الصين تحتفي بالذكرى المئوية لنجيب محفوظ
أقامت جامعة بكين حفلًا لإحياء الذكرى المئوية لميلاد نجيب محفوظ تعبيرًا من الدارسين والخبراء الصينيين عن احترامهم وتقديرهم لهذا العملاق من عمالقة الأدب العربي. واستمر الحفل على مدار ثلاثة أيام، وحضره أكثر من مائة شخص، وتم فيه منح الجوائز لـ 27 من العلماء والدارسين الصينيين الذين قاموا بالدراسات أو الترجمات لأعمال نجيب محفوظ الأدبية، كما تم عرض الأفلام التي تحولت من رواياته على الشاشات وتم عرض أعمال الكاتب الأصلية والنسخ المترجمة إلى اللغة الصينية وكذلك الصور ذات الصلة.
يهتمّ الصينيون بنجيب محفوظ ورواياته منذ منتصف الخمسينيات للقرن العشرين. أمّا قصصه فترجمت إلى اللغة الصينية بدءا من أوائل الثمّانينيات، وفي غضون العقود الثلاثة تقريبا تمت ترجمة معظم أعماله المهمة إلى الصينية، وقد بلغ عدد الأعمال المترجمة والمنشورة حوالي 20 مجلدًا، أي ما يعادل ثلث إبداعاته، ويعتبر هذا أكثر الأعمال المترجمة لكاتب عربي إلى اللغة الصينية. ويمكن تقسيم ترجمة روايات محفوظ في الصين إلى مرحلتين، ويعتبر عام 1988 عام فوزه بجائزة نوبل هو فاصل المرحلتين.
أعماله قبل الفوز بجائزة نوبل
بدأ نجيب محفوظ كتابة القصة القصيرة في السنوات الباكرة من إبداعاته الأدبية، بل إن أول ما نشره كان مجموعة اهمس الجنونب عام 1938، ثم توالت مجموعاته القصصية حتى وصلت إلى 15 مجموعة، ولذا تمت الترجمة إلى الصينية ابتداء من قصصه القصيرة.
وفي عام 1980 نُقلت أولى أعمال محفوظ إلى اللغة الصينية، وكانت عبارة عن قصتين قصيرتين له، هما االورقة المهلكةب وايقظة المومياءب ضمن مجموعته القصصية اهمس الجنونب المتكونة من 28 قصة قصيرة. الأولى هي قصة واقعية تصور واقع مصر المرير والأخرى قصة تاريخية في العصر الفرعوني.
وفتحت القصتان المذكورتان أعلاه الباب على مصراعيه أمام الصينيين لترجمة أعمال محفوظ، وبعدها توالت ترجمات أعماله في الصين دون توقف.
ففي عام 1981 نشرت مطبعة الشعب بمقاطعة جيانغسو ألبوما خاصا بالأدب العربي تحت عنوان االصعود إلى الهاويةب، وتضمن الألبوم عملين من أعمال محفوظ، أحدهما رواية االكرنكب والآخر قصة االجبّارب المختارة من مجموعته القصصية ادنيا اللهب.
وفي عام 1983 نشرت مطبعة أكاديمية العلوم الاجتماعية الصينية امختارات قصص الأدب المصري المعاصرب، ومن ضمنها عمل لنجيب محفوظ باسم اتحقيقب، اختير من مجموعته القصصية االجريمةب. وفي العام نفسه نشرت قصة االلص والكلابب ضمن امختارات القصص القصيرة للأدب الإفريقي المعاصرب.
وفي عام 1984، تُرجمت ونُشرت روايتان مهمتان لنجيب محفوظ إلى اللغة الصـــينية، وهما املحمة الحرافيشب واثرثــــرة فـــــوق النــــيلب. وتلتهما رواية ازقاق المدقب في عام 1985.
وفي عام 1986 تمت الترجمة والنشر لأشهر أعمال الأديب، ألا وهي ثلاثيته: ابين القصرينب واقصر الشوقب واالسكريةب، حيث بلغ عدد الكلمات المترجمة مليونا ومائتي ألف كلمة. وقد استند المترجمون الصينيون إلى الاعتبارات التالية في ترجمة ثلاثية نجيب:
أولًا، قوة تأثير الرواية في العالم العربي. فثلاثية محفوظ دخلت بالرواية المصرية في مرحلة جديدة من الإبداع، وأرست الأساس لمكانه في تاريخ تطور الرواية العربية، وأصبح حامل لواء الرواية العربية الحديثة، إضافة إلى أنّ الرواية فازت بعديد من جوائز الدولة في مصر وطُبعت منها عشرات الطبعات في البلدان العربية وتُرجمت إلى عديد من الكتابات الأدبية الأجنبية وتحولت إلى أفلام سينمائية، فكان لها تأثير قوي بين الجماهير.
ثانيًا، رغم أن نجيب محفوظ قد صُنف على أنه رائد الرواية العربية ورغم أنه قدم أكثر من 40 عملًا إبداعيًا في مجال الأدب، فإن ثلاثيته التي نشرت منذ ثلاثين عامًا ظلت تتربع على عرش أعماله الروائية، كما أنها تعتبر علامة فارقة في تاريخ الرواية العربية.
ثالثا، إن الثلاثية تصور جانبا من روح الإنسان المصري وعاداته وتقاليده، فلم تتجسد أهميته في تصوير مجال واسع من حياته الاجتماعية فحسب، بل في تصوير دقيق لتفاصيل الحياة، مما وفر مادة غنية وحية للبحث في حياة المجتمع المصري في النصف الأول من القرن العشرين وقدم صفحات عن الحياة الاجتماعية المصرية جيلًا بعد جيل. وقد نالت النسخة المترجمة للثلاثية في الصين لاحقا الجائزة الثانية فيب قائمة جائزة الدولة التقديرية لأفضل الكتب الأدبية في دورتها الأولى عام 1991ب.
وفي عام 1986، صدرت في الصين نسخة مترجمة من رواية مهمة هي اعبث الأقدارب التي أبدعها الكاتب على الخلفية التاريخية في العصور الفرعونية، والتي كانت واحدة من ثلاثية محفوظ التاريخية. ولكن كانت النسخة المترجمة باسم االوصية الأخيرةب.
مما سبق نرى أن الصين قد ترجمت ونشرت عددا غير قليل من أعمال محفوظ قبل فوزه بجائزة نوبل، 9 من رواياته و4 من قصصه القصيرة. وهذا ما يختلف عن بعض الكتاب الحائزين على جائزة نوبل الذين ذاع صيتهم وتوالت الترجمات لأعمالهم بعد فوزهم بالجائزة، أما قبل فكاد لا يعرفهم أحد من الصينيين. وفي الواقع أن اختيار المترجمين الصينيين لأعمال محفوظ للدراسة والترجمة كان قائماعلى قواعد معينة خلال فترة معينة. فإن ما يهتم به المترجمون الصينيون هو قوة تأثير محفوظ في مصر وفي الساحة الأدبية في العالم العربي وأسلوبه الواقعي في الإبداع وخصائصه الفنية الفريدة. فكل هذه تلعب دورًا حاسمًا في اختيار المترجمين للنص.
أعمال محفوظ بعد فوزه بجائزة نوبل
لا يُعدّ فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل للآداب في 13 أكتوبر عام 1988 شرفًا للأديب شخصيا فحسب، بل كان مجدا للشعب المصري وفخرًا لشعوب الشرق بأجمعها. فإثر إعلان فوزه تهافتت وسائل الإعلام الصينية على تغطية هذا الحدث الثقافي الكبير فورا، ونشرت الصحف الصينية المهمة مثل اصحيفة الشعب اليوميةب واصحيفة الفن والأدبب واصحيفة ونهويب، وكبريات المجلات مثل اجلوبالب واأويت لوكب واالعالم العربيب، والمجلات الأدبية مثل االأدب العالميب واالأدب الأجنبيب واجلوبال للأدبب.. إلخ، كلها تناولت حياة محفوظ وكتاباته الأدبية. وطبقًا للإحصاءات فقد بلغ عدد المقالات المنشورة عن الخبر أكثر من 26 مقالة حينئذ.
في عام 1989 وفي العدد الثاني من مجلة االأدب العالميب كانت صورة نجيب محفوظ تتصدر غلاف العدد، أما الغلاف الخلفي للمجلة فيحتوي على صورة أبي الهول وصورة الأهرامات المصرية. ونشرت المجلة مقالة الناشر عن حياة محفوظ والكلمة التي ألقاها محفوظ أثناء مراسم تسلمه لجائزة نوبل، وعدة أحاديث للعلماء الصينيين أثناء لقائهم مع محفوظ، وتعليقات الباحثين الصينيين على أعماله، فضلا عن روايته اميرامارب المترجمة إلى الصينية. ويمكن القول إن امجلة الأدب العالميب أصدرت عددًا خاصًا عن الحدث احترامًا وإجلالًا منها للأديب المصري نجيب محفوظ.
لا شك في أن فوز الكاتب بجائزة نوبل كان دافعا مهما وراء تزايد الاهتمام العالمي بأعمال نجيب محفوظ والإقبال على ترجمتها، وأصبحت الصين أيضا أكثر نشاطًا وفعالية إزاء ترجمات أعمال محفوظ وكثفتها، خاصة في الثلاث سنوات عقب فوزه بالجائزة.
وفي عام 1989 تمت ترجمة ونشر روايتين مهمتين للكاتب، إحداهما من رواياته التاريخية ارادوبيسب والأخرى من رواياته الواقعية ابداية ونهايةب، فضلا عن مختارات قصصية له وقصة امن مذكرات شابب التي كانت من ضمن مجموعة اهمس الجنونب وقصة امندوب فوق العادةب المصنفة في مجموعة ادنيا اللهب.
وفي عام 1990 ترجمت روايته المثيرة للجدل اأولاد حارتناب الى الصينية باسم احلم الأجيال - أولاد حارتناب. وفي العام نفسه أعيدت ترجمة ونشر ابين القصرينب.
لا نبالغ إذا قلنا إن عام 1991 هو عام ترجمات أعمال نجيب محفوظ، حيث بلغ إجمالي ما تُرجم ونُشر في الصين 7 روايات له، هي االقاهرة الجديدةب واحضرة المحترمب واليالي ألف ليلةب واالحب تحت المطرب وإعادة ترجمة ونشر املحمة الحرافيشب تحت اسم آخر اروح الشارعب وكذلك إعادة ترجمة اقصر الشوقب واالسكريةب.
وتواصلت الترجمات الصينية لأعمال الأديب في السنوات التالية. صدرت بالتوالي رواية اكفاح طيبةب في عام 1992، وادنيا اللهب المجموعة القصصية المختارة في عام 1993، واأصداء السيرة الذاتيةب في عام 2001، والترجمة الثالثة للثلاثية المسماة بـ امجموعات محفوظ الأدبية (ثلاثية القاهرة)ب في عام 2003.
وبالنظر إلى جميع الأعمال المترجمة أعلاه لنجيب محفوظ رأينا أن الصين قد ترجمت كل الأعمال المهمة للكاتب إلى اللغة الصينية في مطلع التسعينيات، وأصبح محفوظ واحدًا من أهم الأدباء العرب المعاصرين وأكثرهم تأثيرًا في الصين.
لقد سلطت الترجمات الصينية ضوءا على الحياة الأدبية لمحفوظ، مما جعله هو وما يمثله من الأدب العربي ينمو، بل تضرب جذوره في هذه الأرض الواسعة غير العربية. لكننا إذا أمعنا النظر في أعمال الترجمة، رأينا أن حركة الترجمة في الصين مع نشاطها وحيويتها ذات سمات وخصائص تالية:
أولًا: نظرًا لاختلاف فهم المترجمين لأعمال محفوظ واختلاف أهدافهم وراء تلك الترجمات حظيت اثلاثية القاهرةب بشعبية كبرى بين المترجمين، لذا ظهرت في الأسواق الصينية ثلاث ترجمات مختلفة لها، والترجمة الأولى تم نشرها عام 1986، أي قبل فوز الكاتب بالجائزة، ونشرت الترجمة الثانية في ما بين عامي 1990-1991، أما الثالثة ففي عام 2003. لا شك في أن هذه الطبعات بينت من جهة مدى تركيز واهتمام الصين بأديبنا الكبير، ومن جهة أخرى دلت على المكانة المرموقة التي ارتقى إليها في تاريخ الأدب العربي وتاريخ الأدب العالمي.
ثانيًا: نالت رواية اأولاد حارتناب إعجاب المترجمين الصينيين ودور النشر الصينية فأقبلوا على ترجمتها ونشرها، فهي الرواية الأخرى التي ظهرت لها نسختان من الترجمة. فقد تُرجمت لأول مرة إلى الصينية تحت اسم احلم الأجيال ذ أولاد حارتناب عام 1990 وصُنفت على أنها من اسلسلة روائع الأدب الأجنبي المثير للجدلب. وأعيدت ترجمتها عام 1991 تحت عنوان اروح الشارعب ضمن اسلسلة كتب الفائزين بجائزة نوبلب.
وقد لقيت النسخة الثانية للترجمة إقبالا أكبر من القراء الصينيين، حيث إن المترجم قد ارتبط مع محفوظ بصداقة شخصية فالتقى به شخصيا وأرفق مع ترجمتها ملحقات مهمة ،مثل اكلمة منح الجائزة من اللجنةب واكلمة تسلم الجائزة للكاتبب، واحياة الكاتب ومسيرته الأدبيةب.. إلخ، مما جعل هذه النسخة المترجمة تظهر على وجه أكمل، وأكسبها قيمة تاريخية عظيمة، وجعلها مادة ثرية للباحثين.
ويمكن القول إن هذه الترجمات إلى جانب ما لها من قيمة مرجعية كبيرة ساعدت القراء الصينيين على فهم أعمق لوجهات نظر الكاتب الدينية والتاريخية الاجتماعية وعلى تذوق أسلوبه الفريد في سرد مشكلات مجتمعه، وطريقته المتميزة في استخدام الرمز في تجسيد شخصياته والجمع بينها وبين فن الكتابة.
ثالثًا: ومن جهة أخرى، فمن أجل تحقيق الفوائد الاقتصادية استخدم بائعو الكتب شتى الحيل لتحقيق المصلحة المادية، منها تغيير عنوان الرواية وتبديله باسم أكثر انتقائية وجاذبية من أجل جذب انتباه القراء. فعلى سبيل المثال ترجمت اعبث الأقدارب رواية من روايات الثلاثية التاريخية للكاتب تحت اسم االوصية الأخيرةب وترجمت الرواية الأخرى منها ارادوبيسب باسم االمومس والفرعونب، حتى ألصقت بصور تتناسب وهذا الاسم على غلاف الكتاب، وظهرت عليه كلمة الكتاب المحظور.
وفي الواقع أن الرواية لم تكن أبدًا مدرجة ضمن الكتب المحظورة، وأن ما فعله تجار الكتب جاءت عواقبه وتأثيراته سيئة جدا، فلم تؤد فحسب إلى تشويه صورة الكاتب وأعماله، بل أدت إلى تضليل القراء الصينيين أيضًا.
ومن أجل إصلاح الوضع، أعادت ادار نشر شنغهاي للترجمات الأدبيةب طباعة ونشر الثلاثية التاريخية لمحفوظ في مجموعة كاملة طبقا للنسخة الأصلية عام 1998 دون أي تغيير أو تلفيق. وقد أشار المترجم في مقدمة الكتاب إلى أن الكاتب في ثلاثيته التاريخية شدد على اتعزيز الثقة بالوطن للتخلص من سيطرة القوى الغربية وتحقيق الوحدة الوطنية والاعتماد على الذات، وهذا هو الهدف المرجو من الكفاحب. الأمر الذي أظهر بوضوح عزم الصين على الإصلاح الجذري لفوضى الترجمة والطباعة في الأسواق الصينية.
رابعًا: بالتركيز على المجموعات القصصية القصيرة للكاتب، تم نشر مجموعتين مختارتين لمحفوظ خلال أربع سنوات، إحداهما امختارات من مجموعة نجيب محفوظ القصصية القصيرةب الصادرة عام 1989. وتحتوي هذه المجموعة المترجمة على 25 قصة تم اختيارها من 11 مجموعة قصصية مما أصدرها محفوظ على مدار تاريخ كتابته للقصة القصيرة، متراوحة بين القصص الاجتماعية واللامعقولة والرمزية، ومنها قصتا اثمن السعادةب واهمس الجنونب المأخوذتان من مجموعة اهمس الجنونب، ومنها ادنيا اللهب واضد مجهولب من مجموعة ادنيا اللهب، وابيت سيئ السمعةب واقبيل الرحيلب من مجموعة ابيت سيئ السمعةب، ومنها اشهرزادب واخمارة القط الأسودب واصورةب واالرجل السعيدب من مجموعة اخمارة القط الأسودب، وكذلك اتحت المظلةب واالظلامب واالوجه الآخرب من مجموعة اتحت المظلةب، واالرجل الذي فقد ذاكرته مرتينب من مجموعة احكاية بلا بداية وبلا نهايةب، وافنجان شايب من مجموعة اشهر العسلب، واالجريمةب واالعريسب واالحجرة رقم 12ب من مجموعة االجريمةب، واصاحب الصورةب من مجموعة االحب فوق هضبة الهرمب، واالحب والقناعب من مجموعة االشيطان يعظب، ومنها االتنظيم السرّيب واقاتل قديمب من مجموعة االتنظيم السرّيب.
وكانت معظم هذه القصص من القصص الاجتماعية التي تتجلى فيها الطرق السردية من خلال عناصر متعددة. أمّا مترجموها فهم مثقفون مشهورون في الأوساط الأدبية في الصين، فقد شارك في الترجمة كبار مترجمي وزارة الخارجية الصينية وأساتذة الجامعات الصينية وبلغ عددهم تسعة.
وفي عام 1993 ترجمت مجمــــوعة قصــــصية مختارة أخرى بعنوان ادنيا اللهب المتكـــونة من 17 قصة مأخوذة من 4 مجموعات لمحفوظ، منها 13 قصة مأخوذة من مجموعة ادنيا اللهب، وهي ادنيا اللهب واالجبّارب وامندوب فوق العادةب وازعبلاويب واصـــورة قديمــــــةب واهنظل والعسكريب واموعدب واالجامع في الدربب وازيـــنةب واقاتــلب واضد مجهولب واجوار اللهب واكلمة في الليلب. أمّا باقي القصص، فمن مجموعات مختلـــفة، فقصــــتا االعري والغضبب واالمقابلة الساميةب مأخوذتان من مجموعة االجريمةب، وقصة اصاحب الصورةب من مجموعة االحب فوق هضبة الهرمب، وقـــصة اشهر العسلب من مجموعة اشهر العسلب.
على كل حال، فإن الترجمات الصينية لأعمال محفوظ لا تعكس أفكار الكاتب وخصائصه الفنية فحسب، بل وفرت للقراء الصينيين نافذة للمزيد من الفهم لهذا الأديب النابغة العملاق.
نجيب محفوظ وعلاقته بالصين
إنّ نجيب محفوظ مع أنه لم تطأ قدماه أرض الصين، إلا أن هناك صداقة عريقة ربطت بينه وبين الصين.
فمنذ أوائل الثمانينيات، قبل محفوظ مقابلة حصرية أقامها معه المترجم الصيني كوان تشينج، الذي اعتبر أول من ترجم ثلاثية محفوظ إلى الصينية في مكتبه بجريدة االأهرامب 8 مارس 1984، حيث ذكر محفوظ أنه قرأ حوارات كونفوشيوس ورواية اجَمَل شيانغ تسيب للكاتب الصيني لاو شه، إضافة إلى الحديث عن إنشائه الأدبي.
وفي عام 1986 أصدرت ادار نشر الشعب بهونانب إصدارها الأول لترجمة أول رواية من ثلاثية القاهرة ابين القصرينب وأرفقت في الصفحة الأولى صورة محفوظ مع كلمة الكاتب ذات عنوان اإلى القراء الصينيينب بخط يده مع ترجمة صينية، مطعمة بتوقيعه في تاريخ 7 ديسمبر 1984.
فذلك إشارة إلى مدى عمق العلاقات بين الكاتب والصين: اإنه لأمر مثير أن تترجم الثلاثية إلى الصينية. مصر والصين من أقدم بلاد الدنيا، ونشأت الحضارتان في وقت واحد تقريبا، وها هو حوار يقوم بينهما بعد انقضاء آلاف السنين. ولعل كل منهما بالنسبة للأخرى مثل قرية صغيرة بالقياس إلى قارة كبيرة. وهي فرصة جميلة لتلاقي العقول وتبادل الآراء ولكن بيننا أشياء كثيرة متفقة رغم البعد في المسافات والفارق في الحجم، إنّني حقّا سعيد بهذه الترجمة، وأدين بالشكر لمن تفضلوا ببذل الجهد في تنفيذها، وأرجو أن يتواصل هذا التبادل الثقافي بيننا دون توقف وأن يحتل أيضا الأدب الصيني المعاصر مكانه في مكتبتنا ليتم التعارف على خير وجهب.
وفي العدد الأول لـ امجلة طلبة المدرسة الإعداديةب التي صدرت في عام 1990 نشرت نص مقابلة صحفية أجراها معه مراسل خاص لهذه المجلة في 15 أغسطس 1989 في القاهرة، حيث رد محفوظ على أربعة أسئلة حول الكتب التي قرأها وتأثيرها على حياته، وعادته في القراءة، والكتاب الأكثر تأثيرًا في أفكاره أثناء فترة الصبا والشباب، والآمال المقترحة منه لطلاب المرحلة الإعدادية المعاصرة في الصين. ونشرت فيها كلمة محفوظ بخط يده مع ترجمة صينية اتحية إلى الشباب الصينيين، وأرجو لكم حياة غنية بالمعرفة الشاملة والعمل المفيد وأن يقوموا بالواجب الإنساني نحو الأمة العزيزة والإنسانية كلهاب.
وذكر المستشرق والمترجم المشهور الصيني تشونغ جي كون رئيس الجمعية الصينية للأدب العربي والأستاذ السابق بكلية اللغة العربية بجامعة بكين والحاصل على جائزة اشخصية العام الثقافيةب من الأمانة العامة لجائزة الشيخ زايد للكتاب، وجائزة خادم الحرمين الشريفين العالمية للترجمة، وجائزة كرسي السلطان قابوس للدراسات العربية، ذكر أنه التقى بالأديب الكبير نجيب محفوظ عند زيارته لمصر مع وفد صيني عقب حصوله على نوبل، وسأله عن معرفة الأديب بالثقافة الصينية فأجابه محفوظ بأنه مطلع عليها وقرأ حوارات كونفوشيوس ورواية اجَمَل شيانغ تسيب للكاتب الصيني لاو شه، بل تأثر بها في أحد أعماله الأدبية، موضحا أن هذه الكلمات أشعرته بسعادة كبيرة.
وعلاوة على ذلك، عقدت الجمعية الصينية للأدب العربي اجتماعها السنوي في صيف عام 1986، وكان من بين موضوعات الندوة موضوع خاص لنجيب محفوظ وأعماله الأدبية، حيث تنبأ الباحثون والمترجمون الصينيون للأدب العربي بحصول محفوظ على جائزة نوبل قبل منحها له بعامين. وذلك إن دل على شيء فإنما يدل على اهتمام العلماء الصينيين وتقديرهم العالي لهذا الأديب العظيم.
ولم يمض على ذلك إلا عامان، نال نجيب محفوظ جائزة نوبل للآداب ذات التأثيرات الواسعة عالميا كونه شرقيا، الأمر الذي شجع كثيرا من الأدباء الصينيين على الحلم بالفوز بهذه الجائزة. كما قال الكاتب والناقد الصيني المشهور ليو زاي فو في مقالته التي تحمل عنوان انجيب محفوظ ليس لمصر فقطب: إنه اشخصية أقرب إلينا من غيره، وإنَّ الواقع الذي تعكسه أعماله سهل الفهم بالنسبة إلينا نحن الصينيينب.
وقال الروائي الصيني البارز مو يان، أول صيني منح جائزة نوبل لعام 2012، إنه يتذكر أديب مصر والعرب الراحل نجيب محفوظ وقت تسلمه الجائزة، وإنه قرأ رواية اأولاد حارتناب. كما يفسر الباحثون الصينيون أنه من الطبيعي أن يتذكر الأديب الصيني مو يان أحد أعمدة الأدب العربي نجيب محفوظ تحديدا، خاصة لما يجمع بينهما من خصائص متشابهة، فكلاهما روائي شرقي حاز شرف الفوز بجائزة نوبل في الأدب، كما أنهما يمثلان حضارتين عريقتين تربط بينهما علاقات قوية منذ قديم الأزل، إضافة إلى وجود قدر كبير من التشابه في مزاج الأديبين، وفي كتاباتهما وأعمالهما الروائية.
حقا إن أسلــــوب قصص محـــفوظ يتنـــــاسب مع المجتمع الصيني ويتفق مع ذوق القراء الصينيين فيتلقى صدى عندهم إضافة إلى أن أعماله تلعب دورا كبيرا في التنوير الاجتماعي، وتفي بتطلعات الثقافة التقليدية الصينية.