الفارس

الفارس

أخرجُ من كوبِ القهوةِ، 
أتعلّق في حافتهِ، 
أتلفّت حولي.. 
فأرى العالَم ما زال عجوًزا سكّيرًا، 
منتظرًا مَن لن يأتي 
منضدتيَ تحملُ مرآتيَ، 
كوبَ القهوةِ، أوراقيَ، 
حملقتُ ببطن البابِ المُغلق: 
يحملُ لي صورًا تعرفُني
منذ الغربةِ في الزمن الأول
حملقتُ طويلًا فرأيتُ الأصحابَ وأشجارَ الدَّوْمِ 
ترتّق لي ذاكرَتي 
ورأيتُ جيوشَ نخيلٍ
تعدو خلف قطارٍ يبتلعُ الغرباءَ جماعاتٍ 
كيْ يتجشّأهم عبْرَ بلاد الله فُرادَى
أتذكّر نَرْدَ المقهى
أتذكّر أنّي كنتُ أرتّق - بالأمسِ - غدي
وينبّئني العالَمُ أنّي الفارس
بالرغم من الأيام السوداءْ 
فأعدُ طعامي..
وأنا أحلم بالصَّرْحِ السّامقِ، 
أَرْقُبُ آمادًا بيضاءْ 
فأظَلّ على بُورٍ ثَمَرًا 
وعلى صمتٍ شِعْرًا 
وعلى سَفَرٍ جَملا
وعبرتُ بلادًا 
صاحبتُ شوارعَها
وحفرتُ اسميَ في ذاكرةِ معارِضها
وقرأتُ مَقاهيها ومطاعمها
وعبرتُ بلادًا
وشربتُ البَرْدَ، القَيْظَ، الجوعْ 
وعبرتُ بلادًا
وهبطتُ مطاراتٍ لا أعرف فيها أحَدًا، 
لا يعرفُني أَحَدٌ 
لكنّي أعلم أنّي الفارسُ، 
نَبَّأني العَالَمُ منذ الغربةِ في الزمن الأَوَّلْ
وسَلُوا هذي الصُّوَرَ... العالمُ نبّأني
حقًّا: كل نوافذ بيتي مغلقةٌ، 
صُوَري مرهَقةٌ 
مرآتي صامتةٌ، 
أوراقي خاليةٌ 
لكنّي الفارسُ... والعالَمُ نبّأني 
فإذا كان مسائي قفرًا 
فغدًا حين يُدَقُّ صباحًا بابي 
أخرجُ للطُّرقاتِ - كما كُنتُ - عنيدًا
أقرأها؛ فتقبِّل خُطواتي
ينبت في عينيّ الضوءُ 
وأسيرُ عتيًّا 
تَتْبَعُنِي الريحُ، 
أدقُّ على الأرضِ، 
أهزُّ بها الزمنَ الآتي ...
إنّي الفارس 
حين تخوّف منّي الليلُ.. وراحْ
دُقَّ صباحًا بابي.. فانفلتت كَفَّايْ 
وسقطتُ بكوبِ القهوةِ
أخرجُ من كوبِ القهوةِ، 
أتعلّق في حافّتهِ،
... ... ...
... ... 
...
منتظراً مَن لَنْ يأتي■