بلاغة الصورة في نَصّ مسرحي «أَصلاَل وظلال» نموذجًا

بلاغة الصورة في نَصّ مسرحي  «أَصلاَل وظلال» نموذجًا

   تهتم القراءة الراهنة بتحليل الصورة على ظهر غلاف عمل مسرحي ورد بهذه العتبات: أصلال وظلال (مسرحية)، يليها: ذيل أصلال الغابة (لوحات سردية - قصص - حكايات)، بقلم د. عبدالجليل هنوش، وفي خاتمتها حاشية على الأصلال بقلم د. مصطفى متكل. (صدرت طبعتها الأولى عن دار العرفان بمدينة أغادير، المغرب. عام 2019م). في التلقي المشترك العام، الصورة هي «موضع لمقاومة المعنى»، وبالعودة إلى أنطولوجية الدلالة، يمكن التساؤل مع رولان بارت: كيف يأتي المعنى إلى الصورة؟ وأين ينتهي؟ وإذا كان ينتهي، ماذا يوجد وراءه؟ 

 

هذا هو السؤال نفسه الذي طرحه في القرن الهجري الثاني عبدالله بن المقفع (ت. 142 هـ) أثناء حديثه عن المسار القرائي للتأليف التمثيلي كليلة ودمنة، مميزًا بين المعنيين الظاهر والباطن قصد التماس جواهر المعاني في قوله «ولا يظن أنّ نتيجته الإخبار عن حيلة بهيمتين أو محاورة سبع لثور» (باب عرض كتاب كليلة ودمنة، ص 71).
على أن التماس جواهر المعاني لا يكون حسب ابن المقفع، بالتصفح في تزاويق الكتاب وخطوطه، بل بإدامة النظر وتدقيقه، وبإعمال الرويّة، فالانتفاع من الكتابة على ألسنة الحيوانات ليكون بذلك «أحسن فائدة وأجمل عائدة» (باب عرض كتاب كليلة ودمنة، ص 72).
إنّ الصورة هي «ذلك القدر من المعنى الذي يكون القارئ الحصيف مستعدًّا لإضفائه عليها «على حد عبارة ألبرتو مانغويل، (ن. تاريخ القراءة «فصل قراءة الصور»، ترجمة سامي شمعون - دار الساقي بيروت - لبنان. ط 1. 2001. ص 115).
بيد أن هذا المعنى، كما يقول بارت، لا يمكن بأي حال أن يستنفد ثراء الصورة باعتبارها نسقًا حقيقيًّا للعلامات، وليس تراكمًا بسيطًا للرموز من وجهة نظر سيميولوجية الصور. ومعناه أن تحليل الصورة يتوقف على إفراغ امتلاءات العلامات وقراءة السُّنن قصد التبين من مدلولاتها ورسائلها.

رسالة أولى
الصورة التي بين أيدينا تمدّنا سريعًا برسالة لسانية أولى: د. عبدالجليل هنوش، وهو مؤلف هذا العمل، وعلى ظهر الغلاف صورة فوتوغرافية للمؤلف، ولصفته أستاذ البلاغة والنقد الأدبي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في مراكش. وهذه الرسالة اللسانية هي رسالة تقريرية.
أما الرسالة اللسانية الثانية فهي عنوان النص المسرحي أصلال وظلال، وعلى ظهر الغلاف تعريف وتجنيس للكتاب والعنوان «هذه مسرحية رمزية على ألسنة الحيوانات»، إضافة إلى علامتين متعلقتين بدار النشر (دار العرفان للطباعة والنشر، وشعار الدار على شكل كتاب مفتوح يخطّه حبر قلم)، وسنة النشر 2019.
فهو إذن تأليف مسرحي رمزي، وحسب مؤلفَي نظرية الأدب، رينيه ويليك وأوستن وارين، «تعني الحكاية الرمزية مخيلة بصرية واضحة». ولعل هذا كان وراء ثناء إليوت على دانتي وهجومه على ميلتون، إذ قال «إن مخيلة دانتي بصرية، فهو حكواتي». وذلك في مقابل مخيلة ميلتون السمعية (ن. نظرية الأدب، ترجمة: محيي الدين صبحي. المؤسسة العربية للدراسات والنشر  (بيروت - ط 2. 1987. ص 195).
فالحكاية الرمزية إذن صورة بصرية، و«الصورة البصرية إحساس أو إدراك حسّي (…) تشير إلى شيء غير مرئي، شيء داخلي». وقد «تكون تقديمًا وتمثيلًا في وقت واحد» (نظرية الأدب، ص 195)، أو تأتي مجازًا.

بين الصورة والمجاز
على أنّ الفرق هنا بين الصورة والمجاز، كما قال صاحبا نظرية الأدب:
«فنحن نفكر مبدئيًّا بمعاودة الرمز وإلحاحه. فالصورة يمكن استثارتها مرّة على سبيل المجاز، لكنّها إذا عاودت الظهور بإلحاح، كتقديم وتمثيل على السواء، فإنها تغدو رمزًا قد يصبح جزءًا من منظومة رمزية (أو أسطورية)» (نظرية الأدب،
ص 196 - 197).
 ومعناه أن الرمز هو «استعارة متواترة»، كما لاحظ ذلك الدارس الأكاديمي المتميز، د. علي المتقي (ن. القصيدة العربية المعاصرة بين هاجس التنظير وهاجس التجريب - المطبعة والورّاقة الوطنية - مراكش - المغرب. ط 1. 2009 - ص 195).
وهكذا، يمكن أن نقرأ عنوان مسرحية «أصلال وظلال» على أنه استعارة رحمية مركزية، تتفرع عنها صور متعددة ومتنوعة هي ما يسمّيه ميخائيل ريفاتير «تقنية التمطيط»، وهي قاعدة قريبة مما راج من حديث في البلاغة العربية عن تعالق الصور في الاستعارة الترشيحية. 
يقول السكاكي: «ومبنى الترشيح على تناسي التشبيه، وصرف النفس عن توهمه، حتى لا تبالي أن تبني على علو القدر وسمو المنزلة بناءك على العلو المكاني والسموّ» (مفتاح العلوم، تحقيق عبدالحميد هنداوي - ص 494).
والنتيجة من كل هذا أن العنوان الذي بين أيدينا «أصلال وظلال» استعارة ترشيحية، يسمح ترشيحها وتواترها بأن تظهر في أكثر من صورة، فتغدو منظومة رمزية أو أسطورية. ولا غرو في ذلك، فقد وردت الأسطورة في فنّ الشعر لأرسطو «ككلمة تفيد العقدة، البناء القصصي، الحكاية على لسان الحيوانات، ونقيضها العقل» (نظرية الأدب،
ص 198).

أكثر من عنوان
غير أن لهذا النص المسرحي أكثر من عنوان، فإضافة إلى العنوان الرحم «أصلال وظلال»، نجد في بحر المسرحية هذه الإحالات:
- الصل وظلاله (ص 29).
- الصل الأكبر حكيم زمانه وواحد أوانه
(ص 29).
- الصل القاهر والنجاح الباهر! (ص 79).
- الصل وحزبه (ص 164).
- الصل وذيوله (ص 164).
- أهل الخيانة والغدر (ص 164).
- الصل وعصابته الباغية (ص 164).
والصورة أمامنا مشكلة بغرض قراءة العنوان وقراءة مشاهد المسرحية وحكايات الشخصيات: الصل، الأفعى، القرد، الجحش المبتسم. 
 ولكل من هؤلاء صورة ولوحة وأحلام. تجتمع كلها في إطار مدفون في البنّي، لون التراب. فيأخذ كل واحد منها موقعه ودوره. كما أن توزيع الألوان بين الأبيض والأسود في غلاف بنّي يمدّ القارئ بسلسلة من العلامات المتقطعة التي تحتاج إلى التمحيص والبيان والتبيين.
لنبدأ بشخصيات الصورة منفردة ومجتمعة، فماذا نجد؟
أولًا، الصل. وفي المعجم الرمزي للغابة يسمى أبلينكا، وكذا بالأمازيغية «محمر العينين، مسود الأديم» (ص 213).

صفات الصل
 تتواتر في المسرحية صفات الصل كالتالي: غدر، مكر، خسة، فاسد، خبيث، مخادع، كافر. يأخذ في الصورة موقعًا رئيسًا، فهو يتوسط الصورة استواء سلطانيًّا، ويستعلي استعلاء دلالة على أنه ضامن مصالح الجماعة (ص 103)، فهو رأسها وإمامها، وهو الإله المتعبد لجماعة العابدين. فقد صار قبلة ترضاها الثعابين والجحوش والحمير والقرود.
(ص 105).
 للصل وصايا عشر (ص 45 - 46)، وله آيات من سفر الخداع، ومن سفر الترغيب والترهيب في كتاب الإصحاح الملحق بهذا العمل المسرحي (ص 236). لقد حوّل واحة اللسان إلى معبد للأصلال. (ص 154).
يظهر في الصورة كأنه البطل في فيلم سينمائي بعنوان: الصل القاهر والنجاح الباهر! (ص 79). رأس مستقوٍ. عينان يتطاير منهما الشر والظلام، وتحتهما أنياب لا خير منهما، في فم فاره جاهز للانقضاض ولدغ كل مَن يقترب منه. (ص 76). 
للصل في الصورة التواءات على الفضاء، كأنه يتلوى على فريسة يسلبها حياة. صل سلب الحياة من الإنسان. قال الصل: «سأخبر الأصلال المقدسة التي أرسلتني إلى هذا المكان، أنني أنجزت مهمة التخريب بنجاح سلبتهم أرواحهم وقتلت الإيمان في قلوبهم، وأخرجت اليقين من عقولهم لقد حولتهم إلى عبيد للأصلال!». (ص 85).
صل سلب الحياة من الإنسان، قتل فيه الإيمان، وأخرج من عقله اليقين. صل صار بظلال الأصنام بعدما استقوى على أهل الغابة بالمكر والخداع، وجعل أهلها شيعًا ونشر بينهم «دين الأصلال... دين الأصنام» (ص 112).
تمتد يدُ السلب إلى خيرات الغابة وممتلكاتها، قال الصل: «سأنشر أخلاق الأفاعي بين الناس... سأدمّر كل بناء يتحصن به فتيان البلد... سأجمع مالًا كثيرًا». (ص 51).

تقديس وتأليه
حكم الصل الغابة 8 سنين. وسيُحكم عليه بالعذاب حتى الموت 8 أيام، بعدما تابعته النيابة العامة بمحكمة الغابة التي يمثّلها الحصان الأبيض بالخيانة العظمى، وبقلب النظام العام في الغابة، وتبديد مواردها وسرقة مخازنها. (ص 119). ويدخل الحصان الأبيض حلبة المسرح هنا، ليبدد بعضًا من كثافة رمزية الألوان في الغلاف: اختيار طريق الحق، وتغليب الخير على الشر.
ثانيًا، تحتل الأفعى في الصورة موقعًا أسفل يمين سيدها الصل، فهو «مقدّم لديها على كل المخلوقات»، بل »لها فيه اعتقاد عظيم يصل إلى مرتبة التقديس والتأليه». تأخذ أوامره وإشاراته «مأخذ المتعبد». (ص 228).
وصفت في المسرحية بالرقطاء (ص 89)، وبالسوء (ص 90)، وبصناعة الكذب والكيد. لا تزحف في سبيل غير الغشّ والخيانة، وبثّ الشر ونشر السم والقتل.
عجوز سوداء تغيّر جلدها في كل حين إلّا على دين الأصلال. مخادعة «لم تذهب السنون ولا التجاعيد بقوة»، قلبها الأفعواني الذي يتّسع لعشق الفوضى والقتل. لقد كانت وراء حروب الغابة، وسفك الدماء. تخطط وتدبّر و«تتفرج من بعيد متلمّظة ساخرة». (ص 80). قال الصل: «لقد كانت تنقل إليَّ خططها تلك حتى خشيت على نفسي منها». (ص 80 - 81).

تقارير يومية
الأفعى هي عين الصل على الغابة. تعدّ تقارير يومية عن أحوال الغابة، وتبعث بها إلى سيدها الصل. لها عيون منتشرة على الغابة؛ بصّاصون ومساعدون وعقارب لإشعال فتيل الحرب بين الغزلان ووعول الجبل، مقابل خدمات مادية ومعنوية وتسهيلات. (ص 142).
جهاز استخباراتي لا يهدأ، لا تفوتها شاذّة ولا فاذّة في الغابة. (ص 192). وتتألم وتتحسر حين لا تجد أخبارًا، فالخبر ينعشها ويجعلها في أحسن حال.
تخطيط لحروب وفتن وقتل، كان من الأم الأفعى. فهي أفعل صيغة وصرفًا وتصريفًا. لم يكن سقوط الضحايا الأبرياء ليزعجها، فهي «مجرمة بالفطرة»، (ص 137)، ولها إصرار على القتل حتى آخر قطرة من سُمّ نابها الخطير (ص 91). 
تقدُّمها في السن ضاعفَ من شدة سمها وخبثها، «حية عجوز» (ص 138) « تتخفى وراء مظهرها الساذج والكاذب» (ص 137). «ساعدت الصل في كل مخططاته، واجتهدت في خدمته أكثر مما يتصور هو نفسه» (ص 138)، وبقيت تخدمه بسُمّها ونابها ولدغاتها إلى أن «لدغت نفسها وماتت» (ص 144) ميتةً شنيعة في زنزانتها الانفرادية.
في صورة الغلاف، تبدو الأفعى منزوية في قعر مظلم؛ سواد في سواد، وعينها على الجحش تبعث على «محبة الغدر» والغل (ص 238).
 
شخصية ساديّة
في الحديث الذي سمعه الديك الأحمر بمجلس من مجالس الأرنب البري، وهو من شيوخ العلم في الغابة، قال:
«إياكم والغلّ فإنه يذهب بالنور ويفسد السرور. قال: سمعت أبي يروي عن جده عن إمام وقته الشيخ أرنوب الغالب أنه قال: ما دخل الغلّ قلب مخلوق إلّا غير خلقته وأفسد نحلته، فقد زعموا أن الغل يحوّل الببغاء إلى صل» (من فقه الغابة «1»، ص 267).
 دع الأفعى تمرح في أرض مفعاة، منتعشة بغلّها وظلامها، ولننتقل إلى الشخصية الثالثة في الغلاف: القرد أبوكاض.
ثالثًا، القرد أبوكاض: في المعجم الرمزي للغابة تعني أبوكاض بالأمازيغية كليل النظر، قليل الدراية، عديم الكفاءة (ص 238). قالت عنه السحلية الصفراء: «لم ألقَ في القرود مُذ عرفتهم إلّا كل خائن لئيم وكلّ ماكر زنيم وكل عاهر أثيم» (ص 222). 
القرد هو «أضحوكة الغابة» (ص 196) حين يَعْقل وحين يُجَنّ (ص 197). أطماعه لا تُحدّ. «الطمع في حكم الجانب الشرقي من الغابة»، و«الطمع في التحكم بواحة اللسان» (ص 151). أطماع قادته إلى الجنون وهيستيريا الصراخ، والقرد حين يصرخ ويضجر يكشف عن أسنانه كأنه يبتسم ابتسامة لا تفارق مُحيّاه المتعب المُقرف.
يحمل القرد «روح ثعبان»، أو هو ثعبان «مسخ قردًا منذ غابر الأزمان» (ص 168). شخصية عدوانية وساديّة «لا يسعده شيء كرؤية الدماء والأشلاء»
(ص 168)، لذلك سعى في نشر «فضائل الصل» بالغابة والغابات المجاورة (ص 77). 

قدرات عجيبة
 لديه قدرات عجيبة على القفز والنطّ والتجسس والإزعاج (ص 215)، وعلى الإفك تحسبه عصبة، وعلى التلفيق واختلاق القصص والأكاذيب. ذو لسان قذر تشمئز منه القذارة نفسها، يقذف قذارته بالدسّ والكيد وتأجيج الفتن في الغابة، ونشر الأخبار الكاذبة وتلفيق الاتهامات لخصوم الصل، بل في تغيير دين أهل الغابة وإغرائهم بعبادة الأصلال (ص 151).
للقرد روح ثعبان، يأخذ في الصورة سوادًا من الصل، فالمكر والخديعة يؤلفان بينهما، ومطامع القرد من مطامع الصل التي «تتجاوز كل الحدود» (ص 168): جشع على المال وطمع في السلطة. لديه حلم السيطرة على الغابة (ص 77).
  ومن خطط الصل الأولى أن يجعله حاكمًا على الغابة انتقامًا من أهلها (ص 84)، لكنّ مؤهلاته في البلادة والجهالة والسَّفه حالت دون أن يكون «أميرًا» على الجناح الشرقي من الغابة، فهو «كثير النسيان، كثير الضحك، ولا يُحسن تعلُّم شيء» (ص 169). تافه وسخيف، وجاهل ضعيف (ص 84). لا يعمل شيئًا ولا يُحسن الكتابة (ص 86) و«لا يلقي للمواعيد بالًا» 
(ص 97).  لا يصلح أن يكون إمامًا (ص 169).
هكذا، استبدل رأس القرد برأس جحش، أو إن شئت، تم تطويع جحش لتنفيذ خطط الصل الخبيثة. ويبدو القرد في صورة غلاف المسرحية خلف الجحش بلونين: سواد خفيّ وداكن في الآن، يأخذ من سواد الصل ويلقي بظلاله على ظهر الجحش، وصفرة هي صفرة القرود تبعث على الجدب واليَباب.

مشاركة فعليّة
تحوّل القرد إلى دين الأصلال، فجعلوه إمامًا على واحة اللسان. واستخلصوا له شهادة النبوغ من ضبع مأجور، هو أبو الشيص الأبله، مساندًا بثعالة البليد (ص 171 - 172). ومن تلك اللحظة عاش القرد في كنف الوهم؛ وهم أنه «صاحب رأي»، بل و«صاحب قلم!». 
أن يجعل القرد إمامًا على واحة اللسان فذلك يعني «نشر الثقافة القردية»، وتمكين «نموذج العتَه» (ص 175) على أهل الغابة. نموذج يقوم على نقص في العقل وفقدان الرشد ووَلع الإيذاء؛ فالقرد هو العتاهية، ليس الشاعر المفلّق المشهور، إنّما هو ضُلّال الناس.
بقيت إشارة في الصورة يظهر فيها القرد أولًا ومقدمًا، فهو أول المعتقلين في محاكمة الفساد (ص 110). وهو المساعد الأيمن للصل في السرقة والاغتصاب. وقد تابعتْه النيابة العامة (الفرس الأبيض) بتقديم الدعم للصل في جرائمه والمشاركة فيها مشاركة فعليّة (ص 119).
قالت الأفعى: «فجاءنا القرد بصاحبه الأسنوس، ليمسح قذارات الصل ويحمل وزرها عنه، فكان لنا مؤنسًا وخديمًا» (ص 233). 
رابعًا، أسنوس، وهو الشخصية الرابعة في مشهد الغلاف، وأسنوس، كما جاء في المعجم الرمزي للغابة، هو الجحش، وهو مكلف، وفقًا للجريدة الرسمية للغابة، «بطاعة القرد وحمله على ظهره كلما رغب في ذلك وتعطيل نموّ الغابة الشرقية» 
(ص 175)، لذلك يبدو في الصورة جاهزًا لركوب القرد، منتظرًا إشارته، إنه يأتمر بأمر واستشارة القرد (ص 74) خدمةً لسيدهما الصل (ص 80)، وهما معًا «ربع عقل أصغر أفعى في قومنا»، يقول الصل (ص 80).

مدلول رمزيّ
أسنوس الزنيم، هكذا تذكره أسردون بعد تأويل رؤيا سيّده الصل عند البقرة العجفاء (ص 190). لا أصل له، ولا هوية له في الغابة، يصلح للركوب، وليكون طعامًا للأسود. يعيش وحيدًا، وسينتهي إلى قفص الاتهام وحيدًا منبوذًا، بعدما «رفض كل محامي الغابة مؤازرته!» (ص 123).
خرج أسنوس عن دين الحمير ليدخلَ في دين سيده الصل (ص 98). فيكتشف نفسه: جحش ببركات صل فاسد. طموحه أن يصير حصانًا (ص 99). ولهذا لم يتردد في كسب وُد ورِضا سيّده الصل وفي عبادته. 
قال أسنوس: «وهذا الصل الذي قضينا حياتنا ننصره ونعبده» (ص 105)، بينما الصل يرى فيه قربانًا على مذبح آلهة الأصلال (ص 106).
وفي الصورة، يظهر الجحش أسنوس بأذنين ممددتين للخلف: خلفه صلّ وقرد. عيناه مغمضتان. فهو يتمتع بطاعة عمياء صالحة للخدمة وللمتعة معًا. وأفعى من جانبه ترقبه بهدوء صامت وعين جاحظة.
أسنوس في الصورة قريب جدًّا من الأفعى ومستعد للخدمة. ترك فاه فاغرًا لرأس أفعى قرطاء؛ إذ لا رأس له، فعقله مضافًا إليه عقل القرد، هما معًا ربع عقل أفعى في قوم الصل، والأفعى هنا لتتمم رأس الجحش ولتكمل عقله، لتشغله بخبث ومكر الأصلال.
بعد هذه المتابعة لشخصيات الصورة، يمكن للقارئ أن يتساءل عن الإطار الذي يضمّها ويجمعها على ظهر غلاف المسرحية. فالتأليف يحمل مدلولًا جماليًّا شبيهًا شيئًا ما بالتنغيم، كما يقول رولان بارت، ومدلولًا رمزيًّا نسقيًّا.

علاقة متشابكة
خلف الإطار، مجتمع المسرحية الرمزي. قال الصل: «الذين ساعدوني ويساعدونني تتهمونهم بالغباء والجهل والخسّة، ربما كانوا كذلك؟» (ص 155). لذلك، اختار رأس البلاء، الصل، قردًا جاهلًا، وجحشًا غبيًّا، وأفعى خسيسة. 
  والعلاقة بين الجميع متناغمة ومتشابكة. قال القاضي: «فالعلاقة بين المتهمين متشابكة» (ص 129). لقد صاروا جميعًا على دين الأصلال، واجتمعوا على الظلم ونشر البغي، والخبث والغدر، والخيانة والتخريب، وإذلال أهل الغابة وإفساد عقولهم ونفوسهم سنين عددًا، فعلوا ذلك تجبّرًا وطغيانًا وعدوانًا (ص 117).
لذلك سيحشرون جميعًا في إطار مدفون في البنّي، لون التراب. سيوضعون في قفص كبير لمحاكمتهم، وسينصّب صيدوخ محاميًا عن جماعة الصل والقرد والأفعى وأسردون. وترك الجحش أعزل في الإطار من دون محام!
لون الصل متداع في الإطار. وشخوصه تأخذ من أديمه لبوسًا، ومن إجرامه معرسًا، والفحيح نشيد الجميع المقدّس (ص 231). هي صورة شبيهة بطريقة الغناء أو العزف، كما لاحظ بارت.
مجتمع الإطار، كابوس أسود حل في الظلام، وساد بالظلام، ولقي حتفه في معارج الظلام. ظلمات ثلاث لم تخلق سوى الرعب والفزع والموت. قال الراوي: «ومتى كان هؤلاء أحياء؟» (ص 107).

ماذا وراء النهايات؟
بعد هذه المتابعة لشخصيات الصورة منفردة ومجتمعة، هل انتهى المعنى؟ ماذا وراء النهايات؟
في نهاية مسرحية «أصلال وظلال»، روي عن الشيخ الأرنب البري أنه قال لهم في مجلس من مجالس وعظه: احفظوا عنّي هذه الحكمة، فقد علمتها من الكتب وتعلّمتها من الحياة، وذكرها لي غير واحد من شيوخي الأجلاء، وهي:
«إذا أغراك مخلوق بطعن صديقك أو الغدر بأخيك أو تسليم من استجار بك، فاعلم أنه عدو يريد هلكتك، وماكر يسعى لاستدراجك إلى حتفك، وشيطان يروم دفعك في نار جهنم؛ فقد جعل الله الأمن والأمان والإيمان توائم لا تنفصل، فمن فصلها أذاقه الله لباس الخوف والذلّ والهوان» (ص 268).
قال ابن المقفع: «ثم إن العاقل إذا فهم هذا الكتاب وبلغ نهاية علمه فيه، ينبغي أن يعمل بما علمَ منه لينتفع به ويجعله مثالًا لا يحيد عنه» 
(كليلة ودمنة، ص 61). 
وأول العمل تأديب النفس وترويضها على الصلاح والحب والعدل والصدق والأمانة، وتلك غايات تدرك بالعلم والعمل، والإيمان أصل الجميع ■