العرب ومستقبل النفط عامر ذياب التميمي

العرب ومستقبل النفط

النفط.. تلك المادة الإستراتيجية على مستوى العالم، وفائقة الأهمية بالنسبة للاقتصاد العربي، ماذا سيكون موقعها على خريطة المستقبل؟
إنه سؤال تشير الإجابة عنه إلى موقعنا كعرب على خريطة الغد.

منذ أكثر من أربعة عقود اعتمدت الدول العربية قاطبة على اقتصاديات النفط ورهنت مستقبلها به، وليس ذلك الوضع مقصورا على الدول العربية المنتجة للنفط بل إنه يشمل بقية الدول العربية غير المنتجة له، ومنذ ذلك الحين تحولت الاقتصادات العربية تدريجيا إلى اقتصادات ريعية مكشوفة ومتأثرة بحساسية شديدة لشتى المتغيرات الواقعة في السوق النفطية الدولية، وبطبيعة الحال فإن السوق النفطية ما هي إلا ناتج لتفاعلات الاقتصاديات في الدول الصناعية حيث تنتعش الأسعار عندما يزدهر الطلب على النفط لأسباب التوسع في تلك الدول، أو يركد الطلب نظرا لحالة التراجع في الدول ذاتها.

صدمتان نفطيتان

عندما قررت الدول المنتجة للنفط في بداية السبعينيات مراجعة أسعار النفط وتصحيح مستويات تلك الأسعار وإنهاء عصر الطاقة الرخيصة حدثت صدمة اقتصادية مهمة في الدول الصناعية، وقد أدت تلك الصدمة إلى قيام الإدارات الاقتصادية في تلك الدول بمراجعة كل الفرضيات المتعلقة بالطاقة، وبالنفط بشكل خاص ومحدد، وعندما ارتفعت الأسعار بمقدار أربعة أضعاف ووصلت حدود أحد عشر دولارا للبرميل في نهاية عام 1973 ومطلع عام 1974 أيقنت الدول الصناعية المستهلكة بأن عليها تراجع سياساتها حيال الطاقة بطريقة جدية، وتنادت تلك الدول وأسست منظمة الطاقة الدولية وجعلت باريس مقرا لها؟ ومنذ تأسيس تلك المنظمة أقدمت الدول المستهلكة الرئيسية على سياسات تهدف إلى تقنين الاستهلاك وترشيد استخدامات الطاقة المتنوعة مثل الوقود المستخدم للتدفئة في المنازل، أو استخدام البنزين للسيارات، وتطوير استخدام الطاقة في المصانع، كما قررت الإنفاق على البحوث والتطوير لتحسين تكنولوجيا الاستخدام في المصانع والمنازل والسيارات بحيث تقل الحاجة إلى كميات النفط كلما كان ذلك ممكنا، يضاف إلى ذلك أن الدول الصناعية وخصوصا الأوربية قررت فرض ضرائب على الطاقة للحد من الاستخدامات المسرفة في الطاقة عندما يكون ذلك متاحا.

في عام 1979 حدثت صدمة نفطية ثانية بعد انتصار الثورة الإيرانية على نظام الشاه، ويتذكر الكثيرون طوابير السيارات التي كانت تصطف في مدن الولايات المتحدة بانتظار الحصول على كميات محدودة من البنـزين، وفي ذلك الصيف قررت الحكومة الأمريكية أن يتم صرف البنزين لكل سيارة كل يومين حسب أرقام الترخيص، واتخذت الدول الأوربية احتياطيات اقتصادية لمواجهة تلك الأزمة، إلا أن تلك الأزمة لم تدم طويلا حيث إن إجراءات منظمة الطاقة الدولية قد تمكنت من تطوير الأوضاع الخاصة بالطاقة في مختلف تلك الدول وجعلها قادرة على استيعاب الصدمات الناشئة من أزمات انقطاع النفط، وقد طورت إمكانات المخزون النفطي الاستراتيجي في عدد من الدول الصناعية وأصبح ملاذا يمكن الركون إليه لمدد تتعدى ثلاثة شهور.

في ذلك العام 1979 ارتفعت الأسعار وتجاوزت حاجز الأربعين دولارا، ولم يكن ذلك السعر إلا كابوسا جديدا للدول المستهلكة للنفط، مما دفعها إلى اتخاذ المزيد من التدابير الهادفة لترشيد الاستهلاك ومن ثم تخفيض الطلب على النفط، ولم يستمر الوضع طويلا فقد بدأت تباشير الانخفاض في السعر منذ العام 1981، وأخذ منحنى الطلب بالهبوط المتدرج، وأخذت الأسعار تعكس واقع السوق وتتراجع حتى وصلت إلى أدنى المستويات في عام،1986، عندئذ تنادت دول الأوبك إلى الاجتماع والاتفاق على مستويات جديدة للإنتاج وتوزيع حصص الإنتاج بشكل لا يؤدي إلى خلق تخمة في السوق، وقد خفض الإنتاج في ذلك الوقت إلى مستوى قياسي في تدنيه يقارب 16.5 مليون برميل في اليوم من أجل الحفاظ على مستوى معقول للأسعار.

تفاعلات الحروب

منذ ذلك التاريخ أصبح واضحا أن سوق النفط هي في الواقع سوق مشترين، وقدرات الأوبك على التحكم في الأسعار محدودة حيث إن العجز في التحكم في مستويات الحصص المقررة لكل دولة منتجة لا يمكن أن يسمح بالتحكم في الأسعار، أو على الأقل الحفاظ على استقرارها. ومن الأمور التي أدت إلى الوضعية الحالية في سوق النفط الظروف المالية في أكثر من بلد منتج حيث المعاناة من العجز في الموازنات الحكومية الناتج من زيادة الإنفاق على مستويات الإيرادات وعدم التمكن من التكيف مع انخفاض الإيرادات والتي تمثل الإيرادات النفطية الحصة الرئيسية السائدة فيها. ومما عقد الأوضاع المالية في الدول المنتجة أو بعضها أن المديونية الخارجية مثلت عبئا مهما والتزاما كبيرا لا بد من مواجهته، حيث يجب دفع خدمات الدين للحفاظ على المصداقية الائتمانية في السوق المالية الدولية، وهكذا أصبح التنافس شديدا بين الدول المنتجة للحفاظ على أنصبتها في السوق النفطية، ولم تتمكن الأوبك من تطوير عمليات مراقبة الإنتاج ومستويات التصدير بشكل لا يؤدي إلى زيادة المعروض على حجم الطلب المتوافر في السوق.

أبعد من ذلك أن العوامل السياسية والخلافات بين عدد من الدول المنتجة الرئيسية لم تمكن الأوبك من تنفيذ قراراتها أو حتى الوصول إلى قرارات. متناغمة مصالح الأعضاء،وعندما نشبت الحرب العراقية الإيرانية في مطلع الثمانينيات اعتقد الكثيرون أنها ستؤدي إلى ارتفاع حاد في الأسعار يؤدي إلى أزمة اقتصادية كبرى في الدول المستهلكة، بيد أن طبيعة تلك الحرب واستمرار الدولتين، بالإنتاج وبوتائر عالية لمواجهة التزامات الحرب ماليا، دفعت الأسعار إلى التراجع وقد قلبت حقائق السوق النفطية إبان الحرب العراقية الإيرانية الكثير من المفاهيم والفرضيات الاقتصادية التي اعتمدها العديد من السياسيين والاقتصاديين التي كانت تفترض أن الحروب تؤدي عادة إلي اختناقات في العرض خصوصا في سوق الطاقة وتدفع المتعاملين إلى المضاربة علي أسعار السلع "المقصود هنا هو النفط" ومن ثم يمكن للمنتجين جني ثمار حالة عدم الاستقرار والحرب ورفع قيمة الإيرادات.

سلاح لم يعد مجديا

بعد احتلال العراق للكويت تبينت حقائق جديدة في اقتصاديات النفط، لا شك أن الاحتلال العراقي للكويت وعنصر المفاجأة فيه قد أذهلا العالم الصناعي مما دفع إلى اضطراب الأسواق النفطية لفترة زمنية محدودة، وقد ارتفعت الأسعار إلى مستويات تقارب مستوياتها في بداية الثمانينيات حيث وصلت إلى حد الأربعين دولارا، لكن بعد أن تداولت الدول المنتجة في الأمر وقرارها إعادة توزيع الحصص، دون إنتاج كل من الكويت والعراق عادت الأسعار إلى مستويات معقولة وقريبة من مستويات ما قبل الاحتلال، وحتى عندما بدأت العمليات الحربية في السابع عشر من يناير "كانون الثاني" 1991 لم ترتفع الأسعار بشكل غير محتمل، ولذلك فقد استمرت الأسواق على حالة من الاستقرار والثقة بقدرات المنتجين على مواجهة الطلب العالمي، وكل ذلك يحدث وهناك دولتان رئيسيتان تملكان احتياطيات نفطية كبيرة خارج إطار الإنتاج..

وظلت الأسواق النفطية تعبر عن مصالح المشترين أكثر من المنتجين بعد تحرير الكويت وقد عاد الإنتاج في الكويت بالتدريج خلال العامين الماضيين، وتغيبت العراق عن السوق النفطية لمدة تجاوزت السنوات الثلاث وليس هناك من يدعي بأن غيابها يمثل معضلة للمستهلكين، ويكاد العالم أن ينسى الإنتاج النفطي العراقي، ويكاد أن ينسى أن العراق دولة نفطية، ولا بد أن العراقيين قد دفعوا ثمنا باهظا لتهور حكومتهم التي دفعت بالبلاد في حربين دون مراعاة للنتائج الكارثية التي يمكن أن تحدث لتلك البلاد، والتي حدثت فعلا، يمكن التخمين بالمدى الزمني المطلوب لتجاوز الكوارث الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الناجمة عن الحربين.

وما قصدته هو أن الصناعة النفطية أصبحت تتمتع بمرونة كبيرة بحيث يمكن للدول الصناعية أن تعتمد على عوامل العرض بارتياح ودون خوف كبير مـن انقطاع مهم في إمدادات النفط وللتدليل على الأمر هناك الآن من يطالب بفرض حظر على الصادرات النفطية الليبية بسبب عدم تسليمها المتهمين في قضية "لوكربي". ويقول عدد من المراقبين إن الدول الأوربية مثل إيطاليا وألمانيا وربما فرنسا لا تحبذ مثل هذا الحظر لاعتمادها على النفط الليبي ولقربه من صناعاتها وأسواقها، بيد أن هناك من يزعم بأن التأثير المتوقع من الحظر على إمدادات النفط إلى أوربا قد يكون محدودا ومؤقتا وأن الدول الأوربية المعنية ستتمكن من توفير بدائل للنفط الليبي سواء من حيث الكمية أو النوعية المطلوبة، وبذلك يمكن أن تكون هناك دولة عربية نفطية أخرى خارج السوق النفطية إذا لم تكيف سياساتها بما يتناسب مع شروط النظام الدولي.

لذلك فبعد أن كان العرب في الستينيات والسبعينيات يهددون باستخدام النفط كسلاح في التصدي للعدوان الإسرائيلي ولدعم الغرب لإسرائيل تحولت الأمور بمدى 180 درجة ليتحول النفط سلاحا بيد الدول المستهلكة حيث يمكن استخدام سلاح الحظر ضده عندما يتقرر معاقبة دولة منتجة تهورت في سياساتها الخارجية أو اعتبرت من الدول المثيرة للإضراب في النظام الدولي.

ماذا نتوقع؟

وبعدما تبين مدى ضعف موقف الدول المنتجة في ظل التراكمات السياسية والاقتصادية ما هي التوقعات للمستقبل؟ كان متوسط الطلب العالمي على النفط في عام 1992 يعادل 67.1 مليون برميل يوميا، وقد حظيت الدول الصناعية بـ 38.7 مليون برميل يوميا كنصيب من ذلك الطلب، أما الدول النامية فكان الطلب فيهـا يعادل 17.7 مليون برميل يوميا؟ وهناك طلب على النفط في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق قدر بـ 6.9 مليون برميل يوميا، ولا شك أن النمو في الطلب على النفط ما زال محدودا، فقد قدرت بعض الجهات المتخصصة بأن يكون معدل النمو خلال عام 1993 بحدود 0.4 في المائة.

في جانب العرض كانت الإمدادات من دول الأوبك في عام 1992 تساوي 24.1 مليون برميل يوميا كمعدل للعام المذكور، في حين كانت إمدادات الدول المنتجة من خارج منظمة الأوبك تساوي 43 مليون برميل " تشمل ضمنها 9 ملايين برميل من الاتحاد السوفييتي السابق".

وقد كان معدل إنتاج الدول العربية المنضوية في منظمة الأوبك كما يلي:

الدولة

معدل الإنتاج

السعودية

8.3 مليون برميل يوميا

الإمارات

2.3 مليون برميل يوميا

الجزائر

0.8 مليون برميل يوميا

الكويت

0.9 مليون برميل يوميا

ليبيا

1.5 مليون برميل يوميا

قطر

0.4 مليون برميل يوميا

المنطقة المقسومة بين الكويت والسعودية

0.3 مليون برميل يوميا

العراق

0.4 مليون برميل يوميا

المجموع

14.9 مليون برميل يوميا

تمثل حصة البلدان العربية من إنتاج الأوبك 62%، وهذه النسبة تمثل حصة كبيرة في إنتاج الأوبك، وإذا علمنا أن دول الخليج تملك أكبر احتياطيات معروفة للنفط في الدول المنتجة لأيقنا بأهمية العرب في جانب العرض، كذلك هناك بلدان عربية خارج الأوبك تملك احتياطيات نفطية لا بأس بها وتعتمد في اقتصادياتها إنتاجها وتصديرها للنفط ومن هذه الدول مصر التي كان معدل إنتاجها اليومي خلال عام 1992 يساوي ما يقارب 875 ألف برميل، وهناك سوريا التي بلغ معدل إنتاجها 514 ألف برميل، أما عمان فقد بلغ إنتاجها نحو 750 ألف برميل، وقد دخلت اليمن في سوق النفط وبإنتاج يقدر بأكثر من 300 ألف برميل، فإذا أضفنا إنتاج هذه الدول إلى إنتاج الدول العربية الأعضاء في الأوبك لبلغ الإنتاج 17.7 مليون برميل تمثل 27 في المائة من جانب العرض العالمي في العام الماضي.

ويبدو أن مستوى الطلب على النفط خلال العام الحالي 1993 لن يتجاوز مستويات العام الماضي وهناك تقديرات تشير إلى أنه سيكون بحدود 67.1 مليون برميل يوميا، ويتمثل الطلب من دول مجموعة التعاون والتنمية "OECD" بـ 39.2 مليون برميل يوميا أما الدول الأخرى فسيكون طلبها على النفط بمقدار 27.9 مليون برميل يوميا.

أما الأوبك فسوف يكون معدل عرضها للنفط بـ26.9 مليون برميل يوميا منها 2.2 مليون برميل من سوائل الغاز الطبيعي والفرق 24.7 مليون برميل من النفط الخام.

ظل سعر النفط خلال السنوات التي تلت حرب تحرير الكويت يتراوح في مواقع متقاربة، ويقدر في الوقت الحاضر متوسط سعر نفوط الأوبك في حدود 16 إلى 16.50 دولار للبرميل، ولا شـك أن هذا المتوسط يقل كثيرا عن السعر المنشود للأوبك والمحدد بـ21 دولارا للبرميل، ولا يغيب عن البال أن السعر المذكور يتمثل بالدولارات الحالية، أي أن القيمة لا تأخذ بعين الاعتبار معدلات التضخم أو انخفاض قيمة الدولار تجاه العملات الرئيسية الأخرى.

وبالرغم من موجة التفاؤل التي ظهرت في دول النفط وفي الأسواق النفطية بعد اجتماع الأوبك الأخير الذي عقد في شهر سبتمبر "أيلول" الماضي من هذا العام فإن احتمالات تحسن الأسعار بصورة مهمة ستظل صعبة المنال، قد تتحسن الأسعار خلال فصل الشتاء عندما يزداد الطلب على وقود التدفئة، ولكن ذلك التحسن سيعتمد على قدرة دول الأوبك للحفاظ على مستويات الإنتاج المتفق عليها.

وخلال اجتماعات سبتمبر تمكنت الدول العربية الأعضاء في الأوبك من تحسين مواقعها في السوق النفطية من جراء قرارات توزيع الحصص وتمكنت الكويت من الوصول إلى حصة مناسبة لقدراتها الإنتاجية الحقيقية، ولاحتياطياتها النفطية حيث تقرر لها مليونا برميل يوميا، كذلك تمكنت المملكة العربية السعودية من الحفاظ على مستوى 8 ملايين برميل يوميا وهو مستوى معقول وإن كان يقل عن قدرات الإنتاج السعودية، أما دولة الإمارات العربية فقد حافظت على حصتها المقدرة بـ 2.160.000 برميل يوميا، وهكذا يتضح أن هذه الدول العربية الخليجية تمثل ثقلا إنتاجيا رئيسيا ضمن منظومة الأوبك، وضمن الإنتاج العالمي للنفط حيث تمثل الدول الثلاث المذكورة ما يقارب الخمسين في المائة من إنتاج الأوبك، وما يوازي 18 في المائة من الإنتاج العالمي، ولا بد هنا أيضا من التأكيد أن الاحتياطيات المهمة التي تمتلكها الدول الثلاث سوف تحتم على السوق النفطية المزيد من الاعتماد على إنتاجها، وتطوير العلاقات الاقتصادية والسياسية معها.

بيد أن الحفاظ على مصالح الدول الخليجية المنتجة للنفط يستلزم المزيد من التنسيق مع بقية الدول المنتجة سواء كانت عربية أو دولا ضمن منظمة الأوبك أو حتى تلك المنتجة من خارج الأوبك، حيث إنه لم يعد ممكنا توفير الاستقرار للأسعار والاحتفاظ بمستوى الإيرادات المالية من النفط دون تعاون المنتجين.

ضريبة الكربون وغيرها

قبل سنوات كان هناك تخوف من نضوب النفط وحدوث أزمة في جانب العرض ومن ثم عرقلة النشاط الاقتصادي في الدول الصناعية التي اعتمدت على النفط كمصدر رئيسي للطاقة. تتمثل الأزمة الآن أمام المنتجين بإمكان فقدان النفط لقيمته الاستراتيجية بعد التطورات التي حدثت في الدول الصناعية والتي أدت إلى ترشيد كبير في استخدامات الطاقة، وقد أدت عوامل الطلب إلى تراجع في الأسعار ومن ثم تراجع الإيرادات لكن هذه الوضعية أدت أيضا إلى عدم خلق حوافز لتطوير بدائل أخرى للطاقة، حيث لا توجد حوافز في ظل الأسعار الجارية للنفط، والتي تجعل منه مصدرا رخيصا للطاقة مثلما كان الحال في بداية السبعينيات، هناك أيضا جانب آخر وهو أن عمليات استكشاف مصادر جديدة للنفط في بعض البلدان أصبحت غير اقتصادية بسبب ارتفاع التكاليف الرأسمالية وكذلك أنخفاض المردود المتوقع لتلك التكاليف، إذن هذه العوامل تتفاعل إيجابيا وسلبيا في صناعة النفط لتجعله مصدرا حيويا للطاقة، وإن كان بأسعار منخفضة.

بعد ذلك هناك مسألة الضرائب المفروضة على النفط والمتوقع فرضها، فلا يخفى أن عددا من الدول الأوربية تفرض ضرائب عالية على النفط مما يجعل المشتقات مرتفعة التكاليف للمستهلكين إذا قورنت بأسعار النفط الخام في موانىء التصدير، وقد أدت هذه الضرائب إلى ترشيد الاستخدام من قبل المستهلكين، وتحسين كفاءة أجهزة استخدام الطاقة، وتطوير السيارات لتعتمد على وقود أقل، وتتداول الأوساط الحكومية في أوربا والولايات المتحدة واليابان حوارات حول إمكان فرض ضريبة الكربون على النفط، هذه الضريبة التي يقصد منها الحد من استخدام النفط من أجل الحد من انتشار غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو؟ ربما تؤدي إلى انخفاض الطلب ومن ثم تراجع الأسعار وتراجع الإيرادات المالية للدول المنتجة.

كذلك قررت الحكومة الأمريكية فرض ضريبة تعادل أربعة سنتات على غالون البنزين من أجل تحصيل مردود للحكومة الفيدرالية يساهم في تخفيض العجز في الميزانية، وقد يكون تأثير هذه الضريبة محدودا وغير أساسي، بيد أن الولايات المتحدة التي أصبحت تستورد ما يربو على خمسين في المائة من احتياجاتها النفطية من الخارج ربما تعمد إلى فرض ضريبة على الواردات النفطية من أجل رفع تكاليف النفط وترشيد منافسة المنتجات الوطنية، وكذلك تشجيع المستثمرين في القطاع النفطي لتوظيف المزيد من الأموال في عمليات الاستكشاف والاستخراج.

وهكذا يتبين لنا أن اقتصاديات النفط تتطلب من الدول العربية المنتجة له تكثيف الجهود مع بقية المنتجين للحفاظ على القيمة الاستراتيجية لهذه المادة الحيوية، والعرب ملزمون بالحفاظ على قيمة النفط نظرا لعجزهم حتى الآن عن توفير بدائل اقتصادية تحقق لهم الموارد المالية الكافية في مواجهة التزامات الإنفاق المتصاعدة، ومثلما أشرت في البداية فإن الاعتماد على النفط لا يخص الدول العربية المنتجة للنفط فقط، ولكنه يشمل جميع الدول العربية التي أصبح مصيرها الاقتصادي مرتبطا بشكل أو بآخر بثروة العرب النفطية، فهل يمكن أن يحدث تكيف في اقتصاديات الدول العربية بطريقة لا تؤدي إلى استنزاف هذه الثروة وتساعد على جعلها مصدرا للرزق لأمد طويل؟.

 

عامر ذياب التميمي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




العرب ومستقبل النفط





تنعكس الأزمات النفطية على أصحاب السيارات في أوربا