خالد الصديق رائد الحركة السينمائية الكويتية

خالد الصديق رائد الحركة السينمائية الكويتية

يعدّ السينمائي القدير المرحوم خالد الصديق رائد الحركة السينمائية الكويتية؛ فهو مخرج متميز ومبدع، استطاع من خلال إخراجه عددًا من الأفلام السينمائية الروائية الرائعة، أن يرفع اسم الكويت عاليًا في العديد من المحافل والمهرجانات والملتقيات السينمائية العربية والعالمية؛ حيث قدم فيها فيلمه الروائي الكويتي الأول «بس يا بحر»، من تأليف عبدالرحمن الصالح، ثم فيلم «عرس الزين» عن رواية الأديب السوداني الكبير الطيب صالح، وفيلم «شاهين» عن رواية الأديب الإيطالي بوكاشيو... هذه الأفلام حققت له الشهرة والمكانة السينمائية، وأصبح بحق علامة سينمائية كويتية بارزة. وقد نال الإعجاب والتقدير في زمن كانت فيه صناعة السينما بعالمنا العربي، وبالكويت خصوصًا، مغامرة ومخاطرة مادية وفنية، خاصة لمن لا يملك مقوماتها وأدواتها الفنية.

 

المخرج السينمائي القدير خالد محمد الصديق من مواليد الكويت عام 1944م في منطقة الشرق، فريج هلال. درس في المدرسة الشرقية الابتدائية للبنين في الكويت، وكان شغوفًا بالسينما منذ صغره، وبالتحديد منذ سن الثامنة من عمره، وزاد شغفه بها مع مرور الأيام، وبعد انتهائه من المرحلة الابتدائية سافر مع والده إلى الهند عام 1956، وأكمل دراسته هناك؛ حيث التحق بمدرسة «كايس تشيريج»، ثم بمدرسة «سان بيتر» في بومباي؛ حيث إن والده كان يمتلك فرعاً لتجارته كمعظم تجار الكويت في تلك الحقبة الزمنية.

دراساته السينمائية 
 وفي الهند في بومباي عام 1963 تلقى علومه السينمائية، وتخرج في معهد السينما، وفي الوقت نفسه درس التصوير الفوتوغرافي السينمائي... ومن الهند اتجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا وإيطاليا لمواصلة دراساته وتدريباته التخصصية العليا، وفي العام 1975 حصل على درجة الزمالة من جامعة سانت ماري بسانت أنطونيو في تكساس بالولايات المتحدة الأمريكية؛ وذلك لإسهاماته البارزة في الفن السينمائي.

في تلفزيون الكويت
عندما عاد من الهند إلى الكويت، عمل في تلفزيون الكويت عام 1963 مخرجًا سينمائيًا، وكانت البداية في القسم الهندسي، ثم مدير استديو، وأول مهمة رسمية له كانت عام 1964م إلى مهرجان مونت كارلو، وبعد عودته تعاون مع المرحوم عبدالوهاب سلطان، والذي كان آنذاك رئيس قسم السينما في تلفزيون الكويت، في إنشاء القسم السينمائي، وقدم خلال هذه الفترة ثمانية أفلام سينمائية وثائقية متميزة، من بينها:
- «المطرود»، وهو فيلم درامي قصير قام بتنفيذ إنتاجه وإخرجه عام 1964م.
 - «الصقر»، الذي كتب له السيناريو ونفذ إنتاجه وأخرجه عام 1965؛ وهو فيلم تسجيلي عن طرق الصيد بالصقور، وقد نال هذا الفيلم في عام 1969م جوائز تقديرية وميداليات ذهبية وبرونزية، وكذلك من أبرز أعماله السينمائية الوثائقية المهمة:
- «الحفرة»، وهو فيلم درامي قصير مقتبس من أفلام هيتشكوك... كتب له السيناريو وأنتجه وأخرجه عام 1968.
 - فيلم بعنوان «الرحلة الأخيرة»، وهو فيلم تسجيلي قصير كتب له السيناريو، وقام بتنفيذ إنتاجه وإخراجه عام 1966م.
- فيلم «الأمن الداخلي»، وهو فيلم تسجيلي قصير، كتب له السيناريو، وقام بتنفيذ إنتاجه عام 1967م.
- «وجوه الليل»، وهو فيلم درامي قصير بالموجة الجديدة، قام بالتمثيل فيه وكتب له السيناريو ونفذ إنتاجه وأخرجه عام 1968.
- «مسرح الأمل»، وهو فيلم وثقافي قصير (16 مم) عن الصم والبكم، وكتب له السيناريو، ونفذ إنتاجه وأخرجه عام 1969.
يتذكر خالد الصديق بداياته، فيقول إنه «عين في التلفزيون عام 1963، ولم يكن هناك في ذلك الوقت قسم للسينما، وكان السنعوسي سبقه بالعمل في التلفزيون، وقد بدأ خالد الصديق تعلم «التكنيك» بإخراجه بعض الأغنيات، ومن تلك الأعمال عندما زار المخرج المصري يوسف شاهين لأول مرة الكويت مع الراحل العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ؛ ليسجل في تلفزيون الكويت، شاهد له خلالها يوسف شاهين بعض لقطات من فيلم «الصقر»، الذي كان يعده في ذلك الوقت، وعندما رأى الفيلم رشحه لاستكمال إخراج أغنيات عبدالحليم حافظ؛ حيث كان وقتها يوسف شاهين مرتبطًا بإخراج فيلم «بياع الخواتم» في لبنان لفيروز والأخوين رحباني، وعندما همَّ بالسفر توجّه لمقابلة وزير الإعلام المغفور له الشيخ جابر العلي السالم الصباح ومعه وكيل الوزارة سعدون الجاسم؛ حيث قال لهما: إنني أرشح الأخ خالد الصديق لاستكمال ما بدأت به؛ لاضطراري وارتباطي بالسفر، وبالفعل قام خالد الصديق بإخراج «يا هلي يا هلي» و«ضي القناديل»، وغيرها من الأغنيات التي صورها خصيصًا لتلفزيون الكويت. 

مساهماته في البرامج والأخبار
كانت للمخرج خالد الصديق أيضًا مساهمات في تصوير البرامج الأسبوعية، التي كان يبثها تلفزيون الكويت آنذاك، وأيضًا مواد خاصة لنشرات الأخبار. ومن هذه الأعمال؛ قدم أول فيلم تلفزيوني عام 1964 بعنوان «علياء وعصام»، وهو ضمن برنامج اسمه «صور شعرية»، وكانت مدته 20 دقيقة، وصُوّر في نصف يوم، وقد تم تحميضه في معمل وزارة التربية؛ حيث لم يكن هناك معمل لتحميض الأفلام السينمائية في تلفزيون الكويت، وكانت البدايات صعبة آنذاك، وكانت الإضافات الصوتية الشعرية التي كان يلقيها هشام الدباغ وكذلك إضافة الموسيقى التصويرية والمؤثرات الأخرى قد تمت على الهواء مباشرة، وقام بالتمثيل فيه المخرج خالد الصديق. ويتذكر خالد الصديق أيضًا الفيلم الدرامي القصير «المطرود»، الذي كتبه عبدالأمير التركي، ومثله النجم عبدالحسين عبدالرضا عام 1964م، فيقول: إن نصف الفيلم صوره سينمائيًا، بينما النصف الآخر تم تصويره بالفيديو، وقد دُمج بينهما على الهواء مباشرة.

جوائز الأفلام التسجيلية
- حصل فيلم «الصقر»، المنتج عام 1965، على جائزة مهرجان قرطاج السينمائي في تونس، وهو فيلم وثائقي قصير، وجوائز تشجيعية عدة أخرى، واشتركت به الكويت عام 1966 في مهرجان السينما التشيكية وحصل على شهادة تقديرية.

جوائز الأفلام الروائية الطويلة
- حصل فيلم «وجوه الليل»، الذي أُنتج عام 1968، على جائزة مهرجان طشقند الدولي، وهو فيلم درامي قصير.

فيلم «بس يا بحر»
كيف قرر المخرج السينمائي القدير خالد الصديق أن يقدم أول فيلم روائي كويتي؟
يقول عن ذلك في حوار صحافي معه: «قررت أن أقدم أول فيلم روائي في الخليج؛ لأن هذا كان حلمي، وكان عليّ عمل فيلم مشترك مع الدول المجاورة، ولكي أجنب نفسي الخسارة يجب أن أطعّم العمل بنجوم وفنانين معروفين، وبعد ذلك قررت عمل أول فيلم كويتي مع فنانين كويتيين ووجوه غير معروفة. وأثناء مشاركتي في المهرجانات الأجنبية لمست لدى الأجانب فكرة خاطئة عن الشعب الخليجي، إذ يعتقدون أنه مولود وفي فمه ملعقة من ذهب؛ لذا أردت إلقاء الأضواء على الوضع في الخليج قبل اكتشاف البترول؛ حيث كان الشعب يكافح بمرارة لمحاربة العوز والفقر والمعاناة».
ويضيف: «القصة كانت مكتوبة إذاعيًا للكاتب المعروف عبدالرحمن الصالح، وطلبت منه كتابة السيناريو، لكنني كنت متخوفًا منه. ومن دون علمه طلبت من الفنان القدير سعد الفرج أن يشارك في كتابة السيناريو، وكذلك من شخص آخر أن يساعدنا، وهو صلاح الدين».
وذكر الصديق أن أول عرض لفيلم «بس يا بحر» كان في القاهرة، وكان رد فعلهم رائعًا، «الفيلم أخذ وقتًا طويلًا في التنفيذ؛ لأن أكثر الممثلين كانوا موظفين، وكنت أعمل خلال العطلات ووفق ظروفهم، والكل وافق على أن يعمل في الفيلم من دون أجر، اعتقادًا منهم عدم جديتي، إنما كان وعدي بأنه بعد الانتهاء من التصوير سيتقاضى كل ممثل حقه».

 ماذا يقول فيلم «بس يا بحر»؟
 «لم يخلق الإنسان ليهزم»، بهذه الجملة صدّر الصديق فيلمه الذي يصوّر صراع ابن الكويت مع البحر، ويقدم وثيقة تاريخية واجتماعية نابضة حول فترة لم يكن فيها نفط، ولا محطات تكرير مياه البحر، ولا أجهزة تكييف، ولا سيارات فارهة، ويعكس أفراح الناس وأحزانهم، ونضالهم وعرقهم من أجل البقاء ولقمة العيش. بدأ تصوير الفيلم في 7 يوليو 1969 وانتهى في 19 سبتمبر 1970، وبلغت تكاليفه 125 ألف دينار. أُخذت مناظر البحر على ساحل منطقة الجليعة، أما بقية المشاهد فأُخذت داخل الكويت، في الأحياء القديمة. وعثر على السفينة عند أحد التجار وتم إصلاحها، وصوّرت مشاهد من الفيلم على متنها. أخذت المشاهد تحت البحر بعدسة مصوّر أجنبي متخصص استعان به المخرج، وتمّ الطبع والتحميض والدوبلاج والمونتاج والمكساج في استديوهات السينما في تلفزيون الكويت، أما الترجمة فتمت في معامل أنيس عبيد بالقاهرة. وقد شارك في الفيلم كل من: حياة الفهد، سعد الفرج، محمد المنصور، محمد المنيع، أحمد الصالح، صالح حمد، أمل باقر، نوال باقر، عبدالعزيز المنصور، حمد ناصر، عبد الله خريبط. 

حفل الافتتاح
افتتحت عروض الفيلم في دار سينما الأندلس في 27 مارس 1971 برعاية الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمدــ رحمه الله ــ الذي كان آنذاك وزيراً للخارجية، وبحضور رئيس وأعضاء مجلس الأمة ورجالات الدولة وحشد من الشخصيات والمهتمين بالثقافة والفن.

هدية تشجيعية للفيلم
في بادرة طيبة من الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، الذي كان في تلك السنة وليًا للعهد، شمل الفيلم برعايته وقدم ثلاثة آلاف دينار هدية تشجيعية للفيلم، ويعد ذلك تأكيدًا واضحًا على أن الدولة مهتمة بكل نشاط فني وفكري متميز يقود المجتمع إلى حياة أفضل.

جوائز «بس يا بحر»
نال هذا الفيلم تسع جوائز عالمية ضمن مهرجانات عربية وعالمية، منها:
 - الجائزة الأولى من مهرجان دمشق السينمائي الأول لسينما الشباب العرب لعام 1972م.
- جائزتان من مهرجان فينسيا السينمائي الدولي، واحدة منها جائزة النقاد العالميين مناصفة مع المخرج الهندي العالمي ستياجت راي عام 1972م.
- جائزة هوغو الفضي لمهرجان شيكاغو العالمي 1972م.  وشارك فيلم «بس يا بحر» في مهرجان الأفلام العربية لمؤسسة شومان الثقافية بالمملكة الأردنية الهاشمية عام 1996م... وفي الدورة الرابعة من مهرجان سوسة الدولي عام 1999، وكُرّم المخرج السينمائي خالد الصديق، وعرض فيلماه «بس يا بحر» و«عرس الزين»، تقديراً لإسهاماته في دفع السينما الخليجية إلى الأمام، كما شارك في عضوية لجنة التحكيم الخاصة للمهرجان.

فيلم «عرس الزين»
قرأ الصديق القصة عام 1973، وأعجب بها، فكانت بداية ولادة عمل سينمائي صوّرت لقطاته في أرض السودان بهدف إظهار العادات والتقاليد السودانية مع نجوم من هذا البلد تميزوا بالصدق في الأداء والعفوية بالحركة. كتب الصديق السيناريو، وكان المنتج المنفذ والمخرج، وتعاون مع مدير التصوير الكويتي توفيق الأمير والفنان عبد العزيز المنصور... في أثناء التصوير عام 1976 ضاع مدير التصوير توفيق الأمير والفنان عبد العزيز المنصور في الصحراء السودانية.
في 28 ديسمبر 1977 كان الافتتاح الرسمي بسينما السالمية، وذلك بحضور الأمير الراحل الشيخ سعد العبدالله رحمه الله، والذي أبدى إعجابه بالفيلم، وأثنى على الجهود الكبيرة التي بذلها جميع من عملوا على إخراج هذا العمل الفني الكبير بهذه الصورة المتطورة الرائعة.

العروض الجماهيرية
في 7 يناير 1978، كانت بداية العروض الجماهيرية في دار سينما الأندلس بحضور وكيل وزارة الإعلام الأسبق سعدون الجاسم. وقد حصد الفيلم جوائز عالمية وعربية وشهادات تقديرية في مهرجانات، من بينها:
- الجائزة الأولى في «مهرجان الفيلم الشبابي في دمشق» (1972).
- جائزة الشرف في «مهرجان طهران الأول للسينما العالمية».
- جائزة فيبرانشي وجائزة النقاد السينمائيين العالميين في «مهرجان البندقية».
- الجائزة الثانية في «مهرجان أوهايو العالمي» في الولايات المتحدة الأمريكية وكانت الجائزة الوحيدة المخصصة لفيلم روائي.
- جائزة الأسد الفضي في «مهرجان البندقية».
- جائزة «مهرجان شيكاغو».
- جائزة «مهرجان إسبانيا».
- جائزة «مهرجان قرطاج للفنون السينمائية- تونس».
- جائزة «مهرجان هميسفيلم» (1976) بمدينة سان أنطونيو في ولاية تكساس الأمريكية، وشهادة جامعية فخرية في «جامعة سانت- ماري»، وجائزة الحكّام الخاصة باكتشاف مخرج جديد.
- شارك في «مهرجان كان السينمائي» (1977).
- نال جائزة في «مهرجان الأفلام الآسيوية» الذي أقيم في جزيرة بالي الإندونيسية (1980) وهي أول مشاركة كويتية في هذا المهرجان بعد انضمام الكويت إلى منظمة المنتجين السينمائيين الآسيويين.

فيلم «شاهين»
 إنتاج كويتي- هندي - إيطالي، استغرق العمل فيه ثلاث سنوات، صوّرت مشاهده في الهند عام 1984، وشارك في بطولته كل من: الممثلة الهندية كيران جونيجان والممثل الإيطالي كارلو كارتير والفنان المصري مجدي وهبة، إلى جانب إبراهيم الحربي... والفيلم ناطق بلغات أربع هي: العربية، الإنجليزية، الإيطالية، والهندية. كتب له السيناريو الصديق وأخرجه وشارك في تمويله وإنتاجه عام 1986.

أعمال ومشاركات أخرى
- «قلب الطاغية» (1983)، فيلم روائي طويل شارك الصديق في إنتاجه، وهو من إخراج الهنغاري ميلوبيتش.
- «غاية الحبّ» (1985)، فيلم روائي طويل شارك الصديق في إنتاجه، وهو من إخراج الإيطالي ألبرتو بيولا كوا.
- عام 1976 أصدر الصديق كتابًا بعنوان «عريسي وعرس الزين».
- عام 1992 شارك في مهرجان آسيا- باسيفيك السينمائي، وألقى كلمة في افتتاح المهرجان ركز فيها على قضية الأسرى والمرتهنين الكويتيين في سجون العراق.
- عام 1997 شارك بحفلة تكريم السينما الخليجية في «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي» وكرّم فيه، وقد أعرب في كلمة ألقاها بالمناسبة عن أمله في تجاوز العقبات، لا سيما التمويل، لكي يظهر مشروع فيلم روائي طويل جديد إلى النور بعنوان «اغتصاب لؤلؤة»، الذي يتناول العدوان العراقي الغاشم على الكويت وحرب تحرير البلاد.
- في عام 1999 كرّم في الدورة الرابعة لـ«مهرجان سوسة الدولي لفيلم الطفولة والشباب» في تونس، وعُرض له فيلمان: «بس يا بحر» و«عرس الزين»، تقديرًا لإسهاماته في دفع السينما الخليجية قدمًا إلى الأمام. وأشار خالد الصديق في تصريح لـ«كونا»، إلى أن آخر الأفلام الكويتية، الذي يحمل عنوان «شاهين» كان سيعرض في أكتوبر من عام 1990، إلا أن القوات العراقية قامت خلال غزوها دولة الكويت في أغسطس من العام نفسه بسرقة الاستديو ونهب معداته وحرقت نسخة العمل والأصوات للفيلم وهو في آخر مراحل إنتاجه ■

المخرج السينمائي خالد الصديق وتوجيهاته الإخراجية للفنان القدير سعد الفرج