لماذا اخترت هذه القصص؟

لماذا اخترت هذه القصص؟

تنوعت القصص الثلاث الفائزة من حيث الأفكار والصياغة الفنية، والتي يجمعها الهمّ الإنساني العريض، حيث إنها تمثّل حالات الإنسان عمومًا في أقصى حالات الكرب، حتى لو كان لا يشعر بذلك، أو يأبى أن يشعر به.
 وفي زمننا هذا حين يفكر الشخص في كتابة قصة تتراءى له على الفور مآسي الحروب والمجاعات، واللجوء إلى أوطان بديلة، وربّما عرج على موضوع الأوبئة، و«كورونا» الذي فتك بالحياة عمومًا، وتلك التيمات الأخرى التي تنتشر في الحياة المعاصرة، هذه القصص لم تعالج تلك التيمات أو الأفكار المكررة كثيرًا، لكنها لجأت إلى الدواخل الإنسانية، أي حوار الإنسان مع نفسه حين يكون مظلومًا أو محاربًا أو يتيمًا، وأظن أنها تناولت تلك الأفكار بشيء من المهارة، مع وجود بعض الفجوات التي لا بدّ أن توجد في البدايات عند كل الناس.

المرتبة الأولى: «ظل الرجل العجوز» لسمير حكيم / مصر
هذه القصة عبارة عن سياحة في الخارج والداخل للنفس الإنسانية، الراوي ينتبه إلى رجل عجوز يمشي متعثرًا وهو يحمل سلّة تسوق، خرج بها من أحد مراكز البيع، يسعى إليه، يعاونه في حمل السلة، ويعبر به الطريق، ليصلا إلى بيت الرجل العجوز الذي يبدو خاويًا، يفتحه بمفتاح ويبتلعه البيت.
 وخلال هذه الرحلة القصيرة، ننتبه إلى استنتاجات الراوي، ونلمس من الحوار بينه وبين العجوز، أن الحياة خلت من الأبناء والأحفاد، وأنه لا أحد هناك، الراوي يحسّ بالأسى، ويذهب، لكنّه يظل يفكر في حياته القادمة، حين يصبح رفيقًا لظله بعد أن ينفضّ عنه مجتمعه العائلي الذي أسسه. وأظن أن الموضوع كان جديرًا بطرقه، لأن اختفاء الأبناء، كل في حياته الخاصة، شيء معروف هذه الأيام، لا أحد يفكر في والديه كما كانا يفكران فيه، وإن عاش الأبوان، فسيعيشان حياة هامشية بعيدة عن الحنان المفترض الذي من المفترض أن يحفّهما. القصة جيدة والمعالجة جيدة إلى حد ما.

المرتبة الثانية: «نافذة للصمت» لهشام أزكيض/ المغرب
هذه قصة عن الظلم، حيث يقضي بطلها سبعة عشر عامًا في زنزانة بلا ضوء ولا حياة ولا فرصة للتواصل مع أحد، بتهمة خيانة الوطن، وهي تهمة كلاسيكية تلقى على الناس في أي مكان، حين يراد التنكيل بهم. في الحقيقة أراد الكاتب أن يتحدث عن التكيُّف، كيف تعتاد البؤس، وتتآلف مع المكان البائس، كيف تعيش في هذا الضيق بلا أكل صحي ولا شخص يحدّثك وتحدّثه، وأعتقد أن الأمر كان من الممكن أن يعالَج أفضل، لأنّ المسألة هنا ليست اختيارية، وإنما إجبارية، أي إن اقتراح الصمت الذي توصّل إليه السجين في النهاية وارتاح له هو أمر فرض عليه. هذا النوع من القصص مهمّ صراحة، نحن نجد أنفسنا فجأة في قلب مأساة تضيع فيها أعمارنا، ويكون السجّان حرًا يفعل ما يخطر بباله، وليس السجان هنا شخصًا أو أشخاصًا، وإنّما أنظمة وأفكار، غالبًا غير إنسانية.

المرتبة الثالثة: «تشبهني» لإيمان أحيا إبراهيم / مصر
هذه قصة جيدة عن اليتم، والطفولة الحزينة، حيث تُفاجأ المدرسة في حصة الرسم بطفل صغير يرسم المكان الذي نشأ فيه، وهو منزل أيتام، ويشير إلى غرفته في الميتم، وكانت مفاجأة للمعلمة، لأنّ الأطفال عادة يرسمون السماء والخضار والشمس، وربما حيوانات أليفة كالقطط والكلاب، ولكن أن ترسم بناء شاهقًا وبهذا الوضوح، كان غريبًا فعلًا. 
أعتقد أن القصة أرادت أن تتحدث عن الطفولة التي بلا أبوين، وتأثيرها المستقبلي، لكنّ هناك نواقص في القصة، فالطفل كان أصغر من أن يتطرّق إلى هذه الفكرة في هذا العمر، أيضًا البيوت التي تسمّى ملاجئ، ليست مرفّهة بحيث يمتلك كل طفل غرفة فيها، إنها عنابر فيها من القسوة الكثير، كنت أريد لمحةً عن يُتم الطفل، عن إحساسه الداخلي وهو يرى زملاءه يأتون برفقة آبائهم، أو شيئًا من هذا القبيل.