يا سكّان درب التبانة: هل من مُجيب؟ رحلة البحث عن حياة خارج كوكب الأرض

يا سكّان درب التبانة:  هل من مُجيب؟ رحلة البحث عن حياة خارج كوكب الأرض

   على مدى عشرات السنين، وخاصة منذ بداية القرن العشرين، أدلى آلاف البشر بشهادات عن رؤية أجسام غير معروفة في السماء، أجسام تتحدى حركتُها الفيزياء؛ أناسٌ عاديون، ورجالُ أمن، وعسكريون، وطيارون، وحرّاس، وشخصياتٌ مختلفة.  وأصبحت هناك منظمات عالمية عديدة وسجلٌّ كبير من الشهادات، أفرجت عنها وكالاتُ الاستخبارات الغربية، مثل «كوسموبويسك» في روسيا، و«أركيفت» في السويد، ومؤسسة الأبحاث البريطانية حول الصحون الطائرة في إنجلترا، و«نيكاب»، و«موفن» في الولايات المتحدة الأمريكية، كما بات هناك علم الصحون الطائرة، (يوفولوجي)، ينضوي تحت عناوينه المتعددة علماء نفس، ومحققون، وباحثون أكاديميون، ومؤرخون.

 

يعتقد عامة الأمريكيين والأوربيين أن حكوماتهم تخفي، لسبب أو لآخر، أرشيفًا ضخمًا من أسرار الزيارات الفضائية. وهناك شخصيات إعلامية واجتماعية بما في ذلك باحثون علميون ومراكز إعلامية، في أمريكا وبريطانيا وروسيا وبقية أوربا، كلهم يؤمنون بأن هناك مخلوقات فضائية (alien) زارت الأرض في الماضي، وعملت على تطوير الجنس البشري. وهناك من يعتقد أن الفضائيين أدخلوا جيناتهم على بني البشر، كما أن هناك مَن يدّعي وجود قواعد تحت الأرض أو تحت البحار، أو في القطب المتجمد، لكائناتٍ غير أرضية.
كانت أجهزة الاستخبارات في الغرب الأمريكي والأوربي وروسيا قد خصصت، طوال عقود، مكاتب وأجهزة لتقصّي الأطباق الطائرة وتصويرها ومحاولة التواصل مع قباطنتها المفترضين. لكن تطوّر أجهزة الرصد الأرضية والفضائية واعتمادها على مئات الأقمار الاصطناعية، العاملة على مدار 24 ساعة، في الليل كما في النهار، في الطقس الجيد كما في الطقس الماطر أو العاصف، جعل من مقولة زيارة الأطباق الطائرة، التي لم يُلتقط منها شيء مع بدء الرصد الجدّي منذ الثمانينيات حتى اليوم حكاية افتراضية وهمية، بحسب المراجع الحكومية، نشأت ونمت وانتشرت بالشائعات والتخيّلات ليس إلّا. وانتهت هذه المكاتب ومراكز الاتصال وطوارئ التبليغ إلى الإقفال حديثًا، خاصة أن وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، المؤسسة الأهم والأعلم بأمور الفضاء، لا تعترف بأي من شهادات الشهود، معتبرة كل ذلك أوهامًا. 

شروط الحياة كما نعرفها على كوكبنا
البحث عن الحياة خارج كوكب الأرض، في أرجاء مجرة درب التبانة، يتطلب الاعتماد على شروط ونماذج تم اختبارها على الأرض، إذ إن التجارب المحدودة لرواد الفضاء على القمر، أو تلك التي تقوم بها المسابير الفضائية التي أُنزلت على المريخ، لا تزال دون مستوى التعرّف على شروط بديلة في أمكنة غريبة عن بيئة الأرض وغلافها الحيوي.
وقد بات بديهيًا القول إن الشرط الأول للحياة، كما نعرفها على الأرض، هو وجود الماء السائل على سطح الكوكب، وهذا الأمر يتطلب أن يكون معدل درجة حرارة سطح الكوكب بين درجة تجمّد الماء (صفر مئوية) ودرجة غليان الماء (مئة درجة مئوية). وهذا الأمر يعتمد بدوره على بُعد الكوكب عن نجمه المضيف ونوع هذا النجم. فكما أسلفنا أن كل صنف من النجوم، بحسب كتلته وحرارة سطحه، يفرض في محيطه منطقة «خضراء» قابلة للسكن ضمن أبعاد محددة من سطحه. شرط الحياة الثاني من حيث الأهمية هو وجوب وجود غلافٌ جوي مناسب حول الكوكب، وهذا يتعلق بجاذبية الكوكب ودرجة حرارة سطحه. فالكواكب القزمة مثل بلوتو أو سيدنا أو سيريس لا تكفي جاذبيتها المتواضعة للإمساك بغازات حولها وتشكيل غلاف جوي يُذكر، وبالتالي يستحيل التفكير بوجود حياة ذات معنى على سطحها. بينما تتسبّب جاذبية الكواكب العملاقة وبرودتها بغلاف جوي سميك وثقيل ينتج ظروفًا من الضغط الشديد على السطح.

اختلاف كبير
يعتبر الغلاف الجوي أساسيًّا للحياة، فهو يعني ظاهرة الدفيئة أو الاحتباس الحراري، وهو أمر ضروري، لكن في بعض الأحيان كارثي. فالأرض، من دون غلاف جوي كانت لتصبحَ حرارتها 18 مئوية تحت الصفر. لكنها فعليًّا 15 درجة بسبب الاحتباس الحراري الذي يؤمّنه غلافنا الجوي. أما عطارد والقمر فلا غلاف جويًّا لديهما، لذلك نشهدُ عليهما اختلافًا كبيرًا في الحرارة بين الليل والنهار. 
أما المريخ فلديه غلافٌ رقيق من غاز الكربون، وتتراوح حرارته بين +20 و-125 درجة. لكن على كوكب الزهرة، حيث هناك غلافٌ ثقيلٌ جدًّا من غاز
ثاني أكسيد الكربون، وغاز الميثان، والغازات الكبريتية، مما يجعل تأثير الدفيئة قويًّا جدًّا، يصل متوسط الحرارة على كوكب الزهرة إلى نحو 500 درجة مئوية، وهي أكثر الكواكب حرارةً في النظام الشمسي. هذا الغلاف الثقيل يخلق ضغطًا يساوي 92 أتموسفير على سطح الزهرة، أي الضغط الذي نتعرّض له على عمق 920 مترًا تحت الماء!
الشرط الثالث أن يكون الكوكب غنيًّا بالعناصر الحيوية، مثل الكربون والكبريت والهيدروجين والنيتروجين والأكسجين والفوسفور، وهذا يتطلب أن يكون الكوكب صخريًّا مع بحار ومحيطات مائية كما على الأرض.
والشرط الرابع وجود مجال مغناطيسي قوي لحماية الحياة من جزيئات الرياح النجمية والأشعة الكونية. والمعروف أن وجود حقل مغناطيسي ذي قيمة يرتبط بجيولوجيا الكوكب، فالحقل المغناطيسي على الأرض ينتج عن دوران القلب الخارجي المعدني الحار السائل حول القلب الحديدي المركزي الصلب في داخل الأرض.
- هل هناك حياة لم نكتشفها بعد داخل المنظومة الشمسية؟ 
- هل يمتلك القمر إمكانية للحياة؟ 
طبعًا لا. لا ماء، لا غلاف جوي، إذن لا حياة. ربما يوجد على قطبَي القمر بعض المياه المتجمدة، كما قد يوجد ماء متجمد في حفرٍ عميقة لا تصل إليها الشمس.

ماذا عن المريخ؟
لأكثر من 100 عام اعتقد البشر أن هناك شعبًا من المريخ يستعدُّ لغزوِ الأرض. وقد تخيلوا وجوهًا ضخمةً في التضاريس الجغرافية الكبيرة للمريخ. لكنّ ذلك كان وهمًا بالتأكيد. وقد بات علماء الفلك متأكدين من أن المريخ لا يستضيف حياةً تُذكر في الزمن الحالي، لكن ربّما كانت هناك أشكال بدائية من الحياة منذ عشرات ملايين السنين حين كانت المحيطات المائية والأنهر تتدفق فوق تربته الحمراء. ويعود لون التربة هذا إلى عنصر الحديد المتأكسد نتيجة تفاعله مع أكسجين المياه.
بعضُ أعراضِ الحياة على المريخ في الزمن السالف تكشفت أمام الباحثين الفلكيين بأكثر من طريقة: أولًا هناك نيزكٌ من المريخ وُجِدَ في تسعينيات القرن الماضي في القطب المتجمد الجنوبي للأرض (الأنتركاتيكا)، وهو يُظهر بلا شك آثارًا بكتيرية متحجرة. ثم إن الصور الفضائية التي أخذتها المسابير والمركبات المدارية وتحليلها الطيفي أظهرت ترسّبات من الملح في أكثر من بحيرة جافة على سطح المريخ، ما يعني وجود بحار من المياه المالحة في الماضي. وفي عام 1996 التقط المسبار المداري الأوربي «مارس إكسبرس» طيف غاز الميثان في الغلاف الجوي الرقيق للمريخ. وهذا يعني وجود ﺟﺮاﺛﻴﻢ ﺣﻴّﺔ تعيش حاليًا في أمكنة رطبة ﺗﺤﺖ اﻟﻘﺸﺮة على سطح المريخ، إذ لا تُوجد براكين نشطة على المريخ، وهو أمرٌ، لو وُجد، كان يمكن أن يكون سببًا لانبعاث هذا الغاز. كما يخبرنا المسبار الفضائي الأميركي كريوسيتي، الذي أرسلته «ناسا» ليهبط على سطح المريخ ويستكشف تربته وغلافه وجيولوجيته منذ صيف عام 2012، أن بعض الماء موجود على الأقل بحالته الثلجية على قمم الجبال وفي المناطق القطبية.

هل تستضيف الأقمار حياةً بحرية؟!
على قمر يوروبا، الممسوك بجذب قوي من كوكبه المضيف العملاق «المشتري»، تنبثق المياه والثلج من شقوقٍ في قشرته الجليدية السميكة، في أمكنة مختلفة وأوقات مختلفة. ثم إن جغرافيا الشقوق المنتشرة كالأقنية على سطحه الجليدي ليست ثابتة، بل تتغير دائمًا، ما يوحي أن القارات الجليدية السميكة الملساء الظاهرة على سطح قمر يوروبا تطفو على سطح مياه دافئة تحرّكها كأنها صفائح تكتونية عائمة!
وهذا يدل على أن هناك محيطات مائية تحت القشرة، قدّرت سماكتُها مع الجليد بنحو 100 كلم! (بناء على حساب الكثافة). لذا، لا بدّ من المزيد من الاستكشاف، فقد توجد حياة بحرية محتملة هناك!
كذلك، فإن «إنسيلادوس» قمر صغير من أقمار زحل، لا يتعدّى قطره 500 كلم، وهو شديد البرودة، يشهد سطحه نوافير من المياه والثلج الجوفيّ تنبثقُ من سطحه الجليدي، بصورة مشابهة لقمر المشتري «يوروبا». 
وهذا يشير إلى أن الماء الدافئ يقع تحت قشرته المتجمدة، وأن بإمكاننا الاعتقاد بوجود حياةٍ بحريةٍ ما تحت قشرته الجليدية! وتجدر الإشارة إلى أن في حالة القمرين الجليديين يوروبا وإنسيلادوس تتأتّى الحرارة الداخلية التي تحفظ المياه سائلة تحت القشرة، من طاقة المدّ والجزر التي يسببها كوكباهما المضيفان. قمر المشتري الآخر، غانيميد، وهو أكبر قمر في النظام الشمسي، يشك العلماء في وجود كمية هائلة من المياه تحت قشرته. فقد أتاح تلسكوب هابل أدلة على إمكانية وجود 100 كلم عمق من المحيطات المائية تحت قشرته المتجمدة.
تايتان، القمر الأكبر لكوكب زحل، هو عالم شديد البرودة. وقد أُنزِلَ عليه المسبار الروبوت هيجنز عام 2005، فصوّر محيطات من النيتروجين السائل على سطحه، إضافة إلى غلاف جوي كثيف من غازَي النيتروجين والميثان العضويين... فربما يوجد نوع آخر من الحياة هناك، إذا افترضنا أن حياة من نوع ما قد تنشأ وتطور في ظروف غير أرضية تمامًا!

هل تمطرنا المذنّبات ببذور الحياة؟!
المذنبات ليست نجومًا على الإطلاق.. إنها كراتٌ صغيرة (بضعة كيلومترات) من الغبار والماء الجليدي والغازات المتجلدة... موادها مبنية من ذرّات الكربون والهيدروجين والأكسجين والنيتروجين.. وهي الذرّات الأساسية لتشكيل المواد العضوية الضرورية لصناعة الحياة، كما نعرفها على الأرض. عند اقترابها من الشمس، يُظهِر المذنب ذيلًا يبلغُ طولُه ملايين الكيلومترات، ويُطلِق سحابةً من المواد العضوية على مساره المداري. وعندما تمرُّ الأرض بهذه السُّحُب، تسقط جزيئات الغبار هذه على الأرض في ظاهرة الشهب، ناقلة إلى غلافنا الجوي المواد العضوية من المذنبات!
وهناك نظرية «بانسبرميا» أو «التبذّر الشامل»، التي تفترض أن الحياة موجودةٌ في جميع أنحاء الكون، موزعةٌ بواسطة الغبار الفضائي والكويكبات والمذنّبات، وأن الحياة على الأرض نشأت من كائنات دقيقة موجودة في الفضاء الخارجي، كنوع من الجسيمات شبه الفيروسية النائمة، والتي أُمطرت وتستمر في الوصول إلى الأرض عبر المذنبات والنيازك والشهب إلى غلافنا الجوي أو محيطاتنا المائية. إذن هناك جسيمات شبه فيروسية من المذنّبات تدخل يوميًّا في غلافنا الجوي، وربما جلبت الأوبئة إلى الأرض في الماضي.
أنصار هذه النظرية يقدسون المذنّبات ويمارسون الطقوس عندما يظهر مذنبٌ ما في سماء الأرض: قداديس، صلوات، وعملياتُ انتحارٍ جماعي.
 
ماذا عن الحياة خارج المجموعة الشمسية؟
يعتقد الكثير من العلماء بوجود الحضارات خارج كوكب الأرض، بل خارج المجموعة الشمسية في مجرتنا، وأنه من المنطقي الاعتقاد بأن كل هذه المادة الكونية لا يمكن أن تكون قد صُنعت من أجل لا شيء سوى خدمة بعض الكائنات على هذا الكوكب الصغير!
وفي مقاربة رياضية بسيطة، انطلاقًا من عدد النجوم المقدّر بنحو 200 مليار في مجرّتنا درب التبانة، ومع افتراض أن 7 بالمئة فقط منها هي نجوم شبيهة بالشمس، وأنّ كلًّا من هذه النجوم الشبيهة بالشمس محاطة بنحو 5 كواكب تابعة كمعدّل وسطي، ومع افتراض أن 1.5 بالمئة فقط من هذه الكواكب تشبه الأرض من حيث الكتلة والحجم، وأن 1.5 في الألف من هذه فقط تحوي شكلًا من أشكال الحياة، فنستنتج من هذه الافتراضات الموضوعية أن عدد الكواكب الصالحة للسكن في مجرة درب التبانة تفوق المليار، وبينها التي تستضيف حياة ما، يقدّر بمليون كوكب على أقل تقدير!

معادلة دريك ومفارقة فيرمي
في عام 1960، كتب فرانك دريك، أحد علماء «سيتي»، معادلته الشهيرة حول العدد التقديري للحضارات الممكنة خارج كوكب الأرض في مجرتنا. عدد عناصر المعادلة 7 عوامل إحصائية، لكنّ كلًّا منها يحتاج إلى عدة تقديرات احتمالية... وكانت النتيجة مئات ملايين الحضارات! لكنّ النسب التي أعطيت للعناصر المختلفة في المعادلة اختلفت بين عالِمٍ وآخر، ما أفقد تلك المعادلة الكثير من صرامتها.
 وقد ردّ العالم الإيطالي إنريكو فيرمي على معادلة دريك بأن هناك تناقضًا بين الإمكانية العظيمة للحياة خارج كوكب الأرض (كما تنبأت بها معادلة دريك) وغيابهم عن السمع، أي غياب التواصل معهم. وسأل فيرمي: أين هم إذن؟ وهو رأى أنه قد يكون من الصعب بدء وتطور الحياة إلى مستوى متقدم، مثل الأرض، وأن الشروط قد تكون أكثر صعوبة بكثير مما توقّعه دريك، وأنّه ربما نكون المخلوقات الذكية الوحيدة في المجرّة. كما رأى أنه لو كانت قد عمرت حضارات في المجرة أكثر تقدمًا من الأرض، فإنها سوف تدمّر نفسها على فترات قصيرة بحيث لا يكون لديها وقت للوصول إلينا.
 تجدر ملاحظة أن معدل سرعة أسفارنا الفضائية حاليًّا لا يصل إلى وحدة فلكية واحدة في السنة (الوحدة الفلكية هي المسافة بين الأرض والشمس، أي نحو 150 مليون كلم)، أي نحو 4 كلم في الثانية، وبهذه السرعة نحتاج إلى نحو 80 ألف سنة زمنية كي نقطع سنة ضوئية واحدة. وكي نصل إلى أقرب النجوم إلينا (ألفا سنتوري 4.2 سنة ضوئية) نحتاج إلى 320 ألف سنة من السفر!  

البحث عن عوالم خارجية
لم تكن مهمة البحث عن كواكب خارج المنظومة الشمسية أمرًا سهلًا. وقد بدأ الفلكيون للتوّ باكتشاف مثل هذه الكواكب دون القدرة على تصوير أيّ منها حتى الأمس القريب! وقد بدأ تأكيد وجود الكواكب الخارجية عام 1995، حين لوحظ أن سطوع النجم «بيغاسي 21»، الذي يبعُد عن الأرض بنحو 50 سنة ضوئية، يتغيّر بصورة دورية كل 4 أيام. وقد أتاح الرصد الطيفي لجوار هذا النجم اكتشاف أول كوكب خارج النظام الشمسي، بصورة منهجية واثقة، «بيغاسي 21 - ب»، وتم قياس مدّته المدارية وحجمه وكتلته وبُعده عن نجمه المضيف ودرجة حرارته.
ثم توالت عمليات اكتشاف الكواكب الخارجية، وحتى شهر يناير 2021 بلغ عدد الكواكب المكتشفة 4395 كوكبًا مؤكّدًا حول 3242 نجمًا في درب التبانة، بينها 720 نجمًا تستضيف أكثر من كوكب واحد.
وقد أتاحت عمليات الرصد افتراض أن 7 بالمئة من النجوم هي نجوم شبيهة بالشمس من حيث الكتلة والسطوع، وأن نجمًا من كل خمسة من هذه النجوم الشبيهة بالشمس تستضيف كوكبًا شبيهًا بالأرض في المنطقة التابعة الصالحة للسكن. وهناك اهتمام خاص بالكواكب التي تدور في المنطقة الصالحة للسكن حول النجوم، حيث من الممكن وجود الماء السائل، الشرط الأساسي للحياة على الأرض.
الكواكب الأولى المكتشفة كانت ساخنة وأكبر من كوكب المشتري، ولا عجب في ذلك لكونها الأسهل اكتشافًا. وكانت سنتها تساوي بضعة أيام أرضية فقط! وهي تدور قريبة جدًّا من نجومها المضيفة. وبشكل عام، يبحث العلماء عن الحياة على كواكب تتراوح كتلتها بين 0.5 و10 أضعاف كتلة الأرض، وهذا يعني أن قطرها يتراوح بين 0.8 و2.2 قطر الأرض.
وللغرابة، فقد تأكّد وجود كواكب شاردة لا تدور حول أيّ نجم. وتعتبر مثل هذه الأجسام فئة منفصلة من الكواكب، خاصةً إذا كانت عمالقة غازية، والتي غالبًا ما تُحسب على أنها نجوم قزمة شبه بنّية. فهي في الواقع تدور كالنجوم حول مركز المجرّة أو تدور بشكل غير مُحكَم بين النجوم. ويقدّر عدد الكواكب الشاردة في مجرة درب التبانة بالمليارات.

كيف يتم التعرّف إلى مواصفات الكوكب المرصود؟ 
اللغة الوحيدة التي تصلنا من وشوشات النجوم والأجرام الفلكية هي الضوء، أو بشكل أدقّ الموجات الكهرومغناطيسية التي تبثّها أو تعكسها هذه الأجرام. لكنها لغة غنية تتيح التعرّف إلى نوع الجرم الفلكي ومكونات سطحه وغلافه الجوي وكتلته ومعطياته المدارية الأخرى. وتسمّى دراسة هذه اللغة الضوئية «التحليل الطيفي»، فطيف الكواكب يكشف عن خصائصها، ويتيح خاصة معرفة حرارة سطحها على الأقل، وهذا يعني معرفة إمكانية وجود مياه سائلة هناك.
إن وجود غاز ثاني أكسيد الكربون بشكل مكثف يعني وجود غلاف جوي، ووجود طيف الأوزون يعني وجود الأكسجين، والأرجح أنه إنتاج حيوي، وإلّا تآكل الأكسجين كصدأ في المعادن والصخور، كما في حالة المريخ.

4 طرق رئيسية لاكتشاف الكواكب الخارجية
بعض الكواكب الخارجية تم تصويرها مباشرة بواسطة التلسكوبات، لكنّ الغالبية العظمى تم اكتشافها من خلال طرق غير مباشرة، مثل عملية «الترانزيت» أو تغيير سطوع النجم بسبب مرور كوكب بيننا وبينه. وهناك طريقة تذبذب موقع النجم بسبب كتلة الكوكب الذي يدور حوله، أي إن الكوكب ونجمه المضيف يشكّلان ثنائيًّا يدور حول مركز الثقل. وهناك طريقة الكوروناغراف أو الكسوف الاصطناعي، عن طريق تغطية قرص النجم في التلسكوب، ومراقبة محيطه. أما التصوير المباشر للكواكب الخارجية فسوف يكون ممكنًا باستخدام التلسكوبات الفضائية التداخلية، أي الجيل القادم من التلسكوبات الفضائية التي تعمل بالتناغم كشبكة واحدة متحكَّم بتوجيهها (إنترفرومتري).

مشاريع متعددة لاكتشاف الكواكب الخارجية 
منذ ستينيات القرن الماضي انشغل الفلكيون بموضوع الحياة خارج كوكب الأرض، وكثرت أبحاثهم ونظرياتهم حول وجود حضارات أخرى في الكون 
غير الحضارة البشرية. وكان مشروع «سيتي SETI» الذي أنشأه الفلكي كارل ساغان أول مؤسسة جدية تركّز الجهود على التواصل مع حضارات خارجية مفترضة. تعمل سيتي منذ عام 1960، ومنذ ذلك الحين التُقطت إشارة غريبة واحدة سميت «واو» عام 1977، استمرت لأكثر من دقيقة، ولكن لا شيء بعد ذلك! ويشكّ العلماء في مصدر الإشارة الملتقطة، ويقولون إنها ربما أتت من كوكبٍ ما يبعد نحو 20 سنة ضوئية عن الأرض!
وقد خططت «سيتي» لإرسال أول رسالة من صنع البشر باتجاه حضارات غير أرضية مفترضة، فتم تجهيز كل من مركبتَيْ فوياجر  voyager 1&2 بقرص ذهبي سُجّلت عليه أصوات وصور مختارة من مختلف الحضارات الأرضية. وقد باتت المركبتان اليوم خارج النظام الشمسي (وكانت قد أطلقت منذ 47 عامًا).
هناك حاليًا مشاريع عديدة على الأرض كما في الفضاء، تهتم بالبحث عن كواكب خارج مجموعتنا الشمسية وعن حياة محتملة وحضارات محتملة في أرجاء مجرّة درب التبانة المترامية الأطراف. وتغطي هذه المشاريع كل أنواع الطيف الكهرومغناطيسي من الموجات الراديوية الطويلة إلى الأشعة دون الحرارية إلى الضوء المرئي إلى الأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية، وصولًا إلى أشعة غاما النووية. نذكر على سبيل المثال لا الحصر مرصد آرسيبو الراديوي الأرضي (الذي انهار أواخر عام 2020) والمراصد الفلكية «كوروت» و«كبلر» و«داروين» و«هاربس» و«هابل» و«سبتزر» وغيرها... وقد استبدل المرصد الفضائي الشهير «هابل» بتلسكوب «جيمس وِب» أواخر عام 2021، كما تخطط وكالة الفضاء الأوربية (إيسا) لإطلاق المرصد «بلاتو» عام 2024.
 
هل هناك بيوكيمياء غريبة في وحشة الفضاء؟!
لماذا يعني البحث عن الحياة أن نجد الماء فقط! فلربما هناك كيمياء حيوية بديلة لنوع آخر من الحياة؟ وقد أظهرت تجربة Miller-Murey أن الأحماض الأمينية قد تتشكل عن طريق التفاعلات الكيميائية!
وإذا كنا نحن الأرضيين كائنات كربونية، فهل هذا يعني أن يكون الكربون هو الأساس الوحيد للحياة؟ فعنصرا النيتروجين والفوسفور يتمتعان كالكربون بروابط كيميائية مستقرة، ويمكنهما ربّما أن يشكّلا كيمياء حيوية بديلة. كما أن السيليكون، وهو أكثر وفرة من الكربون في الكون بـ 925 مرّة، تتشكل تفاعلاته في هياكل جزيئية مماثلة لهياكل العالم الكربوني، إنمّا تضرّ بالحياة العضوية... وهنا يبدو السؤال مشروعًا إن كان يمكن أن ينمو نوع آخر من الحياة غير الكربونية لأنواع من الكائنات مختلفة تمامًا عن الكائنات الأرضية؟ فالكواكب الخارجية في المنظومة الشمسية مثل أورانوس، ونبتون، والقمر تيتان، وغيرها تحتوي على كميات هائلة من النيتروجين والكبريت والفوسفور والميثان وغيرها من الغازات الكبريتية والكربونية، ولديها ظروف مختلفة جدًا عن الأرض... فلربما كان هناك نوع من الكيمياء الحيوية في الفضاء غير معروفة، تصنع نوعًا آخر من الحياة والمخلوقات الغريبة.

علماء ملحدون: لا بُدّ من مهندس أعلى للكون!
رغم التطور الهائل في علوم وتكنولوجيا الفضاء والاستشعار عن بُعد، ورغم آلاف الكواكب خارج النظام الشمسي التي أُعلن اكتشافها وتحديد بياناتها الفلكية، وبينها الكثير من الكواكب شبه الأرضية حجمًا وكتلة، لا يزال البحث عن حياة خارجية بلا نتيجة ملموسة.
وفيما يخصّ التواصل مع حضارات كونية مفترضة، هناك اعتقاد متزايد لدى العلماء بأنه إذا وجدت مثل تلك الحضارات المتطورة، فلن يكون لديها الوقت للوصول إلينا، والأرجح أنها سوف تدمّر نفسها قبل التوصل إلى تلك المرحلة. ويستوحي أصحاب هذا الرأي اعتقادهم من النموذج الأرضي الذي يعني فيه التطور سباقًا للتسلح ولتعظيم القدرة على التدمير الشامل.
يقول آخرون إنه إذا كان الأمر ممكنًا وتطورت حضارة كونية ما لآلاف السنين أكثر من الحضارة الأرضية، فلربما يكون روّادهم في طريقهم الآن إلينا، في سفر تتناسل فيه أفراد بعثتهم جيلًا بعد جيل، لآلاف السنين قبل الوصول إلى كوكبنا!

احتمالية مستحيلة
وفي عودة إلى الشروط الضرورية لنشوء الحياة على كوكب ما، وتطورها من خلايا بدائية بحرية أو برية، وصولًا إلى كائنات حية وازنة، ثم إلى كائنات ذكية عاقلة، يبدو أن معادلة دريك تنتقص الكثير من العناصر التي أغفلها، وبعضها تكاد احتماليته تكون مستحيلة... وإذا كان العلماء يقولون إن كل هذه المادة الكونية لم تخلق من أجل لا شيء، فإنهم باتوا على دراية بالعديد من الشروط الضرورية للحياة، والأكثر ضرورة للذكاء... هناك أكثر من 200 شرط تكاد احتمالية بعضها تكون معدومة!
  وفي دراسة جديدة أجرتها جامعة أكسفورد، ورد أن الفرص الإحصائية لوجود حياة ذكية أخرى في الكون «نادرة بشكل استثنائي»، وقال أندرس ساندبرغ، أحد أهم الباحثين في هذه الدراسة، إن التقديرات لمدى شروط الحياة في الكون تشير إلى أن كوكبنا كوكب فريد من نوعه، وقد يكون الوحيد الذي يحتضن حياة ذكية بهذا المستوى!
يؤكد عالم الأحياء الفلكية في جامعة أريزونا، بول ديفيس، أن «الحياة على الأرض تبدو فريدة من نوعها في الكون المرئي».
أما العالم الفلكي الكندي، هوبير ريف، فقال إنه لا يؤمن بالمصادفة، ولا بُد أن هناك مبدعًا يقف وراء تصميم هذا الكون، ويجب البحث عن ماهيّته.
ومثل ديفيس وريف وساندبرغ، هناك العديد من العلماء، وبينهم ملحدون، يؤمنون بأنّ الأرض لم تتغلب بالمصادفة على كل هذه الشروط الكثيرة شبه المستحيلة لتصل إلى الذكاء، وأن هناك بالفعل مهندسًا أعلى للكون! ■