الهولندي باولوس بوتر ولوحة «الثور»

الهولندي باولوس بوتر ولوحة «الثور»

باولوس بوتر ليس اسمًا بارزًا في تاريخ الفن، فهذا الرسام الهولندي المولود في عام 1625م، والمتوفى قبل أن يبلغ الثلاثين من العمر بقي أقل شأنًا من معاصريه، لكن عندما زار الفنان والرسام الفرنسي أوجين فورمانتان هولندا في القرن التاسع عشر كتب يقول إن لوحة «العجل» ولوحتي رامبرادت «الدورية الليلية» و«درس في التشريح» هي أشهر ثلاث لوحات في هولندا، الأمر الذي يعني نجاح باولوس بوتر في تحقيق اختراق غير مسبوق في تاريخ الفن، بعدما كانت تراتبية المواضيع تضع رسم الحيوانات في مرتبة أدنى من المواضيع الأدبية والأسطورية والصور الشخصية والمناظر الطبيعية، حتى في مجال رسم الحيوانات، كان من النادر أن يرسم الفنانون غير الخيول.
رغم عمره القصير، رسم بوتر نحو 100 لوحة زيتية، تمثّل في غالبيتها الساحقة حيوانات ومشاهد صيد، وأشهرها على الإطلاق اللوحة التي نقف أمامها هنا، والعائدة إلى عام 1647م، أي عندما كان الفنان في الثانية والعشرين من عمره.

مقاييس ضخمة للوحة
تتميّز هذه اللوحة عن غيرها من أعمال بوتر بمقاييــسها الضخمة (235.5 × 339 سم)، أي إن الثور يبدو فيها بمقاييسه الحقيقية تقريبًا. وثمة آثار عليها تؤكد أن الفنان عمل على تكبير مساحتها بإضافة أجزاء من قماش الكانفاس إلى جوانبها، الأمر الذي سمح له بالعمل على أدق التفاصيل الصغيرة، مثل الذباب حول الثور، وتحديد معالم البلدة الصغيرة في الأفق، وغير ذلك مما لا يمكنه أن يظهر في الصورة المصغّرة هنا.
 عندما درس علماء الحيوان تشريح هذا الثور أكدوا أن الرسام جمع تفاصيله من دراسته لبنية ستة ثيران مختلفة، لكي يبني منها ثورًا نموذجيًا. لكن لماذا كل هذه الاجتهاد في رسم الثور وليس الحصان على سبيل المثال؟

خطاب وطني وسياسي 
رغم أن هذه اللوحة تُصنّف في خانة رسم الحيوان، فإنها لا تخلو من خطاب وطني وسياسي إن جاز التعبير؛ فخلال القرن السابع عشر نعمت هولندا برخاء اقتصادي كبير، ولأن اقتصادها كان قائمًا بشكل أساسي على الزراعة وتربية الأبقار أصبحت البقرة رمزًا لهذا الرخاء الاقتصادي. واختيار ثور صغير بدلًا من بقرة كبيرة موضوعًا في هذه اللوحة هو للتعبير عن الأمل في أن هذه الثروة ستنمو، وستصبح غدًا أكبر مما هي عليه اليوم. أما رؤوس الماعز الثلاثة في الجانب الأيسر من اللوحة فكانت ترمز في القرن السابع العشر إلى شبه الجزيرة الإيطالية. لكن وجودها هنا قابل للتأويل بشكلين مختلفين: إما أنها تعبير عن الهدنة السياسية التي كانت قائمة آنذاك بين هولندا البروتستانتية والإمارات الإيطالية الكاثوليكية، وإما للإشارة إلى عظمة الثروة الهولندية مقارنة بتواضع ما في إيطاليا.
عند رسمها، لم تنل هذه اللوحة اهتمامًا كبيرًا، فعلى المستوى الفني تميّز القرن السابع عشر بانشغال جنوب أوروبا بالمواضيع الدينية والأدبية والكلاسيكية والصور الشخصية، أما شمالها، أي هولندا وبلجيكا وألمانيا، وإن كان يتذوق من القرن السادس عشر صور الطبيعة الصامتة والحياة اليومية وكل المواضيع الأخرى، فإنه كان منشغلًا بمتابعة عباقرة كبار مثل رامبراندت وروبنز وفيرمير وفان ديك... وكان على هذه اللوحة أن تنتظر حتى القرن الثامن عشر كي تستقطب الاهتمام الذي تستحقه، اهتمام تعاظم بعدما صادرها نابليون بونابرت من أمير أورانج وليم الخامس في عام 1795م، ونقلها إلى باريس حيث عُرضت في متحف اللوفر لمدة عشرين سنة، ولم تَعد إلى بلادها إلى بعد ســقوط بونابرت في عام 1815م ■