جـــان فــوكـيـــه «غونيلا مهرّج البلاط»

جان فوكيه (1420-1480م) هو أحد ألمع الرسامين الفرنسيين في القرن الخامس عشر. ضاع الكثير من تفاصيل سيرته، ولكننا نعلم أنه مبتكر الصور الشخصية المصغّرة ورسام مخطوطات، وأن الملك لويس الحادي عشر اتكل عليه في تأسيس المدرسة الفرنسية في الرسم الزيتي وتخليصها من الآثار الهولندية والإيطالية.
تمثّل هذه اللوحة المنسوبة إلى فوكيه صورة غونيلا الذي كان مهرج البلاط في دوقية فيرارا، وذاعت شهرته بسبب موته رعبًا خلال قيامه بتمثيل مشهد إعدامه. وإن صحّت هذه النسبة، يكون فوكيه قد رسم هذه اللوحة حوالي العام 1440م، أي عندما كان متأثرا بالمدرسة الهولندية، وبشكل خاص بأستاذها جان فان إيك مبتكر الألوان الزيتية الجديدة تمامًا آنذاك، وقبل سفره إلى إيطاليا عام 1447م.
يتجلّى التأثر بالهولنديين في هذه اللوحة من خلال الوجه والمعالجة الرائعة لملامحه وخطوطه، ليس فقط بواقعية شبه فوتوغرافية، بل أيضًا بالنجاح في تحميله مثل هذه الشحنة من التعبير النفسي. إذ لا نعرف ما إذا كان الرجل يبتسم أم أنه حزين. ولعلنا هنا أمام أول شهادة حول ثنائية الضحك والحزن التي أصبحت من سمات المهرّج الكلاسيكية في كل الأزمنة والأمكنة.
ولكن مقابل البراعة في رسم الوجه، ثمة ما هو أخرق في بقية اللوحة، ويدفع بعض المؤرخين إلى الشك في أن يكون رسامها جان فوكيه. ومن أبرز نقاط الضعف، يمكن للمرء أن يلاحظ فورًا الشكل المسطح لليدين ومقاييسهما الصغيرة وحتى وضعيتهما غير الواقعية. إضافة إلى ذلك، هناك فارق كبير بين الريشة الحساسة التي رسمت الفرو في القبعة من جهة، وما نراه من جهة أخرى في بقية ملابس الرجل حيث القماش غير واضح النوعية والطيات التي تتخذ شكل خطوط مستقيمة وزوايا حادة تشي بوجود ضعف حرفي واضح.
في إطار سعي المؤرخين إلى اكتشاف المزيد من الحقائق حول هذه اللوحة، تم إخضاعها لفحوص مخبرية عديدة. وثبت أن خشب السندان الذي رسمت عليه يعود إلى الربع الثاني من القرن الخامس عشر، وهذه نقطة لمصلحة فوكيه ولكنها غير حاسمة. النقطة الثانية المشابهة هي أن الفحص بواسطة الأشعة تحت الحمراء أظهر وجود ملاحظات تتعلق بمواضع الألوان مكتوبة باللغة الفرنسية. أي لا شيء ينقض نسب هذه اللوحة إلى فوكيه، وإن كان يبقى غير كاف لإثبات الأمر.
فهل رسم الأستاذ الفرنسي الوجه فقط تاركًا لأحد المبتدئين إكمال اللوحة؟ أم أنه نقلها عن رسم تحضيري سبق لفنان متوسط الحال أن أعدّه، مكتفيًا بتطوير معالجة الوجه؟ وخاصة أننا نعرف أن الرسام أنجز هذه اللوحة بعد وفاة غونيلا بأربع سنوات.. الأمر ممكن، ولكن لا يمكن القطع بصحته إلا إذا اكتشف أحدهم يومًا ما بعض الفصول الضائعة من سيرة جان فوكيه .