الرواية تقول ما لم يقُلْه الشّعر

الرواية تقول ما لم يقُلْه الشّعر

ذات جولة ميدانية في ميدان محطة الرمل بالإسكندرية، سألت أحد بائعي الكتب: هل حقًّا الرواية تبيع أكثر من الأنواع الأدبية الأخرى؟ فأومأ بالإيجاب، قائلًا: إذا لم تكن تبيع ما وجدتها على «الفَرْش» الآن.
تأملت المشهد طويلًا - عنده وعند غيره من بائعي الكتب والمجلات بالميدان - وتساءلت: ما الذي حدث في ذائقة القراء، وما السّر وراء انتشار الرواية على هذا النحو؟
   والمسألة ليست مرتبطة باسم الكاتب وشهرته فحسب، لكنّ هناك تغيّرًا أو تبدلًا في أمزجة القرّاء، لدرجة أن بعض دور النشر أعلنت أنها لا تستقبل دواوين شعر أو مجموعات قصصية... فقط الرواية.
 بل إن بعض دور النشر الخاصة بدأت تدفع مكافآت لكتّاب الرواية، وكانت من قبل تأخذ منهم تكاليف الطباعة.
ليس هذا فحسب، بل إن الرواية أصبحت الآن تعبّر عن طريق تقنياتها المتعددة عن الفكر السائد في المجتمعات، وأصبحت أكثر ديمقراطية من الواقع نفسه؛ عن طريق الرأي والرأي المضاد، والبطل والبطل المضاد، واللغة واللغة المضادة، فضلًا عن إمكانية تحويل العمل الروائي إلى عمل سينمائي أو تلفزيوني أو حتى إذاعي. كما أن الرواية لا تتطلب من صاحبها الالتزام بشكل معيَّن صارم، فكل رواية تأتي بشكلها معها، وهي تستطيع أن تستوعب وأن تستضيف كل الأشكال الأدبية الأخرى في جعبتها.
وقد لجأ عدد من الشعراء إلى كتابة الرواية، ربما أدركوا أنها تستطيع أن تقول ما لم يقله الشعر، وربما ضاق الشّعر أمام رؤاهم وأفكارهم وتنويعاتهم المختلفة.
نعم، إننا نعيش عصر الرواية، ولا أحد يستطيع أن ينكر ذلك، وأحيانًا أقرأ أعمالًا روائية مدهشة لكتّاب شباب، ربما لم يمارسوا الكتابة من قبل، إنهم يكتشفون ذواتهم ويكتبون تجاربهم - على قلَّتها - بنجاح، ويفتحون عالَمًا جديدًا غير معروف للكثيرين، ومن هنا تسهم الرواية في معرفة عوالم جديدة، لذا يرى بعض النقاد أنّ الرواية الآن تعتمد على المعرفية أو المعلوماتية، وهي تناسب العصر الذي نعيشه الآن.
غير أنني - بصراحة - لم أستسغ أبدًا كتابة الرواية - ولا حتى القصّة القصيرة - باللهجات العامية، قد يأتي الحوار بالعاميّة التي تناسب كل شخصية على حدة، على الرغم من أن كاتبنا الكبير نجيب محفوظ استطاع أن يحلَّ هذه المشكلة و«يُفصِّح» الحوار على ألسنة شخوصه من الطبقات الدنيا، ومع ذلك لم نشعر بثمّة تعالٍ على «العاميّة»، ولم نشعر بأية ازدواجية لغوية في هذا الشأن ■