حُمَّى نوبل

حُمَّى نوبل

عندما أعلنت وسائل الإعلام فوز الروائي المصري الكبير نجيب محفوظ بجائزة نوبل فقد زميله الدكتور يوسف إدريس عقله ووقف من هذا الفوز موقفا مشينا ولا عقلانيا. فقد قال إنه يستحق الجائزة أكثر من نجيب محفوظ، وأنه لو نالها لاستخدمها وسيلة لمكافحة الاستعمار والإمبريالية. أما نجيب محفوظ فقد نالها بسبب تأييده لعملية السلام مع إسرائيل. ووصف يوسف إدريس نجيب محفوظ بأنه روائي «الحارة» لا روائي «المدينة»، أ ي أنه ليس روائيا على الموضة العصرية. ويومها استنكر الكثيرون رعونة الموقف وبلسانهم صرخ يحيى حقي: «أسدلوا الستار»!
ولم يكتفِ يوسف إدريس بكل ما فعل، بل باح «بسرّ» هو على الأرجح من صنف الخيال الذي ينسج منه الروائيون عادة رواياتهم، فقد قال إن نوبل عرضت عليه نفسها ولكن على أن ينالها بالمناصفة مع كاتب إسرائيلي، فرفض. على أن الشاعر السوري أدونيس، وهو يرشّح نفسه منذ زمن بعيد للجائزة بدا أعقل منه تلك السنة، وفي كل سنة. فمع أن رأيه بنجيب محفوظ لا يختلف في جوهره عن رأي يوسف إدريس، إلا أنه لاذ بالتقية فلم يصدر عنه حديث يتصل لا بكفاءة محفوظ ولا بموقفه من عملية السلام لأن كل كلمة من هذا القبيل قد تلحق به الضرر في مواسم نوبل المقبلة. فضلا عن أنه في عملية السلام مع إسرائيل لا يقل حماسة واندفاعا عن أحد.
ولعل ردة فعل توفيق الحكيم على منح نوبل لمحفوظ كانت أعقل ردات الفعل التي سجلتها المراصد يومها. فقد ذكر أن محفوظ روائي كبير كان قبل نوبل خالي البال منها بدليل أنه سأله ذات مرة: يا توفيق بيه، هل تظن أنني مرشح لنوبل؟ فأجابه الحكيم: «لا أنت مرشح ولا أنا. فلو أننا مرشحان لأرسلوا لنا أوراقا نملأها بمعلومات يطلبونها عادة».
ومع أن نوبل لم ترسل للحكيم أوراقا - وقد ذكر أن هذا من عاداتها عندما يترشح شخص للفوز بها - إلا أنه سعى إليها في سنواته الأخيرة عندما نظموا له في مصر رحلة إلى باريس للتذكير «بعصفور الشرق» و«عودة الروح»، دون فائدة كما هو معروف.
حمى نوبل تبدأ باجتياح الأدباء العرب قبل شهر من توزيع الجائزة في منتصف أكتوبر من كل عام، وتستمر شهورا بعدذلك. كل  أديب عربي (وحتى يثبت العكس) يتوقع فوزه لأنه لا يجد فوق نفسه من مزيد أو منافس حقيقي. فإن لم يفز، فبسبب جهل اللجنة الفاحصة وعدم اهتمامه هو بمسائل التسويق والعلاقات العامة. وإذا لم يبادر الأديب العربي إلى ترشيح نفسه بوسيلة أو بأخرى، فإن أصدقاءه المفتونين بأدبه يأخذون زمام المبادرة. فقد قرأت مرة مقالا لكاتب سوداني يقول فيه إن جملة واحدة واردة في «موسم الهجرة إلى الشمال» جديرة بأن تنيل صاحبها الجائزة. فكيف إذا عطفنا هذه الجملة على جمل بلا عد ولا حصر في روايات الطيب تطفر منها الجودة وتستحق بالتالي الجائزة؟
وقد قال لي محمود درويش مرة: «لعلك لا تعرف أن اسمي مدرج على لوائح نوبل، ولكنهم لن يعطوها لي بالتأكيد، كما لن يعطوها له». وهنا ذكر اسم شاعر عربي آخر يقصد السويد كل عام للسعي للفوز بالجائزة ومعه هدايا شرقية نفيسة.
ورحم الله المتنبي الذي كان ينام ملء جفونه عن شواردها!.