مجلة العربي في مكتبات علماء بغداد

مجلة العربي  في مكتبات علماء بغداد

تعتبر مجلة العــربــي الكويتيــة رفيقــة درب المثقــف العــربي، وهي كمــا يعبّر عنهــا القائمون عليهــا بعبـــارة موجــزة ودقيقــة «مجلــة شهرية ثقافية مصوّرة يكتبها عرب ليقرأها كل العرب... أُسّست عام 1958م)، وهي بالفعل «هدية الكويت إلى العرب»، كما عبّر عنها أمير الكويت الراحل سمو الشيخ صباح الأحمد (طيّب الله ثراه). لذلك ليس غريبًا أن تحتل أعداد مجلة العربي مساحات كبيرة في المكتبات العربية عامة، والمكتبات العراقية بشكل خاص، لاسيما المكتبات العامة والمكتبات المركزية في محافظات العراق كافة، وقد اطلعتُ على العديد من هذه المكتبات، ووجدت العشرات من أعداد المجلة الأثيرة، حيث سعت هذه المكتبات الى وضع هذه الأعداد بمجلدات وفق سنوات الإصدار.

 

  اقتنى مجلة «العربي» العديد من الشخصيات العلمية البغدادية، واهتموا بقراءتها ومتابعتها، وخصصوا لها ركنًا خاصًا بها في مكتباتهم، وفي العديد من المناسبات ذكرت في المجالس الثقافية باعتبارها منجزًا ثقافيًا عربيًّا استمر أكثر من 50 عامًا لتعد تجربة رائدة ومهمة في الصحافة العربية.

المركز الثقافي البغدادي
يقع المركز الثقافي البغدادي على ضفاف نهر دجلة مع نهاية شارع المتنبي في بغداد، وقد افتتح عام 2011م بعد صيانته وإعماره من قبل محافظة بغداد ليكون ملتقى ثقافيًا وأدبيًا يجمع روّاد الأدب والثقافة حتى بات يسمى بـ «سوق عكاظ العراق»، نسبة إلى السوق المشهور في الحجاز، حيث كان يلتقي الأدباء والشعراء العرب في الماضي القديم.
ويُعد المركز أحد أكثر المراكز الثقافية في العاصمة العراقية زحامًا بالرواد، خاصة في أيام الجمعة، حيث تقام في قاعاته العديد من النشاطات المتعلّقة بالأدب والفكر والتراث البغدادي والأنساب والغناء التراثي، فضلًا عن معارض الكتب والبازارات الخاص بالأعمال اليدوية والمعارض التشكيلية والفوتوغرافية والفنية.
   وتعود أصول المبنى إلى العهد العباسي، حيث كان مدرسة أنشأها الأمير سعادة خادم الخليفة المستظهر بالله العباسي، ويذهب المؤرّخون إلى أن المبنى كان مقرًا لأداء وظائف عديدة قبل أن يتحول في العهد العثماني إلى دائرة معنيّة بوثائق العقارات وبعض الشؤون المالية الأخرى التي اتخذت في عهد الولاة المماليك العثمانيين، وكانت تسمى «الدفتر خانة».

أهم مكتبات بغداد
في العهد العثماني الأخير قام الوالي مدحت باشا سنة 1869م بتحويل هذا المكان إلى «المدرسة الرشدية العسكرية»، بعد أن أعاد بناءها بشكلها الحالي، وبعد تأسيس المملكة العراقية سنة 1921م اتخذت أيضًا مقرًا للمحاكم المدنية والجزائية .
ويحتوي المركز على قاعات عدة تحمل أسماء علماء وشعراء وفنانين عراقيين، مثل علي الوردي ومصطفى جواد ونازك الملائكة وجواد سليم وحسين محفوظ، إضافة إلى قاعة متخصصة بالفنون التشكيلية تحمل اسم النحات العراقي محمد غني حكمت، فضلًا عن قاعة «ألف ليلة وليلة» للسينما ومسرح الشناشيل للمقام العراقي ومسرح الفنان سامي عبدالحميد للمهرجانات الكبيرة.
إضافة إلى ذلك، اقتنى المركز الثقافي «أهم المكتبات في بغداد» لشخصيات علمية، منها مكتبة ومتحف العلّامة د. أحمد سوسة والعلّامة ميخائيل عواد والعلّامة عبدالحميد الرشودي ود. عماد عبدالسلام ومكتبة المفكر والشهيد عزيز السيد جاسم والعلّامة المرحوم عبدالرزاق الهلالي، وتحتوي هذه المكتبات على مخطوطات ونوادر ووثائق مهمة وكذلك مقتنيات شخصية أخرى، وأخيرًا تم اقتناء مكتبة الطبيب والفنان التشكيلي علاء بشير.
ويحتوي أغلب المكتبات على أعداد من مجلة العربي منذ تأسيسها حتى وفاة هؤلاء الأعلام، وسنختار عددًا من هذه المكتبات كنماذج لاهتمام العلماء في بغداد بهذه المجلة العريقة.

«العربي» في مكتبة العالِم د. أحمد سوسة
إن مكتبة العلّامة أحمد سوسة (1900 - 1982م) من أهم مكتبات المركز، حيث افتتحت يوم الجمعة 6 نوفمبر 2015م، بعد أن تبرّعت عائلة المرحوم العلّامة سوسة متمثلة بحفيدته سارة الصراف، وعن طريق ممثل العائلة المحامي حسين شعبان، بمكتبة العلّامة سوسة، وعدد من المقتنيات المهمة للمركز من أجل أن تكون المكتبة متاحة أمام الباحثين المهتمين بالشأن التاريخي للعراق، لاسيما فيما يتعلّق بالري والحضارة.
اهتم العلّامة سوسة بمباحث حضارية قديمة في العراق، حيث بحث في تاريخ العراق الحضاري، وكتب عن نظم القنوات المائية والسدود في الحضارات القديمة كجزء من هذا الاهتمام، تربو مؤلّفاته على الـ50 كتابًا وتقريرًا فنيًا وأطلسًا، إضافة إلى أكثر من 116 مقالًا وبحثًا نشرت في الصحف والمجلات العلمية المختلفة، وتتوزّع مؤلفاته على حقول الري والهندسة والزراعة والجغرافيا والتاريخ والحضارة.
تحتوي المكتبة على مئات المصادر المهمة والرئيسية عن حضارة العراق وتاريخه وتقارير وأبحاث كثيرة حول الرّي في العراق، إضافة إلى مجموعة كبيرة من المراجع القديمة من آثار العراق.
كما تحتوي على بعض المقتنيات الشخصية والخاصة بالعلّامة سوسة كمنضدته التي كان يكتب عليها أغلب أبحاثه وأقلامه الشخصية وعدد كبير من الأختام فيها عدد من الخرائط القديمة.
  وقد أخذت مجلة العربي حيزًا كبيرًا ومهمًّا في مكتبة العلامة سوسة، حيث تبدأ متابعته وعنايته بـ «العربي» منذ العدد الأول الصادر عام 1958م الذي كان سعره في العراق 100 فلس، حتى وفاته عام 1982م، وقد قام العلّامة سوسة بتجليدها بشكل فاخر، باللون الأزرق، حيث تضمّن كل مجلد 4 أعداد من المجلة، ويبلغ عدد المجلدات 50 مجلدًا، في حين بلغ عدد الأعداد المفردة 34، ليتجاوز العدد الكلي للمجلة 250 عددًا، وليكون أكبر أرشيف للمجلة في المركز.
كما تضم المكتبة أكثر من عدد من المجلة بعد وفاة العلّامة سوسة، وهي من مقتنيات ابنته د. عالية، التي استُشهدت عام 2003م إثر تفجير إرهابي استهدف مبنى الأمم المتحدة في بغداد.
تمت فهرسة هذه الأعداد وتصنيفها لتكون مصدرًا للباحثين والدارسين، وكذلك تم تصوير كل الأعداد بدقّة عالية وبأحدث الطرق، حيث يحتفظ المركز بها.

في مكتبة العلّامة عبدالرزاق الهلالي
العلّامة والحقوقي عبدالرزاق الهلالي (1916 - 1985م) هو مؤلف وكاتب موسوعي، عيّن في عدد من المناصب المهمة؛ منها مساعد رئيس التشريفات الملكية عام 1947، ثم عيّن مديرًا للإذاعة العراقية، وبعدها مديرًا للمصرف الزراعي، وقد كتب الهلالي في مجالات الأدب والتعليم والتاريخ والإصلاح الزراعي، ومن أبرز كتبه «معجم العراق»، و»تاريخ التعليم في العراق»، وغيرها كثير.
وتزخر مكتبته بالمصادر والمراجع والكتب التاريخية والسياسية والأدبية، وتحتوي على العديد من الكتب المهداة والموقّعة بخطّ أصحابها، منها توقيع نادر للشاعرة نازك الملائكة عندما كانت في الكويت عام 1972م.
 تم نقل المكتبة إلى المركز، بالتعاون مع ابنته د. عالية التي حافظت على المكتبة، وعملت جاهدة على نشر مؤلفات والدها الراحل، وكان لها الدور الأبرز في نقل المكتبة.
تحتوي مكتبة الهلالي على أكثر من 50 عددًا من مجلة العربي، وهي من سنوات الستينيات والسبعينيات، وهناك أعداد من الثمانينيات، وقد تميّز العدد 188 (يوليو 1974م) بوجود ختم على الصفحة الثالثة: (مع أصدق تحيّات الملحق الصحفي بسفارة الكويت في بغداد عبدالصمد تركي)، وتركي (1920 - 1993م) هو مُربٍّ ومدرس كويتي استمر بالتدريس حتى سنة 1965م، قبل أن ينتقل إلى السلك الدبلوماسي، حيث عمل مستشارًا صحفيًا بالسفارة الكويتية في بغداد نحو 20 سنة، وله العديد من المؤلفات والمقالات السياسية والأدبية، وربما لكونه مربيًا سابقًا كانت له علاقة مع العلّامة عبدالرزاق الهلالي لاهتمام كليهما بالتعليم، رحم الله الجميع. 
كما يحتوي العدد 177 (أغسطس 1973م) على ختم «مكتبة انتصار العروبة محلة نجيب باشا، هاتف 29242»، وكانت هذه المكتبة توزع مجلة العربي في الستينيات والسبعينيات على المشتركين بشكل منتظم، وتعد من أقدم المكتبات في محلة نجيب باشا البغدادية، كما كانت هذه المكتبة توفر خدمة الاشتراك السنوي في المجلة.

المفكر عزيز جاسم
الكاتب والمفكر عزيز السيد جاسم (1941 - 1991م) من مدينة الناصرية جنوب العراق له أكثر من 60 عملًا في السياسة والفكر والرواية، منها «متصوفة بغداد» و«محمد الحقيقة العظمى» وغيرهما، تعرّض للاعتقال ثمّ للاختفاء على يد النظام السابق في العراق آنذاك، وتم إخفاء جثته ولم يُعثر عليها حتى الآن، ويُعتقد أنه أعدم في سنة اختفائه، يرحمه الله.
وتحتل «العربي» حيزًا كبيرًا في مكتبة الراحل عزيز جاسم، حيث تضمّ 28 مجلدًا يحتوي كل منها على 4 أعداد، وكذلك على أكثر من 100 عدد مفرد، وقد اعتنى بها كثيرًا الشهيد عزيز جاسم، حيث يلاحظ نوع التجليد الفاخر باللون الأزرق.
ويحتوي عدد من الأعداد على ختم «المكتبة الوطنية»، وهي دار الكتب والوثائق العراقية الحالية، وتُعدّ أقدم مكتبة عامة في العراق الحديث، وكانت تسمى سابقًا بالمكتبة الوطنية، وقد دمجت عام 1987م مع المركز الوطني للوثائق. وهذا يعني أيضًا أنها كانت توزع من المكتبة الوطنية، ويدل وجود أعداد بعد اختفاء الشهيد عزيز جاسم على أنه كان مشتركًا لفترة طويلة بمجلة العربي ■

مجلدات «العربي» إهداء من د. أحمد سوسة