بيروت المحروسة بين الأمس واليوم.. د. حسان حلاق

بيروت المحروسة بين الأمس واليوم.. د. حسان حلاق
        

رسوم: أمين الباشا**

          تقع مدينة بيروت المحروسة على الشاطئ الشرقي من البحر المتوسط، يحدها غربًا البحر، وجنوبًا ضواحيها ومنطقة خلدة امتدادًا إلى صيدا وجوارها، وشرقًا جبل لبنان، وشمالًا البحر، وبعض المناطق الضواحي الشمالية. وتقع بيروت في إقليم معتدل يتميز بجودة الطقس واعتدال في المناخ وجمال في المنظر. وتذكر بعض المصادر أن اسم بيروت مشتق من «بيريت» أي الآبار، وذلك لكثرة وجود الآبار والينابيع فيها. وكانت بيوت بيروت العثمانية تزخر بالآبار أو بآبار الجمع، ومنهم من رأى أن «بروتا» تعني السرو أو الصنوبر، كما تميزت أغلب بيوت بيروت بالقرميد الأحمر الذي ظللها وأعطاها خصائص وسمات جمالية. وأكثر ما ميز المدينة منذ آلاف السنين حرج بيروت المحروسة الذي كان مقصدًا للبيارتة لاسيما في عيد الفطر السعيد وعيد الأضحى وفي مختلف المناسبات.

سور بيروت المحروسة:

          عندما يقال بيروت في العهد العثماني، إنما كان يقصد بها بيروت الوادعة داخل سورها، وفي ما عدا ذلك من مناطق تدخل اليوم في نطاق بيروت، فإنما كان يعتبر ضواحي بيروت، فقد كانت البسطة والمصيطبة وبرج أبي حيدر وزقاق البلاط والقنطاري والباشوراء، والنويري، والأشرفية ورأس بيروت وسواها من ضواحي بيروت، وكانت تتميز بكثرة مزارعها وأشجارها لا سيما التوت المرتبط زراعته بإنتاج الحرير، لذا كانت تسمى المناطق على النحو التالي: مزرعة الأشرفية، مزرعة الحمراء، مزرعة القنطاري، مزرعة العرب، وهكذا... كما أن ساحة البرج ذاتها كانت خارج السور، وهكذا أيضًا بالنسبة للبنك العثماني (دائرة الشرطة اللبنانية فيما بعد).

          والحقيقة فإن تطور مدينة بيروت خارج السور، إنما جاء نتيجة متطلبات عمرانية واجتماعية واقتصادية وسكانية، حيث بدأت أعداد المدينة تزداد تباعًا. وكانت حتى عام 1746 مجرد مدينة متواضعة تخضع لأحد الضباط الأتراك. ثم سرعان ما بدأت بالتطور الاقتصادي نتيجة للأمن الذي تميزت به، ونتيجة جهود تجارها، مع ما يتميز به ميناؤها من مميزات تؤمن الأمان للسفن، علمًا أن روح التسامح عند المسلمين وعدالتهم شد إليها الكثير من التجار الأجانب وتجار المناطق اللبنانية والشامية لاسيما دمشق. وشهدت بيروت بعض الجمود في عهد الوالي أحمد باشا الجزار (1776-1804)، ولكن سرعان ما استعادت نشاطها في عهد واليها سليمان باشا (1804-1819). ونتيجة التطور الاقتصادي الذي أصابها، فقد بدأت الدول الأوربية تنتبه إلى أهميتها، فافتتحت الدول الأجنبية ومن بينها فرنسا قنصليات لها في بيروت لا سيما في القرن السابع عشر، لمتابعة نشاط تجارها ورعاياها، وعلاقتهم بهذه المدينة وبمنتجاتها وبضائعها. كما شهدت بيروت في القرن العشرين افتتاح جميع السفارات الأجنبية.

أبواب بيروت المحروسة:

          كانت بيروت العثمانية يسيجها سور على غرار أسوار المدن العربية والإسلامية، وقد قام الأمير نائب الشام بتجديد سور بيروت في العصور الوسطى، ثم قام بتنظيمه و تحسينه الوالي أحمد باشا الجزار في أواخر القرن الثامن عشر يوم طمح إلى الاستقلال والخروج على مولاه الأمير يوسف الشهابي. وكان يتخلل سور بيروت أو كما يلفظه البيارته «صور» بالصاد، سبعة أبواب وبعض الأبراج. وكان يمتد هذا السور من شمال الساحة، أي شمال (الهال) الهول وشمال موقع السبيل الحميدي، وما عرف اليوم باسم ساحة رياض الصلح، وبمحاذاة حائط سينما كابيتول، ويمتد باتجاه الشرق حتى جامع محمد الأمين، اليوم (زاوية أبو النصر سابقًا) وكنيسة مار جرجس المارونية التي تقع داخل السور. ثم يمتد شمالًا نزولًا إلى سوق أبي النصر، إلى أن يصل حائط السور إلى بناية دعبول تجاه جامع السراي (جامع الأمير عساف). ثم يمتد شمالًا أيضًا إلى غربي مرفأ بيروت حيث ميناء القمح (قرب خان أنطون بك). بعد ذلك يمتد السور غربًا حتى مقبرة السمطية التي كانت خارج السور على غرار بقية المقابر. ثم يمتد صعودًا قبلة أي جنوبًا باتجاه باب إدريس وكنيسة الكبوشية التي كانت خارج السور، فمدرسة الشيخ عبد الباسط الأنسي فسوق المنجدين، ويستمر السور صعودًا إلى أن يلتقي مع بدايته في الساحة. وعن مساحة بيروت، يرى الكونت دومنيل دوبويسون في مقالة: استحكامات بيروت وتحصيناتها القديمة: «كان قياس تلك المدينة من أرصفة مرفئها القديم إلى باب الدركه الجنوبي يبلغ (570) مترًا فقط، أما قياس امتدادها من بابها الشرقي أي باب السراي إلى بابها الغربي باب إدريس فما كان يزيد على (370) مترًا. وكان الغالب عليها أسواقها التي في النهار أنها كانت تموج في وسطها وعند أبوابها بحركة البائعين والتجار، ثم تعود إلى هدوئها ليلًا بعد أن تقفل أبوابها وتودع مفاتيحها عند واليها». وفيما يختص بارتفاع جدران السور فتقارب خمسة أمتار، بينما سماكتها حوالي أربعة أمتار.

          أما أبواب بيروت فقد كانت مصفحة بالحديد تقفل عند المغرب باستثناء باب السراي الذي كان يقفل عند العشاء. وبذلك تكون هذه الأبواب هي: بوابة يعقوب، باب الدركاه (الدركه)، باب أبو النصر (باب مستحدث في القرن التاسع عشر)، باب السراي، باب الدباغة، باب السلسلة، باب السمطية، باب إدريس. ولاتزال أسماء بعض هذه الأبواب معروفة إلى اليوم مثل منطقة باب إدريس.

          وفي هذا الإطار فإننا سنبدأ بدراسة الأماكن والملامح العامة ومعالم مدينة بيروت.

الأبراج:

          كان يتخلل جدران سور بيروت القديمة بعض الأبراج التي بنيت بهدف الاستطلاع والحماية، أهمها برج الأمير جمال الذي بني عام 1617م وبرج الفنار وبرج السلسلة وبرج البعلبكية وبرج الكشاف. بالإضافة إلى برج الغلغول الذي وقعت عنده معركة بين القيسية واليمنية في عام 1077هـ-1666م، وقد دعي هذا البرج فيما بعد باسم برج الشلفون باسم الأسرة التي تملكته في أوائل القرن الثامن عشر مع كل الأرض المقامة عليها بنايات العازارية في بيروت التي لاتزال قائمة حتى الآن. ومن الأبراج الواقعة خارج بيروت القديمة برج الحمراء في منطقة رأس بيروت، وكانت النار تشعل في قمته لإعلام دمشق بالتتابع بأن خطرًا قادمًا على ثغرها. ويرجح أن هذا البرج يعود إلى عهد الصليبيين. ومن الأبراج العاملة في حماية بيروت برج الباشوراء وهو المعروف أيضًا باسم برج العريس، ويذكر أن هذا البرج كان يتصل بمغارة تنفذ إلى محلة المزرعة (مزرعة العرب) جنوبًا. وفي عام 1259هـ - 1842م كان يوجد البرج الجديد في زقاق البلاط بالقرب من الخستة خانة الجديدة (مجلس الإنماء والإعمار حاليًا). ومن الأبراج في بيروت برج دندن الذي كان يقع غربي كركول العبد في طريق الشام. وهناك برج المصيطبة وبرج أبي حيدر، بالإضافة إلى بعض الأبراج خارج بيروت منها برج البراجنة في جنوبي بيروت وكان برجًا عاملًا ومساعدًا للثغور من هجمات الأعداء، وبرج حمود شرقي بيروت وهو الذي أقامه أمراء بني حمود المغاربة الذين رابطوا للدفاع عن الثغور الشامية.

الأسواق:

          نشأ في بيروت القديمة العثمانية العديد من الأسواق التجارية والحرفية والصناعية نتيجة تطور المدينة وزيادة عدد سكانها ومن بين هذه. الأسواق: سوق أبو النصر (اليافي)، سوق الأساكفة، سوق الأمير يونس، سوق البازركان، سوق البلد، سوق البوابجية، سوق بوابة يعقوب، سوق البياطرة، سوق الحدادين، سوق الخضرية (الخضار)، سوق الخمامير، سوق زاوية ومسجد التوبة، سوق الزبيبة، سوق الساحة، سوق ساحة الخبز، سوق سرسق، سوق الشبقجية، السوق الشرعي، سوق الشعارين، سوق الصاغة، السوق الصغير، سوق الطويلة (لايزال قائمًا)، سوق العطارين، سوق العقادين، سوق الفشخة، السوق الفوقاني، سوق القزاز، سوق القطن، سوق القهوة، سوق الكنيسة، سوق اللحامين، سوق المنجدين، سوق المغربلين، سوق النجارين، سوق النجارين التحتاني، سوق النجارين الفوقاني، سوق النورية. بالإضافة إلى هذه الأسواق فقد وجدت في باطن بيروت أسواق أخرى منها: سوق الأرمن، سوق الإفرنج، سوق أياس (لايزال قائمًا)، سوق التجار، سوق الجميل، سوق الخراطين، سوق الخياطين، سوق الدلالين، سوق الرصيف، سوق سيور (قرب سوق الإفرنج) سوق الصرامي، وسوق القطايف.

          وسنعمل في هذه الدراسة على تحديد المواقع القديمة لبعض هذه الأسواق العاملة في العهد العثماني، منها على سبيل المثال:

          سوق الأساكفة: وكان يقع في باطن بيروت قرب الجامع العمري الكبير، بالقرب من دكان وقف «قفة الخبز» وكان يوجد في هذا السوق القهوة المعروفة باسم قهوة سوق الأساكفة. وكان هذا السوق قريبًا من سوق النجارين. وكان يتجمع فيه عمال وصنّاع الأحذية.

          سوق الحدادين: كان يقع في باطن بيروت في الطريق إلى أسلكة (ميناء) بيروت، وكان مركزًا لعمل الحدادين ولوازم الحدادة، ومن ملامحه أيضًا أنه كان يوجد في آخره جرينة الحنطة لطحن الحبوب. وكان أول سوق الحدادين من مدخل سوق البياطرة، ويلتقي سوق الحدادين بالباب الشرقي للجامع العمري الكبير حتى أول سوق اللحامين عند مدخل كاتدرائية مار جرجس للروم الأرثوذكس. كما كان يتصل بزاروب ضيق يدعى زاروب سوق النجارين الواقع بينه وبين سوق سرسق شمالًا بشرق. وكان يوجد في سوق الحدادين دور سكنية عديدة منها دار الشيخ فرح، ودور آل قباني، آل محفوظ، وآل ياسين، كما كانت توجد بالقرب منه حديقة حسين باشا.

          سوق العطارين: يقع سوق العطارين غربي الجامع العمري الكبير، وكان له قيسارية خاصة تعرف باسم قيسارية العطارين التي بناها الأمير عبد السلام العماد. كما يوجد بالقرب من السوق قيسارية الشيخ شاهين تلحوق الموجودة قرب الجامع العمري الكبير. وكان يقع بالقرب من سوق العطارين سوق البوابجية. وكان في سوق العطارين بركة شهيرة تعرف باسم بركة ونوفرة سوق العطارين. أما رأس سوق العطارين الجنوبي، فكان يقع تحديدًا بالقرب من أرض بناية الوقف الماروني جنوبي شرقي مجلس النواب في باطن بيروت.

          سوق القطن: كان يقع سوق القطن ابتداء من مخفر ميناء بيروت (الحالي) صعودًا على خط مستقيم بشارع فوش حتى بناية البلدية الثانية. وكان يتفرع من السوق ثلاثة ممرات: الأول عند مدخل جامع باب الدباغة، والممران الآخران يبتدئان من بناية البلدية الثانية واحد للشرق ويدعى سوق الخمامير وزاروب سابا، وواحد للغرب يصل سوق القطن بسوق البياطرة. وكان لسوق القطن زاوية تعرف بزاوية القطن وقفها رجل من آل العريس لتكون مسجدًا يؤدي فيها تجار سوق القطن صلواتهم. وكان يوجد في السوق فرن سوق القطن ومعصرة سيف الدهان ومحلة تعرف باسم محلة النصارى في آخر سوق القطن. وكان أكثر مبيع القطن فيه بالجملة، وهو يعتبر أهم أسواق بيروت القديمة.

          سوق النجارين: كان موقع هذا السوق تجاه جامع السرايا (قرب سوق سرسق) وكان السوق المركزي للنجارين والأعمال المرتبطة بمهنتهم. وكان لهذا السوق بعض الفروع منها سوق النجارين التحتاني وسوق النجارين الفوقاني. ومن ملامحه وجود معصرة بني السبليني في داخله وبركة سوق النجارين، وكان يقع بالقرب من هذا السوق سوق الأساكفة. ولا بد من الإشارة إلى أنه كان لكل سوق سيده أو شيخه وهو بمنزلة نقيب لأصحاب المهنة. ومن خلال بعض وثائق سجلات المحكمة الشرعية (السجل 1282-1284هـ) تبين لي بأن الحاج أحمد بن محمد الحوري كان شيخ العقادين، بينما كان السيد عبد اللطيف بن عباس السبليني شيخ النجارين وهكذا... في حين أشار السجل (1259هـ -1842م) إلى أنه كان لبيروت وأسواقها عمدة للتجار تولاها أشخاص من آل البربير وبيهم العيتاني والعريس. فقد كان الحاج أحمد بكري العريس عمدة للتجار، كما كان عمر والحاج عبدالله بيهم العيتاني عمدة للتجار في حين كان خليل وحسين جلبي البربير من افتخار التجار.

الأفران:

          نظرًا لزيادة عدد سكان مدينة بيروت والقادمين إليها من الولايات الشامية والعثمانية عامة، فقد ازداد عدد الأفراد في باطن بيروت في القرن التاسع عشر، وقد تمثلت في الأفران التالية: فرن التويني، فرن محمد حاسبيني، فرن الحشاش، فرن الحمام الفوقاني، فرن الحوت، فرن الزينية، فرن سوق القطن، الفرن القديم، وسواها من أفران استحدثت فيما بعد مثل فرن الشامي وفرن غدّار.

البساتين والجنائن والعود والمزارع:

          شهدت مدينة بيروت داخل السور أو في ضواحيها المتاخمة لها الكثير من البيوت تحيط بها حدائق وجنائن، كما شهدت الكثير من الأراضي الزراعية ولايزال قسم منها إلى الآن في رأس بيروت والحمراء وساقية الجنزير وتلة الخياط والأشرفية وأحياء أخرى لا سيما قرب البيوت العتيقة التي لم تقرب إليها الحضارة والعمارة المعاصرة. وكانت البساتين عادة تسمى بأسماء أصحابها، كما كانت تسمى المزارع بأسماء المناطق، ومن بين البساتين والملامح الزراعية لبيروت في القرنين التاسع عشر والعشرين على سبيل المثال:

          بستان البحباح، بستان البشناتي، بستان البلحة، بستان الحاج بكري البواب، بستان الحاج حسن، بستان طنوس الحداد، بستان حيدر آغا، بستان خليل خطاب، بستان رزق الله، بستان زعزوع، بستان مصطفى سعادة، بستان الحاج يحيى شاتيلا، بستان الشيخ يوسف عبدالملك، بستان الغلغول، بستان الغلاييني، بستان الغول، بستان فرج الله، بستان الحاج مصطفى القباني، بستان القنطاري، بستان المغربي، بستان منيمنة، بستان الموراني، بستان الناعورة، جنينة الأنطوش، جنينة الجامع، جنينة الحداد، جنينة حسين باشا، جنينة الدنا، جنينة شماسية، جنينة محمد ياسين، عودة (وهي بمنزلة مزرعة تضم أشجارًا مغروسة بالتوت الوبري والفواكه والزيتون) - عودة محمد تلحوق، عودة مصطفى جبر، عودة درويش، عودة ديبو، عودة الرمال، عودة سليم، عودة العضامي، عودة المدور، عودة المكوك، مزرعة العرب (نسبة لآل العرب) مزرعة الأشرفية، مزرعة رأس بيروت، مزرعة الصيفي، مزرعة قريطم، مزرعة القنطاري، مزرعة المصيطبة وسواها من مزارع.

البحيرات والبرك والأسبلة:

          لم توجد في باطن بيروت بحيرات بالمعنى الصحيح للكلمة إنما هي عبارة عن تجمعات مائية مع وجود بعض البرك ومن بينها: بحيرة الكاويك، بركة الزينية (قرب الحمام الفوقاني) بركة السوق (قرب سوق النجارين) بركة (نوفرة) سوق العطارين، بركة سوق النجارين، بركة المطران (قرب سوق البلد)، بركة سوق أياس (العنتبلي) وقد أعيدت زجاجية الشكل عام 2010 بعد أن دمرت البركة القديمة، نوفرة جامع النوفرة (الأمير منذر التنوخي). كما شهدت بيروت المحروسة أسبلة عديدة على غرار المدن الإسلامية الأخرى، أهمها السبيل الحميدي الذي أقامته بلدية بيروت عام 1900 في منطقة السور (ساحة رياض الصلح حاليًا) وقد نقل عام 1956 إلى حديقة الصنائع ليحل محله تمثال الرئيس رياض الصلح.

الثكن (الثكنات) العسكرية (السرايات)

          الثكنات وكانت تقع غربي مدينة بيروت القديمة على ربوة مرتفعة فوق سوق المنجدين (شارع المصارف حالياُ) إزاء شارع طلعة الأمريكان قريبًا من بوابة يعقوب. وقد اتخذت هذه القشلة من قبل والي بيروت مركزًا للولاية في أواخر القرن التاسع عشر، ومن ثم اتخذت من قبل المفوض السامي الفرنسي مركزًا له في عهد الانتداب الفرنسي، كما اتخذتها الحكومة اللبنانية مركزًا لها في الفترة الممتدة بين (1943-1981) وذلك قبل انتقال مركز الحكومة الرسمي (السراي) إلى مركزها الجديد في الصنائع، ثم أعيد مقر الحكومة الرسمي بعد سنوات إلى السراي الكبير. وقد وصف تقويم الإقبال موقع الثكنة العسكرية العثمانية بالقول بأنها «غربي المدينة وفي أحسن مواقعها اللطيفة. وكان لها في أوائل القرن العشرين عدة مسئولين عسكريين ومدنيين وإمام وهم على التوالي: قومندان الموقع: سعادتلو علي باشا، كاتب القومندان: الملازم عبدالوهاب أفندي، بينباشي التابور (الطابور): رفعتلو شكري أفندي، قول آغاسي: رفعتلو زكريا أفندي، كاتب آلاي: رفعتلو عثمان رائف أفندي، الكاتب: رفعتلو أحمد حمدي أفندي. أما الإمام فقد كان فضيلتلو كمال أفندي. وكان يقع إلى شمال الثكنة المستشفى العسكري العثماني (الخستة خانة) وهو غير المستشفى العثماني الذي بني في أواسط القرن الثامن عشر في جانب السور وقد كان في المحلة المعروفة بالتكنات بجوار بوابة يعقوب. أما هذه (الخستة خانة) فقد أنشئت في أواسط القرن التاسع عشر مع القشلة (الثكنة) وكان هذا المستشفى قد اتخذ كمقر للقضاء اللبناني (العدلية) المحاذي لكنيسة الكبوشية (قبل نقل العدلية إلى مقرها الجديد قرب منطقة المتحف الوطني)، وهي الآن مقر مجلس الإنماء والإعمار.

الجوامع والزوايا والكنائس والمعالم الدينية:

          أنشئت في باطن بيروت المحروسة في داخل سورها وخارجه وفي ضواحي المدينة العديد من الجوامع والمساجد والزوايا الدينية طبعت بيروت بالطابع الإسلامي نظرًا لكثرة هذه المعالم الدينية الإسلامية، والتي أنشأها المسلمون عبر مختلف العهود الإسلامية، علمًا أن الكثير منها هدم في عهد الانتداب الفرنسي لاسيما الزوايا- المساجد التي لم يبق منها في باطن بيروت سوى زاوية الإمام الأوزاعي في سوق الطويلة وزاوية ابن عراق. وكان يوجد إلى جانب هذه المعالم الإسلامية بعض المعالم المسيحية لاسيما الكنائس والأديرة وكنيس لليهود. ويمكن ذكر هذه المعالم الدينية التي كانت لاتزال قائمة في العهد العثماني أو التي أنشئت قبله أو خلاله وهي على النحو التالي:

          الجامع العمري الكبير، الجامع الجديد (جامع شمس الدين)، جامع الدباغة (أبوبكر الصديق)، جامع السرايا (الأمير منصور عساف)، جامع المجيدية، جامع النوفرة (الأمير منذر) جامع زقاق البلاط، جامع البسطة التحتا، جامع البسطة الفوقا، جامع الحرج (الحلبوني والحوري)، جامع رأس النبع (وهو غير جامع الصيداني في رأس النبع أيضًا) جامع برج أبي حيدر، جامع المصيطبة، جامع الزيدانية، جامع الحمراء، جامع قريطم، جامع عين المريسة، جامع الداعوق، جامع القنطاري، جامع الكرنتينا (خالد بن الوليد)، جامع الخضر، جامع الإمام الأوزاعي. وقد أنشئت مساجد أخرى بعد انتهاء الحكم العثماني وهي: جامع الإمام علي، جامع الحسنين، جامع الأشرفية (علم الشرق)، جامع الصيداني، جامع عائشة بكار، جامع القصار، جامع خليل شهاب، جامع شاتيلا، جامع محمد الأمين (مكان زاوية أبو النصر) وقد نفذ على نفقة الرئيس رفيق الحريري، جامع الشهداء، جامع البرجاوي، وقد أنشئت في السنوات الأخيرة بعض المساجد منها: مسجد الحوري (جامعة بيروت العربية)، مسجد الخاشقجي (قرب جامع الشهداء)، مسجد الدنا، مسجد جمال عبدالناصر، مسجد عماش، جامع العاملية، جامع طبارة، جامع الفحل، جامع أبوغزالة، جامع السلام، جامع بوبس، جامع محمد الفاتح، جامع شهاب، جامع عمر بن عبدالعزيز، جامع عثمان بن عفان وسواها.

          أما الزوايا- المساجد والتي كان أغلبها في باطن بيروت فهي زاوية الإمام الأوزاعي، زاوية باب المصلى، زاوية التوبة (الشيخ عبدالقادر الجيلاني)، زاوية الخلع (البياطرة)، زاوية باب الدركاة (الزاوية العمرية)، زاوية الشيخ حسن الراعي، زاوية الشهداء، زاوية الشيخ محمد خضر العراقي، زاوية القطن، زاوية الشيخ المجذوب، زاوية المغاربة، وكان يقع بجانب السور شرقًا زاوية أبو النصر، كما وجد في منطقة رأس بيروت (الحمراء) زاوية الحمراء، ووجدت زاوية سيدنا البدوي بالقرب من جمرك ميناء بيروت بجانب خان البربير، وزاوية ابن عراق عند مدخل سوق الطويلة، وزاوية القصار وسواها.

          أما الملامح الدينية المسيحية فقد تمثلت ببعض الأديرة والكنائس منها: دير الأرمن، دير البادرية (الآباء الكبوشيين) دير العازارية، دير مار متر (الأشرفية)، كنيسة الروم (كاتدرائية القديس جاورجيوس)، كنيسة الكبوشية، كنيسة مار إلياس للروم الأرثوذكس، كنيسة مار إلياس للكاثوليك، كنيسة مار جرجس للموارنة، كنيسة مار مخايل، الكنيسة المسكوبية، بالإضافة إلى كنيس واحد لليهود في منطقة وادي أبو جميل قرب منطقة باب إدريس ولايزال قائمًا.

الحارات والشوارع والمحلات والزواريب:

          تميزت أسماء الحارات (الشوارع) والشوارع والمحلات (المناطق) والزواريب في بيروت بأسماء ساكنيها من العائلات أو الطوائف أو باسم أحد القادة أو الأمراء، وعلى سبيل المثال فقد تبين لنا من خلال دراستنا لسجلات المحكمة الشرعية في بيروت بعض هذه الملامح العمرانية ومنها: حارة بيت البربير (إن لكلمة حارة في بيروت معنيين: الأول ويعني البناية المؤلفة من طابقين أو ثلاثة، كما تأتي بمعنى الشارع أو المحلة)، حارة بيت الشناتي، حارة الحاج محمد الدح، حارة درويش، حارة الرصيف، حارة شرنق، حارة شويربات (قرب البرلمان في باطن بيروت)، حارة العقاد، حارة عبدالقادر قرنفل، حارة المصبني، حارة اليهود، حي الدحداح، حي الرمال (الصنائع) حي الصيفي، حي العرب، حي عين الباشورة، حي الغلغول، حي كرم الزيتون، حي المصيطبة، حي الميدان، شارع طلعة الأمريكان، شارع فخر الدين، محلة الجناح، محلة الزيدانية، محلة الصنائع، محلة الظريف، محلة المدور، محلة النصارى... أما الزواريب فهي على سبيل المثال: زاروب بني سعادة، زاروب بني عمران، زاروب البواب، زاروب الدهان، زاروب الرشيدي، زاروب سابا، زاروب سوق النجارين، زاروب شيخ الإسلام، زاروب الشيخ رسلان، زاروب الشيخ مصطفى شرنقة، زاروب الشيخ ناصر، زاروب الطمليس (في باطن بيروت وهو غير زاروب الطمليس الكائن قرب دار الأيتام الإسلامية قرب كورنيش المزرعة)، زاروب العجان، زاروب العراوي، زاروب المجذوب، زاروب الحاج يوسف المكاري، زاروب النقيب، زاروب واكد، زاروب اليهود... كما وجدت بعض الدروب المشهورة في باطن بيروت منها: درب الطويلة (نسبة لآل الطويلة الذي سمي السوق الشهير باسمهم: سوق الطويلة) وهذا الدرب يقع بالقرب من ساحة السمك، ومحلة باب إدريس نسبة لآل إدريس، ومحلة سوق سرسق نسبة لآل سرسق، ومحلة سوق إياس نسبة لآل إياس وسواها.

الحمامات والخانات:

          لأسباب تتعلق بالطهارة والنظافة وبالمعتقدات الإسلامية شهدت المدن الإسلامية ومنها بيروت المحروسة إنشاء الكثير من الحمامات لا سيما في باطن بيروت أو بالقرب من المساجد والزوايا لأن التطهر يسبق عادة الصلاة. ومن بين هذه الحمامات: حمام الأمير فخر الدين الشهير، الحمام الكبير، حمام الأوزاعي، حمام السرايا، حمام الشفاء، الحمام العمومي، الحمام التحتاني، الحمام وهو حمام السرايا كان يقع في باطن بيروت قرب باب السرايا (السراي) بالقرب من جامع السرايا. وقد ذكر الشيخ عبدالغني النابلسي في رحلته (التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية) عندما زار بيروت في القرن السابع عشر الميلادي حمام الأمير فخر الدين وسواه من الحمامات في بيروت ومما قاله: «... وأما حماماتها فأربعة: الأول حمام الأمير فخر الدين بن معن، الثاني حمام القيشاني، الثالث حمام الأوزاعي، الرابع قديم لا يعرف له اسم». وكلها مهجورة ما عدا حمام الأمير فخر الدين. وكانت أجرة واستثمار حمام السرايا في القرن التاسع عشر مرتفعة جدًا، وهذا ما أكدته معاملات عقود الإيجار الواردة في سجلات المحكمة الشرعية في بيروت. وعرف حديثًا حمام البسطة الذي لايزال عاملًا حتى اليوم في منطقة زقاق البلاط. ومما أطلق عليه اسم حمام حديثًا حمامات السباحة على البحر منها «الحمام العسكري» في منطقة المنارة وحمام النورماندي وسواهما.

          ولأسباب اقتصادية واجتماعية شهدت بيروت إنشاء الكثير من الخانات وهي بمنزلة فنادق للتجار والقادمين من خارج المدينة مع دوابهم وحيواناتهم ومن بين هذه الخانات: خان أنطون بك، خان البربير، خان البيض، خان الحرير، خان حمزة سنو وسلوم، خان الدركاه (الدركة) خان سعيد آغا، خان الصاغة، الخان القديم، خان الملاحة، وخان الوحوش. وقد تحول بعض هذه الخانات في عهد الانتداب الفرنسي إلى دور للسينما مثل سينما «أمبير» فيما كانت سينما «أوبرا» اسطبلات للأمير فخر الدين المعني في فترة حكمه، كما تحولت بعض الخانات إلى مستودعات أو هدمت وأقيم مكانها مؤسسات وأبنية تجارية. وكان التجار مع القادمين من خارج بيروت يبيتون ليلة أو أكثر في هذه الخانات لقاء أجر معين، كما كان النازل في الخان يدفع عن دابته في حال اصطحابه لها، مقابل إقامتها وغذائها. كما وجدت بعض الخانات الراقية للتجار الأجانب.

الساحات والسرايات والبنوك:

          تميزت بيروت العثمانية بوجود بعض الساحات الكبيرة والصغرى، كانت تخصص عادة لبيع منتجات أو سلع معينة، في حين كانت بعض الساحات الأخرى تخصص للعربات التجارية وعربات النقل، ومن بين هذه الساحات التي لايزال بعضها قائمًا:

          ساحة باب المصلى، ساحة بيت طراد، ساحة الخبز، ساحة دير العازارية، ساحة الزبيب، ساحة السمك، ساحة السور، ساحة الشهداء ساحة القمح، وساحة النجمة (شارع المعرض)، وساحة باب يعقوب، بالإضافة إلى ميدان مهم كان يوجد في إطار مزرعة رأس النبع وهو ميدان البلشة (ميدان سباق الخيل حاليًا) حيث كان يمارس البيروتيون هواية ركوب الخيل والهوايات الأخرى.

          أما السرايات فأهمها سراي الأمير عساف أو المسماة «دار الولاية» نسبة إلى القصر الذي أنشأه الأمير فخر الدين الثاني أمير جبل لبنان وبيروت، وكانت هذه السراي مركزًا للحكم في بيروت. وكان يوجد أمامها جامع السرايا (جامع الأمير منصور عساف) الذي لايزال موجودًا في حين أن السراي هدمت، كما كان يوجد أمامها حمام السرايا. أما السرايات الأخرى فهي كانت في الأصل ثكنات عسكرية أو مستشفيات (كما سبق أن أشرنا) فحولها المندوب السامي إلى سراي للمفوضية الفرنسية، ثم اتخذتها الحكومة اللبنانية منذ العام 1943 مركزًا رسميًا لها قبل أن تنتقل في العام 1981 إلى سراي الصنائع، ثم بعد سنوات أعيد المقر الرسمي للحكومة إلى السراي الكبير.

          كما أقيمت مؤسسات مصرفية أجنبية ويهودية وعثمانية كان أهمها «البنك العثماني» الذي تميز بضخامة مبناه وبنمط معماري خاص، وقد كان مركزه في منطقة المرفأ. وكان أغلب العمارة البيروتية يظللها القرميد الأحمر، ولايزال بعضها ماثلًا إلى اليوم.

القيساريات (الأسواق المسقوفة):

          ارتبط إنشاء القيساريات بإقامة الأسواق التجارية والحرفية والأسواق المختلفة، وهي عبارة عن أسواق مسقوفة لاتقاء الحر والشمس والأمطار، وهي شبيهة بسوق الحميدية في دمشق (الذي لايزال موجودًا) ومن بين هذه القيساريات: قيسارية الأمير سليمان أبو اللمع، قيسارية الشيخ الأمير شاهين تلحوق، قيسارية الحرير، قيسارية الأمير سلمان الشهابي، قيسارية الأمير منصور الشهابي، قيسارية الصاغة، قيسارية العطارين، قيسارية الأمير عبدالسلام العماد. وكانت قيسارية الأمير منصور الشهابي تقع في سوق البازركان في باطن بيروت بالقرب من قيسارية الصاغة، وكانت تضم في أحد جوانبها دكاكين للخياطين العربي (الشروال، القنباز، الصداري...)، بينما كانت قيسارية الأمير عبدالسلام العماد وقيسارية الأمير شاهين تلحوق تقعان قرب بعضهما بين سوق البازركان والجامع العمري الكبير. وقد عرفت قيسارية عبدالسلام العماد باسم قيسارية العطارين. ولاتزال المنطقة تعرف حتى اليوم باسم «سوق البازركان».

المدارس والمعاصر والمقاهي والموانئ:

          انتشرت في بيروت المحروسة بعض المدارس أهمها مدارس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت، مدرسة الإمام الأوزاعي، المدرسة الأزهرية، المدرسة الإسلامية الحديثة، مدرسة الشيخ عبدالباسط الأنسي، مدرسة الرشيدية، مدرسة زاوية الشهداء، مدرسة الصنائع، مدرسة المجذوب... بالإضافة إلى بعض المدارس التبشيرية التي انتشرت في بيروت وضواحيها وفي الجبل، وبعض الجامعات وهي: الكلية السورية الإنجيلية (الجامعة الأمريكية) والجامعة اليسوعية والمدارس الفرنسية والإنجليزية والإيطالية والألمانية وسواها.

          وشهدت بيروت لا سيما في باطنها بعض المعاصر الخاصة بعصر الزيتون والسمسم وبعض المواد الزراعية الصناعية، ومنها: معصرة بني دندن، معصرة بني السبليني، معصرة الحمراء، معصرة السقعان (أي آل السجعان) ومعصرة سيف الدهان، وفيما بعد معصرة بني غندور ومعصرة بني جبر. بالإضافة إلى وجود جرينة للحنطة والحبوب، وكانت تقع في آخر سوق الحدادين في باطن بيروت في الطريق إلى أسكلة (ميناء) بيروت.

          أما مقاهي بيروت التي كانت مركزًا لتجمع البيروتيين والقادمين إلى بيروت، فكانت تشهد بعض حكايا البطولات العربية والإسلامية والبحث في أمور الساعة، وكانت صور الزعامات البيروتية والقبضايات تزين جدران هذه المقاهي (كان آخرها قهوة المتوكل على الله الحاج سعيد حمد في البسطة الفوقا) ومن بين هذه المقاهي: قهوة السوق، قهوة سوق الأساكفة، قهوة الأمير علي الشهابي، قهوة الشهداء، قهوة العسس، قهوة المعلقة، وقهوة النوفرة. أما قهوة الحاج داوود الشهير بيروتيًا ولبنانيًا ولدى العرب والأجانب فقد استمرت إلى فترة متأخرة تستقبل روادها لا سيما قبل أحداث العام 1975. كما برزت منذ العهد العثماني إلى عام 1975 مقهى ومطعم أبو عفيف البرهومي في ساحة الشهداء، و«قهوة القزاز» الشهيرة في ساحة الشهداء، ومقهى «لاروندا» في ساحة البرج، ومقهى «سان رايز» في المنارة، ومقهى «هورس شو» في الحمراء، ومقهى الروضة (شاتيلا) في المنارة، ومقهى «سيتي كافيه» في شارع السادات، ومقهى «المودكا» في الحمراء، ومقهى الجميزة وسواها. ونظرًا للأهمية الاقتصادية التي بدأت تتبوأها بيروت، فقد تطور مرفأها تطورًا مهمًا، وانقسم بدوره إلى عدة موانئ صغرى متخصصة بإنزال أصناف معينة من أصناف التجارة، لهذا وجدنا عدة موانئ منها: ميناء الأرز، ميناء الخشب، ميناء القمح، ميناء البطيخ، ميناء البصل، ميناء الشامية بالإضافة إلى ميناء قديم غربي ميناء بيروت عرف باسم ميناء الحسن (الحصن)، ولاتزال المنطقة تعرف بهذا الاسم إلى الآن.

          هذا ولا بد من الإشارة بأن باطن بيروت كان بمنزلة واد كبير بشكل عام إذا ما قورن وقوبل بالمناطق القريبة المطلة على المدينة، فهي مناطق أعلى منه ومنها على سبيل المثال مناطق طلعة الأمريكان والثكنات وزقاق البلاط والبسطة والمصيطبة وبرج أبي حيدر ورأس النبع والأشرفية. وهذا مما سهل جر المياه من المناطق إلى داخل البلد لا سيما من منطقة رأس النبع وبالذات من عين الكراوية التي   جرت مياها إلى باب الدركاه عبر قناة الدركاه المعروفة. وبالرغم من هذه الطبيعة لمستوى الأرض في داخل سور بيروت وخارجه، فإن الأرض ذاتها في داخل البلد كانت بدورها غير مستوية، لهذا وجدنا أدراجًا عديدة في داخل البلد تصل الشوارع والأسواق بعضها بالبعض الآخر ومنها درج خان البيض، ودرج شيخ السربة ودرج سوق النحاسين ودرج سوق العطارين... بل وجدت في بيروت بعض الوديان الصغيرة ومنها وادي السبليني، وهناك منطقة برمتها خارج السور عرفت باسم وادي أبوجميل، ومنطقة أخرى عرفت باسم الخندق الغميق.

          هذه هي أهم الملامح العمرانية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية في بيروت العثمانية، وهي بطبيعة الحال تشكل أكثر هذه المظاهر، علمًا أن تطور مدينة بيروت عبر العهود كان يقضي على بعض هذه الملامح والمظاهر لتحل مكانها ملامح عمرانية جديدة.

          كما أن الاستفاضة في دراسة سجلات المحكمة الشرعية في بيروت ستؤدي إلى استكشاف المظاهر العمرانية الأخرى التي اندثرت، وستؤدي إلى المزيد من الحقائق الاجتماعية والعمرانية والاقتصادية والإدارية. ولا بد من الإشارة، إلى أنه من خلال هذه الدراسة وما رافقها من وثائق وصور وخرائط يتبين للقارئ بيروت المحروسة بين الأمس واليوم.
--------------------------------------
* مؤرخ وأستاذ جامعي.
** فنان لبناني

 

 

 

حسان حلاق*