طرق جديدة لطيران أوفر وصديق للبيئة

طرق جديدة لطيران أوفر وصديق للبيئة

يسعى الاتحاد الأوربي منذ عشر سنوات إلى إيجاد تقنيات لخفض مستوى ضجيج الطائرات واستهلاكها للوقود إلى النصف، وهو يخطط إلى خفض الانبعاثات الناتجة عن حركة الطيران بنسبة 75% بحلول عام 2050، وذلك على الرغم من صعوبة تحقيق هذا الهدف. فعلى سبيل المثال، تسجل في مطار فرانكفورت (أكبر مطار في ألمانيا) عملية إقلاع أو هبوط كل 90 ثانية. والمطار مسئول عن نصف التلوث المناخي في ولاية «هسنْ»، كما أن حركة الطيران ككل مسئولة عن 5% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في ألمانيا، وإذا بقيت الأمور على حالها في هذا العقد ستصبح كمية الغازات الضارة الناتجة عن الطائرات أكبر من تلك الناتجة عن حركة السيارات. كذلك تسبب حركة الطيران ضجيجاً كبيراً للسكان قرب المطار المذكور!
يقوم المركز الألماني للطيران والفضاء في «براونشفايغ» (قرب مدينة «فولفسبورغ»، وسط شمال ألمانيا) بالبحث عن حلول وابتكارات تقنية لطيران أقل ضجيجاً ومراعياً أكثر للشروط البيئية. وقد جرى في هذا المركز تطوير طائرات ذوات ضجيج أقل بثلاث مرات من طائرات اليوم. فقد اختبر المهندسون مختلف إمكانيات ترتيب أجزاء الطائرة لحساب كيفية خفض الضجيج، مثل وضع المحرك على الجناح، أو تغيير شكل الجناح، أو وضع مساحات عازلة جديدة. بيد أنه لن يتم اللجوء إلى أي من تلك الحلول أبداً، لأن عزل الضجيج يكلّف طاقة أكثر، والأفكار الموجودة اليوم لخفض الضجيح لا تؤدي بالضرورة إلى خفض استهلاك الوقود. وفي الجهة المقابلة، هناك أيضاً تصاميم لمحركات تؤدي إلى خفض استهلاك الوقود، ولكنها - للأسف - تزيد مستوى الضجيج، والحديث هنا عن المحرك العنفي المروحي. ففي السنوات الأخيرة أصبحت المحركات الأكبر أعلى ضجيجاً ولكن أقل استهلاك للوقود، وهو الأمر الذي يناسب شركات الطيران وفقاً لمصالحها الاقتصادية، لأن الوقود مسئول عن 40% من التكاليف، لذا فهي تحاول توفير استهلاك الوقود، وفي أسوأ الأحوال سيعني هذا مزيداً من الضجيج. 

جيل جديد من المحركات
لكن جيلاً جديداً من المحركات ابتكرته شركة «MTU»، سيقلل من الضجيج إلى النصف وسيوفر استهلاك الوقود. يعتمد تصميم هذه المحركات على وضع علبة سرعة بين المروحة (الشفرات الدوّارة) والعنفة، وهذا يسمح للمروحة التي تولّد الضجيج بأن تدور بسرعة أقل من العنفة، بحيث تدور العنفة بسرعة أعلى ثلاث مرات من سرعة دوران المروحة، وبهذا تكون علبة السرعة مفيدة للاثنين؛ المروحة تستطيع الدوران بسرعة أقل فتصبح سرعة التيارات أقل وتنخفض الطاقة المهدورة، وكذلك يمكن تركيب العنفة بسهولة أكبر. وستستخدم الطائرة «أيرباص أ-320» الأكثر انتشاراً في العالم، التصميم الجديد بدءاً من عام 2015 في الطرازات الجديدة من الطائرة التي ستحمل اسم «أيرباص أ-320 الجديدة». كذلك سيكون للطائرة الجديدة أجنحة محدَّثة شبيهة بزعانف سمكة القرش، تمنع تشكّل دوامات هوائية عند طرف الجناح الخارجي وتوفّر في استهلاك الوقود، وبذلك ستخفّض هذه الطائرة الضجيج واستهلاك الوقود بنسبة 15%. صحيح أنها ليست الطائرة التي تلبّي هدف الاتحاد الأوربي لعام 2020، إلا أن هذه الطائرة ستطير حتى عام 2050 على الأقل. فالعمر الحالي للطائرات يتراوح بين 23 و25 سنة، ويمكن لبعض الطرازات البقاء 60 سنة في الخدمة، وهذا يعود إلى أن تطوير الطائرات وتشغيلها يعدّ مكلفاً جداً، ولذا لا يمكن استبدال الطائرة كل خمس سنوات مثلاً. 
من ناحية أخرى، يحظى الجناح القابل للطيّ بفرص جيدة للاستخدام في أحد الطرازات اللاحقة. فالانسيابية الأفضل التي تتحقق من خلال السطح الخارجي الأملس لهذا الجناح تقلّل الضجيج وتخفّض استهلاك الطاقة، ولكن بالنظر إلى التقنيات المتوافرة فإنه لن يبدأ الإنتاج الكمي للجناح القابل للطيّ إلا بعد عشر سنوات، وسيستغرق الأمر سنوات إضافية حتى تحصل عليه جميع شركات الطيران.
 كما تعدّ شركة «سولار إمبالس» السويسرية للطائرات التي تعمل بالطاقة الشمسية نموذجاً يحتذى به في هذا المجال، فقد تمكنت الشركة في العام الماضي (2012) من القيام برحلة جوية من أوربا إلى إفريقيا خالية من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وهو إنجاز كبير، لكنه غير قابل للتطبيق على المدى المنظور في الطائرات التجارية! 
إن أعداد الطائرات ستتضاعف خلال العشرين سنة القادمة من 19000 طائرة إلى 40000 طائرة، ليتضاعف معها التحليق في السماء. إلا أنه لا يمكن تكثيف حركة الطيران في المطارات بشكل اعتباطي، فهناك حدود معينة يجب الالتزام بها في أوربا، مثل البنية التحتية وأمور فنية أخرى. كما أن متوسط عمر طائرات الشركات الكبيرة يتراوح بين 10 و15 سنة، ولكن زيادة أعداد الطائرات الأقل ضجيجاً واستهلاكاً للوقود سيعني في النهاية زيادة الضجيج والانبعاثات الضارة بالبيئة. وحتى باستخدام أفضل التقنيات ستبقى انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في تزايد مستمر حتى عام 2030، وعندها ستكون ضعف ما كانت عليه عام 2000. فمن السهل رسم الأهداف، لكن من الصعب تحقيقها أحياناً، وقد نتمكن يوماً من التخلص نهائياً من غازات ثاني أكسيد
 الكربون؟! .