«حَسَّان الهند» غلام علي آزاد البلغرامي

«حَسَّان الهند»  غلام علي آزاد البلغرامي

تيمنًا بالصحابي حسان بن ثابت رضي الله عنه، أطلق الهنود على الشاعر والأديب الهندي غلام علي آزاد البلغرامي هذا اللقب لكثرة ما نظم من قصائد في مدح رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام، فهذا الأديب الشاعر ولد في قرية بلغرام عام 1116هـ/ 1704م، تلك القرية التي أنجبت مجموعة من علماء الهند وأدبائها. وقد تربى في أسرة من العلماء؛ فأبوه وجده من أمه وخاله وبعض أقاربه من العلماء المعروفين في الهند. 

 

درس غلام علي في قريته على أيدي الأقارب؛ فتتلمذ على يد أبيه، ثم أخذ اللغة والحديث والسير من جده لأمه العلامة عبد الجليل البلغرامي، كما تلقى مختلف العلوم من مير طفيل محمد، وتتلمذ أيضًا على يد ابن خاله محمد يوسف، وبعدها ارتحل إلى دلهي، وكانت في ذلك العصر مركزًا علميًّا كبيرًا، حيث كان جد والدته عالمًا، فدرس علوم الحديث والتفسير، وعلوم المعاجم وفنون الشعر، ومكث بها سنتين، ثم اتجه إلى سوستان في السند (باكستان حاليًا)، وبدأ يكتب أنساب الشعراء الفرس، لذا كان يتخلص بآزاد، ويعني الحر، وهنا بدأت مكانته الشعرية والعلمية تنتشر بين الناس. 

رحلة الحج والعلم والمعرفة
في عام 1151هـ/ 1738م قرر الذهاب إلى الحج، ولم تكن الرحلة للحج فقط، بل كانت رحلة علم ومعرفة أيضًا، حيث اتصل بالمشايخ، فقرأ صحيح البخاري على يد الشيخ محمد حياة السندي، وحصل على إجازة منه، ثم لازم الشيخ عبد الوهاب الطنطاوي المصري مدة خمس سنوات، واستغرب الشيخ شغف السيد غلام علي بالعلم وحب المعرفة، وبعد ذلك رجع إلى بلاده، وقد نال من العلم ما أهّله ليكون قطبًا في العلوم الدينية والأدب العربي. 

شعره العربي 
خلال رحلة غلام علي إلى السند التقى الشاعر فقير الله عفرين، وكان شاعرًا فارسيًا كبيرًا في الهند، وقد استفاد شاعرنا منه فائدة كبيرة، وصحبه فترة، وإن كانت قصيرة، لكنه عرف كثيرًا من القواعد الشعرية، وبعد عودته من الحجاز استقر في حيدر آباد، حيث نظم قصيدته في وصف جسد المعشوقة من رأسها حتى أخمص قدميها، فسماها «مرآة الجمال»، كما نظم أيضًا ديوانًا من الشعر العربي، ثم ارتحل إلى أورنغ آباد حيث استقر هناك.  يقول حسان الهند في رسول الله عليه الصلاة والسلام: 
عليك سلام الله يا أشرف الورى 
    لقد سال دمعي في وداعك فانيا 
وما أنا إلا كالذي جاء منهلا 
    فذاق ولكن عاد ظمآن باكيا 
نظم السيد غلام علي عدة دواوين شعرية عربية، منها سبعة دواوين أسماها «السبعة السيارة»، كالنجوم السبعة المعروفة في ذلك الزمان، ولديه أيضًا ديوان «مظهر البركات»، وقد أدخل في الشعر العربي فنًا جديدًا، هو الرديف، يتبع روي القصيدة، أخذه من الشعر الفارسي، ومثال ذلك: 
قدر القلوب من الصفاء يلوح 
    ثمن الجواهر بالجلاء يلوحُ 
يتمخض العشاقُ في نار الهوى 
    لب السبيكة في العلاء يلوحُ 
قصدتُ ظباء النجد أن يقتلننا 
    أسلوبهن من الهواء يلوح 
لا يطمئن من الكواعب خاطري 
    إخفاءهنَّ من الوفاء يلوح 
غدارة تبكي على مقتولها 
    أثر السرور من البكاء يلوح 
من ضمن هذا الفن، مردف برديف محمد (ﷺ) يقول: 
شمس على أوج الجلال محمد 
    بدر على أفق الكمال محمد 
أسرى إلى الفلك المحدد وانثنى 
    وأتى بإمكان المحال محمد 
منظور رب العالمين حبيبه     
    قد فاق يوسف في الجمال محمد 
وهكذا يسير الشاعر في قصيدته بذكر النبي محمد عليه الصلاة والسلام في كل بيت، والقصيدة طويلة، ولها معانٍ متعددة تشمل كل حياة الرسول، وأوصافه، ومعجزاته، غير أن الشاعر أيضًا يلتمس الشفاعة منه. وله قصائد كثيرة في مدح النبي محمد، خصوصًا قصيدته «لامية المشرق» التي أبدع بها، ويقول فيها: 
محمد سيد السادات قاطبة 
    رأس الأجلاء طرًا قبلة القبل 
تبارك الله شمس غير آفلة     
    بسّامة بياض الصبح في الطفل 
قد تمم الله بعث الأنبياء به 
    وصان عنصره الأعلى عن البدل 
يا سيدًا سندًا أهوى زيارته     
    حتى أفوز بما عندي من الأمل 
مدحته ولساني غير مقتنع     
    لا تنطفي شعلة الظمآن بالبلل 
طلق لساني في إنشاء مدحته 
    أحلى وأنفع في ذوقي من العسل 
وهي قصيدة طويلة أبدع بها في مدح الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، مما حداه لإرسال قصائده المدحية إلى مكة المكرمة وقرأها شيوخه هناك فأعجبوا ببراعته في النظم العربي، وقد أضاف إلى البلاغة العربية ما عرفه من البلاغة في اللغة الهندية. 
وللشاعر قصيدة في رثاء جده لأمه، العلامة عبدالجليل البلغرامي يقول فيها: 
برق أضاء من الزوراء يشجيني 
    يا رب ما له يبكي ويبكيني؟! 
أني لسان يؤدي شكر نعمته 
    بالماء والنار يرويني ويوريني 
لا يذهب الغل ماء المزن من كبد 
    بل ماء ياقوتة اللمساء يرويني 
تدور في مقلتي أيام لقيتها     
    هل ما مضى من زمان العمر يأتيني 
إنّي لشمع قبيل الصبح محتضر 
    ما سرعة الأجل الموعود تبقيني 
تبكي وتذكرني بعد الوفاة فهل 
    بكاؤها بعد ما ثويت يجديني؟! 
وبهذا الأسلوب في موضوعاته الشعرية، كما لو كان شاعرًا عربيًا قديمًا. وفي قصيدة، هي الأجمل ما قاله في مدح رسول الله (ﷺ) ، يقول: 
لله مائسة كغصن الصندل     
    أرجت بريّاها حواشي المحفل
إضمية نشرت روائح مسكها 
    فشفت من الخفقان قلب مؤمّل 
سمراء معتدل القوام كأنها     
    قصب وسكره حلى تدلّل 
إن أبصر الطاووس زينة نومها 
    يخفض لحضرتها جناح تذلّل 
حاز الثرى ثم الثريا خارجًا     
    حتى أتانا بالطريق الأسهل 
قد خلّص البيت الحرام من العدى 
    لقنـــــاته مفتاح باب مقفل 
فاضت بأوصاف النبي يراعتي 
    بحر النبوة أصل هذا الجدول 
آزاد عبد مادح لك راجيا 
    من سوحك الفيحاء حسن تقبل 
صلى الإله على الرسول المجتبى 
    ما أرّج الأرجاء عرف المندل 
وعلى أقاربه الذين تطهروا 
    وعلى صحابته الكرام الكُمَّل
يتبع الشاعر بعض القصائد العربية في مدح رسول الله (ﷺ)، فيبدأ بالنسيب ثم يعرج على مدح الرسول، وأخيرًا لا ينسى طلب الشفاعة منه، وفي ذلك يتبع بردة كعب بن زهير رضي الله عنه، حيث بدأها بالغزل، ثم عرج على مدح الرسول الكريم.  
ومن غزلياته قوله: 
أتعلم في مودتها رباحي 
    فقدتُ عقيق قلبي بالبطاح 
فيا للفوز إن وجدته سلمى
    وتجعله نظيمًا في الوشاح 
لقد سفكت دمي بأبي قبيس 
    وما إثمي سوى عدم الجناحِ 
ولم أك راجيًا من سوقها أن 
    توشح عاتقي بدم الذباح 
فيا لمذاق من حليت دماء 
    وأدركت المرارة في السماحِ 
ذوات الحسن يقتلن البرايا 
    ولا يخشين تلويث الصفاحِ 
وهذا الشاعر له قصائد في اللغتين الفارسية والهندية، لكن حبه للغة العربية طغى على كل حب له للغات الأخرى، فقد وظف اللغتين لخدمة التراث العربي الإسلامي، واستقى منهما ما أضافه إلى بلاغة العرب. 

مؤلفاته العربية
- سبحة المرجان في آثار هندستان: 
أول من بدأ البديع في الأدب العربي ابن المعتز في كتابه «البديع»، الذي أوجد سبعة عشر نوعًا، وقد أضاف الأدباء العرب أنواعًا أخرى حتى بلغت 105 أنواع، ثم جاء شاعرنا غلام علي آزاد وأدخل في البلاغة 37 نوعاً، استقاها من البلاغة الفارسية والهندية، ونظم أشعارًا باللغة العربية تحتوي على تلك الأنواع.
ففي كتابه «سبحة المرجان في آثار هندستان»، وفي الجزء الثاني منه المخصص للأدب، ذكر المحسنات البديعية التي نقلها من الهندية إلى العربية، وفي المقالة الثانية يذكر المحسنات التي استخرجها من الشعر العربي، وفي المقالة الثالثة في أنواع مستخرجات الشاعر الأمير خسرو الدهلوي، أما المقالة الرابعة فخصصها لمحسنات شعراء العرب. وأفرد غلام علي الفصل الرابع من كتابه هذا لبيان المعشوق والعشاق وأسماه «مرآة الجمال»، وقسم الفصل إلى مقالات: المقالة الأولى في بيان الغزلان، والمقالة الثانية في أقسام الغزلان التي استخرجها المؤلف نفسه، والمقالة الثالثة خصصها للقصيدة الغزلية، والمقالة الرابعة في أقسام العشاق، والمقالة الخامسة للقصيدة الهيمانية.  
- مرآة الجمال: 
بي ظبية من أبرق الجنان 
    من مثلها في عالم الإمكان 
شمس تباهى بالسنا أَمَة لها
    وكواكب أخرى من الغلمان 
ويمضي الشاعر في وصف جميع أعضاء جسمها؛ من الشعر والعين والأنف والقوام واللباس، حتى أخمص القدمين، لكن الشاعر عفيف لا يتطرق إلى النواحي الحسية في جسد المحبوبة.  من المؤسف حقًا أن نقاد العرب ومؤرخيهم لم يسلطوا الضوء على ما أوجده هذا الأديب الشاعر الهندي مما أدخله في البلاغة العربية، ومما استقاه من بلاغة اللغة السنسكريتية، وما نظمه من قصائد ومقطوعات عربية مستمدة من تلك اللغة، لكنه قد استخرج من الشعر العربي ما يقرب بعض الأبيات مما يريد، ولا شك أن هذا الكتاب من إبداعات السيد غلام علي، وعلى الرغم من شهرة الكتاب في الهند فإنه لم يتطرق أحد من النقاد العرب إليه، ولم يتعرفوا على ما به من فائدة بلاغية. 
- مظهر البركات: 
هذا كتاب في الشعر المزدوج، ويسمى بالفارسية «المثنوي»، ونظم به قليل من شعراء العرب، لكن شاعرنا آزاد نظم ديوانًا كاملًا في هذا النوع من الشعر، وهو «مظهر البركات»، نظم فيه قصصًا وحكايات، واستعرض بعض مواقف العلماء مع السلاطين، وكان يتحلى بالحرية في النظم، ويسلك طريق الدفاع عن العلماء والمفكرين في مواجهة الظالمين. 
- السبعة السيّارة: 
دواوين سبعة نظمها الشاعر باللغة العربية، وأسماها «السبعة السيّارة»، وتحتوي على مدائح متعددة في رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام، وفيها المردف والمستزاد، وهذا البحر أخذه من الشعر الفارسي، واستعمله بعض العرب، وبهذا أطلق عليه ناصر جنك، سلطان الدكن لقب حسان الهند، وقد عرض هذا السلطان الوزارة عليه لكنه رفض، وصار لقبه «حسان الهند» ساريًا في أرجاء الهند. 
- ضوء الدراري في شرح صحيح البخاري: 
أراد غلام علي اختصار تفسير العلامة القسطلاني: إرشاد الساري في صحيح البخاري، لكنه لم يستطع إتمامه، فقد كتبه وهو في المدينة المنورة. 
- شفاء الغليل في الاصطلاحات على أبيات المتنبي: 
لكثرة ما يقرأ في شعر العرب يرى أن هناك بعض المآخذ على ديوان المتنبي، فألف هذا الكتاب لما له من معرفة بأشعار العرب وقدرته على نقدها، فقد مدح أبا الطيب المتنبي، لكنه عاب عليه بعض المآخذ، لذا استشهد ببعض الكتاب العرب في نقدهم لأبي الطيب المتنبي، من أمثال: الصاحب بن عباد وأبي علي الحاتمي وغيرهما. 
وله كتب أخرى منها:
- الشجرة الطيبة في أنساب السادة من أهل بلغرام. 
- الدر الثمين في محاسن التضمين. 
- أوج الصفا في مدح المصطفى. 
- لامية المشرق. 
وهكذا يبدو هذا الشاعر العالم الذي حاز عدة فنون من الأدب العربي، وكان له دور في إبراز الثقافة العربية ببلاد لا تتحدث العربية، وكان علمًا من أعلام العربية في القرن الثامن عشر الميلادي.  كان لمعرفته للغة الفارسية واللغة الهندية أثر في تطعيم العربية ببعض النماذج البلاغية مستمدًا من تلك اللغتين، فأضاف إلى الفنون البلاغية العربية مجموعة من الأفكار الفنية البلاغية، لكن لم يكن حظه كبيرًا في الاتصال مع العلماء العرب ونقادهم، لذا ظهر أنه غير معروف عند قراء العرب ■