الطاقة والمياه في الشرق الأوسط: السياسات الخفية للنزاع حول المياه بين الفلسطينيين والإسرائيليين

تتوزع اهتمامات الباحث الكندي مارك زيتون في الاقتصاد السياسي للإدارة البيئية العابرة للحدود في سياقات «التنمية»، بمعنى أنه يركز أعماله البحثية على ثلاثة مواضيع محددة؛ الصراع والتعاون حول المياه العابرة للحدود الدولية، المناخ والتكيف مع التغيرات البيئية والسياسية، وأخيرًا العلاقات بين الصراعات البيئية، والبشرية، والدولة والأمن الإقليميين. من هنا يرى المتتبع لكتابات زيتون ومشاركاته في المؤتمرات الدولية أنها تركز على هذه الأمور، خاصة في جغرافيا منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.
ويستند بحث زيتون على عمل مهني طويل في مجال سياسات وإدارة ومفاوضات القضايا المائية. فقد عمل كمهندس مياه للمساعدات الإنسانية في مناطق الصراع وما بعد الصراع، في تشاد، ودارفور، والكونغو برازافيل، ولبنان، والعراق، وفلسطين. كما أنه يشارك في مؤتمرات عدة ببريطانيا حيث يقيم ويدرس الآن، في كلية التنــمية الدولية، جامعة إيست أنجلـــيا، لندن، وهو مؤلف الكتاب الذي نعرض له : االطـــــاقة والميـــاه في الشرق الأوسط: السياسات الخفية للنزاع حول المياه بين الفلسطينيين والإسرائيليينب.
يقدم كتاب االطاقة والمياه في الشرق الأوسطب وجهة نظر جديدة وقوية على صراع المياه بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو إذ يستند في رؤاه تاريخيا إلى أساليب الهيمنة المعتادة، يكشف عن تكتيكات حالية للسيطرة على المياه تقود بعيدا عن السلام ونحو الهيمنة.
خطط داخل وخارج الحدود
الجهد الذي بذله المهندس الكندي مارك زيتون لا ينطلق من فراغ، كما أشرنا، وهو جهد يحاول إضاءة المشهد العربي، الذي إن كان يعاني من نقص المياه الآن، فالمستقبل أسوأ.
دولة الاحتلال الإسرائيلي لا تعتدي فقط على المياه داخل الحدود التي اختلستها، بل تتجاوزها إلى لبنان، شمالا، وفي محاضرة سابقة له أوضح زيتون الاوضاع الصعبة التي يعيشها سكان جنوب لبنان. كانت المحاضرة بدعوة من الجمعية الفلسطــــينية في كلية الدراسات الشرقية والإفريقـــــية في جامـــعة لندن وشملت عرضا بالشرائح التي صوّرها للدمار الذي لحق بالقرى الجنوبية اللبنانية وتجهيزاتها المائية وأبنيتها نتيجة للقصف الإسرائيلي المتعمد لهذه التجهيزات، سعيا إلى تهجير ما تبقى من السكان الذين لم يتعرضوا للقتل والجرح بواسطة القنابل العنقودية وغيرها من الأسلحة المدمرة، التي تمنعها اتفاقيات جنيف، والتي استخدمتها دولة الاحتلال الإسرائيلي في حربها ضد لبنان عموما، وسكان جنوب لبنان خصوصا.
وأكد زيتون أن دولة الاحتــــــلال الإسرائيلي كانت مهتمة إلى درجة اكبر بتعطيل العمليات المائية في نهر الوزاني، حيث ضربت محطة الطيبة لضخ المياه، وان اهتمامها بمياه الليـــــطاني ووضع يدها عليها وإطلاق مشاريع فيها لمصلحتها سيستمر إلى درجة اكبر في السنوات القادمة، وضربت دولة الاحتلال الإسرائيلي القلاع التاريخية في الجنوب وخصوصا قلعة شمع قرب بلدة مجــــدل زون لإزالة الثروات الحضــــــارية ـ السياحية، كما دمرت سجن الــــخيام الذي اعتمدته قوات الاحتلال سابقا لاعتقال المقاومـــــين اللبنانييـــــن. واعتـــــبر زيتــــــون أن التحليق الإسرائيلي العسكري المستمر فوق لبنان يهدف إلى التشكيك في السيادة اللبنانية وهدفه اقتصادي - سياسي في الوقت عينه اذ يسعى إلى تصعيد النزاعات السياسية بين الفئات اللبنانية المختلفة وإلى إفشال أي نشاطات اقتصادية دولية تقوم بها الحكومة اللبنانية لإعادة الاستثمارات العربية والدولية إلى لبنان.
هل هناك تواطؤ؟
الخبرة المدنية هي التي تعطي المصداقية لمثل هذه الكتب، فاستعراض التاريخ قد يستند إلى مؤلفات سابقة، ولكن قراءة الواقع تحتاج إلى الانطلاق في اتجاهين، النزول إلى الميدان، وهو ما أتيح للمهندس مارك زيتون، وكذلك الاستبصار، وهو رؤية إستراتيجية تتاح لخبير اعترك هذا المجال.
المياه الدولية العابرة للحدود مورد متعاظم الأهمية، ويتطلب إدارة هذا المورد بشكل مستدام التعاون الدولي الفعال، على أساس الأهداف المشتركة (وهنا تتعاظم القضية في تعارض هدفي الصراع داخل فلسطين، الإسرائيليين وأصحاب الأرض)، وهي الأهداف التي تؤسس لمبادئ تقاسم عادلة للمياه. فدولة الاحتلال الإسرائيلي لا تسرق مياه فلسطين وحسب، بل تمتد خططها إلى أنهار الأردن ولبنان أيضا، وإذا استطاعت لوصلت أذرعها الإخطبوطية إلى أنهار النيل والرافدين دجلة والفرات. والواقع أن عدم استكشاف مختلف السبل التي تحافظ على التوزيع يمكن أن يساعد في تأجيج الصراع السياسي على شكل أوسع.
يركز مارك زيتون على االسياسة الخفيةب وراء صراع المياه بين دولة الاحتلال الإسرائيلي والفلسطينيين حيث يرى أن دولة الاحتلال الإسرائيلي قد نجحت في جعل سيطرتها على جزء من الموارد المائية، نموذجا من الباطن، أي دفع القرارات وخيارات السياسة العامة القائمة التي يتم إقرارها من قبل السياسيين ومديري المياه الفلسطينيين، بشكل يحول المجتمع المهني الفلسطيني البراغماتي إلى شركاء في سرقة الموارد التي تقوم بها دولة الاحتلال الإسرائيلي في مرحلة ما بعد الاحتلال والاستعمار.
ورغم خطورة هذا الاتهام، فهو يوضح اهتمام دولة الاحتلال الإسرائيلي بأمنها على المدى الطويل (أي بلد لن يكون؟) وهو ما يعني أنها لن توافق على فصل الحقوق الأساسية للمياه على أساس دائم حتى يتم توضيح كل التفاصيل الخاصة بحل الدولتين.
دولة الاحتلال الإسرائيلي
ستبيع المياه في المستقبل
إن دولة الاحتلال الإسرائيلي تخطط - ربما - لبيع الفلسطينيين (والأردنيين) المياه التي يمكن أن يحتاج إليها سكانهما، خاصة إذا علمنا أن الخطة الوطنية للمياه للعام 2040 تدعو دولة الاحتلال الإسرائيلي لتوفير 70% من احتياجاتها من المياه عبر التحلية.
هذا يعني أنه يمكن أن تتيح المياه للفــــلسطينيين عبر بيعــــها بكــــميات غير محدودة (تتوفر باستخدامات متعددة لنفس إمدادات المياه والإنتاج الزراعي الأكثر كفاءة، وخفض فقدان االمياه الافتراضيةب عن طريق تقليص شحنات الفواكه والخضراوات من المنطقة، والاستثمارات الضخمة في تحلية المياه)، وبأسعار متواضعة. هذه الخطة المستقبلية لبيع المياه هي دليل آخر على الهيمنة المائية، فيما يراها واضعــــــوها أنها خطوة نحو الاعتماد الاقتصادي المتبادل. لكن اسرائيل تسعى - في حال حدوث هجمات في المستقبل - إلى إيقاف صنبور الماء، ويكون البديل هو الاستثمار الفلسطيني في مرافق مستـــقلة لتحــــــلية المياه.
الخلاصة أن المؤلف يرى أن هناك ميلاً إلى التقليل من الآثار السلبية للصراعات على المياه، وهو ما يمثل - في نظري - لعبة العصا والجزرة. إن التعاون بين البلدان يخفي الخلل العميق والكامن وراء الصراع بينها. ويظهر عمل مارك زيتون المهم كيف يكشف الإطار التحليلي الهيمنة المائية التي تستخدم لكشف الحراك الخفي لصراعات المياه في جميع أنحاء العالم، وكيف، على وجه الخصوص، تسفر عن وجهها بالوضع المائي في الشرق الأوسط.
وهكذا يحاول هذا الكتاب كشف كيف تؤثر هذه الفجوة في استخدام السلطة على المياه على نتيجة المفاوضات والصراعات. يقول معظم المختصين والعلماء في هذا المجال إن معاهدة للتعاون ستؤدي إلى السلام. ولكن مصادر المياه النادرة قد تؤدي الى احروب المياهب.
ومن وجهة نظره فإن دولة الاحتلال الإسرائيلي غيرت سياساتها من أجل التمويه والسيطرة، (خاصة بعد حرب الأيام الستة 1967) وغيرت من القوة الصلبة إلى شكل أكثر نعومة (وأكثر فعالية)، من خلال السيطرة على محتوى المعاهدات (كانب ديفيد وشروطها)، ومحتويات الخطابات الدولية. ولذلك فهي أميل للصراع الخفي لأنها ستسيطر عليه، من مخاطرة خـــوض صــــراع قوي لا يخدم مصالحها .