عبدالله زكريا الأنصاري.. نزعة إسلامية عميقة ونظرة فلسفية للحياة

عبدالله زكريا الأنصاري.. نزعة إسلامية عميقة  ونظرة فلسفية للحياة

حين أكتب عن الأديب والشاعر الكبير عبدالله زكريا الأنصاري فأنا لا شك سوف أبحر في خضم بحر عميق من الصور والذكريات والمواقف الجميلة. فالرجل كان معلمي الأول في مدرسة المباركية ومن ينابيع فكره عشقت الشعر والأدب، وتعلمت بين يديه معاني جميلة مازالت هي التي شكلت منهج أفكاري وأسلوبي في الحياة.

ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬فالأنصاري‭ ‬هو‭ ‬الصديق‭ ‬الذي‭ ‬صاحبته‭ ‬أعواما‭ ‬كثيرة‭ ‬نتذكر‭ ‬أيام‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬بدايات‭ ‬الكويت‭ ‬وكيف‭ ‬كان‭ ‬يدرس‭ ‬لنا‭ ‬الشعر‭ ‬واللغة‭ ‬والبيان‭ ‬مع‭ ‬قصائد‭ ‬أحمد‭ ‬شوقي‭ ‬والمتنبي‭ ‬وأبي‭ ‬تمام‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬شعراء‭ ‬التراث‭ ‬العربي‭.‬

كنت‭ ‬أجلس‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬الفصل‭ ‬الدراسي‭ ‬أنصت‭ ‬له‭ ‬بشغف‭.. ‬وأتابع‭ ‬شرحه‭ ‬في‭ ‬حماسة‭.. ‬وأتعلم‭ ‬منه‭ ‬كيف‭ ‬يكون‭ ‬للشعر‭ ‬سحر‭ ‬وأثر‭ ‬في‭ ‬الروح‭ ‬عند‭ ‬إلقائه‭. ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬مجرد‭ ‬معلم‭ ‬وإنما‭ ‬شاعر‭ ‬يذهلنا‭ ‬بتحليله‭ ‬للشعر‭ ‬واكتشاف‭ ‬مواطن‭ ‬جماله‭ ‬ودلالاته‭ ‬النثرية‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬معلما‭ ‬لمادة‭ ‬علمية‭ ‬أو‭ ‬كتاب‭ ‬مقرر،‭ ‬ولكنه‭ ‬نموذج‭ ‬لرجل‭ ‬العلم‭ ‬والثقافة‭ ‬الذي‭ ‬تكاملت‭ ‬فيه‭ ‬المعاني‭ ‬الجميلة‭. ‬فهو‭ ‬يحلق‭ ‬بنا‭ ‬في‭ ‬فضاءات‭ ‬الأدب،‭ ‬كاشفا‭ ‬عن‭ ‬القيم‭ ‬الجمالية‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬كتبها‭ ‬عباس‭ ‬محمود‭ ‬العقاد،‭ ‬ومفسرا‭ ‬لأهمية‭ ‬كتاب‭ ‬من‭ ‬كتب‭ ‬عميد‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬ويقف‭ ‬متمهلا‭ ‬أمام‭ ‬إحدى‭ ‬قصائد‭ ‬المتنبي‭ ‬معبرًا‭ ‬عن‭ ‬سر‭ ‬البطولة‭ ‬وملامح‭ ‬العصر‭. ‬لقد‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬مزايا‭ ‬كثيرة‭ ‬يتحلى‭ ‬بها‭ ‬الأستاذ،‭ ‬منها‭ ‬بحر‭ ‬السكون‭ ‬الذي‭ ‬يسكن‭ ‬عينيه‭ ‬ووقاره‭ ‬الذي‭ ‬يتميز‭ ‬به،‭ ‬ومازال‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬السجية‭ ‬المباركة‭ ‬حتى‭ ‬أيامه‭ ‬الأخيرة‭ ‬وخلقه‭ ‬الحميد‭ ‬وثقافته‭ ‬العميقة‭ ‬التي‭ ‬نهلت‭ ‬من‭ ‬تراث‭ ‬الشعر‭ ‬والأدب‭ ‬العربي،‭ ‬فكنا‭ ‬نحن‭ ‬الطلبة‭ ‬نجله‭ ‬لكل‭ ‬تلك‭ ‬السجايا‭ ‬الحميدة‭ ‬التي‭ ‬يتحلى‭ ‬بها‭ ‬ونتلقف‭ ‬ما‭ ‬يأتينا‭ ‬منه‭ ‬من‭ ‬علم‭ ‬وأدب‭ ‬وفكر‭ ‬وأخلاق،‭ ‬وكان‭ ‬سروره‭ ‬كبيرًا‭ ‬عندما‭ ‬يلمح‭ ‬معي‭ ‬أحيانًا‭ ‬كتبًا‭ ‬أدبية‭ ‬ويشجعني‭ ‬على‭ ‬قراءتها‭ ‬وتذوقها‭.‬

لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬مرحلة‭ ‬ثرية‭ ‬بالثقافة‭ ‬والأفكار‭ ‬والطموحات‭ ‬الوطنية‭ ‬الكبيرة،‭ ‬فالأنصاري‭ ‬يعد‭ ‬واحدًا‭ ‬من‭ ‬رواد‭ ‬التنوير‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬الذين‭ ‬ساهموا‭ ‬في‭ ‬مواكبة‭ ‬الحركة‭ ‬الثقافية‭ ‬والفكرية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬وبرزوا‭ ‬واشتهروا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إبداعاتهم‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬والشعر‭ ‬والتراث‭ ‬واللغة‭ ‬والسياسة‭.‬

فكان‭ ‬الأنصاري‭ ‬معلما‭ ‬للفكر،‭ ‬وأستاذا‭ ‬لجيل‭ ‬جديد‭ ‬مسكون‭ ‬بالحلم،‭ ‬ورائدا‭ ‬من‭ ‬رواد‭ ‬الأدب‭ ‬ورجل‭ ‬الحكمة‭ ‬والفلسفة‭ ‬والنظرة‭ ‬العميقة‭ ‬للكون‭ ‬والحياة‭ ‬والإنسان‭.‬

وهذا‭ ‬ليس‭ ‬بغريب‭ ‬على‭ ‬أستاذنا‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬نهل‭ ‬من‭ ‬المعارف‭ ‬وتأثر‭ ‬بالشعر‭ ‬العربي‭ ‬وتابع‭ ‬كتابات‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬والعقاد‭ ‬والرافعي‭ ‬والمازني‭ ‬والزيات‭ ‬ولطفي‭ ‬السيد‭ ‬ومحمد‭ ‬حسين‭ ‬هيكل،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يرد‭ ‬إلى‭ ‬الكويت‭ ‬من‭ ‬مجلات‭ ‬أدبية‭ ‬متخصصة‭ ‬مثل‭ ‬مجلات‭ ‬االرسالةب‭ ‬واالهلالب‭ ‬واالمقتطفب،‭ ‬هذا‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬كتب‭ ‬التراث‭ ‬العربي‭ ‬التي‭ ‬اطلع‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬مكتبة‭ ‬والده‭.‬

ويجب‭ ‬أن‭ ‬أشير‭ ‬إلى‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬المصادر‭ ‬والينابيع‭ ‬التي‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬وجدانه‭ ‬الشعري‭ ‬ورؤيته‭ ‬الإنسانية‭ ‬وإيمانه‭ ‬بالعروبة‭ ‬ونزعته‭ ‬الإسلامية‭ ‬العميقة‭ ‬ونظرته‭ ‬الفلسفية‭ ‬في‭ ‬قصائده‭ ‬للحياة‭ ‬والكون‭.‬

فقد‭ ‬كان‭ ‬والده‭ ‬رجل‭ ‬علم‭ ‬ودين‭ ‬يدير‭ ‬مدرسة‭ ‬لتدريس‭ ‬علوم‭ ‬القرآن‭ ‬والكتابة‭ ‬والحساب‭. ‬ودرسَ‭ ‬الأنصاري‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬والده‭ ‬وحفظ‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬وأتقن‭ ‬الخط‭ ‬العربي‭ ‬ومبادئ‭ ‬العلوم‭. ‬وعُرف‭ ‬عنه‭ ‬الذكاء‭ ‬والحماسة‭ ‬والإقبال‭ ‬على‭ ‬قاعة‭ ‬الدرس‭ ‬والتحصيل‭ ‬الجاد‭ ‬والتفوق‭ ‬بين‭ ‬زملائه‭.‬

وقد‭ ‬قام‭ ‬على‭ ‬تدريسه‭ ‬بعض‭ ‬المعلمين‭ ‬الذين‭ ‬تميزوا‭ ‬بحب‭ ‬القراءة‭ ‬والاطلاع،‭ ‬ومنهم‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬الرشيد‭ ‬الذي‭ ‬زرع‭ ‬في‭ ‬وجدان‭ ‬طلابه‭ ‬معنى‭ ‬الانتماء‭ ‬للوطن‭ ‬وعشق‭ ‬القراءة‭ ‬والشعر‭ ‬والاهتمام‭ ‬بالمجلات‭ ‬والكتب‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬اتجه‭ ‬الأنصاري‭ ‬إلى‭ ‬قراءة‭ ‬كتب‭ ‬السيرة‭ ‬والتاريخ‭ ‬وأبطال‭ ‬الفتوحات‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وشغف‭ ‬بالشعر‭ ‬العربي‭ ‬وأحب‭ ‬قصائد‭ ‬المتنبي‭ ‬وأبي‭ ‬تمام‭ ‬والشريف‭ ‬الرضي‭ ‬وحسان‭ ‬بن‭ ‬ثابت‭ ‬وبعض‭ ‬شعراء‭ ‬العصر‭ ‬الجاهلي‭.‬

وحينما‭ ‬اتجه‭ ‬إلى‭ ‬المدرسة‭ ‬المباركية‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1928‭ ‬يدرس‭ ‬هناك‭ ‬لمدة‭ ‬ثماني‭ ‬سنوات‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يعمق‭ ‬اتجاهاته‭ ‬الأدبية‭ ‬بالقراءة‭ ‬واقتناء‭ ‬المجلات‭ ‬المتخصصة،‭ ‬مثل‭ ‬مجلة‭ ‬االرسالةب‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يصدرها‭ ‬من‭ ‬مصر‭ ‬الأديب‭ ‬أحمد‭ ‬حسن‭ ‬الزيات،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬لمست‭ ‬كتابات‭ ‬الزيات‭ ‬والرافعي‭ ‬وهيكل‭ ‬والعقاد‭ ‬وطه‭ ‬حسين‭ ‬مشاعر‭ ‬الأنصاري‭ ‬وتأثر‭ ‬فكره‭ ‬بهم‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭.‬

لم‭ ‬يتوقف‭ ‬الأمر‭ ‬عند‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الأنصاري‭ ‬حينما‭ ‬شغل‭ ‬وظيفة‭ ‬محاسب‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬الكويت‭ ‬بالقاهرة‭ ‬اقترب‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬نبض‭ ‬الحركة‭ ‬الثقافية‭ ‬والسياسية‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬واستوعب‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬حوله‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬خلال‭ ‬بداية‭ ‬فترة‭ ‬الخمسينيات،‭ ‬ولاسيما‭ ‬عندما‭ ‬تولى‭ ‬تحرير‭ ‬مجلة‭ ‬االبعثةب‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يصدرها‭ ‬بيت‭ ‬الكويت‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬التقى‭ ‬بالعقاد‭ ‬وطه‭ ‬حسين‭ ‬وأحمد‭ ‬زكي‭ ‬أبوشادي‭ ‬والرافعي،‭ ‬وشاهد‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأدباء‭ ‬الذين‭ ‬عاش‭ ‬معهم‭ ‬منذ‭ ‬دراسته‭ ‬يقرأ‭ ‬لهم‭ ‬ويتابعهم،‭ ‬وها‭ ‬هو‭ ‬يلتقي‭ ‬بهم‭ ‬ويدعوهم‭ ‬لندوات‭ ‬ثقافية‭ ‬وأمسيات‭ ‬شعرية‭ ‬ومطارحات‭ ‬فكرية‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬الكويت‭.‬

وقد‭ ‬تحدث‭ ‬كثيرا‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬الثرية‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬فقال‭: ‬مازلت‭ ‬أذكر‭ ‬فرحتي‭ ‬بأول‭ ‬كتاب‭ ‬اشتريته،‭ ‬وبعدما‭ ‬قرأته‭ ‬أردت‭ ‬أن‭ ‬أحصل‭ ‬على‭ ‬غيره،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬مكانته‭ ‬لدي‭ ‬اضطررت‭ ‬إلى‭ ‬بيعه،‭ ‬لكي‭ ‬أشتري‭ ‬بقيمته‭ ‬كتابًا‭ ‬آخر،‭ ‬وبعدما‭ ‬فعلت‭ ‬ذلك‭ ‬شعرت‭ ‬بالندم‭ ‬على‭ ‬كتابي‭ ‬الأول‭.‬

وفي‭ ‬حديث‭ ‬آخر‭ ‬يعرض‭ ‬علينا‭ ‬كتاب‭ ‬عباس‭ ‬محمود‭ ‬العقاد‭ ‬اعبقرية‭ ‬عمرب،‭ ‬ويبتسم‭ ‬وهو‭ ‬يقول‭: ‬لا‭ ‬أنسى‭ ‬حين‭ ‬كنت‭ ‬أقرأ‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬الكهرباء‭ ‬قد‭ ‬وصلت‭ ‬المنازل،‭ ‬كنت‭ ‬في‭ (‬الليوان‭) ‬وهو‭ ‬مدخل‭ ‬المنزل‭ ‬إلى‭ ‬الحجرة‭ ‬الرئيسية،‭ ‬وكان‭ ‬الضوء‭ ‬ينبعث‭ ‬من‭ ‬فتيلة‭ ‬السراج‭ ‬المعلق‭ ‬بالجدار،‭ ‬كنت‭ ‬أقرأ‭ ‬حينا‭ ‬ثم‭ ‬أنهض‭ ‬لكي‭ ‬أرفع‭ ‬فتيلة‭ ‬السراج‭ ‬بعدما‭ ‬تذبل‭ ‬ويخبو‭ ‬نورها‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬سويعات‭ ‬حتى‭ ‬شعرت‭ ‬بحرارة‭ ‬غلاف‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬كاد‭ ‬يحترق‭.‬

ويضيف‭ ‬قائلا‭: ‬لقد‭ ‬فقدت‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬كتبي‭ ‬حين‭ ‬عينت‭ ‬في‭ ‬ابيت‭ ‬الكويتب‭ ‬في‭ ‬القاهرة،‭ ‬ومن‭ ‬جديد‭ ‬بدأت‭ ‬هناك‭ ‬بممارسة‭ ‬هوايتي‭ ‬باقتناء‭ ‬الكتب،‭ ‬ويتجاوز‭ ‬عدد‭ ‬كتبي‭ ‬العشرة‭ ‬آلاف،‭ ‬ولا‭ ‬تنحصر‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬محدد،‭ ‬وغير‭ ‬هذه‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬ترونها‭ ‬لديَّ‭ ‬الكثير‭ ‬في‭ ‬منزلي‭ ‬بالقاهرة،‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أجلبها‭ ‬إلى‭ ‬الكويت،‭ ‬ولكن‭ ‬المكان‭ ‬لا‭ ‬يحتمل‭ ‬المزيد‭. ‬أنا‭ ‬أحرص‭ ‬على‭ ‬الكتب‭ ‬كما‭ ‬أهتم‭ ‬بالأوراق‭ ‬التي‭ ‬بحوزتي‭ ‬وهي‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬مقالات،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬سينشرها‭ ‬وقد‭ ‬زاد‭ ‬عددها‭ ‬على‭ ‬12‭ ‬ألف‭ ‬صفحة؟‭ ‬والحمد‭ ‬لله‭ ‬فقد‭ ‬طبعت‭ ‬11‭ ‬كتابا‭ ‬حول‭ ‬شخصيات‭ ‬ثقافية‭ ‬كويتية‭ ‬وفي‭ ‬مواضيع‭ ‬أدبية،‭ ‬منها‭ ‬افهد‭ ‬العسكر‭: ‬حياته‭ ‬وشعره،‭ ‬صقر‭ ‬الشبيب‭ ‬وفلسفته‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬خواطر‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬القمر،‭ ‬روح‭ ‬القلم،‭ ‬حوار‭ ‬المفكرين،‭ ‬الساسة‭ ‬والسياسة‭ ‬والوحدة‭ ‬الضائعة‭ ‬بينهما،‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬بين‭ ‬العامية‭ ‬والفصحى،‭ ‬مع‭ ‬الكتب‭ ‬والمجلات،‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬السلام،‭ ‬مع‭ ‬الشعراء،‭ ‬حوار‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬صغيرب‭.‬

ومن‭ ‬الكتب‭ ‬النادرة،‭ ‬فإنني‭ ‬أحتفظ‭ ‬بالكثير‭ ‬مما‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬متوافرًا‭ ‬في‭ ‬المكتبات،‭ ‬هذا‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المخطوطات،‭ ‬ولقد‭ ‬أهداني‭ ‬محمود‭ ‬تيمور‭ ‬حين‭ ‬زارني‭ ‬في‭ ‬منزلي‭ ‬بعض‭ ‬مؤلفاته‭. ‬ومعظم‭ ‬كتبي‭ ‬حصلت‭ ‬عليها‭ ‬بالشراء‭ ‬وبعضها‭ ‬هدية‭ ‬من‭ ‬مطبعة‭ ‬الحاج‭ ‬حلمي‭ ‬المنياوي،‭ ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬رئيسا‭ ‬لتحرير‭ ‬مجلة‭ ‬البعثة‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬كنا‭ ‬نطبعها‭ ‬هناك‭ ‬وفي‭ ‬تلك‭ ‬المطبعة‭ ‬تعرفت‭ ‬على‭ ‬كتاب‭ ‬كبار‭ ‬أمثال‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬الغزالي‭ ‬وسيد‭ ‬قطب‭ ‬وسيد‭ ‬سابق‭ ‬رحمهم‭ ‬الله،‭ ‬وحين‭ ‬تحولنا‭ ‬بطباعة‭ ‬البعثة‭ ‬إلى‭ ‬دار‭ ‬المعارف‭ ‬كنت‭ ‬أحصل‭ ‬على‭ ‬نسخ‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬تطبع‭ ‬هناك،‭ ‬ومازلت‭ ‬أحتفظ‭ ‬بكتاب‭ ‬امعجز‭ ‬أحمدب‭ ‬وهو‭ ‬شرح‭ ‬لديوان‭ ‬المتنبي‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬أبي‭ ‬العلاء‭ ‬المعري‭.‬

وحين‭ ‬سألته‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭ ‬عن‭ ‬نظرته‭ ‬للحياة‭ ‬بعد‭ ‬رحلة‭ ‬العمر‭ ‬والكتابة‭ ‬والسفر‭ ‬والقراءة‭ ‬قال‭: ‬الحياة‭ ‬لحظات‭ ‬يجني‭ ‬منها‭ ‬الحكيم‭ ‬أو‭ ‬المثقف‭ ‬ثمار‭ ‬العلم‭ ‬والمعرفة‭ ‬والحب،‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬تتحول‭ ‬هذه‭ ‬اللحظات‭ ‬في‭ ‬عيون‭ ‬العابثين‭ ‬والمفسدين‭ ‬إلى‭ ‬صراع‭ ‬وحروب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬السيطرة‭ ‬والاستعلاء‭ ‬والاستحواذ‭. ‬ولذلك‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تدرك‭ ‬دربك‭ ‬الذي‭ ‬تبحث‭ ‬عنه،‭ ‬ولا‭ ‬تدع‭ ‬الأقدار‭ ‬تقذف‭ ‬بك‭ ‬كما‭ ‬تشاء‭.‬

وأشار‭ ‬إلى‭ ‬قصيدته‭ ‬التي‭ ‬تقول‭:‬

دعها‭ ‬بمعترك‭ ‬الحياة‭ ‬تدورُ

فالعيش‭ ‬زيف‭ ‬والأنام‭ ‬قشورُ

دعها‭ ‬تدور‭ ‬إذن‭ ‬وحتى‭ ‬تنتهي

ويلفها‭ ‬في‭ ‬صمته‭ ‬الديجور

وهل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نتصور‭ ‬أن‭ ‬إحدى‭ ‬قصائد‭ ‬الأنصاري‭ ‬مازالت‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬واقعنا‭ ‬وكأنه‭ ‬كتبها‭ ‬ليصف‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬غرق‭ ‬في‭ ‬المجادلات‭ ‬والنقاش‭ ‬دون‭ ‬تحقيق‭ ‬ما‭ ‬يفيد‭ ‬الشعوب‭ ‬وينقذها‭ ‬من‭ ‬براثن‭ ‬الفقر‭ ‬والقهر‭ ‬والعبودية‭.‬

وهذه‭ ‬القصيدة‭ ‬نشرها‭ ‬في‭ ‬العدد‭ ‬الثاني‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬السنة‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬البعثة،‭ ‬الموافق‭ ‬يناير‭ ‬1949،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬القصيدة‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬التي‭ ‬امتزج‭ ‬فيها‭ ‬الأنصاري‭ ‬بفكره‭ ‬وحسه‭ ‬ووجدانه‭ ‬القومي‭ ‬والعروبي‭ ‬خلال‭ ‬حياته‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬فيقول‭:‬

قد‭ ‬سئمنا‭ ‬القول‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬وكنا

ومللنا‭ ‬النظم‭ ‬ألفاظا‭ ‬ووزنا

خطب‭ ‬تلقى‭ ‬فلا‭ ‬نسمعها

غير‭ ‬أقوال‭ ‬حوت‭ ‬دانوا‭ ‬ودِنّا

وقصيد‭ ‬زوقت‭ ‬أوزانه

قد‭ ‬خلت‭ ‬أبياته‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬معنى

ليس‭ ‬يجدي‭ ‬زخرف‭ ‬من‭ ‬كلم

لا‭ ‬ولا‭ ‬يدرك‭ ‬شيئا‭ ‬من‭ ‬تمنى

نتمنى‭ ‬والأماني‭ ‬كَذب

يا‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬أمنيات‭ ‬لَيست‭ ‬تُغنى

كم‭ ‬ملأنا‭ ‬كل‭ ‬نفس‭ ‬حسرة

وسكبنا‭ ‬الدمع‭ ‬آلاما‭ ‬وحزنا

عاش‭ ‬الأنصاري‭ ‬حياته‭ ‬رجل‭ ‬الموقف‭.. ‬إذا‭ ‬تحدث‭ ‬صدق،‭ ‬وإذا‭ ‬وعد‭ ‬التزم،‭ ‬وإذا‭ ‬شعر‭ ‬عبَّر‭ ‬في‭ ‬شعر‭ ‬أو‭ ‬مقال‭.. ‬من‭ ‬أدباء‭ ‬الحرية‭ ‬ودعاة‭ ‬الحق‭ ‬والخير‭ ‬والجمال‭.. ‬يؤمن‭ ‬بطموحات‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تغيير‭ ‬واقعه‭ ‬وتحرير‭ ‬وطنه‭ ‬من‭ ‬القيود‭ ‬والأغلال،‭ ‬يسكنه‭ ‬حس‭ ‬مرهف‭ ‬ونزعة‭ ‬إنسانية‭ ‬تشفق‭ ‬لكل‭ ‬إنسان‭ ‬وتخفق‭ ‬روحه‭ ‬لعذاب‭ ‬الحيارى‭ ‬والضائعين‭ ‬والمشردين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكون،‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬العدل‭ ‬والحرية‭ ‬والسلام‭ ‬للعالم‭ ‬دون‭ ‬تفرقة‭ ‬أو‭ ‬تعصب‭ ‬أو‭ ‬نزعات‭ ‬إقليمية،‭ ‬يمتد‭ ‬وطنه‭ ‬ليشمل‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬دون‭ ‬حدود‭ ‬أو‭ ‬أسوار‭. ‬وناقش‭ ‬في‭ ‬كتبه‭ ‬قضايا‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬وقضايا‭ ‬العنصرية،‭ ‬ودعا‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬خالٍ‭ ‬من‭ ‬العنف‭ ‬والاستبداد‭ ‬والاضطهاد‭.‬

كشف‭ ‬عن‭ ‬كنوز‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬بالكويت‭ ‬بمتابعة‭ ‬وإصدار‭ ‬كتب‭ ‬لشعراء‭ ‬مبدعين،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أنه‭ ‬لولا‭ ‬جهده‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬كنا‭ ‬قرأنا‭ ‬عن‭ ‬فهد‭ ‬العسكر‭ ‬أو‭ ‬صقر‭ ‬الشبيب‭ ‬أو‭ ‬محمود‭ ‬شوقي‭ ‬الأيوبي‭ ‬وغيرهم‭. ‬وحفلت‭ ‬مقالاته‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬الصحف‭ ‬والمجلات‭ ‬الأدبية‭ ‬وافتتاحية‭ ‬مجلتي‭ ‬البعثة‭ ‬أو‭ ‬البيان‭ ‬بتحليل‭ ‬للواقع‭ ‬الأدبي‭ ‬وقضايا‭ ‬الفكر‭ ‬السائدة،‭ ‬وهو‭ ‬حريص‭ ‬على‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬والتراث‭ ‬والشعر،‭ ‬ويدعو‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬إلى‭ ‬القراءة‭ ‬والتزود‭ ‬من‭ ‬نهر‭ ‬الأدب‭ ‬وفنونه‭.‬

وعندما‭ ‬تفرغ‭ ‬للأدب‭ ‬تمامًا‭ ‬كان‭ ‬ديوانه‭ ‬بالشامية‭ ‬يمثل‭ ‬المدرسة‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬احتشد‭ ‬فيها‭ ‬المفكرون‭ ‬والشعراء‭ ‬والأدباء‭ ‬لمناقشة‭ ‬أعمق‭ ‬القضايا‭ ‬الثقافية‭ ‬والسياسية‭. ‬وأعتقد‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬نكتب‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الأنصاري‭ ‬وديوانه‭ ‬الثقافي‭ ‬الذي‭ ‬زاره‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬العربية‭ ‬والأجنبية‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬للكويت‭. ‬وكنت‭ ‬أحرص‭ ‬على‭ ‬حضور‭ ‬ديوانه‭ ‬هذا،‭ ‬وأجلس‭ ‬كما‭ ‬كنت‭ ‬أجلس‭ ‬في‭ ‬مقاعد‭ ‬الدراسة‭ ‬أنصت‭ ‬بشغف‭ ‬إلى‭ ‬حديثه‭ ‬العذب‭ ‬وروحه‭ ‬المرحة‭ ‬وهو‭ ‬يعود‭ ‬بنا‭ ‬إلى‭ ‬الأربعينيات‭ (‬1943‭) ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحادثة‭ ‬الشهيرة‭ ‬ويقول‭:‬

احينما‭ ‬حاول‭ ‬مدير‭ ‬المعارف‭ ‬إلغاء‭ ‬مناهج‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬المباركية‭ ‬ويستبدل‭ ‬بها‭ ‬مقررات‭ ‬يومية‭ ‬توزع‭ ‬على‭ ‬المدرسين‭ ‬الذين‭ ‬يدرسونها‭ ‬في‭ ‬الصفوف‭. ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬يغضب‭ ‬الطلاب‭ ‬أمثالنا‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬المدرسين‭ ‬غضبوا‭ ‬واعترضوا‭. ‬المهم‭ ‬فوجئنا‭ ‬بنسف‭ ‬مناهج‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬والتاريخ‭ ‬العربي‭ ‬وسواها،‭ ‬فكان‭ ‬رد‭ ‬فعلنا‭ ‬وحصل‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬وتعرضنا‭ ‬للاعتقال‭ ‬لمدة‭ ‬أسبوع‭ ‬ثم‭ ‬أفرج‭ ‬عناب‭.‬

ويقول‭ ‬لنا‭ ‬الأستاذ‭ ‬فيصل‭ ‬محمد‭ ‬الحجي‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬ديوان‭ ‬الأنصاري‭ ‬وأثره‭ ‬الثقافي‭: ‬

افي‭ ‬إحدى‭ ‬الأمسيات‭ ‬بديوانه‭ ‬بالشامية‭ ‬حملت‭ ‬إليه‭ ‬بيتين‭ ‬لشاعر‭ ‬أندلسي‭ ‬لم‭ ‬أوفق‭ ‬في‭ ‬معرفة‭ ‬اسمهب‭ ‬وهما‭:‬

مما‭ ‬يزهدني‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬أندلس

أسماء‭ ‬معتضد‭ ‬فيها‭ ‬ومعتمد

ألقاب‭ ‬مملكة‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬موضعها

كالهر‭ ‬يحكي‭ ‬انتفاخًا‭ ‬صولة‭ ‬الأسد

وما‭ ‬إن‭ ‬أنشدته‭ ‬إياهما‭ ‬حتى‭ ‬قال‭: ‬هذان‭ ‬لابن‭ ‬رشيق‭ ‬القيرواني‭.‬

هكذا‭ ‬هو‭ ‬الأستاذ‭ ‬الذي‭ ‬تقرأ‭ ‬كتبه‭ ‬فينالك‭ ‬العجب‭ ‬من‭ ‬موسوعيته،‭ ‬وهي‭ ‬صفة‭ ‬أضحت‭ ‬نادرة‭ ‬في‭ ‬أيامنا‭ ‬هذه،‭ ‬وتستمع‭ ‬إلى‭ ‬حديثه‭ ‬فيعود‭ ‬بك‭ ‬إلى‭ ‬الزمن‭ ‬الجميل،‭ ‬وتصغي‭ ‬إلى‭ ‬شعره‭ ‬فتحس‭ ‬بأنه‭ ‬أطيب‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬الربيع‭.‬

تميز‭ ‬الأنصاري‭ ‬بفلسفة‭ ‬مزج‭ ‬بها‭ ‬أشعاره‭ ‬وآراءه‭ ‬ودعوته‭ ‬إلى‭ ‬الحرية‭ ‬والسلام‭ ‬ورفض‭ ‬الحروب‭ ‬والدمار‭. ‬وعبر‭ ‬عن‭ ‬مشاعر‭ ‬الحب‭ ‬في‭ ‬صور‭ ‬روحية‭ ‬تسمو‭ ‬بالنفس‭ ‬وتحلق‭ ‬في‭ ‬فضاءات‭ ‬من‭ ‬الوجد‭ ‬والأشواق‭.‬

كان‭ ‬دائمًا‭ ‬يرمق‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬حوله‭ ‬في‭ ‬كبرياء‭.. ‬فالأستاذ‭ ‬الكبير‭ ‬له‭ ‬صومعته‭ ‬وعالمه‭ ‬الكبير‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬الانحناء‭ ‬أو‭ ‬الاستسلام‭ ‬لليأس‭ ‬أو‭ ‬الهزائم،‭ ‬ولكنه‭ ‬محفز‭ ‬للهمم‭ ‬ومفجر‭ ‬للطموحات‭ ‬ومن‭ ‬دعاة‭ ‬السلام‭ ‬والحرية‭.‬

ولذلك،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يسعى‭ ‬خلف‭ ‬الحياة‭ ‬الهزيلة‭ ‬ومباهجها‭ ‬الزائلة‭ ‬ويعجب‭ ‬من‭ ‬الإنسان‭ ‬الذي‭ ‬تزرى‭ ‬به‭ ‬الدنيا،‭ ‬ولكنه‭ ‬يتبعها‭ ‬فيقول‭:‬

وعجبت‭ ‬للإنسان‭ ‬نزعته

نحو‭ ‬البقاء‭ ‬فهي‭ ‬لديه‭ ‬رَشَد

تزرى‭ ‬به‭ ‬الدنيا‭ ‬فيتبعها

أيريد‭ ‬أن‭ ‬يحيا‭ ‬حياة‭ ‬لبَد؟

وعظ‭ ‬الزمان‭ ‬فيالها‭ ‬عظة

وعظ‭ ‬الزمان‭ ‬بها‭ ‬فلات‭ ‬أحد

أم‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬الإنسان‭ ‬عارفة

أو‭ ‬قاله‭ ‬فيها‭ ‬بغير‭ ‬سند؟

تبا‭ ‬لهذا‭ ‬المرء‭ ‬قالته

أبدا‭ ‬غثاء‭ ‬كلها‭ ‬وزبَد

لقد‭ ‬تعلمنا‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المفكر‭ ‬والمعلم‭.. ‬ومنحنا‭ ‬فيضا‭ ‬من‭ ‬عطائه‭ ‬الأدبي‭ ‬والإنساني‭.. ‬وحين‭ ‬رحل‭ ‬عنا‭ ‬شعرنا‭ ‬جميعًا‭ ‬نحن‭ ‬تلامذته‭ ‬وأصدقاؤه‭ ‬وقراء‭ ‬أدبه‭ ‬وفكره‭ ‬أننا‭ ‬ككتاب‭ ‬ممزق‭ ‬الصفحات،‭ ‬مبلل‭ ‬بدموع‭ ‬الحزن،‭ ‬وذكريات‭ ‬العذاب،‭ ‬ولكننا‭ ‬مازلنا‭ ‬نعيش‭ ‬معه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬كتبه‭ ‬ومؤلفاته‭ ‬الكثيرة‭.‬

رحم‭ ‬الله‭ ‬عبدالله‭ ‬الأنصاري‭ ‬علما‭ ‬من‭ ‬أعلام‭ ‬الفكر‭ ‬والأدب‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬لا‭ ‬تنطفئ‭ ‬نجوم‭ ‬ذكراه‭ ‬أبدًا‭ ‬من‭ ‬حياتنا‭ .