جنتيلي بيلليني «السلطان محمد الفاتح»

جنتيلي بيلليني «السلطان محمد الفاتح»

الرسام هو من عائلة فنانين أسست مدرسة النهضة في البندقية. فهو ابن جاكوبو بيلليني الرائد في استخدام الألوان الزيتية الجديدة آنذاك، وشقيق جيوفاني مطوّر رسم الوجوه الملتفتة بدرجات مختلفة، بعدما كان رسم الوجوه يتم جانبيًا فقط.
في العام 1474م، أصبح جنتيلي الرسام الرسمي المعتمد في بلاط البندقية. وبعد ذلك بخمس سنوات أوفدته الحكومة سفيرًا ثقافيًا إلى القسطنطينية، العاصمة الجديدة للسلطنة العثمانية، وهناك رسم صورة السلطان محمد الثاني الذي عُرف عنه شغفه بالثقافة الإيطالية.
ليس هناك ما يؤكد أن هذه اللوحة المحفوظة اليوم في الناشيونال غاليري في لندن هي اللوحة الأصلية التي رسمها بيلليني، إذ إن مساحات كبيرة منها أعيد رسمها في القرن التاسع عشر، بحيث أن أقدم أجزائها الباقية في الزاويتين السفليين، لا تكفي للجزم بأصليتها، ولكن هناك قناعة شبه عامة أنها كانت في أسوأ الأحوال إحدى النسخ القديمة للوحة بيلليني.
نرى في هذه اللوحة صورة نصفية للسلطان تحت قوس مزخرف وفق الطراز الذي كان رائجًا في إيطاليا آنذاك. والمهم  في وضعية السلطان هو التفاتته قليلًا صوب اليسار، بحيث يظهر بعض النصف الأيمن من وجهه. وهذه الوضعية كانت من ابتكارات آل بيلليني وجديدة تمامًا آنذاك، بدليل أن صورة دوق البندقية التي رسمها جنتيلي نفسه قبل عام واحد كانت جانبية تمامًا. 
ومن العناصر أو «الأفكار» الأصلية في اللوحة هناك التيجان التي يرتفع ثلاثة منها على كل من جانبي اللوحة للتناسق، وهي مستمدة من مشروع ميدالية نعرف أن جنتيلي كان قد اقترح على السلطان سكها قبل سنوات قليلة، وتتضمن ثلاثة تيجان ترمز إلى الممالك الثلاث التي أخضعها لحكمه: آسيا وطرابزون واليونان. أما قطعة القماش المطرزة والمرصعة بالجواهر فتعبّر رغم إعادة رسمها، عن الأهمية التي كانت معلقة في ذلك العصر على النسيج صناعةً وتجارةً، وعلى الفاخر منه رمزًا للمكانة. أما لباس السلطان فهو من الأجزاء التي أعيد رسمها بالكامل وبأسلوب لا يمت بصلة إلى أسلوب بيلليني. 
إنها من اللوحات القليلة التي وصلت إلينا من هذا الفنان، بعدما ضاع العدد الأكبر من أعماله في حريق قصر البندقية عام 1577م. ولكن ذلك لا يفسر شهرتها في وقتنا الحاضر، حتى ولو تغاضينا عن الشكوك في أصليتها. فقد لمع نجم هذه اللوحة في العقود الأخيرة بتعاظم مناقشة الاستشراق، وراحت صورها تنشر في معظم المجلات كأيقونة مرافقة لأي حديث عن حوار الشرق والغرب. والأمر مبرر ومفهوم، لأن خطابها التاريخي أبلغ من محتواها الجمالي والتقني التشكيلي .