«كورونا» وتحدي الدراسة حضوريًا أم «أونلاين»؟

«كورونا» وتحدي الدراسة حضوريًا أم «أونلاين»؟

     مع دخول الموجة الجديدة الناتجة عن تحور فيروس كورونا وتسميته بـ «أوميكرون» وما تبعه من ازدياد رهيب في عدد الإصابات وسرعة انتشاره بين الناس، حيث أصبح لا يفرق بين من أخذ جرعات اللقاح ومن لم يأخذها، ولا بين كبير بالسن وصغير، مما شكل تهديدًا مباشرًا في غالبية الدول على صحة الطلاب والطالبات بمختلف المراحل الدراسية، لذا كان السؤال: هل سنضطر للعودة  للدراسة أونلاين، أم سنجازف بالحضور اليومي لطلاب المدارس والجامعات للتعلم والدراسة، مع الالتزام بالاشتراطات الصحية؟

 

التعلم والدراسة هما فعلان لهما معان متشابهة، لكن هناك بعض الاختلاف بينهما عندما يتعلق الأمر بالاستخدامات، فغالبًا ما يتم الخلط بين الفعلين، التعلم والدراسة، على أنهما كلمتان تحملان نفس المعنى، فنميل إلى استخدام هذه الكلمات والتعلم والدراسة كمرادفات لأننا لا نهتم بالفرق بينهما.

ماذا يعني التعلم؟
   هو اكتساب المعرفة أو المهارة في شيء ما من خلال نقل الخبرة أو المهارة بالدراسة أو الخبرة أو التدريس. وتُستخدم كلمة التعلم أيضًا للإشارة إلى معنى «إتقان» موضوع ما، فلا يمكن إتقان شيء ما إلا من خلال اكتساب المعرفة عن شيء ما عن طريق التجربة والتكرار.
أما الدراسة فــتعني تخصيص الوقت والاهتمام لاكتساب المعرفة، وذلك لأن الدراسة تستخدم بمعنى قضاء الوقت لاكتساب المعرفة في موضوع أكاديمي، وبشكل أساسي من خلال الكتب، حيث يحيط بجوانبه بشرهٍ وتركيز عاليين، مع تكريس الوقت والاهتمام والسعي وراء المعرفة والمعلومات بشكل أساسي من الكتب.
     ما الفرق بين التعلم والدراسة؟ كلمة «تعلم» لها معنى واسع يعني اكتساب بعض المعرفة من خلال الدراسة أو التعليم أو الخبرة. أما «الدراسة» فهي طريقة للتعلم وبشكل أساسي قضاء الوقت من خلال القراءة. إذن فهما عمليتان مرتبطتان ببعضهما البعض في حال التعليم التأسيسي والاعتيادي، لكن في ظل الظروف السائدة في العالم أي الخيارين أفضل، التعليم الحضوري الموجود منذ آلاف السنين أم التعليم عبر الإنترنت الذي يعتمد في بعض البلدان الأجنبية سواء كان بصورة فصول اختيارية ضمن المنهج الدراسي الجامعي، أو أنه تعليم عبرالإنترنت بصورة كاملة ومتكاملة تلبية لاحتياجات بعض الأفراد ممن يصعب عليهم التواجد الفعلي في مقرات الدراسة، أو الذين يعانون من بعض العوائق تحول دون حضورهم في اللحظة نفسها لأسباب مختلفة، مثل عوائق صحية أو بعد المسافات أو اختلاف الأزمنة بين البلدان أو لحاجة لتخصص معين بالذات لتعلمه، وأسباب أخرى كثيرة أدت إلى فتح هذا المجال منذ زمن قصير يقبل الجائحة؟
   وهذا الأمر يتقبله كبار السن والشباب الذين جربوا الحياة التفاعلية الحضورية، والذين هم على قدر من المسؤولية والرغبة الفردية في إتمام تعليمهم عن بعد... لكن يبقى السؤال: ما هو التحصيل العلمي الذي سيخرج به صغار السن والأطفال؟ وما فرص التنشئة الاجتماعية المبكرة لهم؟ 
   بالنسبة لكلا الخيارين، يعد النمو الاجتماعي والعاطفي مصدر قلق واضح لهذا المسار غير التقليدي. فمن دون أقران آخرين في الفصل كيف يتعلم الأطفال العمل في مجموعات والتواصل مع الأطفال الآخرين في سنهم؟ وكيف يمكن لبعض الطلاب عبر الإنترنت إجراء الاختبارات في مكان خارج المنزل؟ 

بيئة التعليم عن بعد
    التعليم عبر الإنترنت هو نظام تعليمي مرن للغاية يسمح للطلاب بالدراسة فقط عبر الإنترنت على أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم في المنزل، أو في أي مكان يرونه مناسبًا. ولا يلزم عقد اجتماعات وجهًا لوجه بين الطالب والمعلم، مما يسمح للطلاب بالدراسة في أي مكان بالعالم، وفي أي وقت باستخدام جهاز كمبيوتر محمول أو جهاز لوحي أو هاتف محمول، وطبع أي مواد يمكنك طباعتها.
    لنفترض أنك تريد تعلم لغة أجنبية ولم يكن مركز التدريب قريبًا، أو ليس لديك الوقت أو المال للدراسة في هذا البلد، هذا ما سيجعل التعلم عبر الإنترنت ممكنًا بالنسبة لك، ما يعني أن التعليم لا يستلزم الالتحاق بالمدرسة وحضور الفصل الدراسي وجهًا لوجه مع المعلم في مكان ثابت، وهذا سيوفر رسوم السفر إلى البلد المراد التعلم فيه، والتنقل، والكتب المدرسية، والأنشطة اللاصفية وما إلى ذلك، إضافة إلى توفير نفقات البنزين لسيارتك أو النقل العام إلى مركز التدريب. 
وعادةً ما يكون التعلم عبر الإنترنت أرخص وأقل تكلفة بكثير وأكثر ملاءمة ومرونة من حيث رسوم الدراسة والحجز، وبما أن جميع المواد الدراسية متوافرة عبر الإنترنت، فلا داعي لشراء الكتب المدرسية والكتيبات.  كما يسمح التعلم عبر الإنترنت بأن يستمع الطلاب إلى محاضرات طويلة ويدونون الملاحظات، وأحيانًا يشعرون بالملل بسهولة وقد يغفون قليلاً. لكن تبقى المشكلة الأكبر هي الافتقار إلى التفاعلات الاجتماعية عبر الإنترنت، كما أن هناك الكثير من عوامل التشتيت الأخرى مثل وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون وممارسة الألعاب على الهاتف، ويمكن للعائلة أيضًا أن تشتت الانتباه في بعض الأحيان.
     لكن الدراسة عن بعد تتطلب أيضاً الكثير من الانضباط الذاتي، حيث تحتاج إلى النهوض، وفتح الكمبيوتر المحمول الخاص بك والتواجد هناك أثناء الفصل، من دون أن يذكرك أي شخص دائمًا بالتواجد هناك. والميزة الأبرز لتقديم التعلم عبر الإنترنت هي إتاحة المجال للمزيد من الأشخاص المشاركة، بمن فيهم مثلًا ذوو الإعاقة.
   ومع الفصول الدراسية عبر الإنترنت لا تحصل على قهوة الصباح مع زملائك في الفصل، وتضيع عليك تلك المحادثات الصغيرة في الممر بين الفصول الدراسية، كما ستفقد إغراء الدردشة مع زملائك في الفصل، والاستراحة الثمينة خلال محاضرة طويلة، حيث يمكنك طرح الأسئلة على معلم الإنترنت منعزلًا تمامًا، بينما تكون مشاركة الطلاب إلى الطلاب منخفضة جدًا، وستحرم من النقاشات الأقل عفوية في الفصل وتبادل الأفكار، حيث يجلس الجميع بشكل مريح خلف شاشة، والشاشة تبقي الجميع على مسافة. من الناحية الافتراضية والعلائقية، فإن هذه المسافة في العلاقات مع الآخرين قد تسبب نقصًا في تنمية المهارات الشخصية.
   إضافة إلى ما سبق من مزايا التعليم عن بعد أيضاً أن الطالب يتحكم شخصيًا بوقته في العمل، فيجد المزيد من الوقت للقيام بما يحب والتمتع بالراحة، وتقسيم وقته بما يمكنه من التفرغ للتحضير وإعداد الدروس أونلاين.
  وبشكل عام نجد أن الازدحام والتنقل خصوصًا في مراكز المدينة يقل بصورة واضحة، بسبب التخلص من مشكلات النقل للوصول إلى العمل يوميًا.

مساوئ التعليم عن بعد
  أما مساوئ التعليم عن بعد فتتمثل في الشعور بالحرج وعدم طرح الأسئلة، والتسرع في الانتهاء من الحصص أو الدورات، مع انخفاض الدافع والرغبة في الدراسة، وأحيانًا الإحساس بالتعب والإجهاد مع مهام كثيرة منزلية توكل للطالب بسب وجوده في المنزل، كما أنها فرصة ذهبية لممارسة هوايات معينة، أو أمور أخرى يهتم بها فتأخذ وقتًا أكثر من الدراسة... بينما يتولد لدى البعض الآخر الشعور بالأرق وقلة النوم، وأشياء أخرى تشتت الذهن، مما ينتج عنه صعوبة في تذكر الأرقام والحقائق، وانعدام الشعور بالمتعة أثناء دراسته التفاعلية لموضوع ما، مع صعوبة في التركيز. وكما أن الوقت سلاح ذو حدين، فإن من يفقده يقع في معضلة جدية هي عدم معرفة إدارة الوقت.

البيئة الحضورية التقليدية
     سيظل الطفل، خاصة في مرحلة التعليم المبكر من الروضة والسنوات الأولى من المرحلة الابتدائية، يجد في روضته أو مدرسته ما يحتاج إليه بشدة، ولا يتوافر له إلا فيها، وهو الأقران والأصدقاء والمعلمون، أولئك الذين لا يجد الطفل نفسه في أحسن حالات التعلم إلا بينهم، وفي محادثتهم وبإقامة علاقات تعاون ومشاركة معهم، في محاولاته لالتزام الإتقان والإجادة وتجنب الإخفاق. أيضًا البيئة الحضورية التقليدية تقدم له صورة من ميدان الحياة الحقيقية، حيث تحمله المسؤوليات وتكسبه القدرة على التعامل مع المشكلات ووضع حلول ناجعة لها، واكتساب القيم من تعامله العفوي أو الممنهج في مجموعات عمل.
      في بيئة غير متصلة بالإنترنت، يكون الفصل منضبطًا مع المعلم، دائم التحقق مما إذا كان الطلاب يركزون بالفعل في الفصل ولا يفعلون أي شيء آخر، والذين يحتاجون أيضًا إلى دافع قوي، بحيث لا يلهيهم شيء عن التعامل المباشر مع أدوات التعلم الطبيعية التقليدية من أقلام وأوراق وألوان. ومن حسن العناية بتلميذ هذه المرحلة أن نوفر له ما يكسبه كفايات وقدرات، وما يغريه بعدم الاستغراق في استخدام الأجهزة الإلكترونية لساعات طويلة يوميًا، لأنها مهما كانت ممتعة مسلية فهي في النهاية لا تستطيع إلا أن تقدم له المعرفة وتذكره بها، أما المهارات فلن تقدم له منها إلا التي تمكنه من التعامل مع التكنولوجيا، وسيحتاج إلى ميدان الحياة الحقيقية ليكتسب كفاياتها بين زملائه ومعلميه، ولن يسعدنا أن يتمكن طفل الروضة والسنوات الأولى من المرحلة الابتدائية من الرسم على الأجهزة الإلكترونية قبل أن يتدرب على الرسم باليد والخامات، ويقال نفس هذا الكلام عن الكتابة أيضًا، لذلك من الأفضل تقنين تعجله في استخدام لوحة المفاتيح (الكيبورد) في الكتابة، حتى يتعلمها أولًا ويتقنها بالقلم تثبيتًا لأصول التعليم.
     بالأخير، فإن الأمر يختلف برمته من دولة إلى أخرى ومن ثقافة إلى أخرى، وحسب الخبرات والأعمار، وحسب التخصصات المراد تدريسها في الأونلاين.. ففي الدراسة التقليدية كانت المعلومة تصل كالرصاصة في محلها ومباشرة، لكن الأمر مختلف مع الدراسة عن بعد، فهل المشكله في تقبلنا للدراسة الافتراضية والتلقي عن بعد، مع انعدام التواصل الفيزيائي المباشر بين الأطراف؟
وإلى الآن، فإن الدراسات لا تزال مستمرة في هذا الموضوع وغير كافية، إلا أنها شائقة وعميقة وتأخذ أبعادًا متعددة، فهل سنظل في هذه الفترة نحاول إجبار البعض على تقبلها والانخراط فيها... أم صدها وتجاهلها والبقاء في العالم التقليدي؟ ■