حضور المحتوى العربي على الإنترنت

حضور المحتوى العربي  على الإنترنت

صفحات كثيرة على شبكات الإنترنت، متاحة ومجانية تقريبًا، لا تُفرّق بين رأي وآخر، ولا تنحاز لأي جنسية ضد أخرى، ولا تفاضل بين الأعمار المتفاوتة، فضاء ديمقراطي أصبح متاحًا للمرة الأولى في التاريخ البشري، يقال إن عدد هذه الصفحات يربو على التريليون صفحة، يساهم فيها العالَم بأجمعه، ومع ذلك فإنّ نصيب العرب فيها ضئيلٌ للغاية، إذ يبلغ بالكاد 3 في المئة، وتقل هذه النسبة كثيرًا إذا بحثنا فيها عن الصفحات الأصيلة، تلك التي تقدّم محتوى جديدًا ومبتكرًا؛ بعيدًا عن القصّ واللزق، والمقصود بالمحتوى هنا هو كل البيانات أو مصادر المعلومات التي تصدر باللغة العربية وتكون قابلة للتخزين والعرض الإلكتروني على شبكة الإنترنت.

 

 هذه النسبة الضئيلة لا تمثّل أهمية كبيرة في مواجهة المواقع العالمية المكتوبة باللغة الإنجليزية، والتي تصل نسبتها إلى 68 في المئة، وهي حافلة بالكثير من الأفكار الأصيلة والاكتشافات المتفرّدة، ففيها العديد من المواقع المتخصصة؛ العلمية والأدبية والاجتماعية والاقتصادية، كما أنها أصبحت وسيلة أساسية لاتصال البشر عن طريق برامج مثل فيسبوك وماسنجر وواتساب، وكلها مواقع مجانية تقريبًا، وتطورت وسائل الترفيه عن طريق مواقع يوتيوب الحافلة بالأفلام ومواد التسلية، هذا المحتوى الثريّ يقابله قوام شديد الفقر في المواقع العربية.

مصادر المحتوى العربي
يعتمد المحتوى على مصدرين أساسيين، أوّلهما هي المواد التي تدخل الشبكة عن طريق غير المحترفين، الأفراد والهواة والمدوّنين، لكنّه محتوى متغير وغير موثّق أو مفهرس بطريقة علمية، والمصدر الثاني هو المؤسسات المتخصصة والناشرون على اختلاف تخصصاتهم، ولا يعتدّ بهذا المحتوى إلّا إذا كان مفتوحًا ومتاحًا من دون كلمة تشفير، وتطوير هذا المحتوى ليس ترفًا أو مجرد ولعٍ بالتكنولوجيا ومحاولة لمجاراة العصر الحديث، لكنّه ضرورة اقتصادية لخلق فرص عمل لآلاف الشباب عن طريق التجارة الإلكترونية، وفي صنع البرمجيات وتطبيقات المحتوى الرقمي على غرار ما فعلته الهند التي صنعت وادي سيليكون خاصًا بها،  وهي لا تبيع تطبيقاتها الإلكترونية ليس للعالم الثالث فقط، ولكن للعالم المتقدم أيضًا.
وبلُغة الأرقام سنجد أن النسب متواضعة حتى الآن، فعلى الرغم من أن اللغة العربية ذات تاريخ عريق، حيث يحتوي قاموسها اللغوي على نحو 13 مليون كلمة، ويتحدث بها 422 مليون شخص حول العالم، وهي واحدة من أكثر اللغات من حيث عدد المتكلمين بها، ولها يوم دولي يُحتفى بها فيه، وهي إحدى اللغات الرسمية للأمم المتحدة، فإنّ حضورها الإلكتروني يكاد يكون ضئيلًا للغاية، على الرغم من أنّ عدد مستخدمي الإنترنت من العرب يبلغ 96 مليون شخص.

أشهر المواقع العربية
ربما يكون أشهر هذه المواقع هو «ويكيبيديا العربية»، التي تعدّ واحدة من أكبر الموسوعات في التاريخ، وقد أتاح وجودها على المستوى الرقمي أن تتوسع وتواصل النماء كل يوم، وربما كل ساعة أو دقيقة، وتحتوي الموسوعة - التي تبلغ من العمر 9 أعوام - على أكثر من 7 ملايين مقالة باللغة الإنجليزية، مقابل 633 ألفًا فقط من المحتوى العربي، وبذلك تحتل اللغة العربية المركز الثامن عشر وسط بقية اللغات، ولكن نسبة الذين يزورونها ليست سوى 1.2 في المئة من زوار «ويكيبيديا»، وهي أيضًا نسبة ضئيلة من المتصفحين العرب، رغم أننا على المستوى الواقعي لا نملك إلّا كمية ضئيلة من الموسوعات، وكان من المفترض أن يتمّ تعويض هذا النقص من خلال هذه الموسوعة الإلكترونية.
هناك موسوعة أخرى سيقت بعنوان الموسوعة العربية تهتم بجمع المقالات التي تختصّ بالتاريخ والتراث العربي، وهي موجهة للقارئ غير المتخصص، وكذلك الأمر بالنسبة إلى موسوعة المكتبة الشاملة التي تحتوي على مجموعة ضخمة من المجلات العربية التي تهتم باللغة العربية، وتحتوي على أكثر من 6 آلاف عنوان، ويشاركها في التخصص نفسه موقع «اسأل زد»، الذي يمتاز عنها بأنه يحتوي على أعداد كبيرة من الرسائل الجامعية، لكنّ أهم موقع لهواة الشعر بنوعيه؛ الحديث والقديم، هو موسوعة الشعر العربي التي تحتوي على آلاف القصائد التي يشارك فيه 3 آلاف من الشعراء العرب.
 لكنّ الموقع المفضّل في رأيي هو موقع «الورّاق»، الذي بلغ العشرين من العمر، ويحتوي على أكثر من 1000 كتاب، بينها كل الكتب النادرة في التراث العربي، وهي تتيح للقارئ والباحث الاطلاع على أيّ كتاب كاملًا مع الإرشادات اللازمة من شروح وإيضاحات، وتتنوع موضوعاته بين الأدب والتاريخ والشّعر، ويحتوي على جزء خاص لأدب الرحلات. 
لقد أتاح هذا الموقع الفرصة للعديد من أمثالي للاطلاع على أمّهات الكتب القديمة التي لم تكن في هذا الوقت من المواقع الشبيهة، لكنها ليست في شمولية موقع الورّاق.

حشو الماضي
ورغم شغفي ببعض هذه المواقع، فإنها في الأغلب مرتبطة بالماضي، فهي تحشو الصفحات بكتب قديمة، ولا تحتلّ الكتب والأفكار الجديدة إلّا حيّزًا ضيقًا، إننا نعيد حشو الماضي باستخدام التقنيات الحديثة، ورغم أن هناك عددًا من المجلات المعاصرة في هذه المواقع، فإن «المتخصصة» منها قليلة، ويغلب عليها الطابع الأدبي والاجتماعي، بينما المجلات العلمية في هذه المواقع قليلة، مثلما هي قليلة في حياتنا الواقعية. 
وتشير معظم التقارير العالمية التي تهتم بالمحتوى الرقمي على الإنترنت، إلى أن نسبة تمثيل اللغة العربية على الشبكة لا تتناسب مع أهمية هذه اللغة وعدد مستخدميها ومتصفّحي الإنترنت من العرب، فقد أشار تقرير صادر عن الأمم المتحدة إلى أن المحتوى العربي على الإنترنت لا يمثّل سوى 3 بالمئة من إجمالي المحتوى العالمي.

أنواع المواقع
المحتوى العربي ليس كتلة واحدة، لكنّه مقسّم حسب احتياجات المتصفّحين، وعلى رأسها تأتي المواقع الحكومية بطبيعة الحال، وكلها ذات طابع رسمي، حيث توجد كل المؤسسات الرسمية التابعة للحكومات، والأجهـزة التابعة لها والمتفرعة منها، والتي يمكن من خلالها إتاحة كل المعلومات عن مختلـف النشاطات الرسمية، وكذلك الخدمات المتعلقـة بهـذه الهيئـات والإدارات، ويستفيد منها قطاعات عريضة من المواطنين الذين لهم صلة بها، ومن أمثلتها المواقـع التابعة للوزارات، والأجهزة الحكومية، ومواقع الحكومة الإلكترونية.
ويلي ذلك المحتوى الرقمي الإعلامي، وتوفّر هذه المواقع أسرع تغطية إخبارية ممكنة، عن طريق نقلها إلى محتوى الصحف والجرائد الإلكترونية، وفي الفضائيات الإخبارية المتاحة علـى شبكة الإنترنت، مما يجعل مَن يواظبون على استخدامها علـى دراية وصِلةٍ دائمة بالعالم الذي يعيشون فيه، إلّا أنها قد تتأثر كذلك بتوجهات فكرية وسياسية معيّنة، وتعمـل هذه المواقع علـى بــث الأخبــار الجارية التي تتغير بشكل سريع.
وهناك أيضًا المحتوى الرقمي التجاري الذي يتضـمن كل ما له علاقـة بالمنتجـات والسلع والعلاقـات العامـة وآليات التسويق والترويج، أو ما يُطلق عليه مواقع الأعمال والتجارة الإلكترونية، ويمكن أن تدخل في هذا المجال مواقع الشركات الاقتصادية، ومواقع الخدمات والبورصات والأسعار وغيرها، وتعود ملكية هـذه المواقع ذات المحتوى المتخصص إمّا لجهات تجارية أو مهتمـة بإدارة الأعمال، وتعمل تلك الصفحات على ترويج سلع معيّنة أو التعامل التجاري مع جهات محددة، وهذه الصفحات واسعة الانتشار على شبكة الإنترنت، وتقـع ضمنها مواقـع بيع السلع علـى الخط المباشـر، والمكاتب والهيئات التجارية، والتسلية والترفيه حتى المجانية منهـا، حيـث يتم اسـتغلالها فـي نشـر إعلانات لشـركات أخـرى مقابـل أجر.

المواقع الأضعف
أما أضعف هذه المواقع - من وجهة نظري - فهو المحتوى الرقمي البحثي والتقني، ويتعلّق المحتـوى الرقمـي التقنـي بكل ما له علاقة بعالم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وما يتعلق بالحواسيب، من ناحية الاستخدامات، والبرمجيات، وكل ما له علاقة بالشركات المنتجة والمصنّعة للحواسيب والبرمجيات، والتي تقـدّم خدمات المعلومات، وهذا المحتوى يتكـون، في مجموعه، مــن مواقــع إلكترونيــة تقنيــة، ومنتديات الاتصـالات والحاسوب، ومنتديات البرمجة، إضافة إلــى مواقع الشركات المهتمة بهذا المجال. أما المحتوى الرقمي البحثي فهـو عبـارة عـن مجموعة مواقع أدلـة ومحركـات البحث العربية، والتي تعـد وسـيلة مهمـة للولوج إلـى المحتـوى الرقمـي العربـي بـاختلاف أنواعه وتعدُّد مجالاته، منها العربية ومنهـا المعرّبة، وهـي تختلـف فيمـا بينهـا، مـن ناحية سرعة البحث، ودقّة النتيجة، وحجم الوثائق المُسترجعة.
لكن هناك بعض المعوقــات التــي تعطل الاســتفادة مــن المحتوى الرقمي العربي، أوّلها ضعف التصميم، مما يؤثر على العنصر الجمالي الذي يجـذب اهتمامات المسـتخدمين نحو مواقـع الإنترنـت، ويشكل هذا عاملًا منفّـــرًا يحـــول دون تحقيـق غايـات الاستخدام، وثاني نقاط الضعف هو غياب التحـديث فـي المحتـوى والتصـميم والخـدمات، إضافة إلى ضعف وعشوائية المحتوى المنشور ينبغي أن يتوافر العديد مـن الشـروط الضرورية والواجبة فـي المحتـوى المعـروض علـى مواقـع الويـب حتـى يجلـب الاهتمـام ويغري المسـتخدمين، فالمحتوى الثريّ الذي يشبع حاجات المستخدمين ويلبّي رغباتهم المعرفية، هو العامل المهم الذي يجب التركيز عليه، ويجب أن يتمتـع هذا المحتوى المتميز بلغة عربية سليمة خاليـة مـن الأخطاء، فاللغة غيـر السليمة التي تحتوي علـى أخطاء كثيـرة، مـن شـأنها الإضرار بعمليات الاسـتخدام.

طموح موقع «العربي»
ربما يجسّد هذا بعضاً من طموحنا في مجلة العربي خصوصًا، وهي تطوّر موقعها الجديد، فـ «العربي» لن تضيف إلى المحتوى آلافًا من الصفحات فقط، لكنها سوف تضيف أيضًا طابعًا من المعاصَرة والشمولية، فهي سجل الثقافة العربية منذ الخمسينيات حتى الآن، وقد سجّلت الوقائع الثقافية والاجتماعية على مدى هذه السنوات بشكل موسع، واستقدمت مئات من الأقلام العربية في مختلف التخصصات، كما استفادت من التوضيب الصحفي، حيث ينعكس هذا على شكل موقعها، كما أنها كانت تصدر كل عام فهرسًا بكل ما نشَرَت على صفحاتها، وسيسهّل هذا عملية الفهرسة والأرشفة على صفحات الموقع.
إنني أومن بأن إسهام مجلة العربي في المحتوى العربي للإنترنت سيكون فاعلًا ومميزًا، ويساهم في إثراء هذا المحتوى ■