مسـتـقــبــلـنــا الـعــربــي كما يكشفه العالم الافتراضي

مسـتـقــبــلـنــا الـعــربــي  كما يكشفه العالم الافتراضي

عند‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬مستقبل‮»‬‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬محرك‭ ‬البحث‭ ‬‮«‬جوجل‮»‬،‭ ‬فاجأني‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬نتائج‭ ‬البحث‭ ‬بلغت‭ ‬104‭ ‬ملايين‭ ‬نتيجة‭..‬قلت‭: ‬رائع‭! ‬هناك‭ ‬محتوى‭ ‬رقمي‭ ‬عربي‭ ‬ضخم‭ ‬يهتم‭ ‬بالمستقبل‭! ‬ثم‭ ‬بحثت‭ ‬عن‭ ‬الكلمة‭ ‬بالإنجليزية،‭ ‬ووجدت‭ ‬نتيجة‭ ‬صادمة‭! ‬فقد‭ ‬بلغت‭ ‬نتائج‭ ‬البحث‭ ‬مليارًا‭ ‬و870‭ ‬مليون‭ ‬نتيجة‭. ‬

أي‭ ‬أن‭ ‬الفارق‭ ‬حوالي‭ ‬18‭ ‬ضعفًا‭ ‬تقريبا‭! ‬قلت‭ ‬لا‭ ‬بأس،‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬نحن‭ ‬نعرف‭ ‬أن‭ ‬المحتوى‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬الإنترنت‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬فقيرًا،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬نحن‭ ‬لدينا‭ ‬104‭ ‬ملايين‭ ‬نتيجة‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يعكس‭ ‬اهتمامًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬بالمستقبل،‭ ‬ثم‭ ‬غيرت‭ ‬محرك‭ ‬البحث‭ ‬جوجل‭ ‬من‭ ‬اجوجل‭ ‬الكويتب‭ ‬إلى‭ ‬اجوجل‭ ‬مصرب،‭ ‬فارتفعت‭ ‬نتائج‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬كلمة‭ ‬االمستقبلب؛‭ ‬وكانت‭ ‬النتيجة‭ ‬زيادة‭ ‬نتائج‭ ‬البحث‭ ‬إلى‭ ‬240‭ ‬مليون‭ ‬نتيجة‭ ‬بحث‭. ‬تفاءلت‭ ‬وقلت‭ ‬لنفسي‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬أملاً‭ ‬كلما‭ ‬وسعنا‭ ‬نطاقات‭ ‬البحث‭ ‬كما‭ ‬يبدو،‭ ‬فدعنا‭ ‬إذن‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬السفاسف‭ ‬العددية‭ ‬وللنطلق‭ ‬فورًا‭ ‬إلى‭ ‬المحتوى‭.‬

بدأت‭ ‬أتأمل‭ ‬النتائج‭ ‬تباعًا‭ ‬وجاءت‭ ‬كالتالي‭: ‬االموقع‭ ‬الرسمي‭ ‬لجريدة‭ ‬المستقبلب،‭ ‬اتلفزيون‭ ‬المستقبلب،‭ ‬اجامعة‭ ‬المستقبل‭ ‬في‭ ‬مصرب،‭ ‬اموقع‭ ‬جريدة‭ ‬المستقبل‭ ‬في‭ ‬الكويتب،‭ ‬مُستقبِل‭ (‬كيمياء‭)‬،‭ ‬وهي‭ ‬مرادفة‭ ‬تعني‭ ‬المستقبِلات‭ ‬العصبية،‭ ‬أو‭ ‬بالأدق،‭ ‬الأجزاء‭ ‬البروتينية‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬الاستقبال‭ ‬والاستجابة‭ ‬للنواقل‭ ‬العصبية،‭ ‬ثم‭ ‬امواصفات‭ ‬زوجة‭ ‬المستقبل‭ ‬في‭ ‬السعوديةب،‭ ‬اجائزة‭ ‬زايد‭ ‬لطاقة‭ ‬المستقبلب،‭ ‬وهنا‭ ‬نكون‭ ‬وصلنا‭ ‬لأول‭ ‬تماس‭ ‬يقترب‭ ‬من‭ ‬معنى‭ ‬المستقبل‭ ‬الذي‭ ‬نبحث‭ ‬عنه،‭ ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬استمرار‭ ‬البحث‭ ‬سنعود‭ ‬لدائرة‭ ‬الاستخدام‭ ‬الدعائي‭ ‬لكلمة‭ ‬مستقبل‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬إما‭ ‬اسم‭ ‬جريدة‭ ‬أو‭ ‬مجلة‭ ‬أو‭ ‬موقع‭ ‬خبري‭ ‬أو‭ ‬مدرسة،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬شيء‭ ‬يتعلق‭ ‬حقا‭ ‬بفكرة‭ ‬المستقبل‭ ‬بالمعنى‭ ‬الفكري‭ ‬أو‭ ‬العلمي‭.‬

في‭ ‬المقابل‭ ‬وفي‭ ‬الإنجليزية‭ ‬فإن‭ ‬النتائج‭ ‬الأولى‭ ‬للبحث‭ ‬تأتي‭ ‬كالتالي‭: ‬االمستقبل‭.. ‬في‭ ‬الموسوعة‭ ‬الافتراضية‭ ‬الشعبية‭ ‬ويكيبدياب،‭ ‬امجموعة‭ ‬المستقبل‭ ‬الإعلامية‭  ‬PLCب،‭ ‬امستقبل‭ ‬الإلكتروناتب،‭ ‬اخبراء‭ ‬تصميمات‭ ‬المستقبلب،‭ ‬امنتدى‭ ‬المستقبل‭..‬العمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬عالم‭ ‬مستدامب،‭ ‬امستقبل‭ ‬العلوم‭ ‬في‭ ‬بي‭ ‬بي‭ ‬سيب‭. ‬وهكذا‭.. ‬والمؤشر‭ ‬الأولي‭ ‬العام‭ ‬والبديهي‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يستقرئه‭ ‬الفرد‭ ‬حين‭ ‬يطالع‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المؤشرات‭ ‬قد‭ ‬يبدو‭ ‬سطحيًا،‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬النتيجة‭ ‬الطبيعية‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬لا‭ ‬يهتم‭ ‬إطلاقًا‭ ‬بالمستقبل،‭ ‬بينما‭ ‬الغرب‭ ‬يهتم‭ ‬كثيرا‭ ‬بالمستقبل‭. ‬فهل‭ ‬هناك‭ ‬ثمة‭ ‬مؤشرات‭ ‬أخرى‭ ‬أكثر‭ ‬عمقا‭ ‬تؤكد‭ ‬أو‭ ‬تنفي‭ ‬هذا‭ ‬الاستدلال‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬ملاحظات‭ ‬أولية‭ ‬من‭ ‬عالم‭ ‬الإنترنت‭ ‬الافتراضي؟

 

فوارق‭ ‬لانهائية‭ ‬بين‭ ‬ثقافتين

بالتأكيد‭ ‬هناك‭ ‬فروق‭ ‬ضخمة‭ ‬يمكن‭ ‬تبينها‭ ‬فور‭ ‬المرور‭ ‬المبدئي‭ ‬على‭ ‬العناوين،‭ ‬فبشكل‭ ‬عشوائي‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نقع‭ ‬على‭ ‬بضعة‭ ‬عناوين‭ ‬متتابعة‭ ‬توضح‭ ‬لنا‭ ‬اهتماما‭ ‬كيفيا‭ ‬وعميقا‭ ‬بفكرة‭ ‬المستقبل‭. ‬وبين‭ ‬تلك‭ ‬العناوين‭ ‬مثلا‭ : ‬نهاية‭ ‬المستقبل،‭ ‬وهو‭ ‬رابط‭ ‬يخص‭ ‬تفاصيل‭ ‬فيلم‭ ‬خيال‭ ‬علمي‭ ‬ضمن‭ ‬سلسلة‭ ‬أفلام‭ ‬أمريكية‭ ‬متخصصة‭ ‬في‭ ‬الخيال‭ ‬العلمي،‭ ‬ويحكي‭ ‬عن‭ ‬قيام‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬الفضاء‭ ‬عادوا‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الرابع‭ ‬والعشرين‭ ‬في‭ ‬الزمن‭ ‬إلى‭ ‬العام‭ ‬1996،‭ ‬ويرغبون‭ ‬في‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬زمنهم،‭ ‬لكنهم‭ ‬يخشون‭ ‬أن‭ ‬خطأ‭ ‬محتملا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقود‭ ‬سفينتهم‭ ‬إلى‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬والعشرين‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الرابع‭ ‬والعشرين‭. ‬

العنوان‭ ‬التالي‭ ‬سيكون‭ ‬انظام‭ ‬المستقبلب‭ ‬أو‭ ‬Future system،‭ ‬والمقصود‭ ‬به‭ ‬نظام‭ ‬في‭ ‬التصميم‭ ‬المعماري‭ ‬تأسس‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬فريق‭ ‬من‭ ‬المصممين‭ ‬تحت‭ ‬قيادة‭ ‬جان‭ ‬كبلسكي‭ ‬وأماندا‭ ‬ليفيت،‭ ‬وهو‭ ‬أسلوب‭ ‬في‭ ‬العمارة‭ ‬يستلهم‭ ‬أساليب‭ ‬بناء‭ ‬مستعارة‭ ‬من‭ ‬مهن‭ ‬أخرى‭ ‬مثل‭ ‬هياكل‭ ‬السيارات‭ ‬أو‭ ‬الصواريخ‭ ‬أو‭ ‬البواخر‭. ‬

العنوان‭ ‬التالي‭ ‬سيكون‭ ‬مستقبل‭ ‬التوسع‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربي،‭ ‬وبعدها‭ ‬سيكون‭ ‬العنوان‭ ‬هو‭ ‬مستقبل‭ ‬الأرض‭. ‬وهذه‭ ‬عينة‭ ‬مبدئية‭ ‬أولية،‭ ‬ليست‭ ‬شيئا‭ ‬في‭ ‬نتائج‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬مليار‭ ‬بعدة‭ ‬ملايين‭.‬

لكن‭ ‬هذا‭ ‬يوضح‭ ‬لنا‭ ‬بجلاء‭ ‬أن‭ ‬الغرب‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬مهتما‭ ‬بالمستقبل،‭ ‬بل‭ ‬مهموما‭ ‬به،‭ ‬يتعامل‭ ‬معه‭ ‬كأنه‭ ‬واقع‭ ‬موجود،‭ ‬وليس‭ ‬مجرد‭ ‬ضباب‭ ‬مشوش‭ ‬لاحتمالات‭ ‬غير‭ ‬معروفة‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬شأن‭ ‬تعامل‭ ‬ثقافتنا‭ ‬العربية‭ ‬مع‭ ‬المستقبل‭.‬

ودلائل‭ ‬التعامل‭ ‬الغربي‭ ‬مع‭ ‬المستقبل‭ ‬كثيرة،‭ ‬شواهدها‭ ‬لا‭ ‬تقف‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ ‬المواقع‭ ‬الإلكترونية‭ ‬أو‭ ‬الواقع‭ ‬الافتراضي‭. ‬فالأخبار‭ ‬تملأ‭ ‬الصحف‭ ‬عن‭ ‬محاولات‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬المريخ،‭ ‬وإيجاد‭ ‬فرصة‭ ‬للحياة‭ ‬عليه،‭ ‬وأن‭ ‬يصبح‭ ‬ربما‭ ‬أول‭ ‬ملكية‭ ‬بشرية‭ ‬خارج‭ ‬نطاق‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية،‭ ‬كما‭ ‬نسمع‭ ‬يوميا‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬التطور‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬يشهده‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬من‭ ‬الروبوتات‭ ‬الآلية‭ ‬التي‭ ‬ستكون‭ ‬ذات‭ ‬قدرات‭ ‬أكثر‭ ‬كثيرا‭ ‬مما‭ ‬سبقها‭ ‬وسوف‭ ‬تكون‭ ‬لها‭ ‬هيئة‭ ‬أكثر‭ ‬إنسانية،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬بدأت‭ ‬فيه‭ ‬تجارب‭ ‬الأنسال،‭ ‬أو‭ ‬البشر‭ ‬الذين‭ ‬يتم‭ ‬تزويدهم‭ ‬بشرائح‭ ‬إلكترونية‭ ‬داخل‭ ‬أجسامهم‭ ‬تتصل‭ ‬بنظامهم‭ ‬العصبي‭. ‬وهي‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تطوير‭ ‬القدرات‭ ‬البشرية‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬إنسان‭ ‬جديد‭ ‬أكثر‭ ‬قوة‭ ‬وتحضرًا‭. ‬

وفي‭ ‬الطب‭ ‬والكيمياء‭ ‬والفيزياء‭ ‬والهندسة‭ ‬الوراثية‭ ‬نرى‭ ‬ونسمع‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬عن‭ ‬تطبيق‭ ‬علمي‭ ‬جديد،‭ ‬وكلها‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬نتاج‭ ‬اهتمام‭ ‬حقيقي‭ ‬بفكرة‭ ‬المستقبل‭ ‬وبناء‭ ‬هذا‭ ‬المستقبل‭ ‬والتحرك‭ ‬باتجاهه‭ ‬وليس‭ ‬الابتعاد‭ ‬عنه‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬شأن‭ ‬ثقافتنا‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬دوما‭ ‬في‭ ‬ماضيها‭ ‬التليد،‭ ‬ولا‭ ‬تريد‭ ‬أو‭ ‬ترغب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تتحرك‭ ‬لتبتعد‭ ‬عنه‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬نحو‭.‬

 

النظر‭ ‬تحت‭ ‬موقع‭ ‬القدم

في‭ ‬محاولة‭ ‬لجرد‭ ‬ما‭ ‬يهتم‭ ‬به‭ ‬أغلب‭ ‬من‭ ‬يقعون‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬اتصالي‭ ‬على‭ ‬موقع‭ ‬الشبكة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬Face Book،‭ ‬تبين‭ ‬لي‭ ‬بسهولة،‭ ‬أن‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬مما‭ ‬يطغى‭ ‬على‭ ‬اهتمام‭ ‬أعضاء‭ ‬هذه‭ ‬الشبكة‭ ‬هو‭ ‬الواقع‭ ‬الراهن‭ ‬الآني،‭ ‬وأغلبه‭ ‬يأتي‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬النقد‭ ‬للممارسات‭ ‬السياسية‭ ‬لجماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬وللحكومة‭ ‬التي‭ ‬يمثلها‭ ‬هذا‭ ‬الفصيل‭. ‬هناك‭ ‬بعض‭ ‬المواد‭ ‬التحليلية‭ ‬الجيدة‭ ‬التي‭ ‬يكتبها‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬شباب‭ ‬المثقفين،‭ ‬لكنها‭ ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬محدودة‭. ‬

لكن‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬رؤى‭ ‬تكشف‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬استجلاء‭ ‬مستقبل‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬تغييرات‭. ‬لاتوجد‭ ‬تعليقات‭ ‬تهتم‭ ‬بالخيال‭ ‬أو‭ ‬بالتركيز‭ ‬على‭ ‬موضوعات‭ ‬أساسية‭ ‬للمستقبل‭ ‬مثل‭ ‬التعليم‭ ‬أو‭ ‬العلوم‭.‬

لن‭ ‬تجد‭ ‬أحدًا‭ ‬يشارك‭ ‬البقية‭ ‬رابطًا‭ ‬علميًا‭ ‬من‭ ‬صحيفة‭ ‬أجنبية‭ ‬أو‭ ‬عربية،‭ ‬إلا‭ ‬فيما‭ ‬ندر‭. ‬كما‭ ‬أنك‭ ‬لن‭ ‬تجد‭ ‬شخصًا‭ ‬يشارك،‭ ‬على‭ ‬صفحته‭ ‬الشخصية،‭ ‬أو‭ ‬يرفع‭ ‬رابطًا‭ ‬يتناول‭ ‬قضية‭ ‬التعليم‭ ‬مثلًا،‭ ‬والتي‭ ‬أظنها‭ ‬قضية‭ ‬الساعة‭ ‬الآن،‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬ما‭ ‬كشفته‭ ‬الانتفاضات‭ ‬وحركات‭ ‬التغيير‭ ‬والثورات‭ ‬العربية،‭ ‬من‭ ‬حجم‭ ‬رهيب‭ ‬للجهل‭ ‬والتخلف،‭ ‬الذي‭ ‬ترفل‭ ‬فيه‭ ‬قطاعات‭ ‬واسعة‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬الأميين،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬نسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬جدًا‭ ‬من‭ ‬المتعلمين‭ ‬أبجديًا،‭ ‬لكنهم‭ ‬يرفلون‭ ‬في‭ ‬أمية‭ ‬ثقافية‭ ‬وحضارية‭ ‬وديمقراطية‭ ‬وليبرالية،‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬مدى‭ ‬فداحتها‭ ‬وبشاعتها‭ ‬إلا‭ ‬الله‭.‬

المثقفون‭ ‬الذين‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬يلهموا‭ ‬الشعب‭ ‬والثورة،‭ ‬لن‭ ‬تجد‭ ‬لديهم‭ ‬رؤى‭ ‬مؤثرة‭ ‬وقوية‭ ‬لكيفية‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬السياسي،‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬توجيه‭ ‬التكتلات‭ ‬السياسية‭ ‬المدنية‭ ‬في‭ ‬كيانات‭ ‬منظمة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬ومواجهة‭ ‬محاولات‭ ‬تمكين‭ ‬السلطة‭ ‬للإخوان‭ ‬في‭ ‬مصر‭. ‬والآراء‭ ‬السائدة‭ ‬لا‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬اختلاف‭ ‬في‭ ‬الرؤى‭ ‬بقدر‭ ‬ماتعبر‭ ‬عن‭ ‬تشتت‭ ‬وعدم‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬الحشد‭.  ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬توفير‭ ‬رؤية‭ ‬مستقبلية‭ ‬واضحة‭ ‬لما‭ ‬يريده‭ ‬المثقفون‭ ‬والثوار‭ ‬وقوى‭ ‬التغيير‭ ‬المدنية‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬خبرات‭ ‬ما‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬علوم‭ ‬المستقبل‭ ‬التي‭ ‬مع‭ ‬الأسف‭ ‬لا‭ ‬تتوافر‭ ‬لدينا‭. ‬وليس‭ ‬هذا‭ ‬فحسب‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬إن‭ ‬توافرت‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تعاني‭ ‬تناقضات‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬رؤى‭ ‬من‭ ‬ينظرون‭ ‬إليها‭.‬

ولنأخذ‭ ‬مثالًا‭ ‬واحدًا،‭ ‬يمكن‭ ‬لمن‭ ‬يرغب‭ ‬أن‭ ‬يطلع‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬الافتراضي،‭ ‬هو‭ ‬موقع‭ ‬موسوعة‭ ‬اويكيبدياب‭ ‬الشعبية‭ ‬الإلكترونية‭ ‬على‭ ‬شبكة‭ ‬الإنترنت‭. ‬

عند‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬مصطلح‭ ‬اعلوم‭ ‬المستقبلب‭ ‬سنجد‭ ‬بداية‭ ‬هذا‭ ‬التعريف‭: ‬اخلال‭ ‬الثمانينيات‭ ‬والتسعينيات‭ ‬تطور‭ ‬علم‭ ‬دراسات‭ ‬المستقبل،‭ ‬ليشمل‭ ‬مواضيع‭ ‬محددة‭ ‬المحتوى‭ ‬وجدولا‭ ‬زمنيًا‭ ‬للعمل‭ ‬ومنهجًا‭ ‬علميًا،‭ ‬يتحدث‭ ‬مع‭ ‬عالم‭ ‬اليوم،‭ ‬الذي‭ ‬يتسم‭ ‬بتغيير‭ ‬متسارع‭.‬

علم‭ ‬المستقبليات‭ ‬أو‭ ‬االدراسات‭ ‬المستقبليةب‭ ‬هو‭ ‬علم‭ ‬يختص‭ ‬بـاالمحتملب‭ ‬واالممكنب‭  ‬واالمفضلب‭ ‬من‭ ‬المستقبل،‭ ‬بجانب‭ ‬الأشياء‭ ‬ذات‭ ‬الاحتماليات‭ ‬القليلة‭ ‬لكن‭ ‬ذات‭ ‬التأثيرات‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تصاحب‭ ‬حدوثها‭. ‬حتى‭ ‬مع‭ ‬الأحداث‭ ‬المتوقعة‭ ‬ذات‭ ‬الاحتماليات‭ ‬العالية‭, ‬مثل‭ ‬انخفاض‭ ‬تكاليف‭ ‬الاتصالات‭, ‬أو‭ ‬تضخم‭ ‬الإنترنت‭, ‬أو‭ ‬زيادة‭ ‬نسبة‭ ‬شريحة‭ ‬المعمرين‭ ‬ببلاد‭ ‬معينة،‭ ‬فإنه‭ ‬دائما‭ ‬ما‭ ‬توجد‭ ‬احتمالية‭ ‬الا‭ ‬يقينب‭ (‬بالإنجليزية‭: ‬Uncertainty‭) ‬كبيرة‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬يستهان‭ ‬بها‭. ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬المفتاح‭ ‬الأساسي‭ ‬لاستشراف‭ ‬المستقبل‭ ‬هو‭ ‬تحديد‭ ‬وتقليص‭ ‬عنصر‭ ‬الا‭ ‬يقينب‭ ‬لأنه‭ ‬يمثل‭ ‬مخاطرة‭ ‬علميةب‭.‬

 

علم‭ ‬غربي

ثم‭ ‬يستعرض‭ ‬الموقع‭ ‬المبادئ‭ ‬الأساسية‭ ‬لعلم‭ ‬المستقبل‭ ‬ونماذجه‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتوقف‭ ‬عند‭ ‬إشكال‭ ‬أساسي‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬نشأة‭ ‬علم‭ ‬المستقبل‭ ‬هي‭ ‬نشأة‭ ‬غربية‭: ‬انشأت‭ ‬الدراسات‭ ‬المستقبلية،‭ ‬أو‭ ‬علوم‭ ‬المستقبل‭ ‬بشكلها‭ ‬الحالي‭ ‬نشأة‭ ‬غربية،‭ ‬وترتب‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬عدة‭ ‬نتائج‭ ‬يتوقع‭ ‬بروزها‭ ‬في‭ ‬الكتابات‭ ‬العربية،‭ ‬فنشوء‭ ‬الدراسات‭ ‬المستقبلية‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬تترتب‭ ‬عليه‭ ‬عدة‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬متريب،‭ ‬مندهش،‭ ‬معجب،‭ ‬ورافض،‭ ‬ومن‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لدينا‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الدراسات‭ ‬لنفس‭ ‬الدواعي،‭ ‬أو‭ ‬لنفس‭ ‬الأهداف،‭ ‬أو‭ ‬لدواعٍ‭ ‬وأهداف‭ ‬مختلفة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تظهر‭ ‬المواقف‭ ‬الرافضة‭ ‬تمامًا،‭ ‬المنبهرة‭ ‬تماما،‭ ‬الاستطلاعية،‭ ‬المهتمة‭ ‬الناقدة،‭ ‬التوفيقية،‭ ‬المؤصلة‭.. ‬الخ‭. ‬كل‭ ‬ردود‭ ‬الفعل‭ ‬تلك‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬تنعكس‭ ‬على‭ ‬خريطة‭ ‬التصنيفات‭ ‬والتوجهات‭ ‬في‭ ‬الكتابات‭ ‬التي‭ ‬حاولت‭ ‬أو‭ ‬تحاول‭ ‬التعريف‭ ‬بدراسات‭ ‬المستقبلب‭.‬

ثم‭ ‬يستعرض‭ ‬المواقف‭ ‬المتعددة‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬المستقبلية‭ ‬بين‭ ‬الرفض‭ ‬والقبول،‭ ‬مميزا‭ ‬بين‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الاتجاهات‭ ‬التي‭ ‬تلقت‭ ‬فكرة‭ ‬علوم‭ ‬المستقبل‭ ‬وفقا‭ ‬لرؤى‭ ‬ومنطلقات‭ ‬مختلفة‭ ‬فيذكر‭ ‬الموقع‭: ‬ايمكن‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الاتجاهات‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬الآتي‭:‬

‭- ‬اتجاه‭ ‬يسعى‭ ‬للتعريف‭ ‬بها‭ ‬كما‭ ‬نشأت‭ ‬في‭ ‬سياقها‭ ‬الغربي‭.‬

‭- ‬اتجاه‭ ‬ينقل‭ ‬تعريفها‭ ‬ومراحل‭ ‬التغير‭ ‬والتحول‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬بها‭ ‬بهدف‭ ‬التعريف‭ ‬بها‭.‬

ويبدو‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭ ‬بدهيًا،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬أخذنا‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬أن‭ ‬الدراسات‭ ‬المستقبلية‭ ‬بشكلها‭ ‬الحالي‭ ‬نشأت‭ ‬وانتشرت‭ ‬في‭ ‬السياق‭ ‬الغربي،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يكون‭ ‬طبيعيًا‭ ‬البدء‭ ‬بالتعريف‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬سياقها‭.‬

‭- ‬اتجاه‭ ‬ينقل‭ ‬المفهوم‭ ‬ومراحل‭ ‬التحول‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التعريف‭ ‬أولًا‭ ‬والدعوة‭ ‬لتبنيها‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬ثانيًا‭.‬

ويلاحظ‭ ‬أن‭ ‬التفريق‭ ‬بين‭ ‬الاتجاهين‭ ‬هو‭ ‬تفريق‭ ‬لغرض‭ ‬التحليل،‭ ‬إذ‭ ‬عمليًا‭ ‬قد‭ ‬يصعب‭ ‬تحديد‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الكاتب‭ ‬يدعو‭ ‬ضمنًا‭ ‬إلى‭ ‬تبني‭ ‬الدراسات‭ ‬المستقبلية‭ ‬الغربية‭ ‬بنفس‭ ‬المفهوم‭ ‬والمنهج‭ ‬ولنفس‭ ‬الدواعي‭ ‬والأهداف‭ ‬أو‭ ‬لا،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬نقل‭ ‬المفهوم‭ ‬دون‭ ‬نقده‭ ‬قد‭ ‬يفتح‭ ‬الباب‭ ‬لفهم‭ ‬ذلك‭ ‬الموقف‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬قبول‭ ‬للمفهوم،‭ ‬أو‭ ‬قبول‭ ‬المفهوم‭ ‬يعني‭ ‬الموافقة‭ ‬على‭ ‬مضمونه‭ ‬ومحتواه‭ ‬ودواعيه‭ ‬وأهدافه‭.‬

‭- ‬اتجاه‭ ‬يبرز‭ ‬اهتمامًا‭ ‬بكيفية‭ ‬تبني‭ ‬الدراسات‭ ‬المستقبلية‭: ‬وهو‭ ‬يقرن‭ ‬بالاعتراف‭ ‬بأهمية‭ ‬الدراسات‭ ‬المستقبلية‭ ‬أيضًا‭ ‬أهمية‭ ‬الأخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬عنصر‭ ‬الملاءمة‭ ‬وأهمية‭ ‬التأصيل‭.‬

‭- ‬اتجاه‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬ثناياه‭ ‬محاولة‭ ‬التوفيق،‭ (‬إن‭ ‬صح‭ ‬التعبير‭)‬،‭ ‬وبيان‭ ‬أهمية‭ ‬الدراسات‭ ‬المستقبلية،‭ ‬فهو‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬التعريف‭ ‬بالدراسات‭ ‬المستقبلية‭ ‬يحرص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يؤكد‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬محاولة‭ ‬تنبؤ‭ ‬أو‭ ‬افتراء‭ ‬على‭ ‬الغيب‭ (‬ويلاحظ‭ ‬هنا‭ ‬تكرار‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الدراسات‭ ‬المستقبلية‭ ‬لا‭ ‬تنافي‭ ‬الإيمان‭ ‬بالغيب‭ ‬وبالقضاء‭ ‬والقدر‭)‬،‭ ‬ويشير‭ ‬إلى‭ ‬أهمية‭ ‬وحاجة‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬الإسلامي،‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ (‬دراساته‭ ‬المستقبلية‭).‬

‭- ‬اتجاه‭ ‬يحاول‭ ‬التأصيل‭ ‬و‭/‬أو‭ ‬تسكين‭ ‬الدراسات‭ ‬المستقبلية‭ ‬كمفهوم‭ ‬وكمجال‭ ‬دراسة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬رؤية‭ ‬إسلامية‭ ‬للمستقبل‭ ‬ويعبر‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬مثلًا‭ ‬المركز‭ ‬الإسلامي‭ ‬للدراسات‭ ‬المستقبلية‭ ‬والأهداف‭ ‬التي‭ ‬وضعها‭ ‬له‭ ‬وينعكس‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الفصلية‭ ‬التي‭ ‬يصدرها،‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يمثل‭ ‬المساهم‭ ‬الوحيد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المضمار‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬التأصيل‭ ‬أو‭ ‬الدعوة‭ ‬لأهميته‭.‬

 

ثقافة‭ ‬الهزيمة‭ ‬وعقدة‭ ‬الاضطهاد

وأظن‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التعارض‭ ‬في‭ ‬الاتجاهات‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬يمثل‭ ‬أزمة‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬المستقبل‭. ‬هذه‭ ‬المشكلة‭ ‬تعود‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لأزمة‭ ‬التعليم‭ ‬العربي‭ ‬التي‭ ‬أخرجت‭ ‬أجيالًا‭ ‬عديدة‭ ‬من‭ ‬المتعلمين‭ ‬الذين‭ ‬اعتادوا‭ ‬مناهج‭ ‬التلقين‭ ‬والحفظ‭ ‬والنقل‭ ‬بلا‭ ‬أي‭ ‬عقلية‭ ‬ناقدة‭ ‬أو‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الابتكار‭ ‬وطرح‭ ‬الأسئلة،‭ ‬بل‭ ‬تعود‭ ‬كذلك‭ ‬لثقافة‭ ‬نشأت‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الاستعمار،‭ ‬واعتادت‭ ‬أن‭ ‬يخطط‭ ‬الآخرون‭ ‬ولا‭ ‬تقوم‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬برد‭ ‬الفعل،‭ ‬وإذا‭ ‬أرادت‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬فاعلة‭ ‬فكل‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬الفعل‭ ‬لا‭ ‬تزيد‭ ‬الشك‭ ‬وتقديم‭ ‬نظريات‭ ‬المؤامرة،‭ ‬وتبرير‭ ‬كل‭ ‬مظاهر‭ ‬التخلف‭ ‬وعدم‭ ‬الابتكار‭ ‬والتأخر‭ ‬وغيرها،‭ ‬بحالتها‭ ‬على‭ ‬قوى‭ ‬خارجية‭ ‬أو‭ ‬داخلية‭ ‬أخرى‭. ‬ومثل‭ ‬هذه‭ ‬العقلية‭ ‬بالتأكيد‭ ‬لا‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تشعر‭ ‬بالقوة‭ ‬الفردية‭ ‬والإرادة‭ ‬الحرة‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬العمود‭ ‬الأساسي‭ ‬للابتكار‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬الخيال،‭ ‬وهما‭ ‬عماد‭ ‬صناعة‭ ‬المستقبل‭.‬

والنتيجة‭ ‬أنه‭ ‬حتى‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بفكرة‭ ‬المستقبل‭ ‬سنجد‭ ‬خلطا‭ ‬بين‭ ‬مفاهيم‭ ‬يفترض‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬الشيء‭ ‬نفسه‭ ‬مثل‭ ‬الوعي‭ ‬بالمستقبل‭ ‬وتخطيط‭ ‬المستقبل‭ ‬والفكر‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬والدراسات‭ ‬المستقبلية‭.‬

وهذا‭ ‬إشكال‭ ‬يمتد‭ ‬إلى‭ ‬أفكار‭ ‬أخرى‭ ‬تناولت‭ ‬علم‭ ‬الاستقبال‭ ‬ورأت‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬علما‭ ‬مستقلا‭ ‬بذاته‭ ‬مثل‭ ‬علم‭ ‬الرياضيات،‭ ‬بل‭ ‬علم‭ ‬يقترن‭ ‬بعلوم‭ ‬أخرى‭ ‬كالاجتماع‭ ‬مثلا،‭ ‬حيث‭ ‬يرتبط‭ ‬مع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الفروع‭ ‬العلمية‭ ‬الأخرى،‭ ‬وهي‭ ‬طروحات‭ ‬نجدها‭ ‬لدى‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬المهدي‭ ‬المنجرة‭ ‬مثلا‭ ‬وأحمد‭ ‬صدقي‭ ‬الدجاني‭. ‬

وفي‭ ‬الجدل‭ ‬حول‭ ‬موضوع‭ ‬المستقبليات‭ ‬وربطه‭ ‬بالعلوم‭ ‬الإسلامية‭ ‬ثمة‭ ‬مشكلات‭ ‬عديدة‭ ‬منهجية‭ ‬أخرى‭ ‬تربط‭ ‬بين‭ ‬علم‭ ‬المستقبل‭ ‬والتنبؤ‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭. ‬وبالتالي‭ ‬فنحن‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬نحتاج‭ ‬بالفعل‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬دراسات‭ ‬المستقبل‭ ‬قوة‭ ‬ضاربة‭ ‬في‭ ‬حياتنا،‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬يقتضي‭ ‬هز‭ ‬مواطن‭ ‬ضعف‭ ‬ثقافتنا‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬تراث‭ ‬يفضل‭ ‬العودة‭ ‬للماضي‭ ‬والركون‭ ‬إليه،‭ ‬خوفا‭ ‬من‭ ‬المجهول،‭ ‬الذي‭ ‬يمثله‭ ‬المستقبل‭ ‬هنا‭. ‬

إن‭ ‬الفارق‭ ‬الأساس‭ ‬في‭ ‬مفهومنا‭ ‬عن‭ ‬المستقبل‭ ‬مقارنة‭ ‬بالغرب‭ ‬أن‭ ‬الأخير‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬والوصول‭ ‬إليه‭ ‬وتحقيقه‭ ‬مضيًا‭ ‬وتقدما‭ ‬للأمام‭ ‬لا‭ ‬مفر‭ ‬منه،‭ ‬وخطوة‭ ‬رئيسة‭ ‬في‭ ‬إحساس‭ ‬الثقافة‭ ‬الغربية‭ ‬بضرورة‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬مصيرها،‭ ‬وفرض‭ ‬إرادتها‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬المستقبل،‭ ‬بينما‭ ‬نركن‭ ‬نحن‭ ‬لفكرة‭ ‬التواكل‭ ‬على‭ ‬القدر‭. ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬مبررات‭ ‬للضعف‭ ‬والتوقف‭ ‬والتردد‭ ‬والخوف‭ ‬وقلة‭ ‬الحيلة‭ ‬وضعف‭ ‬الإمكانات‭ ‬والكفاءة‭.‬

والمستقبل‭ ‬هنا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬فقط‭ ‬دراسات‭ ‬المستقبل‭ ‬والاهتمام‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬أكاديمي،‭ ‬بل‭ ‬تمهيد‭ ‬الطريق‭ ‬بحيث‭ ‬يصبح‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالمستقبل‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬ثقافة‭ ‬عامة‭ ‬لدى‭ ‬الجمهور،‭ ‬بالإقبال‭ ‬على‭ ‬العلم‭ ‬والعلوم،‭ ‬وتوسيع‭ ‬دائرة‭ ‬الاهتمام‭ ‬به،‭ ‬والاحتفاء‭ ‬بالعلوم‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬احتفالات‭ ‬مهرجانية‭ ‬شعبية،‭ ‬وتوسيع‭ ‬دائرة‭ ‬استقبال‭ ‬الأخبار‭ ‬العلمية‭ ‬التي‭ ‬يتداولها‭ ‬الغرب‭ ‬اليوم‭ ‬والتي‭ ‬تبدو‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬فتحا‭ ‬جديدا‭ ‬للبشرية‭ ‬وتمهيدا‭ ‬لشكل‭ ‬مختلف‭ ‬تماما‭ ‬لحضارتنا‭ ‬البشرية‭ ‬سوف‭ ‬تعيشه‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬القريب،‭ ‬والاحتفاء‭ ‬بالخيال‭ ‬والابتكار،‭ ‬وترسيخ‭ ‬أفكار‭ ‬عن‭ ‬التنمية‭ ‬المستقبلية‭ ‬لدى‭ ‬الجمهور،‭ ‬وإقبال‭ ‬الأدباء‭ ‬على‭ ‬الخيال‭ ‬العلمي،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭. ‬

فباليقين‭ ‬بالمستقبل‭ ‬ووجوده‭ ‬بالشكل‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تخيله‭ ‬عليه‭ ‬نجح‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬التغيير‭ ‬والارتقاء‭ ‬في‭ ‬سلم‭ ‬الحضارة‭ ‬البشرية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬قدرا‭ ‬مستقبليا‭ ‬لنا‭ ‬وإلا‭ ‬فلن‭ ‬يكون‭ ‬لنا‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬بلا‭ ‬أدنى‭ ‬مبالغة‭ .