭ ‬ويسبق‭ ‬جيله،‭ ‬بمراحل‭ ‬عدة‭!‬

ويروق‭ ‬لي‭ ‬بهذا‭ ‬السياق،‭ ‬استدعاء‭ ‬الحديث‭ ‬المنسوب‭ ‬للرسول‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬والقائل،‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬معناه،‭ ‬بأن‭ ‬الطفل‭ ‬يولد‭ ‬على‭ ‬الفطرة،‭ ‬ووالداه‭ ‬هما‭ ‬اللذان‭ ‬يشكلان‭ ‬عقيدته،‭ ‬ودينه،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬تفسير‭ ‬المختصين‭ ‬للفطرة‭ ‬بالإسلام‭!‬

فهم‭ ‬يتنفسون‭ ‬علامات‭ ‬الاستفهام،‭ ‬والتعجب،‭ ‬والدهشة‭! ‬ولا‭ ‬تحاول‭ ‬هنا‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬العلامات‭ ‬باستهانة،‭ ‬وخفة،‭ ‬بدعوى‭ ‬أنهم‭ ‬اأطفالب‭ ‬ويهال‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تقول‭ ‬لهم‭ ‬اأي‭ ‬كلامب‭ ‬والسلام،‭ ‬وكل‭ ‬شيء‭ ‬تمام‭ ‬إلا‭! ‬أزعم‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬ليس‭ ‬كذلك‭! ‬ذلك‭ ‬لو‭ ‬أنك‭ ‬أجبته‭ ‬بأي‭ ‬كلام،‭ ‬سيعرف‭ ‬ذلك‭ ‬لاحقًا‭ ‬وبعد‭ ‬حين‭! ‬فتجد‭ ‬نفسك‭ ‬أيها‭ ‬الأب‭ ‬أو‭ ‬الجد‭ ‬في‭ ‬ورطة‭ ‬لا‭ ‬تحسد‭ ‬عليها‭ ‬البتة‭!‬

ومن‭ ‬هنا‭ ‬لزم‭ ‬التنويه‭ ‬والتنبيه‭ ‬والوعظ‭ ‬الماسخ،‭ ‬الماصخ،‭ ‬الجامد،‭ ‬الحامض‭ ‬الذي‭ ‬يجتره‭ ‬بعض‭ ‬الأجداد‭!‬

 

الأحفاد‭ ‬يسكنوننا‭!‬

‭< ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬أولادنا‭ ‬أكبادنا‭ ‬التي‭ ‬تدب‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬فما‭ ‬القول‭ ‬عن‭ ‬أحفادنا،‭ ‬الذين‭ ‬نراهم‭ ‬يخطرون‭ ‬بيننا،‭ ‬ويمارسون‭ ‬طغيانهم‭ ‬ودلالهم‭ ‬المضمر‭ ‬بالطغيان،‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬الاستحواذ‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬اللعب‭ ‬والملاعب‭! ‬وصف‭ ‬الأستاذ‭ ‬أنيس‭ ‬منصور‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬مقالة،‭ ‬الساعات‭ ‬التي‭ ‬يمضيها‭ ‬في‭ ‬القراءة‭ ‬مع‭ ‬الكتب،‭ ‬بأنها‭ ‬اساعات‭ ‬بلا‭ ‬عقارب‭!‬ب‭. ‬لذا‭ ‬أحسب‭ ‬بأن‭ ‬ساعات‭ ‬الأجداد‭ ‬مع‭ ‬الأحفاد،‭ ‬هي‭ ‬الأخرى،‭ ‬ينسحب‭ ‬عليها‭ ‬القول‭ ‬السالف‭: ‬ساعات‭ ‬بلا‭ ‬عقارب‭! ‬فحين‭ ‬يكون‭ ‬الجد‭ ‬بمعية‭ ‬أحفاده،‭ ‬من‭ ‬الجنسين،‭ ‬يرتد‭ ‬إلى‭ ‬طفولته،‭ ‬متماهيًا‭ ‬مع‭ ‬أحفاده‭! ‬ويتبدى‭ ‬لهم،‭ ‬كأنه‭ ‬واحد‭ ‬منهم‭! ‬وقد‭ ‬سمعت‭ ‬حفيدتي‭ ‬الينب‭ ‬تقول‭ ‬لأميرة‭ ‬حبي‭ ‬انورةب‭ ‬أبوي‭: ‬بابا‭ ‬سليمان‭ ‬مثلنا‭! ‬يلعب‭ ‬معنا،‭ ‬ولا‭ ‬يمنعنا‭ ‬من‭ ‬شيء‭! ‬أبدًا‭!‬

وجيل‭ ‬العبد‭ ‬لله‭ ‬السبعيني،‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬الأيام‭ ‬الخوالي،‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬جيل‭ ‬آبائنا‭ ‬ينعتون‭ ‬الطفل‭ ‬بـاالياهلب‭ ‬أو‭ ‬الجاهل‭ ‬لا‭ ‬فرق‭! ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬واجتررت‭ ‬العبارة‭ ‬مرارًا‭ ‬وتكــــرارًا‭! ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬فضاء‭ ‬الاكتساب‭ ‬والتعلم،‭ ‬والمعرفة‭ ‬محدود‭ ‬آنذاك،‭ ‬وعلى‭ ‬باب‭ ‬الله‭! ‬من‭ ‬هنا،‭ ‬تجد‭ ‬الحفيد،‭ ‬أي‭ ‬حفيد‭ ‬بالمطلق،‭ ‬يضاهي‭ ‬الجد،‭ ‬وقد‭ ‬يبزه‭ ‬في‭ ‬الذكاء،‭ ‬والظرف،‭ ‬واللسان‭ ‬الطويل‭ ‬الصريح،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يخشى‭ ‬في‭ ‬البوح‭ - ‬النقي،‭ ‬كقطرة‭ - ‬ندى،‭ ‬لومة‭ ‬لائم‭!‬

فهاهي‭ ‬الحفيدة‭ ‬االلبلبةب‭ ‬الملسونة‭ ‬الينب‭ ‬5‭ ‬سنوات،‭ ‬تحرج‭ ‬والديها‭ ‬حين‭ ‬يطلبان‭ ‬منها‭ ‬النوم‭ ‬مبكرًا‭ ‬الأن‭ ‬وراها‭ ‬مدرسةب،‭ ‬فيشرعان‭ ‬بالقول‭: ‬ايا‭ ‬الله‭ ‬يا‭ ‬لين‭.. ‬هيا‭ ‬يا‭ ‬حبيبتي‭.. ‬روحي‭ ‬نامي‭ ‬الحين‭ ‬حتى‭ ‬تصحي‭ ‬مبكرًا‭ ‬لأجل‭ ‬المدرسة‭!‬ب،‭ ‬ويستمران‭ ‬يلوكان‭ ‬ويجتران‭ ‬الموعظة،‭ ‬لكن‭ ‬الينب‭ ‬ترد‭ ‬قائلة‭: ‬اولم‭ ‬لا‭ ‬تنامان‭ ‬أنتما‭ ‬مبكرًا؟‭! ‬أليس‭ ‬عندكما‭ ‬شغلب‭ ‬باكر؟‭!‬ب،‭ ‬ولا‭ ‬حاجة‭ ‬بي‭ ‬إلى‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬والديها‭ ‬يبلعان‭ ‬ريقهما‭ ‬ولسانهما‭ ‬حرجًا‭ ‬وخزيًا‭ ‬وافشلاًب‭ ‬جزاءً‭ ‬وفاقًا،‭ ‬على‭ ‬ظنهما‭ ‬بأنهما‭ ‬يمكنهما‭ ‬إقناعها‭ ‬بالنوم‭ ‬المبكر،‭ ‬بالأمر‭ ‬االأبوي‭ ‬الصارم،‭ ‬المدجج‭ ‬بالعين‭ ‬الحمراء،‭ ‬التي‭ ‬تثير‭ ‬اكركرةب‭ ‬الحفيد‭ ‬وضحكه‭ ‬لا‭ ‬خشيته‭ ‬واستجابته‭ ‬للأوامرب‭!‬

 

صراع‭ ‬الاستئثار‭ ‬بحب‭ ‬الجدين‭!‬

‭< ‬الشاهد،‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬حفيد،‭ ‬يود‭ ‬أن‭ ‬يستأثر‭ ‬وحده‭ ‬بمحبة‭ ‬وغرام‭ ‬الجدين‭! ‬وآخر‭ ‬العنقود‭ ‬في‭ ‬عقد‭ ‬اللولو،‭ ‬من‭ ‬الأحفاد،‭ ‬هو‭ ‬انواف‭ ‬سنة‭ ‬واحدةب‭ ‬وقد‭ ‬سمي‭ ‬بهذا‭ ‬الاسم،‭ ‬تيمنًا‭ ‬باسم‭ ‬عمه،‭ ‬الشهيد‭ ‬انوّافب،‭ ‬والذي‭ ‬ما‭ ‬برحت‭ ‬رفاته‭ ‬مفقودة‭! ‬لأن‭ ‬الحكومة‭ ‬الرشيدة،‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬ملف‭ ‬رفات‭ ‬أزيد‭ ‬من‭ ‬200‭ ‬شهيد،‭ ‬باستجابة‭ ‬الهبة‭ ‬الحماسية‭ ‬الآنية،‭ ‬التي‭ ‬تنشط‭ ‬شهرًا،‭ ‬إذا‭ ‬اتكرّمب‭ ‬الإخوة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬الشقيق‭ ‬بإخطار‭ ‬الحكومة‭ ‬بعثورهم‭ ‬على‭ ‬مقبرة‭ ‬جماعية‭!‬

 

آخر‭ ‬العنقود‭ ‬‮«‬الجعدة‮»‬‭ ‬نوّاف‭ ‬بن‭ ‬محمد‭!‬

‭< ‬وحين‭ ‬يحضر‭ ‬اجعدةب‭ ‬الأحفاد،‭ ‬وآخر‭ ‬دانة‭ ‬في‭ ‬العقد‭ ‬انوّافب،‭ ‬فإنه،‭ ‬بتعبير‭ ‬السينمائيين،‭ ‬يسرق‭ ‬الكاميرا‭ ‬من‭ ‬بقية‭ ‬الأحفاد‭ ‬الذكور‭ ‬والإناث‭ ‬سواء‭!‬

وهنا‭ ‬تبدأ‭ ‬محاولة‭ ‬التماهي‭ ‬معه‭! ‬علهم‭ ‬يحظون‭ ‬بذات‭ ‬الحدب‭ ‬والحب،‭ ‬والاحتفاء‭ ‬والدلال،‭ ‬والاهتمام،‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الجدين‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬الأسرة‭ ‬كافة‭! ‬والطفل‭ ‬يتسم‭ ‬بالظرف،‭ ‬وخفة‭ ‬الدم،‭ ‬وحب‭ ‬الناس،‭ ‬وممارسة‭ ‬الحبو‭ ‬والحركة،‭ ‬والتعرف‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يجده‭ ‬في‭ ‬محيطه‭! ‬من‭ ‬هنا،‭ ‬يشرع‭ ‬الأحفاد‭ ‬في‭ ‬تقليده،‭ ‬سعيًا‭ ‬إلى‭ ‬التماهي‭ ‬معه،‭ ‬وتقمص‭ ‬شخصيته‭ ‬المدججة‭ ‬بـاالشيطنةب‭ ‬والنزاقة‭ ‬الخارجتين‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬المعرفة‭ ‬والاكتشاف،‭ ‬ومعرفة‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬ومن‭ ‬حوله‭!‬

 

الحفيدة‭ ‬‮«‬يارا‭ ‬العياره‮»‬‭!‬

‭< ‬ولعل‭ ‬الحفيدة‭ ‬ايارا‭ ‬3‭ ‬سنواتب‭ ‬هي‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬ورثت‭ ‬اجيناتب‭ ‬القوة‭ ‬العضلية،‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يتمتع‭ ‬بها‭ ‬الأجداد‭ ‬الأوائل‭! ‬فحيويتها،‭ ‬ولياقتها‭ ‬البدنية،‭ ‬حاضرتان‭ ‬دومًا،‭ ‬ما‭ ‬شاء‭ ‬الله‭ ‬عليها‭! ‬لا‭ ‬تخاف،‭ ‬لكنها‭ ‬تختشي‭! ‬ويغمرها‭ ‬الحياء،‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الاستجابة‭ ‬االأخلاقيةب‭ ‬تستوجب‭ ‬ذلك‭! ‬لكنها‭ ‬ابلطجيةب‭ ‬بامتياز‭! ‬والحق‭ ‬يقال‭! ‬فتراها‭ ‬تضرب‭ ‬إخوتها‭ ‬وأبناء‭ ‬عمومتها،‭ ‬وكل‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬يحتكون‭ ‬أو‭ ‬يتحرشون‭ ‬بها‭! ‬حتى‭ ‬شقيقها‭ ‬الحفيد‭ ‬البكر‭ ‬اسليمان‭ ‬عشر‭ ‬سنواتب،‭ ‬لا‭ ‬توفره‭ ‬من‭ ‬اللكم‭ ‬والرفس،‭ ‬والعض‭ ‬وكل‭ ‬أفعال‭ ‬االبلطجةب‭ ‬التي‭ ‬يبدو‭ ‬أنها‭ ‬رضعتها‭ ‬مع‭ ‬الحليب‭! ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬فطمت‭ ‬من‭ ‬الرضاعة‭ ‬إياها،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬اتفطمب‭ ‬من‭ ‬مص‭ ‬وكرع‭ ‬البن‭ ‬البلطجةب‭ ‬البتة‭!‬

من‭ ‬هنا،‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬الحفيد‭ ‬البكر‭ ‬اسليمانب‭ ‬شقيقها‭ ‬الأكبر،‭ ‬حلا‭ ‬لبلطجتها،‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬يصادقها‭ ‬عبر‭ ‬الرضوخ‭ ‬لرغباتها‭! ‬والحدب‭ ‬عليها‭! ‬إذا‭ ‬عنّ‭ ‬لها‭ ‬البكاء،‭ ‬احتجاجًا‭ ‬على‭ ‬قمعها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬والديها‭! ‬عبر‭ ‬مواعظ‭: ‬اعيب‭! ‬حرام‭! ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬قولي‭ ‬لفلان‭ ‬الحفيد،‭ ‬وترنانة‭ ‬الحفيدة‭: ‬أنا‭ ‬آسفة‭!‬ب،‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬النصائح،‭ ‬التي‭ ‬يلوكها‭ ‬الآباء‭ ‬ويجترونها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬جدوى‭!‬

وحدها‭ ‬االمربيةب‭ ‬الآسيوية‭ ‬االمستوردةب،‭ ‬هي‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬احتواء‭ ‬نزق‭ ‬وغضب‭ ‬وأبلسة‭ ‬الطفل‭! ‬ربما‭ ‬لكونها‭ ‬اأمه‭ ‬بالوكالةب‭! ‬والمتواصلة‭ ‬معه،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مدة‭ ‬تواصل‭ ‬الأم‭ ‬بالأصالة‭! ‬ما‭ ‬علينا‭!‬

‭< ‬الشاهد،‭ ‬أن‭ ‬حضور‭ ‬الأحفاد‭ ‬كافة،‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة،‭ ‬عيد‭ ‬مترع‭ ‬بالبهجة،‭ ‬بكل‭ ‬تبدياتها‭ ‬المثيرة‭ ‬للضحك،‭ ‬والإعجاب،‭ ‬والدهشة‭! ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬مشاعر‭ ‬هذا‭ ‬العرس‭ ‬الأبوي‭ ‬البهي‭! ‬ويكتمل‭ ‬العرس‭ ‬المبتور‭ ‬بحضور‭ ‬الحفيدتين‭ ‬المتأمركتين‭ ‬الشقيقتين‭ ‬اجنى‭ ‬10‭ ‬سنواتب‭ ‬واريما‭ ‬3‭ ‬سنواتب‭ ‬القادمتين‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬نيويورك،‭ ‬حيث‭ ‬يعمل‭ ‬والدهما‭. ‬وهما‭ ‬أعجميتان‭ ‬ترطنان‭ ‬افرانكو‭ ‬آرابب‭ ‬كما‭ ‬أي‭ ‬اخواجايةب‭ ‬غير‭ ‬عربية‭! ‬تهذر‭ ‬بالإنجليزية‭ ‬مثل‭ ‬الخالة‭ ‬اكوندي‭ ‬الرزب‭ ‬أو‭ ‬اكولدين‭ ‬رايسب‭ ‬وتحرن‭ ‬بلغة‭ ‬التواصل‭ ‬العربية‭! ‬وهي‭ ‬مشكلة‭ ‬أزلية‭ ‬يكابدها‭ ‬الأطفال‭ ‬الأجانب،‭ ‬الذين‭ ‬يضطرون‭ ‬إلى‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬الفرنجة‭ ‬االأعاجمب‭ ‬واالعلوجب‭ ‬بالإذن‭ ‬من‭ ‬أخينا‭ ‬الأستاذ‭ ‬االصحافب‭ ‬بداهة‭!‬

لكنهما‭ - ‬بعد‭ ‬أسبوع‭ - ‬يبتدعان‭ ‬لغة‭ ‬هجينة‭ ‬امكسرةب،‭ ‬تفطس‭ ‬من‭ ‬الضحك‭ ‬لتمكنهما‭ ‬من‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬بقية‭ ‬الأحفاد‭! ‬واجنىب‭ ‬مثل‭ ‬أترابها‭ ‬ومَن‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬سنها‭ ‬وظروفها،‭ ‬هادئة‭ ‬الطبع،‭ ‬وتتسم‭ ‬بالأدب‭ ‬الجم‭! ‬ولا‭ ‬أدري‭ ‬طالعة‭ ‬لمن؟‭! ‬فهي‭ ‬ادنبكجيةب‭: ‬تحب‭ ‬الغناء،‭ ‬والرقص‭ ‬واالرفسب‭ ‬الشرقي‭ ‬أو‭ ‬الرقص‭ ‬الشرقي‭ ‬لا‭ ‬فرق‭! ‬زد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬عشقها‭ ‬للرسم،‭ ‬وإتقانها‭ ‬لإبداعه‭! ‬أعرف‭ - ‬سلفًا‭- ‬أن‭ ‬االقردب‭ ‬في‭ ‬عين‭ ‬جدّيه‭ ‬غزال‭! ‬ولذا‭ ‬أجدها‭ ‬كما‭ ‬وصفتها‭ ‬آنفًا‭! ‬وهي‭ ‬تعلن‭ ‬حبها‭ ‬لمدينة‭ ‬الكويت‭ ‬العاصمة،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬نيويورك‭: ‬عاصمة‭ ‬المال‭ ‬والأعمال‭ ‬واالخوالب‭ ‬الأمريكان‭ ‬السود‭! ‬وما‭ ‬خفي‭ ‬أبهى‭ ‬وأنكى‭! ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬سلسلة‭ ‬اأفعل‭ ‬التفضيل،‭ ‬والتي‭ ‬ترد‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬مديح‭ ‬وهجاء‭ ‬نيويوركب‭!‬

وهما‭ ‬عادة‭ ‬تمضيان‭ ‬شهرًا‭ ‬في‭ ‬الوطن‭! ‬والمدهش‭ ‬أن‭ ‬حاجز‭ ‬اللغة،‭ ‬لا‭ ‬يقف‭ ‬حجر‭ ‬عثرة،‭ ‬في‭ ‬جادة‭ ‬تواصلهما‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭! ‬فالحاجة‭ ‬أم‭ ‬الاختراع‭ ‬كما‭ ‬يقال‭! ‬ولكنه‭ ‬حل‭ ‬مؤقت،‭ ‬تأسيًا‭ ‬بإنجازات‭ ‬الحكومة‭ ‬الرشيدة‭ ‬المؤقتة‭! (‬كجامعة‭ ‬الكويت‭ ‬امثلاًب‭!) ‬وهي‭ ‬مشكلة‭ ‬كل‭ ‬المغتربين‭ ‬العرب،‭ ‬والذين‭ ‬يهملون،‭ ‬أو‭ ‬يعجزون‭ ‬عن‭ ‬تعليم‭ ‬ذراريهم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭!‬

 

أين‭ ‬المدرسة‭ ‬العربية‭ ‬للأحفاد؟‭!‬

‭< ‬ولأن‭ ‬الشيء‭ ‬بالشيء‭ ‬يذكر،‭ ‬فإن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬السفارات‭ ‬العربية‭ ‬كـاالمملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬وجمهورية‭ ‬مصر‭ ‬العربيةب‭ ‬تحرصان‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬مدرسة‭ ‬لتعليم‭ ‬أبناء‭ ‬الجالية‭ ‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬أبناء‭ ‬طاقم‭ ‬السفارة‭! ‬وفي‭  ‬حدود‭ ‬معلوماتي،‭ ‬أذكر‭ ‬أن‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬الكويتية،‭ ‬كانت‭ ‬تنوي‭ ‬إنشاء‭ ‬مجمع‭ ‬دراسي،‭ ‬مكرس‭ ‬لتعليم‭ ‬أبناء‭ ‬السفراء‭ ‬والدبلوماسيين‭ ‬وغيرهم‭ ‬الذين‭ ‬يعملون‭ ‬خارج‭ ‬الحدود‭! ‬لكنه‭ ‬ما‭ ‬برح‭ ‬يرقد‭ ‬في‭ ‬أضابير‭ ‬الحفظ‭ ‬وملفات‭ ‬الأرشيف‭ ‬لا‭ ‬يريم‭! ‬كما‭ ‬هو‭ ‬دأبنا‭ ‬وعادتنا‭!‬

وحين‭ ‬تزور‭ ‬اجنى‭ ‬وريمب‭ ‬في‭ ‬نيويورك،‭ ‬فإن‭ ‬الأولى‭ ‬هي‭ ‬دليلنا‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬االكوزموبوليتانية‭ ‬العجيبةب‭! ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬أنها‭ ‬تؤدي‭ ‬مهمة‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬الأمريكان،‭ ‬والذين‭ ‬ايرطنونب‭ ‬بإنجليزية‭ ‬خاصة‭ ‬بهم‭ ‬بس‭! ‬فتراهم‭ ‬يبلعون‭ ‬بعض‭ ‬الحروف،‭ ‬ويحذفون‭ ‬أخرى‭! ‬ويخترعون،‭ ‬ويختصرون‭ ‬أسماء‭ ‬الأعلام،‭ ‬والولايات‭ ‬والمدن‭ ‬والمنظمات،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يلعلع‭ ‬في‭ ‬حياتهم‭ ‬اليومية،‭ ‬ذات‭ ‬الإيقاع‭ ‬السريع‭ ‬واالرتمب‭ ‬اللاهث‭! ‬وكأن‭ ‬الوقت‭ ‬سينفد‭ ‬ويتلاشى‭! ‬والذي‭ ‬عاش‭ ‬كثيرًا،‭ ‬مثل‭ ‬العبد‭ ‬لله،‭ ‬في‭ ‬قاهرة‭ ‬المعز،‭ ‬والتي‭ ‬تمصِّر‭ ‬كل‭ ‬مَن‭ ‬يعيش‭ ‬فيها‭! ‬فتراني‭ ‬أشد‭ ‬حفيدتي‭ ‬المتأمركة‭ ‬إلى‭ ‬مطعم‭ ‬فول‭ ‬وفلافل‭ ‬عنوة،‭ ‬حين‭ ‬تكون‭ ‬عندنا‭ ‬في‭ ‬الوطن،‭ ‬وترضخ‭ ‬لرغبتي‭ ‬االفقريةب،‭ ‬رغم‭ ‬شوقها‭ ‬المحموم‭ ‬إلى‭ ‬الأطعمة‭ ‬الأمريكية‭ ‬السريعة‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬دأب‭ ‬جل‭ ‬الأطفال‭ ‬والشباب‭ ‬العرب‭ ‬وغيرهم‭! ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬طفقت‭ ‬تسألني‭ ‬لم‭ ‬هو‭ ‬اسمه‭ ‬افولب‭ ‬أهو‭ ‬يفضي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬آكله‭ ‬اغبيب،‭ ‬واأحمقب‭ ‬والا‭ ‬مباليب،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬عمو‭ ‬سمير‭ ‬غانم‭ ‬في‭ ‬مسرحيته؟‭!‬

‭< ‬وبالمناسبة،‭ ‬مادمت‭ ‬تقيم‭ ‬في‭ ‬اإيجبتب‭ ‬أي‭ ‬مصر‭ ‬وتعرف‭ ‬الفنانين،‭ ‬لم‭ ‬لا‭ ‬تقول‭ ‬لعمو‭ ‬اغانم‭ ‬سميرب‭ ‬بكسر‭ ‬السين،‭ ‬ليعيد‭ ‬لنا‭ ‬افطوطةب‭ ‬الكهل،‭ ‬بل‭ ‬الشايب‭ ‬العجوز؟‭! ‬وتسألني‭ ‬لم‭ ‬اعتدت‭ ‬ارتداء‭ ‬زي‭ ‬اكوزموب‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭! ‬فأعتمر‭ ‬قبعة‭ ‬قوقازية‭ ‬صوف،‭ ‬وألبس‭ ‬بذلة‭ ‬باكستانية،‭ ‬وأتشح‭ ‬بفروة‭ ‬شامية‭ ‬بدوية،‭ ‬وألف‭ ‬رقبتي‭ ‬بشال‭ ‬كشميري،‭ ‬وأتزنر‭ ‬بشنطة‭ ‬وارمة‭ ‬بحاجاتي‭ ‬المطلوبة‭ ‬لحياتي‭ ‬اليومية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬زمان‭ ‬ومكان؟‭!‬

لذا،‭ ‬لا‭ ‬عجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مثل‭ ‬جراب‭ ‬الحاوي‭ (‬الشنطة‭ ‬أعني‭ ‬لا‭ ‬حفيدتي‭ ‬اجنىب‭ ‬فلزم‭ ‬التنويه‭!) ‬حين‭ ‬تربّعنا‭ ‬على‭ ‬كراسينا‭ ‬في‭ ‬المطعم‭ ‬الشرقي‭: ‬لفت‭ ‬امناخيرهاب‭ ‬رائحة‭ ‬الفلافل‭ ‬وأصاخت‭ ‬سمعها‭ ‬الطشطشةب‭ ‬غليها‭ ‬بالزيت‭! ‬فاختارتها‭ ‬دون‭ ‬غيرها‭!‬

وعزفت‭ ‬عن‭ ‬الفول،‭ ‬ضاربة‭ ‬عرض‭ ‬الحائط‭ ‬بالقول‭ ‬المأثور‭: ‬إذا‭ ‬خلص‭ ‬الفول‭ ‬أنا‭ ‬غير‭ ‬مسئول‭! ‬ولم‭ ‬تتكرر‭ ‬التجربة،‭ ‬لسوء‭ ‬حظ‭ ‬الحفيدة‭ ‬النحيفة‭ ‬جدًا‭ ‬كراقصة‭ ‬باليه،‭ ‬أو‭ ‬عصاة‭ ‬راعي‭ ‬غنم‭! ‬مع‭ ‬الاعتذار‭ ‬الشديد‭ ‬لـاالشاويب‭ ‬وعصاته‭!‬

‭< ‬أما‭ ‬شقيقتها‭ ‬اريمب‭ ‬فعصية‭ ‬على‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬الآخرين،‭ ‬سوى‭ ‬والديها‭ ‬ومربيتها‭! ‬وحين‭ ‬تألف‭ ‬المكان،‭ ‬والأشخاص،‭ ‬تصبح‭ ‬اجتماعية‭ ‬إلا‭ ‬قليلاً‭! ‬بمعنى‭ ‬تحفظها‭ ‬الشديد‭ ‬تجاه‭ ‬االغرباءب‭! ‬والذين‭ ‬لاتراهم‭ ‬كثيرًا،‭ ‬ولم‭ ‬تألف‭ ‬وجودهم‭!‬

ولعل‭ ‬مرد‭ ‬موقفها‭ ‬هذا،‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬غربتها‭ ‬عن‭ ‬البلاد‭ ‬والعباد،‭ ‬فتنسى‭ ‬الشخصيات‭ ‬التي‭ ‬خبرتها،‭ ‬ولا‭ ‬تتذكرها‭ ‬إلا‭ ‬حين‭ ‬الاجتماع‭ ‬بها‭ ‬مرات‭ ‬عدة‭!‬

 

كل‭ ‬حفيد‭ ‬نسيج‭ ‬وحده،‭ ‬لا‭ ‬يشبه‭ ‬سواه‭!‬

‭< ‬ومن‭ ‬البديهي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬شخصية‭ ‬كل‭ ‬حفيد‭ ‬نسيج‭ ‬وحدها‭! ‬فالحفيد‭ ‬البكر‭ ‬اسليمانب‭ ‬11‭ ‬سنة،‭ ‬يمارس‭ ‬معي‭ ‬دور‭ ‬اتاجر‭ ‬الشنطةب‭ ‬كما‭ ‬نوهت‭ ‬آنفًا،‭ ‬حيث‭ ‬يعمد‭ ‬إلى‭ ‬إقناعي‭ ‬بشراء‭ ‬مقتنياته‭ ‬من‭ ‬الهدايا‭ ‬التي‭ ‬ملّها،‭ ‬ويروم‭ ‬التخلص‭ ‬منها‭! ‬فإذا‭ ‬استيقن‭ ‬بأن‭ ‬مزاجي‭ ‬ارايقب‭ ‬ولست‭ ‬مشغولاً‭ ‬بالقراءة‭ ‬والكتابة،‭ ‬هبط‭ ‬إليّ‭ ‬في‭ ‬صومعتي‭ ‬بـاالسردابب‭ ‬حيث‭ ‬مكتبتي،‭ ‬ومكتبي،‭ ‬ومملكتي‭ ‬الخاصة،‭ ‬التي‭ ‬نعتها‭ ‬الصديق‭ ‬الأديب‭ ‬والخبير‭ ‬التربوي‭ ‬اياسر‭ ‬المالحب‭ ‬بـاالجوسقب‭! ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬اسليمانب‭ ‬تدرّب‭ ‬على‭ ‬أيــدي‭ ‬البــاعة‭ ‬االمهارةب‭ ‬الجــــائلـــيــــن‭ ‬إيـــاهم‭! ‬فقدرته‭ ‬على‭ ‬المساومة‭ ‬واالفصالب‭ ‬تحيلك‭ ‬إلى‭ ‬باعة‭ ‬جائلة‭ ‬من‭ ‬حضرموت‭ ‬اليمن‭! ‬إلى‭ ‬تجار‭ ‬اسوق‭ ‬الحميديةب‭ ‬في‭ ‬دمشق‭ ‬الأبية،‭ ‬وأقرانهم‭ ‬في‭ ‬ابازاراتب‭ ‬مصر‭ ‬وتركيا‭ ‬والمغرب‭! ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يمكنه‭ ‬من‭ ‬بيع‭ ‬االبضاعةب‭ ‬بأثمان‭ ‬تبدو‭ ‬لي‭ ‬بخسة‭ ‬رخيصة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬اأكتشفب‭ ‬أنه‭ ‬ضحك‭ ‬على‭ ‬ذقني‭! ‬بخاصة‭ ‬حين‭ ‬يشاهد‭ ‬االقومب‭ ‬في‭ ‬المةب‭ ‬الجمعة‭ ‬الأسبوعية‭ ‬البضاعةب‭ ‬فينفجرون‭ ‬ضاحكين‭ ‬في‭ ‬استحابات‭ ‬شتى،‭ ‬زبدتها‭: ‬أن‭ ‬الولد‭ ‬باع‭ ‬والده‭ ‬الكبير‭ ‬بضاعته،‭ ‬بثمن‭ ‬غال،‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يجدوها‭ ‬في‭ ‬حاويات‭ ‬شركات‭ ‬النظافة‭ ‬حاشاكم‭! ‬بدليل‭ ‬أني‭ ‬لما‭ ‬اأهديتهاب‭ ‬لعامل‭ ‬النظافة‭ ‬بشارعنا،‭ ‬اعتذر‭ ‬عن‭ ‬قبولها،‭ ‬قائلاً‭: ‬ابابا‭ ‬هذا‭ ‬اهزاب‭ ‬مو‭ ‬زين‭! ‬هزا‭ ‬زبالة‭! ‬حسبي‭ ‬الله‭ ‬عليكب‭! ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬مازال‭ ‬الولد‭ ‬يرتكب‭ ‬ذات‭ ‬االفعلةب‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يرف‭ ‬له‭ ‬جفن‭ ‬ابراءة‭ ‬الأطفالب‭ ‬المزعومة‭! ‬لأن‭ ‬طفل‭ ‬أيامنا‭ ‬هذه‭ ‬غير‭ ‬بريء‭ ‬أبدًا‭! ‬كما‭ ‬ذكرت‭ ‬ونوّهت‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬الإملال‭!‬

‭< ‬ولأنه‭ ‬الحفيد‭ ‬البكر،‭ ‬ويتمتع‭ ‬بخطوة‭ ‬طافحة‭ ‬بالدلال،‭ ‬والمتبدي‭ ‬في‭ ‬الاستجابة‭ ‬لطلباته‭ ‬كافة،‭ ‬دون‭ ‬حدود‭ ‬ولا‭ ‬قيود‭! ‬شبّيك‭ ‬لبّيك‭ ‬جدك‭ ‬وجدتك‭ ‬بين‭ ‬يديك‭! ‬افتح‭ ‬يا‭ ‬حفيد‭! ‬وبخاصة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬جدّيه‭ ‬من‭ ‬والدته‭! ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬تجد‭ ‬أن‭ ‬اسميهما‭ ‬على‭ ‬طرف‭ ‬لسانه‭. ‬ومشوار‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬اقرطبةب‭ ‬حيث‭ ‬يقطــــــنان‭ ‬يمارسه‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬إثر‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬أداء‭ ‬واجباته‭ ‬المدرســية‭ ‬وغيرها‭.‬

فيمر‭ ‬علي‭ ‬بغرفة‭ ‬مكتبي‭ ‬ليمثل‭ ‬عليَّ‭ ‬دور‭ ‬الحفيد‭ ‬البار‭ ‬المؤدب‭ ‬فيقبّل‭ ‬هامة‭ ‬رأسي،‭ ‬ثم‭ ‬يدحرج‭ ‬سؤاله‭ ‬التقليدي‭ ‬تأمر‭ ‬على‭ ‬شيء‭ ‬قبل‭ ‬ما‭ ‬أروح‭ ‬اقرطبةب؟‭!‬

 

حديث‭ ‬الذكريات‭ ‬

هذا‭ ‬الشريط‭ ‬مكرّس‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬علاقتي‭ ‬بالصحافة‭ ‬والقراءة،‭ ‬علاقتي‭ ‬بالقلم‭ ‬والكتابة،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬بالضرورة‭ ‬علاقة‭ ‬توأمة‭ ‬بين‭ ‬الكتابة‭ ‬والقراءة،‭ ‬بمعنى‭ ‬أنه‭ ‬يستحيل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬كتابة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬كتاب،‭ ‬وقراءة‭ ‬ومطالعة،‭ ‬فالقلم‭ ‬يسطر‭ ‬حقيقة‭ ‬الإبداع‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬بالمقابل‭ ‬متابعة‭ ‬لشتى‭ ‬مناحي‭ ‬المعرفة،‭ ‬أنا‭ ‬علاقتي‭ ‬بالقلم‭ ‬وبالكتاب‭ ‬علاقة‭ ‬قديمة،‭ ‬يعني‭ ‬تبدأ‭ ‬منذ‭ ‬مرحلة‭ ‬الطفولة‭ ‬والصبا،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬أتحدث‭ ‬عنها،‭ ‬الأربعينيات‭. ‬منذ‭ ‬كنت‭ ‬طفلاً‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬صعوبة‭ ‬جدًا‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الكتاب،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬العم‭ ‬افهدب‭ ‬كان‭ ‬يزوّدني‭ ‬بكتب‭ ‬مختلفة‭ ‬يجلبها‭ ‬من‭ ‬المدينة‭ ‬المنوّرة‭ ‬ومكة‭ ‬المكرمة‭ ‬نظرًا‭ ‬لأنه‭ ‬أحد‭ ‬أصحاب‭ ‬قوافل‭ ‬نقل‭ ‬الحجاج‭ ‬طوال‭ ‬فترة‭ ‬الأربعينيات‭ ‬والخمسينيات‭ ‬والستينيات‭ (‬وقد‭ ‬كتبت‭ ‬بورتريه‭ ‬االحملدارب‭ ‬في‭ ‬االأرض‭ ‬والعبادب‭).‬

وربما‭ ‬يكون‭ ‬كتاب‭ ‬األف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلةب‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬قرأتها‭ ‬وشعرت‭ ‬بعالم‭ ‬من‭ ‬السحر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب،‭ ‬وهنا‭ ‬وبطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬الكتب‭ ‬الدينية‭ ‬كانت‭ ‬أكثر‭ ‬شيء‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬متاحة‭ ‬والكتب‭ ‬التاريخية،‭ ‬كتب‭ ‬السيرة‭ ‬والتاريخ‭ ‬والكتب‭ ‬الدينية‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬يعني‭.‬

هذا‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالبدايات،‭ ‬لعلني‭ ‬يمكن‭ ‬أقول‭ ‬إني‭ ‬قرأت‭ ‬لـاطه‭ ‬حسين،‭ ‬والعقاد،‭ ‬والمنفلوطي،‭ ‬ومجلة‭ ‬الرسالة،‭ ‬والمازنيب،‭ ‬وكنت‭ ‬أختلف‭ ‬إلى‭ ‬مكتبة‭ ‬المعارف‭ ‬ابحوليب‭ ‬كثيرًا،‭ ‬وكنت‭ ‬أستعير‭ ‬منها‭.. ‬يعني‭ ‬كنت‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬الدائمي‭ ‬الاستعارة،‭ ‬وكان‭ ‬طبعًا‭ ‬في‭ ‬الأول‭ ‬مكتبة‭ ‬واحدة،‭ ‬ومن‭ ‬بعد‭ ‬صارت‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬حولي‭ ‬واحدة‭ ‬أتذكر‭.. ‬حتى‭ ‬صارت‭ ‬فروع‭ ‬بعدين‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬مناطق‭ ‬الكويت،‭ ‬أتكلم‭ ‬عن‭ ‬فترة‭ ‬الخمسينيات‭.‬

أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬للقلم‭ ‬وإحساسي‭ ‬بالكتابة‭ ‬وإحساسي‭ ‬بأني‭ ‬عندي‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬الكتابة،‭ ‬فهذا‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الأول،‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬حصة‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬الابتدائية‭ ‬فيها‭ ‬إنشاء،‭ ‬يأتي‭ ‬المدرس‭ ‬يطلب‭ ‬من‭ ‬التلاميذ‭ ‬الكتابة‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬معين،‭ ‬وأتذكر‭ ‬أني‭ ‬كنت‭ ‬من‭ ‬البارزين‭ ‬في‭ ‬حصة‭ ‬الإنشاء‭ ‬والتعبير‭. ‬اسمها‭ ‬الإنشاء‭ ‬والتعبير،‭ ‬أعتقد‭.. ‬وهذه‭ ‬يعني‭ ‬بدأت‭ ‬معايا‭.. ‬في‭ ‬اكتّاب‭ ‬الملا‭ ‬مرشدب،‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الطفولة‭ ‬يعني‭..‬

أنا‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬اللي‭ ‬أمضوا‭ ‬في‭ ‬الكتّاب‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬جدًا،‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬تلكؤ‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬أهلي‭ ‬في‭ ‬إدخالي‭ ‬إلى‭ ‬المدارس‭ ‬الحكومية‭ ‬لسبب‭ ‬أو‭ ‬لآخر‭ ‬سوف‭ ‬نأتي‭ ‬على‭ ‬ذكره،‭ ‬لكن‭ ‬الاعتقاد‭ ‬كان‭ ‬أنه‭ ‬الكتّاب،‭ ‬وبالذات‭ ‬كتّاب‭ ‬المرشد‭ ‬هو‭ ‬أخْيَر‭ ‬من‭ ‬المدارس‭ ‬الحكومية،‭ ‬يعلمك‭ ‬الدين‭ ‬والفقه‭ ‬وقراءة‭ ‬القرآن‭ ‬ومسك‭ ‬الدفتر‭ ‬وشوية‭ ‬من‭ ‬الإنجليزي‭ ‬وبس‭..‬

هذا‭ ‬كان‭ ‬اعتقاد‭ ‬الأهل‭.. ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬يكفي‭ ‬الإنسان،‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬داعي‭ ‬أن‭ ‬يتعلم‭ ‬علومًا،‭ ‬يعني‭ ‬يعتقدون‭ ‬أنها‭ ‬قد‭ ‬تخدش‭ ‬دين‭ ‬الواحد،‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬دعاية‭ ‬مضادة‭ ‬للمدارس‭ ‬الحكومية،‭ ‬أنا‭ ‬طبعًا‭ ‬أتكلم‭ ‬هنا‭ ‬عن‭ ‬فترة‭ ‬الأربعينيات،‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬النظرة‭ ‬موجودة،‭ ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت‭ ‬وتجربة‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬الحكومية‭ ‬اكتشفوا‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يشاع‭ ‬غير‭ ‬صحيح،‭ ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬تقدّر‭ ‬المعرفة‭ ‬المطلوبة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تصطدم‭ ‬ولا‭ ‬تتناقض‭ ‬مع‭ ‬الدين‭ ‬بشيء،‭ ‬بل‭ ‬العكس‭ ‬هو‭ ‬صحيح،‭ ‬اللي‭ ‬حصل‭ ‬أنه‭ ‬أغلب‭ ‬التلاميذ‭ ‬اتجهوا‭ ‬إلى‭ ‬المدارس‭ ‬الحكومية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬اضطر‭ ‬الكتاتيب‭ ‬ومنها‭ ‬مدرسة‭ ‬ملا‭ ‬مرشد‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تغلق‭ ‬أبوابها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قامت‭ ‬بدور‭ ‬جيد‭ ‬الحقيقة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التعليم،‭ ‬وكانت‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬ملا‭ ‬مرشد‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬المدرسة،‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬متاح‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬عنده‭ ‬كتاب،‭ ‬إنما‭ ‬كتاب‭ ‬واحد‭ ‬للكل‭ ‬يقرأ‭ ‬منه‭ ‬كل‭ ‬الطلاب‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تخنّي‭ ‬الذاكرة‭.‬

لكن‭ ‬المحطة‭ ‬المهمة‭ ‬جدًا‭ ‬في‭ ‬تكويني‭ ‬في‭ ‬القراءة‭ ‬وفي‭ ‬الكتابة‭ ‬هي‭ ‬لما‭ ‬انتقلت‭ ‬إلى‭ ‬متوسطة‭ ‬مدرسة‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬المرقاب،‭ ‬هذه‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬تكلمت‭ ‬عنها،‭ ‬تكلمت‭ ‬عن‭ ‬تجربة‭ ‬المدرسة،‭ ‬يعني‭ ‬وعرّجت‭ ‬إلى‭ ‬الأنشطة‭ ‬المدرسية‭ ‬الموجودة،‭ ‬الحقيقة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المدرسة،‭ ‬أنا‭ ‬يعني‭ ‬تأسست‭ ‬تأسيسًا‭ ‬جيدًا‭ ‬ككاتب‭ ‬لأنهم‭ ‬كانوا‭ ‬يدرّبوننا‭ ‬تدريبًا،‭ ‬يعني‭ ‬مثلاً‭ ‬النشاط‭ ‬المدرسي‭ ‬مو‭ ‬هامشي،‭ ‬لا‭.. ‬جزء‭ ‬من‭ ‬العملية‭ ‬التربوية‭ ‬كانت‭ ‬الصحافة‭ ‬مش‭ ‬بس‭ ‬صحافة،‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬صحافة‭ ‬حائط‭ ‬أولاً،‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬تطبع‭ ‬بالتايبريتر،‭ ‬أظن‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬تطلع‭ ‬كل‭ ‬شهر،‭ ‬وصحيفة‭ ‬الحائط‭ ‬كل‭ ‬أسبوع،‭ ‬والصحيفة‭ ‬اللي‭ ‬تطبع‭ ‬بالتايبريتر‭ ‬كانت‭ ‬تطبع‭ ‬ربما‭ ‬كل‭ ‬شهر‭ ‬أو‭ ‬كل‭ ‬ثلاثة‭ ‬أشهر،‭ ‬اللي‭ ‬أتذكر‭ ‬بالضبط‭ ‬إنما‭ ‬أذكر‭ ‬أنه‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬صحيفة‭ ‬فيها‭ ‬رئيس‭ ‬تحرير،‭ ‬وكنت‭ ‬رئيس‭ ‬التحرير،‭ ‬وكانت‭ ‬كلمة‭ ‬التحرير‭ ‬تضم‭ ‬مقالات‭ ‬واستطلاعات‭ ‬وأخبارًا،‭ ‬يعني‭ ‬كل‭ ‬المواد‭ ‬اللي‭ ‬تشكّل‭ ‬مجلة،‭ ‬وهذا‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭.‬

مدرسة‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬تجربة‭ ‬الحقيقة‭ ‬ثرية‭ ‬يخبرها‭ ‬كل‭ ‬مَن‭ ‬درس‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬ومدرسة‭ ‬الصديق‭ ‬في‭ ‬شرق،‭ ‬هاتان‭ ‬المدرستان‭ ‬تعتبران‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬المدارس‭ ‬اللي‭ ‬خبرتها‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬تاريخها‭ ‬التربوي،‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬تنافس‭ ‬بين‭ ‬المدرستين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬وفي‭ ‬الأنشطة‭ ‬المدرسية‭.‬

يمكن‭ ‬أول‭ ‬تجربة‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬وفي‭ ‬الصحف‭ ‬كانت‭ ‬مع‭ ‬مدرسة‭ ‬المرقاب‭ ‬الابتدائية،‭ ‬وكان‭ ‬الأخ‭ ‬حمود‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬الصقعبي‭ ‬يتولى‭ ‬الخط،‭ ‬هو‭ ‬يخطها‭ ‬بخطه‭ ‬الجميل،‭ ‬وكان‭ ‬خطه‭ ‬جميلاً‭ ‬جدًا،‭ ‬وكان‭ ‬بقية‭ ‬الطلاب‭ ‬أو‭ ‬التلاميذ‭ ‬يتولون‭ ‬تحريرها‭ ‬بإشراف‭ ‬الأساتذة،‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬أول‭ ‬تجربة‭ ‬مع‭ ‬الصحافة‭ ‬المدرسية،‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬المرقاب‭ ‬الابتدائية،‭ ‬واستمرت‭ ‬مع‭ ‬حمود‭ ‬تجربة‭ ‬صحافة‭ ‬الحائط،‭ ‬وتوالت‭ ‬بمدرسة‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬المتوسطة،‭ ‬لكن‭ ‬اللي‭ ‬بعدين‭ ‬صار‭ ‬يمكن‭ ‬كل‭ ‬أغلب‭ ‬المدارس‭ ‬يعرفون‭ ‬صحافة‭ ‬الحائط،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬أعتقد‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬النشاط‭ ‬المدرسي،‭ ‬النشاط‭ ‬الصحفي‭ ‬المدرسي،‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬صحافة‭ ‬أو‭ ‬صحيفة‭ ‬مطبوعة‭ ‬على‭ ‬التايبريتر‭ ‬تطبع‭ ‬على‭ ‬الاستانستيل،‭ ‬وتوزع‭ ‬وتستنسخ‭ ‬بكميات‭ ‬على‭ ‬الطلاب‭ ‬والأساتذة‭ ‬وأولياء‭ ‬الأمور،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬حسن‭ ‬حظي‭ ‬ربما‭ ‬لأني‭ ‬متميز‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬أوكلت‭ ‬لي‭ ‬رئاسة‭ ‬التحرير‭ ‬وصياغة‭ ‬الافتتاحية‭.‬

افتتاحية‭ ‬العدد‭ ‬كان‭ ‬عندي‭ ‬الحقيقة‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المجلة،‭ ‬لكن‭ ‬فقدت‭ ‬مثل‭ ‬أشياء‭ ‬كثيرة،‭ ‬لكن‭ ‬مازلت‭ ‬أتذكر‭ ‬يعني‭ ‬كيف‭ ‬كنت،‭ ‬كيف‭ ‬مرّنت‭ ‬على‭ ‬كتابة‭ ‬المقالة،‭ ‬مقالة‭ ‬الافتتاحية‭ ‬أنه‭ ‬تحضر‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬العناصر‭ ‬الأساسية‭ ‬للموضوع،‭ ‬النقاط‭ ‬الأساسية‭ ‬للموضوع،‭ ‬وتبدأ‭ ‬في‭ ‬الصياغة،‭ ‬في‭ ‬الأول‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬صعوبة‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬افتتاحية‭ ‬تتناول‭ ‬قضايا‭.. ‬تجريدية،‭ ‬يعني‭ ‬لحد‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬صح‭ ‬التعبير‭ ‬مثلاً،‭ ‬كنا‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬عز‭ ‬المجد‭ ‬القومي‭ ‬العربي،‭ ‬كان‭ ‬ده‭ ‬ممكن‭ ‬يكون‭ ‬افتتاحية‭ ‬عن‭ ‬الوحدة‭ ‬العربية،‭ ‬أتذكر‭ ‬افتتاحية‭ ‬كانت‭ ‬عن‭ ‬السلام‭ ‬بمناسبة‭ ‬تزامن‭ ‬صدور‭ ‬المجلة،‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬عيد‭ ‬ميلاد‭ ‬المسيح‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬وفي‭ ‬الناس‭ ‬المحبة‭ ‬وعلى‭ ‬الأرض‭ ‬السلام،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬بداية‭ ‬المقال،‭ ‬وكانت‭ ‬من‭ ‬أصعب‭ ‬المقالات،‭ ‬لأنه‭ ‬يعني‭ ‬الواحد‭ ‬كان‭ ‬محتاجًا‭ ‬كثيرًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يقرأ،‭ ‬ولذلك‭ ‬كنت‭ ‬أقرأ‭ ‬وكنت‭ ‬أتناقش‭ ‬مع‭ ‬الأستاذ‭ ‬المشرف‭ ‬فأتذكر‭ ‬منهم‭ ‬نجي‭ ‬الله‭ ‬طنطاوي‭ ‬والشيخ‭ ‬محمد‭ ‬أحمد‭ ‬فتيح،‭ ‬وللأسف‭ ‬غاب‭ ‬عني‭ ‬بقية‭ ‬أسماء‭ ‬المعلمين‭ ‬الأفاضل،‭ ‬لكن‭ ‬هدول‭ ‬الاثنين‭ ‬من‭ ‬أميز‭ ‬أساتذة‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬والدين،‭ ‬وكنت‭ ‬طيلة‭ ‬فترة‭ ‬الدراسة‭ ‬المتوسطة‭ ‬على‭ ‬صلة‭ ‬دائمة‭ ‬بالنشاط‭ ‬الصحفي‭ ‬المدرسي‭ ‬لمدة‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬الثانوية،‭ ‬بعدين‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬خلصنا‭ ‬المتوسطة‭ ‬ونجحنا‭ ‬انتقلنا‭ ‬إلى‭ ‬ثانوية‭ ‬الشويخ،‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬ثانوية‭ ‬الشويخ‭ ‬كان‭ ‬فيه‭ ‬نشاط‭ ‬صحفي‭ ‬وكل‭ ‬الأنشطة‭ ‬الحقيقة‭ ‬بس‭ ‬نظرًا‭ ‬لأنني‭ ‬لم‭ ‬أمض‭ ‬في‭ ‬الثانوية‭ ‬إلا‭ ‬سنة‭ ‬واحدة‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬شيء‭ ‬له‭ ‬أثر،‭ ‬لأني‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬السنة‭ ‬الثانية‭ ‬ثانوي‭ ‬ابتعثت،‭ ‬كنت‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬البعثة‭ ‬الكويتية‭ ‬التي‭ ‬توجهت‭ ‬إلى‭ ‬دمشق‭ ‬للدراسة‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬المعلمين‭ ‬في‭ ‬دمشق،‭ ‬وهذه‭ ‬المحطة‭ ‬الثانية‭ ‬اللي‭ ‬مع‭ ‬القلم،‭ ‬ومع‭ ‬الصحافة،‭ ‬وهي‭ ‬ستكون‭ ‬موضوع‭ ‬حديثنا‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭.‬

فإنني‭ ‬أذكر‭ ‬تميّزي‭ ‬في‭ ‬حصة‭ ‬الإنشاء‭ ‬والتعبير‭ ‬بدروس‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬الأولى‭ ‬بثانوية‭ ‬الشويخ‭. ‬كان‭ ‬مدرس‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬الأستاذ‭ ‬أحمد‭ ‬الحوفي‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬وفي‭ ‬العام‭ ‬الدراسي‭ ‬الأول‭ ‬بالثانوية‭ (‬1957‭) ‬أقام‭ ‬االنادي‭ ‬الثقافي‭ ‬القوميب،‭ ‬لسان‭ ‬حال‭ ‬القوميين‭ ‬العرب‭ ‬بالكويت،‭ ‬مسابقة‭ ‬للقصة‭ ‬القصيرة،‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬العربية‭ ‬كافة،‭ ‬ومنها‭ ‬الكويت‭ ‬طبعًا‭ ‬وبداهية‭. ‬وشجعني‭ ‬أستاذي‭ ‬أحمد‭ ‬الحوفي‭ ‬على‭ ‬دخول‭ ‬المسابقة‭ ‬والمشاركة‭ ‬فيها‭.. ‬ترددت‭ ‬في‭ ‬البداية،‭ ‬ولاسيما‭ ‬أني‭ ‬لم‭ ‬أكتب‭ ‬القصة‭ ‬قبل‭ ‬هذه‭ ‬المسابقة،‭ ‬والمشرعة‭ ‬أبوابها‭ ‬لكل‭ ‬الأدباء‭ ‬العرب‭! ‬لكن‭ ‬معلمي‭ ‬االحوفيب،‭ ‬حرّضني‭ ‬وشجعني‭ ‬على‭ ‬المشاركة‭ ‬وهكذا،‭ ‬وجدتني‭ ‬أكتب‭ ‬قصة‭ ‬قصيرة،‭ ‬يتمحور‭ ‬موضوعها‭ ‬حول‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬والصراع‭ ‬العربي‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وضرورة‭ ‬االثأرب‭ ‬من‭ ‬الصهاينة‭ ‬الذين‭ ‬سلبوا‭ ‬إخوتنا‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬أرضهم،‭ ‬واضطروهم‭ ‬إلى‭ ‬هجرتها،‭ ‬واستحواذهم‭ ‬على‭ ‬منازل‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وقراهم‭ ‬ومدنهم،‭ ‬وتلك‭ ‬الممارسات‭ ‬الصهيونية‭ ‬الاستعمارية‭ ‬التي‭ ‬نخبرها‭ ‬كافة‭.‬

كان‭ ‬اسم‭ ‬قصتي‭ ‬اموعد‭ ‬مع‭ ‬الثأرب،‭ ‬وكانت‭ ‬ضمن‭ ‬القصص‭ ‬الفائزة،‭ ‬ويجدر‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬الفائز‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬الأديب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬القاص‭ ‬الروائي‭ ‬الأستاذ‭ ‬غسان‭ ‬كنفاني،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يعمل‭ ‬مدرسًا‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬إبان‭ ‬عقد‭ ‬الخمسينيات‭ ‬وكان‭ ‬اسم‭ ‬قصته‭ ‬الفائزة‭ ‬بالمركز‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬االقميص‭ ‬المسروقب،‭ ‬وصار‭ ‬الاسم‭ ‬هو‭ ‬عنوان‭ ‬الكتاب‭ ‬القصصي‭ ‬الذي‭ ‬يضم‭ ‬القصص‭ ‬الفائزة‭.‬

وإبان‭ ‬دراستي‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الآداب‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬عين‭ ‬شمس‭ ‬بمصر‭ ‬عام‭ ‬1962،‭ ‬فوجئت‭ ‬بقصتي‭ ‬اليتيمة‭ ‬المذكورة‭ ‬آنفًا‭ ‬تذاع‭ ‬من‭ ‬إذاعة‭ ‬صوت‭ ‬العرب‭ ‬الشهيرة،‭ ‬وبصيغة‭ ‬تمثيلية‭ ‬إذاعية،‭ ‬ومن‭ ‬النافل‭ ‬القول‭: ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬قد‭ ‬أفرحتني،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬أقل‭ ‬إنها‭ ‬أشعرتني‭ ‬بأني‭ ‬قاص‭ ‬أديب،‭ ‬سيكون‭ ‬له‭ ‬شأن‭ ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬الدراما‭ ‬الإذاعية،‭ ‬والقص‭ ‬والرواية‭! ‬ومن‭ ‬يدري؟‭ ‬فقد‭ ‬أنافس‭ ‬عمنا‭ ‬الأديب‭ ‬العالمي‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ،‭ ‬فأنال‭ ‬جائزة‭ ‬انوبلب‭ ‬في‭ ‬الآداب‭! ‬ولاسيما‭ ‬أني‭ ‬أتماهى‭ ‬مع‭ ‬عم‭ ‬امحفوظب‭ ‬وأشبهه‭ ‬في‭ ‬معاناته‭ ‬من‭ ‬مرض‭ ‬السكري،‭ ‬ومن‭ ‬ضعف‭ ‬سمعه‭ ‬من‭ ‬أذنه‭ ‬اليسرى‭! ‬ولحسن‭ ‬حظه‭ ‬أني‭ ‬لم‭ ‬أكتب‭ ‬سوى‭ ‬هذه‭ ‬القصة‭ ‬اليتيمة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬اأرتكبب‭ ‬سواها‭ ‬لله‭ ‬الحمد‭! ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬كتابي‭ ‬االأرض‭ ‬والعبادب‭ ‬مكرّسًا‭ ‬لرسم‭ ‬ابورتريهب‭ ‬بالكلمات‭ ‬لشخوص‭ ‬حقيقية،‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬حياتي‭ ‬المترعة‭ ‬بالسفر‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬والعباد‭ ‬كافة‭. ‬وهو‭ ‬نمط‭ ‬قصصي‭ ‬يتكئ‭ ‬على‭ ‬الواقع،‭ ‬وفي‭ ‬السنة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬دراستي‭ ‬بثانوية‭ ‬الشويخ،‭ ‬أعلنت‭ ‬اإدارة‭ ‬المعارفب‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬اسمها‭ ‬آنذاك،‭ ‬عن‭ ‬دعوة‭ ‬إلى‭ ‬اختيار‭ ‬عشرة‭ ‬طلاب‭ ‬كويتيين،‭ ‬ترسلهم‭ ‬الإدارة‭ ‬للدراسة‭ ‬في‭ ‬ادار‭ ‬المعلمين‭ ‬بدمشقب‭ (‬1958-1961‭).‬

وكنت‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬هذه‭ ‬البعثة‭ ‬الكويتية،‭ ‬وكان‭ ‬زملائي‭ ‬فيها‭ (‬1-‭ ‬حسن‭ ‬الإبراهيم‭ ‬2-‭ ‬عنبر‭ ‬مال‭ ‬الله‭ ‬3-‭ ‬عيسى‭ ‬راشد‭ ‬العيسى‭ ‬4-‭ ‬الشتلان‭ ‬5-‭ ‬حسين‭ ‬يوسف‭ ‬العلي‭ ‬6-‭ ‬حسين‭ ‬نوشاد‭ ‬7-‭ ‬جاسم‭ ‬البحر‭ ‬8-‭ ‬عبدالله‭ ‬حسن‭ ‬كمشاد‭ ‬وسيف‭ ‬عباس‭)‬،‭ ‬وبعد‭ ‬تخرجنا‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬المعلمين،‭ ‬أرسلت‭ ‬إدارة‭ ‬المعارف‭ ‬عشرة‭ ‬طلاب‭ ‬آخرين‭.‬

وقد‭ ‬أصدرنا‭ ‬آنذاك‭ ‬امجلة‭ ‬صوت‭ ‬الكويتب‭ ‬وكنت‭ ‬رئيس‭ ‬تحريرها‭ ‬والكاتب‭ ‬الرئيسي‭ ‬فيها‭. ‬وكانت‭ ‬مجلة‭ ‬دورية‭ ‬تطبع‭ ‬بالمطبعة‭ ‬الهاشمية‭ ‬بدمشق‭ ‬وساهم‭ ‬بكتابة‭ ‬االمانشتات‭ ‬والعناوين‭ ‬الرئيسيةب‭ ‬أستاذ‭ ‬الخط‭ ‬العربي‭ ‬بدار‭ ‬المعلمين‭ ‬الخطاط‭ ‬السوري‭ ‬المشهور‭ ‬حلمي‭ ‬حبّاب‭ ‬وقد‭ ‬تعلّمت‭ ‬منه‭ ‬فنون‭ ‬رسم‭ ‬الخط‭ ‬العربي‭ ‬البهي،‭ ‬وكان‭ ‬الخط‭ ‬العربي‭ ‬يحظى‭ ‬بعناية‭ ‬واهتمام‭ ‬بالغين،‭ ‬بحيث‭ ‬ينال‭ ‬الطالب‭ ‬مولي‭ ‬الخط‭ ‬الجميل،‭ ‬علامات‭ ‬تضاف‭ ‬إلى‭ ‬رصيده‭ ‬ومجموع‭ ‬درجاته‭ ‬في‭ ‬الامتحان‭. ‬والمؤسف‭ ‬أن‭ ‬خط‭ ‬أولادنا‭ ‬وأحفادنا‭ (‬من‭ ‬الجنسين‭)‬،‭ ‬بات‭ ‬كـاروشتةب‭ ‬الطبيب‭ ‬العصية‭ ‬على‭ ‬القراءة‭! ‬وأصبح‭ ‬كـانكشب‭ ‬الدجاج‭ ‬على‭ ‬التراب‭.. ‬مع‭ ‬الاعتذار‭ ‬الشديد‭ ‬للدجاج‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭!‬

الشاهد‭ ‬أن‭ ‬إسهامي‭ ‬في‭ ‬تحرير‭ ‬هذه‭ ‬المجلة،‭ ‬قد‭ ‬كرّسني‭ ‬صحفيًا‭ ‬وكاتبًا‭ ‬صحفيًا‭. ‬زد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬هوايتي‭ ‬الشديدة‭ ‬للتمثيل‭ ‬المسرحي‭ ‬الذي‭ ‬مارسته‭ ‬ضمن‭ ‬النشاط‭ ‬المسرحي‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬المتوسطة‭ ‬وفي‭ ‬مسرح‭ ‬دار‭ ‬المعلمين‭ ‬بدمشق،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬كتابتي‭ ‬لمسرحية‭ ‬امرد‭ ‬الجلب‭ ‬على‭ ‬القصابب‭ ‬بمعاونة‭ ‬أخي‭ ‬د‭.‬يوسف‭ ‬عباس‭.. ‬حين‭ ‬عملنا‭ ‬معًا‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬االخيل‭ ‬بن‭ ‬أحمدب‭ ‬الصيفية‭ ‬لمحو‭ ‬الأمية‭  ‬وتعليم‭ ‬الكبار‭ ‬بعد‭ ‬تخرجنا‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬المعلمين،‭ ‬والتحاقنا‭ ‬بسلك‭ ‬التعليم‭ ‬الابتدائي‭ ‬عام‭ ‬1961‭.‬

ولحسن‭ ‬حظ‭ ‬أصدقائي‭ ‬نجوم‭ ‬التمثيل‭ ‬في‭ ‬المسرح‭ ‬الكويتي،‭ ‬أني‭ ‬لم‭ ‬أواصل‭ ‬الوجود‭ ‬على‭ ‬الخشبة‭ ‬المسرحية،‭ ‬فقد‭ ‬أكون‭ ‬منافسًا‭ ‬لهم‭. ‬وقد‭ ‬أضعت‭ ‬على‭ ‬نفسي‭ ‬فرصة‭ ‬ذهبية‭ ‬تتبدى‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬نجمًا‭ ‬سينمائيًا‭ ‬عالميًا‭ ‬له‭ ‬العجب‭! ‬كيف؟‭! ‬أقول‭ ‬لك‭.. ‬حين‭ ‬كان‭ ‬أخي‭ ‬وصديقي‭ ‬الفنان‭ ‬محمد‭ ‬السنعوسي‭ ‬يقوم‭ ‬بالإشراف‭ ‬على‭ ‬إعداد‭ ‬وتحضير‭ ‬فيلم‭ ‬االرسالةب‭ ‬وكان‭ ‬اسمه‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬امحمد‭ ‬رسول‭ ‬اللهب‭ ‬أقول‭ ‬آنذاك‭ ‬كنت‭ ‬أتردد‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬مصر‭.. ‬القاهرة،‭ ‬حيث‭ ‬يسكن‭ ‬مع‭ ‬زوجته‭.. ‬أم‭ ‬طارق‭ ‬باسمة‭ ‬سليمان‭ ‬اوآنذاك‭ ‬تعرفت‭ ‬على‭ ‬مصطفى‭ ‬العقاد‭ ‬مخرج‭ ‬الفيلم‭ ‬اوالعم‭ ‬هاري‭ ‬كريجب‭ ‬كاتب‭ ‬السيناريو‭ ‬العالمي‭ ‬المشهور،‭ ‬والذي‭ ‬أذكر‭ ‬له‭ ‬إبداعه‭ ‬لسيناريو‭ ‬اواترلوب‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭.. ‬وصرت‭ ‬ألتقي‭ ‬بالعم‭ ‬هاري‭ ‬كريج‭ ‬لأن‭ ‬االصعاليك‭ ‬على‭ ‬أشكالها‭ ‬تقعب‭!‬

وكنا،‭ ‬هو‭ ‬والعبد‭ ‬لله‭ ‬نتسكع‭ ‬في‭ ‬أحياء‭ ‬مصر‭ ‬القديمة،‭ ‬ومقاهي‭ ‬وسط‭ ‬البلد،‭ ‬حيث‭ ‬شقتي‭ ‬بشارع‭ ‬قصر‭ ‬النيل‭ ‬ولاتزال‭ ‬موجودة‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬وإلى‭ ‬ما‭ ‬شاء‭ ‬الله‭. ‬وحين‭ ‬شرع‭ ‬كريج‭ ‬في‭ ‬إبداع‭ ‬سيناريو‭ ‬فيلم‭ ‬االرسالةب‭ ‬فوجئت‭ ‬به‭ ‬يقول‭ ‬لي‭: ‬إنه‭ ‬يراني‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬اأبوسفيانب‭! ‬واستمر‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الاختيار‭ ‬طوال‭ ‬كتابته‭ ‬لسيناريو‭ ‬الفيلم‭! ‬وقد‭ ‬اكتفيت‭ ‬بهذا‭ ‬الترشيح‭ ‬وأشبع‭ ‬غروري‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أسعى‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أنفذه‭ ‬لحسن‭ ‬حظ‭ ‬العم‭ ‬الفنان‭ ‬الممثل‭ ‬الفذ‭ ‬والإنسان‭ ‬الجميل‭.. ‬أنتوني‭ ‬كوين‭!‬

لكن‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬لا‭ ‬يمنع‭ ‬من‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬هواية‭ ‬التمثيل‭ ‬ما‭ ‬برحت‭ ‬تسكنني،‭ ‬ومازلت‭ ‬أمارسها‭ ‬مع‭ ‬أحفادي‭ ‬وحفيداتي‭.‬

ومادمنا‭ ‬في‭ ‬سيرة‭ ‬فيلم‭ ‬االرسالةب‭ ‬يجدر‭ ‬بي‭ ‬التنويه‭ ‬بموضوعين‭ ‬مهمين‭ ‬يتصلان‭ ‬بهذا‭ ‬الفيلم‭ ‬العالمي‭ ‬المميز‭. ‬الموضوع‭ ‬الأول‭: ‬بشأن‭ ‬الكيفية‭ ‬التي‭ ‬توصل‭ ‬بها‭ ‬الموسيقار‭ ‬العالمي‭ ‬موريس‭ ‬جار‭ ‬الحائز‭ ‬جائزة‭ ‬الأوسكار‭ ‬مرات‭ ‬عدة،‭ ‬من‭ ‬جراء‭ ‬إبداعه‭ ‬الموسيقى‭ ‬التصويرية،‭ ‬لأفلام‭ ‬عالمية‭ ‬عدة،‭ ‬نالت‭ ‬جائزة،‭ ‬بل‭ ‬جوائز‭ ‬الأوسكار،‭ ‬ومنها‭ ‬المكرّسة‭ ‬للموسيقى‭ ‬التصويرية‭.‬

ومن‭ ‬هنا‭ ‬جاء‭ ‬موريس‭ ‬جار‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة،‭ ‬أثناء‭ ‬إعداد‭ ‬الفيلم‭ ‬وكتابة‭ ‬السيناريو‭ ‬الخاص‭ ‬به،‭ ‬وظل‭ ‬شهورًا‭ ‬عدة،‭ ‬يسمع‭ ‬التراث‭ ‬الغنائي‭ ‬والموسيقي‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي،‭ ‬الصوفي‭ ‬والروحي،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬نداء‭ ‬أذان‭ ‬الصلوات‭ ‬بأصوات‭ ‬مؤذنين‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬كافة‭. ‬وذات‭ ‬فجرية‭ ‬قاهرية‭ ‬كان‭ ‬موريس‭ ‬جار‭ ‬يتمشى‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬مساعديه‭ ‬المصريين،‭ ‬في‭ ‬حي‭ ‬اسيدنا‭ ‬الحسينب‭ ‬الشهير،‭ ‬وانطلق‭ ‬فجأة‭ ‬صوت‭ ‬مفاجأة،‭ ‬على‭ ‬رأي‭ ‬أخينا‭ ‬الشاعر‭ ‬اأحمد‭ ‬فؤاد‭ ‬نجمب،‭ ‬ولعلع‭ ‬صوت‭ ‬مؤذن‭ ‬اسيدنا‭ ‬الحسينب‭ ‬بنداء‭ ‬صلاة‭ ‬الفجر‭!‬

فتوقف،‭ ‬وكله‭ ‬آذان‭ ‬صاغية،‭ ‬تصيخ‭ ‬السمع‭ ‬للأذان‭ ‬المدهش‭ ‬الساحر‭. ‬وقد‭ ‬ترجم‭ ‬له‭ ‬مساعدوه‭ ‬معاني‭ ‬أذان‭ ‬الفجر،‭ ‬حيث‭ ‬قال‭ ‬لنفسه‭ ‬ولمساعديه‭: ‬بس‭! ‬وجدتها‭ ‬وشرع‭ ‬من‭ ‬توه،‭ ‬يدوّن‭ ‬إيقاع‭ ‬الأذان،‭ ‬ويموسق‭ ‬روحه‭ ‬ومعانيه‭ ‬ودلالاته‭ ‬وفلسفته‭. ‬ومن‭ ‬ثم،‭ ‬راح‭ ‬ينصت‭ ‬إلى‭ ‬الأذان،‭ ‬بأصوات‭ ‬أشهر‭ ‬وأجمل‭ ‬المؤذنين‭ ‬في‭ ‬العالمين‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي،‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬إبداع‭ ‬الموسيقى‭ ‬التصويرية‭ ‬الرائعة‭ ‬لفيلم‭ ‬الرسالة،‭ ‬والتي‭ ‬مازال‭ ‬الناس‭ ‬يقتنونها،‭ ‬ويستمعون‭ ‬إليها‭ ‬ويعجبون‭ ‬بها،‭ ‬وسيفعلون‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬شاء‭ ‬الله‭!‬

أما‭ ‬الأمر‭ ‬الثاني‭ ‬الذي‭ ‬يستحق‭ ‬التذكّر‭ ‬والذكر‭ ‬بشأن‭ ‬ذكرياتي‭ ‬عن‭ ‬الفيلم‭ ‬إبان‭ ‬تصويره‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬اأغماتب،‭ ‬حيث‭ ‬ضريح‭ ‬االمعتمد‭ ‬بن‭ ‬عبّادب‭ ‬الذي‭ ‬سجنه‭ ‬ايوسف‭ ‬بن‭ ‬تاشفينب‭ ‬والتي‭ ‬تبعد‭ ‬عن‭ ‬مدينة‭ ‬مراكش‭ ‬الحمراء‭ ‬بثلاثين‭ ‬كيلومترًا‭.‬

في‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬التصوير،‭ ‬اصطحبني‭ ‬بوطارق‭ (‬محمد‭ ‬السنعوسي‭) ‬إلى‭ ‬موقع‭ ‬التصوير،‭ ‬حيث‭ ‬مجسدات‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة‭.. ‬والكعبة‭ ‬المشرّفة،‭ ‬وعرّفني‭ ‬بوطارق‭ ‬على‭ ‬أنتوني‭ ‬كوين،‭ ‬وإيرين‭ ‬باباس‭ ‬وغيرهما‭ ‬من‭ ‬النجوم‭ ‬والممثلين‭ ‬العرب‭ ‬والأجانب‭ ‬الغربيين،‭ ‬وكان‭ ‬المخرج‭ ‬العقاد‭ ‬قد‭ ‬رشّح‭ ‬اكوينب‭ ‬في‭ ‬البداية،‭ ‬لدور‭ ‬اأبوسفيانب،‭ ‬ولاسيما‭ ‬أن‭ ‬الدور‭ ‬يتواصل‭ ‬حضوره‭ ‬طوال‭ ‬الفيلم‭ ‬لكن‭ ‬كوين،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬اطلع‭ ‬وقرأ‭ ‬السيناريو‭ ‬فاجأ‭ ‬الجميع،‭ ‬باختياره‭ ‬لدور‭ ‬احمزةب‭ ‬واعتذاره‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬اأبوسفيانب‭ ‬ومن‭ ‬نافل‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬اختيار‭ ‬اكوينب‭ ‬لدور‭ ‬احمزةب‭ ‬يتناغم‭ ‬مع‭ ‬اختياره‭ ‬الفني‭ ‬المدهش،‭ ‬لأدواره‭ ‬السينمائية‭ ‬الرائعة‭ ‬التي‭ ‬سبقت‭ ‬دور‭ ‬احمزةب‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬االرسالةب،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬لا‭ ‬عجب‭ ‬أن‭ ‬يختاره‭ ‬السنعوسي‭ ‬والعقاد‭ ‬لدور‭ ‬اعمر‭ ‬المختارب،‭ ‬الفيلم‭ ‬الثاني‭ ‬الذي‭ ‬أنتجته‭ ‬شركة‭ ‬الإنتاج‭ ‬السينمائي‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يرأس‭ ‬مجلس‭ ‬إدارتها‭ ‬محمد‭ ‬السنعوسي‭.‬

والذي‭ ‬أخبرني‭ ‬بأن‭ ‬كوين‭ ‬قد‭ ‬فاجأهم‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬لتصوير‭ ‬فيلم‭ ‬االرسالةب،‭ ‬حيث‭ ‬تمنى‭ ‬على‭ ‬المخرج‭ ‬بأن‭ ‬يسبقه‭ ‬الممثل‭ ‬المصري‭ ‬عبدالله‭ ‬غيث‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬دوره‭ ‬لـاحمزةب،‭ ‬لاعتقاده‭ ‬بأن‭ ‬اغيثب‭ ‬كعربي‭ ‬ومسلم‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬أقدر‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬معرفة‭ ‬روح‭ ‬الشخصية،‭ ‬وصفاتها،‭ ‬ومناقبها‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يحيل‭ ‬إليها‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حدث‭. ‬ولم‭ ‬يكتف‭ ‬كوين‭ ‬بهذا‭ ‬الطلب‭ ‬بأن‭ ‬يسبقه‭ ‬غيث‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬دور‭ ‬حمزة‭ ‬في‭ ‬النسخة‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬الفيلم،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬صرّح،‭ ‬بتواضع‭ ‬المبدع‭ ‬العبقري‭ ‬الجم‭ ‬قائلاً‭ ‬لتلفزيون‭ ‬الـابي‭.‬بي‭.‬سيب‭: ‬لقد‭ ‬راق‭ ‬له‭ ‬كثيرًا،‭ ‬أداء‭ ‬غيث‭ ‬لدور‭ ‬حمزة‭ ‬والذي‭ ‬تعلم‭ ‬منه‭ ‬الكثير‭.‬

هذا‭ ‬ما‭ ‬عنّ‭ ‬لي‭ ‬توثيقه،‭ ‬من‭ ‬ذكريات‭ ‬شتى،‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬عمري‭ ‬المديد‭ ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬شأن‭ ‬عمر‭ ‬والدي‭ ‬الذي‭ ‬يبلغ‭ ‬97‭ ‬سنة،‭ ‬رحمه‭ ‬الله.‬

‭(‬1‭) ‬يلقَّب‭ ‬العبد‭ ‬لله‭ ‬الحمار‭ ‬بـ«الباشا‮»‬‭!‬

من‭ ‬اليمين،‭ ‬أحمد‭ ‬الصالح،‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬المسعود،‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬النمش،‭ ‬سليمان‭ ‬الفهد،‭ ‬سيف‭ ‬عباس‭ ‬في‭ ‬مسرحية‭ ‬‮«‬مرد‭ ‬الكلب‮»‬‭ ‬1961