فرس النهر الضاحك

اِنْهمرَت‭ ‬الأمطارُ‭ ‬الاستِوَائِيَّة‭ ‬بغَزارة‭ ‬قرْبَ‭ ‬إحْدَى‭ ‬البُحَيْرات،‭ ‬وبَدَأت‭ ‬الطُّيورُ‭ ‬والحَيَواناتُ‭ ‬تُغَادِرُ‭ ‬المكانَ‭ ‬لتَخْتَبِئَ‭ ‬تحتَ‭ ‬الأشجار‭ ‬حتى‭ ‬يتوقفَ‭ ‬هَطْلُ‭ ‬المطر‭.. ‬ومَضَتْ‭ ‬ساعة‭ ‬مِنَ‭ ‬الزمَنِ،‭ ‬وتوقفَت‭ ‬الأمطارُ‭ ‬عَنِ‭ ‬الهَطلِ،‭ ‬وعادَتْ‭ ‬طُيورُ‭ ‬القُرَادِ‭ ‬لتَقِفَ‭ ‬على‭ ‬ظُهُور‭ ‬أفرَاس‭ ‬النَّهْر‭ ‬ِالتي‭ ‬كانَتْ‭ ‬تَسْبَحُ‭ ‬في‭ ‬الماء‭. ‬وفَجْأةً،‭ ‬لَمحَ‭ ‬أحدُ‭ ‬طُيور‭ ‬القُرَادِ‭ ‬الطَّائرَ‭ ‬الأحمرَ‭ ‬جالسًا‭ ‬على‭ ‬ظَهْر‭ ‬فَرَس‭ ‬النَّهْر‭ ‬المرح،‭ ‬فَسَألهُ‭: ‬‮«‬ما‭ ‬الذي‭ ‬تفعَلُهُ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬أيُّها‭ ‬الطَّائر؟‮»‬‭. ‬لا‭ ‬يُسْمَحُ‭ ‬لكَ‭ ‬بالجُلوس‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المكَان،‭ ‬فَطُيُورُ‭ ‬القُرَاد‭ ‬وَحْدَها‭.. ‬لها‭ ‬الحَق‭ ‬بالعَيْش‭ ‬فوقَ‭ ‬ظَهْر‭ ‬فَرَس‭ ‬النَّهر‭ .. ‬أغْمَضَ‭ ‬الطَّائرُ‭ ‬الأحمرُ‭ ‬عينَيْهِ‭ ‬مُدَّعِيًا‭ ‬النَّومَ‭.. ‬

غَضِبَ‭ ‬طائرُ‭ ‬القُرَاد‭ ‬وصَاحَ‭: ‬هل‭ ‬تَتَجَاهَلُني‭ ‬أيُّها‭ ‬الطَّائرُ‭ ‬البَشِعُ‭!‬،‭ ‬حَسَنًا‭ ‬ستندَمُ‭ ‬أشَدَّ‭ ‬النَّدَم‭ ‬على‭ ‬فَعْلَتِكَ‭ ‬هذه‭.. ‬وانتقلَ‭ ‬طائرُ‭ ‬القُرَاد‭ ‬إلى‭ ‬فَرَسِ‭ ‬نَهْر‭ ‬آخَرَ‭ ‬ورَاحَ‭ ‬يَتَهامَسُ‭ ‬مَعَ‭ ‬أصدقائِهِ‭ ‬حَوْلَ‭ ‬الطَّائرِ‭ ‬الأحمر‭. ‬وفي‭ ‬وقت‭ ‬قَصـِير،‭ ‬قَرَّرَ‭ ‬الطَّائرُ‭ ‬الأحمرُ‭ ‬الذهابَ‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬طَعَام‭ ‬يُسْكِتُ‭ ‬به‭ ‬جُوعَهُ‭. ‬ولما‭ ‬عادَ‭ ‬إلى‭ ‬ظَهْر‭ ‬فَرَس‭ ‬النَّهْر‭ ‬كانَ‭ ‬اللَّيلُ‭ ‬قد‭ ‬بَدَأ‭ ‬يَسْدُلُ‭ ‬سَتَائِرَهُ‭ ‬السَّوْدَاءَ‭ ‬في‭ ‬كُلِّ‭ ‬مكان‭.. ‬جَلَسَ‭ ‬الطَّائرُ‭ ‬الأحمرُ‭ ‬وأطْبَقَ‭ ‬أجفَانَهُ‭ ‬مُسْتَسْلِمًا‭ ‬لنَوْم‭ ‬عميق‭.. ‬وما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬لحظات‭ ‬قليلة‭ ‬حتّى‭ ‬استيقَظَ‭ ‬الطَّائرُ‭ ‬هَلِعًا‭ ‬وكأنَّ‭ ‬زِلْزَالًا‭ ‬قَويًّا‭ ‬قد‭ ‬هَزَّ‭ ‬المكانَ‭ ‬وبَدأ‭ ‬يَصْرُخُ‭ ‬ويَسْتغيث‭.. ‬ولكنَّهُ‭ ‬أدْرَكَ‭ ‬بسرعة‭ ‬أنَّ‭ ‬فرسَ‭ ‬النَّهْر‭ ‬قد‭ ‬بَدَأ‭ ‬بالتحَرُّك‭.. ‬فسألَهُ‭: ‬ما‭ ‬القِصَّة‭ ‬يا‭ ‬فَرَسَ‭ ‬النَّهر؟‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬ألَمَّ‭ ‬بكَ‭ ‬لكي‭ ‬تتحَرَّكَ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬اللَّيل؟‭!.. ‬ضَحِكَ‭ ‬فَرَسُ‭ ‬النَّهر‭ ‬بصوت‭ ‬عال‭ ‬وقالَ‭: ‬أنتَ‭ ‬ظَريفٌ‭ ‬جِدًّا‭ ‬أيُّها‭ ‬الطّائرُ‭ ‬الأحمرُ،‭ ‬إنني‭ ‬ذاهبٌ‭ ‬لأتناوَلَ‭ ‬طَعامي‭ ‬فَقَدْ‭ ‬نالَ‭ ‬الجُوعُ‭ ‬منِّي‭.. ‬أمْ‭ ‬أنكَ‭ ‬نَسِيتَ‭ ‬أنني‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬الطَّعام‭ ‬ِأيضًا؟‭ ‬

فقالَ‭ ‬الطَّائرُ‭: ‬هااااا‭! ‬وكيف‭ ‬ستَعْثُرُ‭ ‬على‭ ‬الطَّعام‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الظَّلام‭ ‬الدَّامِس‭.. ‬ضَحكَ‭ ‬فرسُ‭ ‬النَّهْر‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬وأجَابَ‭: ‬هه‭ ‬هه‭ ‬هيه‭.‬‭. ‬يُمكنُ‭ ‬لأفرَاس‭ ‬النَّهْر‭ ‬أن‭ ‬تعثر‭ ‬على‭ ‬طَعامها‭ ‬في‭ ‬الليل‭.. ‬أضَافَ‭ ‬الطَّائرُ‭ ‬مُمْتَعِضًا‭: ‬ها‭.. ‬هكذا‭ ‬إذًا‭.. ‬وهل‭ ‬نَسِيتَ‭ ‬أنَّني‭ ‬لستُ‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬العُثور‭ ‬على‭ ‬مَأوى‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬اللَّيل؟‭! ‬ضَحـِكَ‭ ‬فَرَسُ‭ ‬النَّهر‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬وقد‭ ‬تمايل‭ ‬جسدُه‭ ‬الضخمُ‭ ‬من‭ ‬شِدَّة‭ ‬الضَّحِك‭ ‬قائلا‭: ‬أجَلْ‭.. ‬أجَلْ‭ ‬لقد‭ ‬نَسيتُ‭ ‬يا‭ ‬صديقيَ‭ ‬الأحمر‭.. ‬ولكنْ‭ ‬لا‭ ‬بَأسَ‭ .. ‬يُمكِنُكَ‭ ‬أن‭ ‬تبقَى‭ ‬فوقَ‭ ‬ظَهْري‭ ‬بينَما‭ ‬أنْتَهِي‭ ‬مِنْ‭ ‬تَنَاوُل‭ ‬الطَّعام‭.. ‬قَفَزَ‭ ‬الطَّائرُ‭ ‬الأحمرُ‭ ‬واعْتَلَى‭ ‬ظَهْرَ‭ ‬الفَرَس‭ ‬وهو‭ ‬يَهْمِسُ‭: ‬لا‭ ‬أعْلَمُ‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يُضْحكُ‭ ‬فَرَسَ‭ ‬النَّهر‭ ‬هذا‭.. ‬عَجَبًا‭ ‬لطِبَاع‭ ‬الحَيوَانات‭ ‬المائيَّة‭.‬

قالَ‭ ‬فَرَسُ‭ ‬النَّهر‭ ‬وهو‭ ‬يَنْظُرُ‭ ‬إلى‭ ‬الطَّائر‭ ‬الأحمر‭ ‬والابتسامة‭ ‬تَعْلُو‭ ‬وَجْهَهُ‭: ‬لستُ‭ ‬حَيَوانًا‭ ‬مائيًّا‭ ‬يا‭ ‬صَاح‭.. ‬أنا‭ ‬بَرْمَائِيٌّ‭.. ‬أنا‭ ‬أعيشُ‭ ‬في‭ ‬الماء‭ ‬وعلى‭ ‬اليابسة‭.. ‬أهلًا‭ ‬بكَ‭ ‬على‭ ‬صَهْوَة‭ ‬فَرَس‭ ‬النَّهْر‭. ‬وانْطَلَقَ‭ ‬فَرَس‭ ‬النَّهْر‭ ‬يعْدُو‭ ‬بسرعة‭ ‬والطَّائرُ‭ ‬مُمتَعضٌ‭ ‬وقد‭ ‬طارَ‭ ‬النَّومُ‭ ‬من‭ ‬عَيْنَيْه‭.. ‬وَصَلَ‭ ‬فَرَسُ‭ ‬النَّهر‭ ‬إلى‭ ‬مَرْج‭ ‬أخضَرَ‭ ‬ورَاحَ‭ ‬فَرَسُ‭ ‬النَّهْر‭ ‬يأكُلُ‭ ‬ويَأكُلُ،‭ ‬والطَّائرُ‭ ‬المسْكينُ‭ ‬يَكَادُ‭ ‬يُجَنُّ‭ ‬من‭ ‬طقطقة‭ ‬مَضْغِ‭ ‬الطَّعام،‭ ‬ومَضَتْ‭ ‬ساعات‭ ‬طويلة‭ ‬وفَرَسُ‭ ‬النَّهْر‭ ‬ِيَقْضِمُ‭ ‬الأعشابَ‭ ‬يَمْضَغُها‭ ‬ويَبْلَعُها‭ ‬ثُمَّ‭ ‬يَضْحَك‭.. ‬ولَمَّا‭ ‬طالَ‭ ‬الوقتُ‭ ‬اقتربَ‭ ‬الطَّائرُ‭ ‬من‭ ‬فَرَس‭ ‬النَّهْر‭ ‬وقالَ‭: ‬أخْشَى‭ ‬أنْ‭ ‬يَنْفَجِرَ‭ ‬بَطْنُكَ‭ ‬يا‭ ‬صديقي‭! ‬ألا‭ ‬يكفي‭ ‬ما‭ ‬أكَلْتَهُ‭ ‬حتى‭ ‬الآنَ؟‭! ‬وكالعادة،‭ ‬ضَحكَ‭ ‬فَرَسُ‭ ‬النَّهر‭ ‬وقالَ‭: ‬هاها‭ ‬هيه‭ ‬هيه‭.. ‬يا‭ ‬صغيري،‭ ‬أنا‭ ‬أتنَاوَلُ‭ ‬وَجْبة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬اليوم،‭ ‬لأنني‭ ‬لا‭ ‬أغَادِرُ‭ ‬الماءُ‭ ‬طَوَالَ‭ ‬النَّهار‭ ‬فيجبُ‭ ‬أن‭ ‬آكُلَ‭ ‬ما‭ ‬يَكْفِيني‭ ‬بَقِيَّةَ‭ ‬اليوم‭. ‬وهكذا،‭ ‬شَبِعَ‭ ‬فَرَسُ‭ ‬النَّهْر‭ ‬وامْتَلأت‭ ‬معدته‭ ‬الكبيرة‭.‬

‭ ‬وأخيرًا‭.. ‬استَقَرَّ‭ ‬فرسُ‭ ‬النَّهر‭ ‬ِفي‭ ‬الماء‭ ‬وبَدأ‭ ‬شَخيرُهُ‭ ‬يَعْلُو‭ ‬ويَعْلُو‭ ‬ويَعْلُو‭ ‬والطَّائرُ‭ ‬المسكينُ‭ ‬مُسْتَلْقِ‭ ‬على‭ ‬ظَهْر‭ ‬صديقه‭ ‬الضَّخْم‭ ‬وقد‭ ‬نَالَ‭ ‬التعَبُ‭ ‬والنُّعاسُ‭ ‬منه‭ ‬يُحاولُ‭ ‬أن‭ ‬يُطْبقَ‭ ‬أجفَانَهُ،‭ ‬ولكنَّ‭ ‬صوتَ‭ ‬فَرَس‭ ‬النَّهر‭ ‬مَنَعَهُ‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يُطْبِقَها‭ ‬على‭ ‬الرَّغْم‭ ‬من‭ ‬رَغْبَته‭ ‬الشديدة‭ ‬في‭ ‬النَّوم‭.. ‬عادَتْ‭ ‬طيورُ‭ ‬القُرَاد‭ ‬إلى‭ ‬أفرَاس‭ ‬النَّهر،‭ ‬حيث‭ ‬كانَ‭ ‬الطَّائرُ‭ ‬المسكينُ‭ ‬يَحْزمُ‭ ‬أمتعَتَهُ‭ ‬مُغَادرًا‭ ‬المكان‭. ‬فسأله‭ ‬أحد‭ ‬طيور‭ ‬القراد‭: ‬هل‭ ‬أنتَ‭ ‬مُسَافِرٌ‭ ‬يا‭ ‬صديقي؟‭! ‬أجابَ‭ ‬الطَّائرُ‭ ‬الأحمرُ‭: ‬منَ‭ ‬الوَاضح‭ ‬أنَّ‭ ‬حياةَ‭ ‬فَرَس‭ ‬النَّهر‭ ‬لا‭ ‬تُنَاسِبُني،‭ ‬فأنا‭ ‬معتَادٌ‭ ‬على‭ ‬النَّوم‭ ‬ِمبكرًا‭ ‬وكما‭ ‬تَعْلَمُ‭ ‬فَرَسُ‭ ‬النَّهْر‭ ‬لا‭ ‬يَنَامُ‭ ‬في‭ ‬الليل‭. ‬قالَ‭ ‬طائرُ‭ ‬القُرَاد‭: ‬في‭ ‬المرَّة‭ ‬القادمة،‭ ‬حاولْ‭ ‬أن‭ ‬تختَارَ‭ ‬مكانًا‭ ‬يُنَاسِبُكَ‭ ‬أيُّها‭ ‬الجميلُ،‭ ‬وتَذَكرْ‭ ‬أنَّ‭ ‬اللهَ‭ ‬جَعَلَ‭ ‬لكلِّ‭ ‬مكان‭ ‬ٍفي‭ ‬العالَم‭ ‬مخلُوقاته‭ ‬التي‭ ‬تتنَاسبُ‭ ‬مع‭ ‬طبيعَتهُ‭.. ‬تَنَهَّدَ‭ ‬الطَّائرُ‭ ‬الأحمرُ‭ ‬وقالَ‭: ‬أعْلَمُ‭ ‬يا‭ ‬عزيزي،‭ ‬ولكنَّني‭ ‬ظَنَنْتُ‭ ‬أنني‭ ‬سأدْخُلُ‭ ‬التاريخَ‭ ‬عندما‭ ‬أختَارُ‭ ‬مكانًا‭ ‬كهذا‭.. ‬ولكنْ‭.. ‬مَشَى‭ ‬فَرَسُ‭ ‬النَّهر‭ ‬حيثُ‭ ‬لا‭ ‬أشْتَهِي‭.. ‬وداعًا‭.. ‬وغادَرَ‭ ‬الطَّائرُ‭ ‬الأحمرُ‭ ‬المكانَ‭ ‬باحثًا‭ ‬عن‭ ‬غُصْن‭ ‬شَجَرة‭ ‬لينَامَ‭ ‬فَوْقَهُ‭. ‬وفي‭ ‬رَأْسه‭ ‬ذِكْرَى‭ ‬لا‭ ‬تنْسَى‭ ‬مَعَ‭ ‬فرس‭ ‬النهر‭ ‬الضاحك‭.. ‬المضحك‭. ‬

 

قصة‭ ‬ورسوم‭: ‬لينا‭ ‬الزيبق