حاضر ومستقبل المشهد التشكيلي العماني رؤى وشهادات

حاضر  ومستقبل المشهد  التشكيلي العماني رؤى وشهادات

عرفت سلطنة عمان بجذورها الضاربة في أعماق التاريخ، وعلاقاتها التاريخية مع الحضارات القديمة في شرق المتوسط ووادي النيل وشمال إفريقيا، والهند، والصين، وبلاد ما بين النهرين. ولكون السلطنة غنية بتراثها، وبطبيعتها المتفردة، التي تعد مصدر إلهام لكل مبدع وفنان، فقد تأسست في السلطنة عام 2012 الجمعية العمانية للفنون التشكيلية، إلى جانب جمعية التصوير الضوئي، وذلك بهدف رعاية الحركة التشكيلية على أرض السلطنة والارتقاء بها ونشر الثقافة البصرية وتوعية المجتمع بأهمية دور الفنون في تقدم وازدهار الوطن، وتوثيق تاريخه ومعالمه وتراثه ومنجزاته.

 

لكن ما هي رؤية الفنانين التشكيليين العمانيين لحاضر ومستقبل المشهد التشكيلي العماني والعربي؟ وما هي الإشكاليات التي تقف ربما حائلًا أمام تحقيق طموحات فناني السلطنة، والعالم العربي؟ في هذا التحقيق رؤى وشهادات ووجهات نظر عمانية حول حاضر ومستقبل المشهد التشكيلي داخل السلطنة وفي عالمنا العربي.

غياب الدور الإعلامي
في البداية، أشاد الفنان التشكيلي العماني سعيد العلوي بالحركة التشكيلية التي تشهدها السلطنة، ورأى أنها تعيش عصرها الذهبي، بحسب قوله، وأن مرحلة جديدة من النجاحات سيحظى بها فنانو عمان، بفضل ما يجري من تدابير وخطط لدعم الفنون التشكيلية من قبل مؤسسات الدولة. وثمّن دور جمعية الفنون التشكيلية ومرسم الشباب في إثراء المشهد التشكيلي العماني.
ورأى العلوي أن ما ينقص الفنانين التشكيليين والحركة التشكيلية ببلاده هو الحاجة إلى الدعم الإعلامي وقيام وسائل الإعلام بتسليط الضوء على مسيرة وإبداع الكثير من الفنانين البارزين محليًا ودوليًا.
ولفت إلى ضرورة قيام مؤسسات الدولة من وزارات وبنوك ومطارات وفنادق ومنشآت سياحية بدورها، من خلال اقتناء أعمال الفنانين التشكيليين، الذين لا يستطيعون الاعتماد على ممارسة الفنون كمصدر رزق لهم نتيجة غياب ثقافة اقتناء الأعمال الفنية في السلطنة والعالم العربي، مقابل إقبال البعض على شراء أعمال فنية أجنبية، واستمرار ما وصفه بـ «عقدة الخواجة» لدى الجمهور، وذلك على الرغم من أن الأعمال التشكيلية العربية ثرية وغنية بموضوعاتها المستوحاة من بيئة الشرق، وبما تتفرد به من مظاهر تراثية وطبيعة خاصة.
الفنان التشكيلي العماني سعيد العلوي هو عضو بالجمعية العمانية للفنون التشكيلية، وعضو بمرسم الشباب في السلطنة، وعضو جمعية فناني القطيف، وقد أقام عددًا من المعارض الخاصة، كما شارك في عشرات المعارض المعنية بالفنون التشكيلية والخط والحروفيات العربية، وتفرد بين فناني جيله بالمزج بين الفنون التشكيلية والرسوم التراثية وتصميم الأزياء المعاصرة عبر شراكة فنية مع مصممة الأزياء العمانية أمل الجمالي.

تسخير أدوات الفن التشكيلي
من جانبها، تُشدد الفنانة التشكيلية العمانية مريم الزدجالية الرئيسة السابقة للجمعية العمانية للفنون التشكيلية، على أهمية «تسخير أدوات الفن التشكيلي بمختلف فنونه البصرية في خدمة التراث العماني، وتجسيد مفرداته بواقعية عصرية»، وذلك على غرار مشروع «تخليج اللحظة الأثرية بالفن» في قرية إمطي التراثية، في ولاية إزكي بمحافظة الداخلية، وهي القرية التي جذبت قبل أسابيع أكثر من 120 فنانًا وفنانة تشكيلية من شتى بلدان العالم العربي، ليرسموا تراث ومعالم «إمطي» في ملتقى فني حمل عنوان «ملتقى ومعرض الأعمال الصغيرة... ما وراء إمطي».
وهو المعرض والملتقى الذي جاء نجاحه في جذب هذا العدد من كبار الفنانين بالعالم العربي، ليؤكد إيمان التشكيليين في عمان والبلدان العربية، بأهمية دور الفنون التشكيلية في حماية وحفظ التراث، والمعالم الأثرية والتاريخية، باعتبارها تمثل تراثا للإنسانية جمعاء.
 واعتبرت الزدجالي أن «الأسرار الفنية لقرية إمطي بحاجة إلى مزيد من الاكتشاف والتأمل... حتى تتجاوز بأبعادها الحضارية واقعية الحدود الجغرافية وكلاسيكية الأرشفة الزمانية». 
لذلك، بحسب قولها، «فإن الرؤية التي يحققها الفنان، عاشقًا أو راويًا أو باحثًا في كنوز إمطي، هي منظومة من التحديات التي يخترقها بخياله، متخطيًا الواقع المادي والمفهوم التقليدي، ليهبنا أشكالًا وألوانًا تُعبر عن عراقة إمطي... وما وراء إمطي». 

محلية ضيقة
أما الفنان التشكيلي العماني الدكتور سلمان الحجري، فقال إن الحاجة ملحة لخروج الفنان التشكيلي العربي مما وصفه بـ «المحلية الضيقة» والخروج إلى آفاق أوسع... والمشاركة بشكل فاعل في الحركة التشكيلية العالمية.
وذهب «الحجري»، إلى القول بأن المشهد التشكيلي في سلطنة عمان، وفي العالم العربي، يشهد تراجعًا لدور المؤسسات المعنية بنشر الفنون البصرية، ولفت إلى أن المخصصات المالية لكثير من تلك المؤسسات هي مخصصات متواضعة، وتحول دون قيام تلك المؤسسات بدورها في رعاية ودعم وتنشيط المشهد التشكيلي... الأمر الذي ينعكس بالسلب على الأنشطة التشكيلية داخل السلطنة والعالم العربي، مشددًا على أن هناك تقصيرًا من قبل الفنانين أنفسهم، ليس من قبل المؤسسات فقط.
لكن، وبحسب الفنان سلمان الحجري، فإن ذلك لا يحول دون قدرة الفنانين العمانيين والعرب على امتلاك الأدوات الفنية التي تمكنهم من الحضور والمشاركة في الحركة التشكيلية العالمية، لافتا إلى وجود الكثير من الوجوه الفنية العربية العالمية، والذين يحتجون، بحسب قوله، إلى قيام وسائل الإعلام بتسليط الضوء على مسيرتهم الفنية وإبداعاتهم التشكيلية.
ورأى الحجري أن السلطنة تعيش حالة عزوف من قبل الكثير من الفنانين عن ممارسة الفنون التشكيلية، جراء غياب اقتناء الأعمال التشكيلية من قبل المؤسسات الرسمية، وعدم وجود «تشجيع حقيقي» للفنانين العمانيين، الأمر الذي يبرز الحاجة لتوحيد جهود كل المؤسسات المعنية بالفنون في سلطنة عمان، لتعمل عبر خطة موحدة وتسهم بشكل فاعل في إثراء المشهد التشكيلي بالسلطنة.
واقترح الحجري أن يكون هناك متحف يضم بين مقتنياته أعمال الفنانين العمانيين، الذين يرحل بعضهم وأعمالهم مكدسة في المخازن... بجانب أهمية وجود هيئة معنية بالعروض المتحفية لشتى أنماط الفنون التشكيلية وضرورة وجود شراكات فنية دولية بين التشكيليين العمانيين ونظرائهم بالعالم.
وتابع بأنه حتى يتمكن المشهد التشكيلي العماني من تجاوز العقبات التي تعرقل مسيرته لا بُدّ من العمل على نشر ثقافة اقتناء الأعمال الفنية داخل المجتمع العماني.
واعتبر الحجري أن ممارسة الفن بمنزلة محاولة لـ «تقريب لغة الجمال للجمهور»، والتأكيد على دور الفنون في المجتمع باعتبارها وسيطًا للتعبير عن الأفكار وخلق جسور للتواصل بين فئات المجتمع والتعبير عن أفكاره.
والفنان التشكيلي العماني الدكتور سلمان الحجري هو أكاديمي بقسم التربية الفنية بجامعة السلطان قابوس، وهو أيضا فنان تشكيلي ومصمم جرافيكي وباحث في مجالي الفنون التشكيلية والتربية الفنية، وهو حاصل على الدكتوراه في الفلسفة، في نظريات الإبداع وتدريس الفنون والتصميم الجرافيكي، وحاصل على ماجستير التصميم من جامعة التكنولوجيا بسيدني، 
إلى جانب كونه باحثًا في مجالي الفنون التشكيلية والتربية الفنية، وهو حاصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة لافبرا بالمملكة المتحدة عام 2013 في نظريات الإبداع وتدريس الفنون والتصميم الجرافيكي، وحاصل على ماجستير التصميم من جامعة التكنولوجيا بسيدني.
وقد شارك في قرابة 50 معرضًا جماعيًا، داخل وخارج السلطنة، وحصل على أكثر من 12 جائزة محلية ودولية، وقد عرضت أعماله في عدة معارض عالمية وعربية ومحلية، مثل بكين، والكويت، والدوحة، ودبي والرياض، وملبورن بأستراليا، وغيرها.

بداية متأخرة
من جانبه، رأى الفنان التشكيلي العماني حارث سليمان الناعبي، أن الحركة التشكيلية في العالم العربي ربما بدأت متأخرة. وأرجع أول ظهور لتلك الحركة الفنية العربية، إلى منتصف القرن الماضي، حيث انطلق الفنانون العرب في ممارسة الفنون التشكيلية بكل أنماطها. ورأى أن تقدم الحركة التشكيلية في البلدان العربية شهدت تقدمًا سريعًا... وأكد أنه من بين المعوقات التي تحول دون تقدم كثير من الفنانات والفنانين ربما عدم وجود العدد الكافي من المعارض الفنية، وما وصفه بغياب الوعي بقيمة الفنون التشكيلية لدى الجمهور العربي، مضيفًا أنه رغم كل الظروف التي يشهدها المشهد التشكيلي في كل بلد عربي، إلا أن العالم العربي بات غنيًا بفنانيه ومبدعيه الذين وصلت أعمالهم إلى العالمية.
والفنان التشكيلي العماني حارث سليمان الناعبي عضو بالجمعية العمانية للفنون، وله مشاركات متعددة محليًا وعربيًا، حيث كانت له معارض ومشاركات في ملتقيات فنية داخل السلطنة، وفى بلدان عربية مثل مصر، وإيطاليا، وتونس، والمملكة العربية السعودية، ولبنان. 

حضور خجول 
من جهتها، رأت الفنانة التشكيلية العُمانية زمزم الرحبي، أن فن الكاريكاتير يعاني داخل السلطنة وبالعالم العربي، من الحضور الخجول للمرأة في ذلك اللون المهم من الفنون التشكيلية، مؤكدة أن النساء لا يجدن التشجيع المطلوب لممارسة فن الكاريكاتير، الأمر الذي تسبب في غياب كثير من الوجوه النسوية التي قدمت أعمالًا لافتة في مجال الكاريكاتير، معتبرة أن المسيرة الفنية للنساء اللاتي يمارسن فن الكاريكاتير مسيرة قصيرة جدًا.
وشددت على ضرورة وجود آلية لتشجيع انخراط النساء والفتيات في ممارسة فن الكاريكاتير، وحتمية أن تقوم المؤسسات الرسمية بدورها في مجال الاكتشاف المبكر للمواهب الفنية والعمل على تنمية مهاراتها وبخاصة في مجال فن الكاريكاتير، الذي باتت الشعوب العربية في أمسّ الحاجة إليه، باعتباره أحد أقدر الفنون على التعبير عن مطالب وأحلام الجماهير.
يذكر أن الفنانة العمانية زمزم الرحبي بدأت مسيرتها في مجال الرسوم الكاريكاتيرية بجريدة الشبيبة في سلطنة عمان، ثم انتقلت للعمل بجريدة الوطن. وقد انتشرت أعمالها في الكثير من الصحف والمواقع، بجانب إصدارها لمجموعة من النشرات الفنية، والتوعوية، كان من أبرزها كتاب «لون وتعلم»، وهو كتاب تثقيفي وتوعوي للأطفال ■

أنور سونيا

صالح العلي ولوحته «عمان فخر الزمان»

جمعة الحارثي

مريم الزدجالية الرئيسة السابقة للجمعية العمانية للفنون التشكيلية