ألعاب الكمبيوتر ليست شرًّا... ولكن!

ألعاب الكمبيوتر ليست شرًّا... ولكن!

تُعرف ألعاب الكمبيوتر تحت مصطلح «النص الرقمي»، وقد عُرف هذا المصطلح منذ فترة قريبة بعد بدايات النشر الإلكتروني، الذي هو بداية توظيف الحواسيب. وقد شاع القول بأن ألعاب الفيديو الرقمية تلك تنطوي على خطورة، لما لها من تأثير على ذهنية الطفل، ودورها في إعداده فكريًا وإبداعيًا عن طريق توجيه تفكيره.

 

يلاحظ الجميع أن طفل ما قبل سنّ الالتحاق بالمدرسة بإمكانه الآن الجلوس إلى الكمبيوتر وممارسة أصعب الألعاب الإلكترونية المشغولة بمهارة بصرية وحركية وإدراكية كبيرة، وهو ما يكشف عن خطورة المُعطى الرقمي الجديد.
لقد أتاحت التقنية الرقمية سبلًا أكبر وأكثر من «الكلمة» لنقل فكرة الكاتب، وتصوير عناصر العمل الأدبي الخيالي والواقعي.. وأضافت أيضًا الكثير في مجال لعب الأطفال.. كما هو في إمكانية الرسم والتلوين على الشاشة، وهي مهارة مهمة لتنمية خيال الطفل، مع نمو مداركه على مراحل عمره المختلفة، والألعاب الجماعية كما مباريات كرة القدم، وألعاب المطاردة، وغيرها.

فن هجين
كانت بداية نشأة الفن الرقمي، أو ما يسمى بـ«Digital Art»، في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1957م، وقد افتتح أول معرض لهذا الفن بألمانيا عام 1965م.  أما أدوات الفن الرقمي فهي برامج الكمبيوتر المتخصصة، والقلم الضوئي، وتجمع البرامج النوعية بين فضاء الحاسوب التقني ولغة اللوحة التشكيلية في ذهن الفنان، وهما يتفاعلان من أجل الوصول إلى تشكيل رؤية أو لوحة فنية.
ويعلل البعض هذا التمازج بين الفن الرقمي والتقليدي بعدة آراء: الفن الرقمي هو الطفل الهجين للفن التشكيلي، فهو يمتلك الجماليات نفسها ويتبع المدارس التشكيلية المعروفة نفسها، غير أن هناك مدارس نشأت مع انتشار هذا الفن يختلف بعضها في المسميات، لكنها تتشابه في توجهاتها وعناصر تكوين الموضوع فيها مع مدارس الفن التشكيلي.
ويرى البعض الآخر الفن الرقمي شكلًا من أشكال حضور الفن عبر الميديا المعاصرة، حيث الرسم الرقمي (digital paintain)  فن معاصر من فنون الميديا الحديثة اتخذ خطًا مغايرًا عن الرسم العادي باستخدام الماوس والقلم الضوئي الإلكتروني بدلًا من الريشة، واللوح الرقمي (التابلت) بدلًا من اللوحة أو الورق، مما يشكّل نقلة نوعية في الفن التشكيلي.
ومما لا شك فيه أن الانتقادات المبنية على القواعد الأخلاقية التي يحكم من خلالها البعض على الكثير مما تقدّمه التكنولوجيا الحديثة قد أصبحت معمّمة أكثر مما يجب، فكل ما علينا فعله هو محاولة اكتشاف تلك الألعاب والبرامج المختلفة لنرى أسباب نجاحها عند الطفل، وإمكانية إفادته منها لكي يكون الحكم صحيحًا.
هنالك الكثير من التفاعل بين اللاعب وهذا النوع من الألعاب، إذ تمارس علينا تلك الألعاب مجموعة معيّنة من التمارين العقلية. هذه التمارين متعلّقة بالتعامل مع عدّة أهداف في الوقت نفسه. إنّ النتيجة التعليمية لاستخدام تلك الألعاب هي تطوير القدرة على اتخاذ القرارات، وهو أمر يختلف عن الميل إلى الاسترخاء وتلقّي المعلومات، وتعلّم الدروس من الكتب أو أجهزة التلفزيون. وهنا يمكننا القول إنه بينما تُعلّم ألعاب الفيديو قدرة حلّ المسائل تساعد الكتب على توسيع المخيّلة. 
يمكن القول إنّ التكنولوجيا بما فيها ألعاب الفيديو والكمبيوتر، حتى البرامج التلفزيونية، أسهمت في زيادة نسبة الذكاء إذا ما قارنّا هذه النسبة بما كانت عليه في العقود الماضية.

مشكلة الترجمة 
تتعامل جميع شركات الإنتاج مع برامج الأطفال التي تتم ترجمتها أو دبلجتها باللغة العربية بشيء من عدم التقويم الدقيق لمصداقية هذا الفيلم أو ذاك، فعبر تلك البرامج يمكن تسريب الكثير من الأفكار الهدّامة لقيم المجتمعات العربية ولمفهوم التربية السليمة عند الطفل. كما يظهر أن سوق الألعاب المتدفق على الكمبيوتر يتسارع بشكل لا يمكن لأحد أن يضع له حدًا، وهنا تبرز مشكلة أن هذه الألعاب ليست وليدة المجتمع الذي نعيش فيه.

 الألعاب الإلكترونية العربية 
ترجع أهمية إنتاج تلك الألعاب الرقمية باللغة العربية، إلى أن منطقتنا العربية واحدة من أسرع المناطق نموًا بالنسبة لشركات ألعاب الفيديو في العالم بسبب التركيبة السكانية؛ فنحو 60 بالمئة من سكان العالم العربي البالغ عددهم 320 مليون نسمة أصغر من 25 عامًا مع نسبة وصول إلى الإنترنت في المنطقة تصل إلى نحو 70 مليون مستخدم بزيادة تقول أرقام موقع سندباد بيزنس لأبحاث المشروعات، ومقره دولة الإمارات، إنها تجاوزت 300 بالمئة في السنوات الخمس الأخيرة.
كما تلاحظ أن كثيرًا من ألعاب الفيديو العربية هي ألعاب ورق أو مغامرات تاريخية تتميز بالقصّ أو العناصر الفنية التي تبدو عربية، وهو ملمَح تربوي يُحمد، لكنه في المقابل لا ينافس بشكل مباشر الألعاب الغربية العالية التقنية، وهو ما دفع بعض الشركات الكبرى في الغرب إلى التماسّ مع الأذواق المحلية، فعلى سبيل المثال أنتجت شركة إي. إيه سبورتس، ومقرها الولايات المتحدة نسخة عربية من لعبتها «فيفا» لكرة القدم.
 
 فوائد ألعاب الفيديو 
نشرت دراسة في صحيفة بريتيش جورنال ميديكال الآتي: هناك 20 بالمئة من المراهقين يعانون الاكتئاب، فطوّر الباحثون لعبة تفاعلية سميت بـ «سباركس» (حيث يختار كل لاعب شخصية ويتعرّض لمجموعة من التحديات ويتجاوزها ليستعيد التوازن في العالم الافتراضي وتجاوز الأفكار السلبية)، وقد اعتمدت هذه اللعبة على تقنيات علاجية سلوكية.
وقد ثبت أن ألعاب الفيديو تساعد الأطفال على تحسين مهارات اتخاذ القرارات، وحل المشاكل والتفكير المنطقي، عدا عن وجود العديد من الألعاب المصممة بأهداف تعليمية لغوية أو رياضية. يقول الكاتب الأمريكي ستيفن جونسون صاحب كتاب «ليس كل ما هو سيئ غير جيد لك... كيف تسهم التكنولوجيا الحديثة في تطوير ذكائنا؟». إنّ مجمل ألعاب الفيديو والكمبيوتر ليست للبسطاء، بل إنها تتطلّب مهارات معيّنة، وفي الوقت نفسه تطور التناسق الحركي البصري، والنتيجة هي تطوير القدرة على اتخاذ القرارات.

نماذج سلبية للألعاب
هناك نماذج سلبية عديدة للألعاب الرقمية تمثّل خطورة على الأطفال والنشء، ومنها لعبة تدعو إلى تمزيق المصاحف وهدم المساجد، لعبة «بلاي ستيشن» مسيئة للإسلام، فإذا أراد الطفل أن يسجل نقاطًا، فعليه بتدمير المساجد! وهناك البعض منها مخلّ بالقيم العامة والسلوكية.                                                    أيضًا هناك الإدمان أو إدمان الإنترنت، تلاحظ تلك الظاهرة أو المرض النفسي عند الأطفال (وربما الأكبر سنًّا) فتلاحظ أنه بين كل 10 أطفال يلعبون مع الشبكة العنكبوتية طفلًا يعاني ظواهر الانسحاب المجتمعي وأعراض الاكتئاب!
ورغم السلبيات التي نتحدث عنها، فإن دراسة في كتاب «الحياة والتعلم مع وسائل الإعلام الجديدة»، تفيد بأن «الإنترنت» ليس ضارة كما يخشى البعض، بل إنها مفيدة للأطفال وتساعدهم في تنمية قدرات ذهنية لم تكن متاحة من قبل، حيث تلاحظ أن لدى غالبية الأشخاص في سنّ الشباب أصدقاء يعرفونهم من خلال الرياضة والمدرسة، لكن الهواتف الخلوية والرسائل القصيرة والشبكات الإلكترونية الاجتماعية، مثل ماي سباس وفيسبوك تبقيهم على اتصال بهم بطريقة أكبر.
وهناك حلول لبعض مشاكل الألعاب الرقمية، حيث يعتبر برنامج OurWorld من أحدث البرامج التي يمكن أن يدخل الصغار من خلالها على الشبكة العنكبوتية، من دون الخوف من بعض المشاكل التي تعترضهم، حيث يتم التحكم في الأشخاص المتعامل معهم وفي المواقع المسموح لهم بالدخول إليها، إضافة إلى توفّر أعداد من الألعاب الفلاش التي تتجدد أسبوعيًا.. وقد حددت السن المناسبة لاستخدامه حتى 13 سنة.                                                                                      لكن من الضروري الاعتماد أولًا على الألعاب الرقمية المنتجة عربيًا، مع عدم تقييد الحريات ولا الانفتاح بلا وعي أو رقابة، حيث يجب فحص كل الأوعية المتضمنة الألعاب الرقمية والقادمة من الخارج.

لا تخوُّف
يجب عدم التخوف من المعطيات الجديدة للثقافة الرقمية، بل اقتحامها مع مواجهة أية مشاكل قد تعترض المفاهيم المجتمعية، ويجب على الراشدين التعلّم من الأولاد وحلّ رموز كلّ موجة تكنولوجية جديدة، لكن الموقف السليم من هذه الألعاب يكمن في الموازنة بين الوقت الذي يمضيه الأطفال في ممارسة هذه الألعاب من جهة، والقراءة وممارسة الرياضة والحياة الاجتماعية الطبيعية من جهة أخرى ■

يجب فحص كل الأوعية المتضمنة الألعاب الرقمية والقادمة من الخارج ومراقبة المراكز المتخصصة في ألعاب الأطفال