عن طه حسين

عن طه حسين

لم‭ ‬أكن‭ ‬من‭ ‬طلاب‭ ‬طه‭ ‬حسين،‭ ‬ولم‭ ‬أكن‭ ‬بالتالي‭ ‬أطمع‭ ‬في‭ ‬التواصل‭ ‬معه‭. ‬ولكن‭ ‬الظروف‭ ‬السعيدة‭ ‬جمعتني‭ ‬به‭ ‬كمترجم‭ ‬متطوع‭ ‬أنقل‭ ‬ما‭ ‬يقول‭ ‬من‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬أو‭ ‬الفرنسية‭ ‬إلى‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية‭. ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬زارت‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1952‭ ‬المعجزة‭ ‬الأمريكية‭ ‬هيلين‭ ‬كيلر‭ ‬التي‭ ‬ولدت‭ ‬عمياء‭ ‬صماء‭ ‬بكماء،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬استطاعت‭ ‬بالتدريب‭ ‬التربوي‭ ‬العنيف‭ ‬أن‭ ‬تؤلف‭ ‬الكتب‭ ‬وتحاضر‭ ‬وتخوض‭ ‬الحياة‭ ‬الثقافية‭ ‬بمقدار‭ ‬ما‭ ‬حصلته‭ ‬من‭ ‬المعارف‭ ‬والثقافات‭.‬

كنت‭ ‬بحكم‭ ‬عملي‭ ‬الصحفي‭ ‬حريصا‭ ‬على‭ ‬مقابلة‭ ‬هذه‭ ‬المعجزة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬أظنها‭ ‬تكررت‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬التاريخ‭ ‬البشري،‭ ‬فتوجهت‭ ‬إلى‭ ‬فندق‭ ‬سميراميس‭ (‬القديم‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬تنزل‭ ‬وجلست‭ ‬بجوارها‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تكأكأ‭ ‬الصحفيون‭ ‬في‭ ‬الغرفة،‭ ‬وصرت‭ ‬أتبادل‭ ‬معهاالحديث‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬سكرتيرتها‭ ‬الملازمة‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬خطواتها،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تسمع‭ ‬كلام‭ ‬المتحدث‭ ‬ثم‭ ‬تنقله‭ ‬إلى‭ ‬كيلر‭ ‬بحركات‭ ‬يديها‭ ‬تمسح‭ ‬بهما‭ ‬خدها‭ ‬وشفتيها،‭ ‬ثم‭ ‬تردّ‭ ‬على‭ ‬السائل‭ ‬بعدما‭ ‬تكون‭ ‬السكرتيرة‭ ‬قد‭ ‬ساقت‭ ‬ردها‭. ‬

وإذا‭ ‬كنا‭ ‬مجتمعين‭ ‬بهيلين‭ ‬كيلر،‭ ‬فوجئنا‭ ‬بمعالي‭ ‬الدكتور‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬باشا‭ ‬وزير‭ ‬المعارف‭ ‬العمومية‭ ‬بالباب،‭ ‬فأفسحت‭ ‬له‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬هيلين‭ ‬كيلر،‭ ‬وألفيت‭ ‬نفسي‭ ‬مترجمًا‭ ‬متطوعًا‭ ‬بين‭ ‬الوزير‭ ‬والضيفة‭. ‬فالوزير‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬وهيلين‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬سواها،‭ ‬وهكذا‭ ‬سعيت‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬مكلفًا‭ ‬من‭ ‬أحد‭. ‬وعندما‭ ‬سألني‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬عن‭ ‬اسمي‭ ‬قلت‭ ‬له‭ ‬إنني‭ ‬فلان،‭ ‬ففاجأني‭ ‬بالقول‭: ‬إني‭ ‬أتابع‭ ‬مقالات‭ ‬الصدر‭ ‬الافتتاحية‭ ‬اليومية‭ ‬التي‭ ‬تكتبها‭ ‬في‭ ‬جريدة‭ ‬االمقطمب،‭ ‬فاعتبرت‭ ‬هذه‭ ‬التحية‭ ‬من‭ ‬جانبه‭ ‬خير‭ ‬مكافأة‭ ‬على‭ ‬تطوعي‭ ‬للترجمة‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬معجزة‭ ‬القرن‭.‬

كانت‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬أتطوع‭ ‬فيها‭ ‬للترجمة‭ ‬لطه‭ ‬حسين،‭ ‬أما‭ ‬المرة‭ ‬الثانية‭ ‬فحدثت‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬نفسه‭ ‬1952‭ ‬وكنت‭ ‬وقتها‭ ‬أقوم‭ ‬بتدريس‭ ‬علوم‭ ‬الصحافة‭ ‬في‭ ‬قسم‭ ‬الصحافة‭ ‬بالجامعة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وكان‭ ‬لكل‭ ‬أستاذ‭ ‬صندوق‭ ‬بريد‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬تودع‭ ‬فيه‭ ‬الرسائل‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬رئيس‭ ‬الجامعة‭ ‬أو‭ ‬مسجلها‭ ‬أو‭ ‬رئيس‭ ‬قسم‭ ‬الصحافة‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬رسائل‭ ‬خاصة‭. ‬وكان‭ ‬من‭ ‬عادتي‭ ‬قبل‭ ‬التوجه‭ ‬لإلقاء‭ ‬محاضرتي‭ ‬أن‭ ‬أفتح‭ ‬صندوق‭ ‬البريد‭ ‬الخاص‭ ‬بي‭ ‬عسى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬فيه‭ ‬إشعار‭ ‬مهم‭. ‬وعندما‭ ‬فتحت‭ ‬صندو‭ ‬ق‭ ‬البريد‭ ‬عثرت‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬رسالة‭ ‬من‭ ‬أستاذ‭ ‬أمريكي‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬بيروت‭ ‬الأمريكية،‭ ‬يقول‭ ‬فيها‭ ‬إنه‭ ‬تواعد‭ ‬على‭ ‬لقاء‭ ‬الدكتور‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬نفسه‭ ‬لإجراء‭ ‬حديث‭ ‬معه‭ ‬ينشر‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬االكليةب‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تصدر‭ ‬عن‭ ‬الجامعة،‭ ‬وقال‭ ‬إنه‭ ‬يخشى‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬عائق‭ ‬اللغة‭ ‬دون‭ ‬إتمام‭ ‬هذا‭ ‬الحديث،‭ ‬لأن‭ ‬الأستاذ‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬إلا‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يلم‭ ‬بها‭ ‬طه‭ ‬حسين،‭ ‬ورجاني‭ ‬أن‭ ‬أنضم‭ ‬إليه‭ ‬لأضطلع‭ ‬بمهمة‭ ‬الترجمة‭.‬

وهكذا‭ ‬وجدت‭ ‬نفسي‭ ‬وللمرة‭ ‬الثانية‭ ‬متطوعا‭ ‬لترجمة‭ ‬كلام‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬من‭ ‬الفرنسية‭ - ‬هذه‭ ‬المرة‭ - ‬إلى‭ ‬الإنجليزية‭ ‬تسهيلاً‭ ‬لمهمة‭ ‬الأستاذ‭ ‬الأمريكي‭. ‬والغريب‭ ‬أن‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬بمجرد‭ ‬أن‭ ‬سمع‭ ‬صوتي‭ ‬ودون‭ ‬تقديم‭ ‬لشخصيتي‭ ‬إليه‭ ‬فاجأني‭ ‬بقوله‭: ‬أنت‭ ‬وديع‭ ‬فلسطين،‭ ‬وعرفت‭ ‬وقتها‭ ‬أنه‭ ‬عندما‭ ‬تتعطل‭ ‬إحدى‭ ‬الحواس‭ ‬فإن‭ ‬بقية‭ ‬الحواس‭ ‬الأخرى‭ ‬تنشط،‭ ‬ولاسيما‭ ‬لأن‭ ‬صوتي‭ ‬عادي‭ ‬ولا‭ ‬يتميز‭ ‬بأي‭ ‬شيء‭ ‬عن‭ ‬بقية‭ ‬أصوات‭ ‬خلق‭ ‬الله‭.‬

وأتيحت‭ ‬لي‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬مناسبتان‭ ‬لزيارة‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬في‭ ‬بيته‭ (‬رامتان‭) ‬بطريق‭ ‬الأهرام‭ ‬بصحبة‭ ‬اثنين‭ ‬من‭ ‬الأدباء‭ ‬العراقيين‭. ‬وكنت‭ ‬بمجرد‭ ‬تحية‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬أسمع‭ ‬منه‭ ‬العبارة‭ ‬نفسها‭: ‬أنت‭ ‬فلان‭.‬

وفي‭ ‬أثناء‭ ‬هذا‭ ‬اللـــــقاء‭ ‬تطــــرقت‭ ‬إلى‭ ‬الدكتورة‭ ‬سهير‭ ‬القلماوي،‭ ‬تلميذة‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬المقربة‭ ‬ونطقت‭ ‬اسمها‭ ‬بالضم،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬قاطعني‭ ‬قائلا‭: ‬سهير،‭ ‬سهير‭ ‬بالفتح‭.‬

وعندما‭ ‬علم‭ ‬صديقي‭ ‬الأديب‭ ‬محمود‭ ‬أبورية‭ ‬أنني‭ ‬ذاهب‭ ‬للقاء‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬طلب‭ ‬مني‭ ‬أن‭ ‬أوجه‭ ‬إليه‭ ‬سؤالا‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬عدم‭ ‬نشره‭ ‬مجموعة‭ ‬المقالات‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬ينشرها‭ ‬بعنوان‭ ‬انظرات‭ ‬في‭ ‬النظراتب‭ ‬تعليقا‭ ‬على‭ ‬كتاب‭ ‬االنظراتب‭ ‬لمصطفى‭ ‬لطفي‭ ‬المنفلوطي،‭ ‬فقلت‭ ‬لطه‭ ‬حسين‭: ‬إنك‭ ‬جمعت‭ ‬نسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬مقالاتك‭ ‬في‭ ‬كتب،‭ ‬فلماذا‭ ‬لم‭ ‬تجمع‭ ‬هذه‭ ‬المقالات؟

فكان‭ ‬رده‭ ‬أنها‭ ‬تمثل‭ ‬العب‭ ‬عيالب،‭ ‬ولذلك‭ ‬لم‭ ‬أحرص‭ ‬على‭ ‬جمعها‭.‬

وكان‭ ‬الشيخ‭ ‬أبورية‭ ‬أخبرني‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المقالات‭ ‬لم‭ ‬يكتبها‭ ‬طه‭ ‬حسين،‭ ‬بل‭ ‬كتبها‭ ‬العلامة‭ ‬اللغوي‭ ‬محمد‭ ‬صادق‭ ‬عنبر،‭ ‬ولكنها‭ ‬نشرت‭ ‬بتوقيع‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬نزولاً‭ ‬عند‭ ‬رغبة‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬جاويش‭ ‬محرر‭ ‬المجلة‭.‬

وعندما‭ ‬رجــــعت‭ ‬إلى‭ ‬كـــــتاب‭ ‬االأيــــامب‭ ‬وجــــدت‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬يشكو‭ ‬من‭ ‬الشيخ‭ ‬جــــاويش‭ ‬الـــــذي‭ ‬كان‭ ‬يستغله‭ ‬في‭ ‬شــــبابه‭ ‬ويكلــــفه‭ ‬كتابة‭ ‬مقالات‭ ‬لا‭ ‬يرضى‭ ‬عنها‭ ‬واعتبر‭ ‬هذا‭ ‬إثما‭ ‬اقترفه‭.‬

وعندما‭ ‬أخرج‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬من‭ ‬الجامعة‭ ‬بسبب‭ ‬اعتبارات‭ ‬سياسية‭ ‬فأطلق‭ ‬عليه‭ ‬طلابه‭ ‬لقب‭ ‬اعميد‭ ‬الأدب‭ ‬العربيب‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬بلا‭ ‬مورد‭ ‬رزق،‭ ‬وهي‭ ‬محنة‭ ‬شديدة‭ ‬مرّت‭ ‬به‭. ‬ولكن‭ ‬الدكتور‭ ‬حنا‭ ‬رزق‭ ‬مدير‭ ‬قسم‭ ‬الخدمة‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬الأمريكية‭ ‬عرض‭ ‬على‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬أن‭ ‬يلقي‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬المحاضرات‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬لقاء‭ ‬راتب‭ ‬شهري،‭ ‬وكانت‭ ‬الجامعة‭ ‬تتقاضى‭ ‬3‭ ‬قروش‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬راغب‭ ‬في‭ ‬الاستماع‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المحاضرات‭ ‬لتسدد‭ ‬من‭ ‬حصيلتها‭ ‬راتب‭ ‬طه‭ ‬حسين‭.‬

وقد‭ ‬تعرض‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬لحملات‭ ‬شديدة‭ - ‬عدا‭ ‬أزمة‭ ‬كتاب‭ ‬االشعر‭ ‬الجاهليب‭ - ‬فكان‭ ‬يقابل‭ ‬الهجوم‭ ‬بالصمت‭ ‬فلا‭ ‬يردّ‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬منتقديه،‭ ‬سواء‭ ‬أكان‭ ‬النقد‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬أدبية‭ ‬أو‭ ‬شخصية‭.‬

ومن‭ ‬ذلك‭ ‬مثلاً‭ ‬أن‭ ‬محمود‭ ‬محمد‭ ‬شاكر‭ ‬اتهم‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬ابالسطو‭ ‬العريانب‭ ‬من‭ ‬المستشرق‭ ‬الإنجليزي‭ ‬مارجليوث‭.‬

ومن‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬زكي‭ ‬مبارك‭ - ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬ينس‭ ‬لطه‭ ‬حسين‭ ‬وقوفه‭ ‬ضده‭ ‬فلم‭ ‬يعين‭ ‬أستاذًا‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ - ‬وصف‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬بأنه‭ ‬أمي‭ ‬لا‭ ‬يقرأ‭ ‬ولا‭ ‬يكتب‭. ‬وهذا‭ ‬صحيح‭ ‬في‭ ‬بعضه،‭ ‬لأن‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬كان‭ ‬بسبب‭ ‬فقدان‭ ‬بصره‭ ‬يقرأ‭ ‬ويكتب‭ ‬بمساعدة‭ ‬آخرين‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬زكي‭ ‬مبارك‭ ‬قال‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬ديوانه‭ ‬الوحيد‭ ‬األحان‭ ‬الخلودب‭: ‬الو‭ ‬جاع‭ ‬أطفالي‭ ‬لشويت‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬وأطعمتهم‭ ‬من‭ ‬لحمه‭ ‬إن‭ ‬جاز‭ ‬أن‭ ‬أقدم‭ ‬إلى‭ ‬أطفالي‭ ‬لحوم‭ ‬الكلابب‭!!‬

قرأ‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬وكظــــم‭ ‬غيظه،‭ ‬ولم‭ ‬يحاول‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬زكي‭ ‬مبارك‭ ‬أو‭ ‬مقاضاته‭ ‬أمام‭ ‬المحاكم‭ ‬كما‭ ‬صار‭ ‬معهودا‭ ‬في‭ ‬يومنا‭ ‬الحاضر‭.‬

وعندما‭ ‬تولى‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬تحرير‭ ‬مجلة‭ ‬االكاتب‭ ‬العربيب‭ ‬وكانت‭ ‬من‭ ‬أفخر‭ ‬المجلات‭ ‬الثقافية‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬تصدر‭ ‬عن‭ ‬شركة‭ ‬الكاتب‭ ‬المصري‭ ‬المملوكة‭ ‬لأسرة‭ ‬هراري‭ ‬اليهودية،‭ ‬انبرى‭ ‬له‭ ‬إسماعيل‭ ‬مظهر‭ ‬محرر‭ ‬مجلة‭ ‬االمقتطفب‭ ‬واتهمه‭ ‬بالصهيونية‭ ‬وممالأة‭ ‬اليهود،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬المجلة‭ ‬خلت‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬حرف‭ ‬يستدل‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الاتهام‭.  ‬وكنت‭ ‬وقتـــها‭ ‬أعـــمل‭ ‬مـــحررًا‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬المقتـــطف‭ ‬والمقطم‭ ‬وشهدت‭ ‬بنفسي‭ ‬كيف‭ ‬غضب‭ ‬الدكتور‭ ‬فارس‭ ‬نمر‭ ‬باشا‭ ‬صاحب‭ ‬الدار‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحملة‭ ‬الهوجاء‭ ‬التي‭ ‬خالفت‭ ‬سُنة‭ ‬مجلة‭ ‬االمقتطفب‭ ‬في‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬الحملات‭ ‬الشخصية،‭ ‬وبادر‭ ‬بإعفاء‭ ‬إسماعيل‭ ‬مظهر‭ ‬من‭ ‬تحرير‭ ‬مجلة‭ ‬المقتطف،‭ ‬واختار‭ ‬العلامة‭ ‬نقولا‭ ‬الحداد‭ ‬مترجم‭ ‬نظرية‭ ‬النسبية‭ ‬لأينشتاين‭ ‬رئيسًا‭ ‬للتحرير‭ ‬خلفا‭ ‬له‭.‬

وكان‭ ‬من‭ ‬عادة‭ ‬طـــه‭ ‬حسين‭ ‬أن‭ ‬يجامل‭ ‬أصدقاءه،‭ ‬فلما‭ ‬انتخب‭ ‬رئيسًا‭ ‬لمجمع‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬سعى‭ ‬لضم‭ ‬صديقيه‭ ‬توفيق‭ ‬الحكيم‭ ‬ومحمود‭ ‬تيمور‭ ‬بك‭ ‬إلى‭ ‬عضوية‭ ‬المجمع،‭ ‬أما‭ ‬توفيق‭ ‬الحكيم‭ ‬فقد‭ ‬رأى‭ ‬نفسه‭ ‬غريبًا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع،‭ ‬وبادر‭ ‬بالاستقالة‭ ‬فكان‭ ‬العضو‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬استقال‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬تاريخ‭ ‬المجمع،‭ ‬وأما‭ ‬محمود‭ ‬تيمور‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يؤلف‭ ‬رواياته‭ ‬ومسرحياته‭ ‬باللهجة‭ ‬العامية‭ ‬فقد‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬الفصحى‭ ‬وأصبح‭ ‬من‭ ‬أساطين‭ ‬اللغة‭.‬

هذه‭ ‬بعض‭ ‬لمحات‭ ‬عن‭ ‬طه‭ ‬حــــسين،‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬معروفًا‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يــــكون‭ ‬مجهولاً،‭ ‬وقفت‭ ‬عليه‭ ‬بنفـسي‭ ‬عن‭ ‬حياة‭ ‬هذا‭ ‬الرائد‭ ‬العظيم‭ .