البنفسجيّات

ألوان الطيفِ المرئيِّ سبعة: الأحمر والبرتقالي والأصفر والأخضر والأزرق والنيلي والبنفسجي؛ ويحتلّ اللون الأخير قمّة سُلّم الأطوال الموجية لألوان الطيف، وما يأتي بعده من أطوال موجية غير مرئية يُقال له (فوق البنفسجي). ويتميّز البنفسجي بين ألوان الطيف بنوع من مهابة جعلت بعضًا من الملوك، على مرّ التاريخ، يفضّلونه في أرديتهم وأدواتهم. وهو لون نادر في الطبيعة، يستخدمه عدد من النباتات والحيوانات والفطريات لتحذير المفترسات، وللحماية من أشعّة الشمس. لنتعرف على بعضها.
ولْنبدأ بالبنفسَج، الزهرة التي تحمل اسم لونها، فهي أصل هذا اللون الذي تتّخذه النباتات المحتوية على مجموعة من المركّبات الكيميائية تحمل اسمًا عامًا هو (الأنثوسيانين)، تعمل كواقٍ من أشعّة الشمس فوق البنفسجية الضارّة، لكنها غالبًا ما تكون محجوبة باللون الأخضر للكلوروفيل في الأوراق.
وتفتقر الحيوانات إلى الأنثوسيانين، لذلك يندر أن تجد بينها أنواعًا تتلوّن بالبنفسجي، اللهم إلا إن كان ذلك عن طريق طفرة وراثية حدثت لأجدادها الأقدمين، جعلت من البنفسجي صفة لونية فيها، راحت الأجيال تتوارثها. وينسحب ذلك، أيضًا على اللونين الأزرق والأخضر.
أما (المرجان البنفسجي)، فإنه في حقيقته لا ينتمي للمراجين، وإنما هو فطر برّي، يعيش في مناطق المراعي، متجمّعًا بالقرب من أشجار الخشب الصلب، ولديه القدرة على تكسير المواد العضوية الموجودة في التربة، وتحويلها إلى غذاء. وهو واسع الانتشار في جميع أنحاء أستراليا وآسيا وأمريكا الشمالية والجنوبية، بينما يندر تواجده في أوروبا.
وفي البحر كائن رخوي اسمه المعجمي (المُرَّيْق)، وتعريفه: حيوان بحري رخوي يفرز صبغًا بنفسجيًا، إن طرأ ما يزعجه، فيتلوّن جسمه بالبنفسجي. وقد أوحى ذلك للمشتغلين بصباغة الأقمشة بفكرة استخلاص المادّة التي تحيل جسم المُرَّيْق إلى البنفسجي، والتي استخدموها لآلاف السنين في صباغة ملابس الملوك والأغنياء، فقد كانت تلك الصبغة باهظة الثمن. ومنذ ذلك الحين، ارتبط اللون البنفسجي بالفخامة الملوكية.
وثمّة كائن آخر يرتبط اسمه بالبلاط الملكي، ويحمل - صراحةً - اسم (الإمبراطور البنفسجي)! إنه الاسم الشائع بين محبّي الفراشات لِذَكَر نوع من الفراشات، ويأتيه اللون المميّز من انعكاس ضوء الشمس على أجسام دقيقة شفّافة منتشرة في أجنحة هذه الفراشة، فيكسبها لون البنفسج، فإن غاب ضوء الشمس، أو لجأ الامبراطورُ إلى الظلّ، تجده انقلب بنّيًا! واللون البني هو اللون الدائم لإناث هذا النوع من الفراشات، في الشمس والظلّ، على حدٍّ سواء. ويجعلك سلوك الامبراطور البنفسجي تشكّك في أن الاسم يناسبه، إذ أنه يتجنب الزهور، مفضِّلًا لحم الحيوانات الميتة، ويهوى ارتياد البرك العطنة الموحلة، وله شغف غريب بِعَرَق البشر! 
وتشيع في عالم الطيور ظاهرة احتكار ذكور كثير من الأنوع للألوان الزاهية المرتبطة بالقدرات التنافسية والهيمنة، كما في حالة الطائر الباحث عن أعشاش العسل، فألوان ريشه زرقاء بنفسجية، بينما تكتفي أنثاه باللون الأخضر، الذي يعطيها ميزة التماهي في بيئة غابات الأمازون المطيرة، الموطن الأصلي لها، ويجعلها ذلك خافية عن أعين أعدائها.
 وينتشر على طول سواحل المحيط الهادي في أمريكا الشمالية نوع من نجوم البحر يقال له نجم البحر البنفسجي. ويُرَد سرّ كثافة انتشاره في تلك السواحل إلى غياب المفترسات الطبيعية، كما أن هذا النجم البحري قادر أكثر من غيره على التوافق مع ظاهرة طرأت على المحيطات، تتمثّل في زيادة درجة حمضية مياهها، نتيجة لزيادة نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. يُضاف إلى ذلك أن نجوم البحر البنفسجية، وهي من الجلدشوكيات، هي المفترس الرئيس لكائن بحري رخوي، هو بلح البحر، الذي يمكن أن تطغى أعداده الهائلة على النّظُم البيئية البحرية، إن لم تجد ما يردعها، ونجم البحر البنفسجي هو الرادع! 
وفي البحر مجموعة من الحيوانات الرخوية، يُقال لها (البزَّاقات)، فقدَت أصدافها، وعوّضتها بقدرة دفاعية عجيبة وناجعة، تتمثّل في إفراز مواد لا تسرّ أعداءها، بل إن بعضها مميت. كما أنها تتّخذ لنفسها بعض الألوان شديدة الوضوح، التي تحمل رسالة تحذير لهؤلاء الأعداء، ليتجنّبوها، وأكثر الألوان شيوعًا، البنفسجي الزاهي. والجدير بالذكر، أن البزَّاقات تُسدي للبيئة البحرية خدمة عظيمة، فهي تخلّصها من الفضلات المتراكمة.