الشاعر اللبناني عباس بيضون: أنا منغمس في الشِّعر مشغوفٌ بالرواية ومحبٌّ للمعرفة بالفنون

الشاعر اللبناني عباس بيضون: أنا منغمس في الشِّعر مشغوفٌ بالرواية  ومحبٌّ للمعرفة بالفنون

   الحديث مع الشاعر العربي الكبير عباس بيضون، هو حديث مليء بالمعرفة، فهذا الشاعر اللبناني ابن مدينة صور استطاع أن يكتب الشعر ويغوص في متاهاته ومراياه المتعددة، وأن يقدّم فيه دواوين شعرية سرعان ما تحوّلت إلى منارات شعرية عابرة للقارات، وعلامات مضيئة في سمائه. كما أنه حين كتب الرواية تألّق فيها وأصبح علَمًا بين الروائيين العرب المعروفين. اشتغل بالصحافة وتحمّل مسؤوليات في الأقسام الثقافية فيها، وكان لكتاباته إشعاع كبير على صفحاتها. أصدر مجموعة من الدواوين الشعرية، نذكر منها على سبيل المثال: «صُور»، شعر (1985)، «شجرة تشبه حطابًا»، شعر (2005)، «الموت يأخذ مقاساتنا»، شعر (2008)، «بطاقة لشخصين»، شعر (2009)، «الحياة تحت الصفر»، شعر (2021)، كما أصدر مجموعة من الروايات نذكر من بينها: «تحليل دم»، رواية (2002)، «مرايا فرانكشتاين»، رواية (2010)، «خريف البراءة»، رواية (2016)، «شهران لرُلى»، رواية (2017) وغيرها.
   هنا حوار معه حول عوالمه الثقافية وإبداعاته الشعرية والروائية.

البدايات
● كيف كان ولوجك للعالم الثقافي... ومتى؟
-  لا أعرف تمامًا كيف كان ذلك. كنت أحسبني دائمًا فيه، مهما تكن الصفة التي تجعلني كذلك. كان أبي كاتبًا يؤلف كتبًا وينشر في مجلات، وفي بيتنا مكتبة تحوي - على صغرها - كتبًا قديمة وحديثة. 
كانت المكتبة تكاد تروي سيرة جيل من المثقفين، أبي بينهم، والجيل يتسرّب إلى الجيل الذي بعده، أي جيلي. أصدقائي الأُوّل، كانوا أيضًا قرّاء وكتّابًا. كان هذا العالم الثقافي، حتى الأدبي، أمامي، وقد دخلت فيه كأنه جزء من حياتي وسيرتي الخاصة. كانت القراءة جزءًا من تسليتنا. كنا أحيانًا نقرأ جماعة. أذكر أننا كنا نقرأ المتنبي وابن الرومي وشوقي بأصوات عالية. في سنّ صغيرة أنشأنا جمعية أدبية. رغم أن كل ذلك كان في بلدة صور ليس فيها مناخ ثقافي أو أدبي. لكننا نحن الخمسة أو الستة، إضافة إلى آبائنا، كنا نوجد مثل هذا الجو.
 نشرنا القليل في صحف لبنانية، صحيفة النهار كما أذكر، والتقى بعضنا شعراء مجلة شعر، وتلقينا رعاية وتشجيعًا منهم، لكننا بقينا بعيدين نسبيًا، ولم ننخرط حينذاك في الجو الأدبي. أولى القصائد التي نشرتها لي صحيفة النهار التي كان أنسي الحاج يدير صفحتها الثقافية، والذي تعرفت عليه وقرأت بقدر من الحيرة مجموعته الأولى «لن». 
في سنّ أكبر، تعرفت على أدونيس الذي قام بما يشبه التبنّي لي. لكنّي مع ذلك بقيت مترددًا ولم أنشر كتابًا إلّا وأنا في سنّ تقارب الثلاثين، ولم يكن هذا التأخر لسبب يعدو تردّدي وكسلي، فقد كنتُ مع ذلك غير هيّاب من النشر أو المجتمع الأدبي.

المثال الشعري
● هناك شخصيات فنية ثقافية تأثرت بها وأنت بعد طفل صغير... مَن هي؟
-  هذا سؤال لا أجد بسهولة سبيلًا إلى جواب عنه. ربما لأنّ شخصيات كهذه لا تأتي مرة واحدة. هناك طبقات منها حسب أيّ سنّ وأي ظرف. هنا لا تنحصر هذه بأسماء لبنانية أو عربية. هناك الترجمات. لا بدّ أن مجلة شعر بصورة خاصة، وقبلها الآداب، أمدتنا بأسماء كثيرة، تأثيرها لم يكن يقل عن الأسماء العربية. تعرّفنا على شعراء كانوا آنذاك في إبّان حيويتهم. لا أنسى هنا إليوت وسان جون بيرس وريلكه وسواهم. بين العرب تعددت أيضًا الأسماء.
 في البداية كان هناك خليل حاوي وديوانه «نهر الرماد» وكان هناك الماغوط وديوانه «حزن في ضوء القمر». لا بدّ أن السياب كان على الطريق وأدونيس من بعده. لكن مع ذلك يمكن القول إن الشعراء الأجانب بالترجمات التي وصلتنا كانوا هم مثالنا الشعري. ولا بدّ أن أثرهم فينا كان أبقى. كانوا محاورينا الأوائل وكنّا فيما نكتبه نعيد ابتكارهم.
● وهل أحببت أن تكون مثلها أو أن تسير في مسارها؟
 - بالتأكيد، كانت هذه الأسماء بالنسبة لي هي الشعر. أظن أن سيرة جيلنا والجيل الريادي الذي سبقنا كانت هكذا. ابحثوا دائمًا عن الكبار الغربيين في أعمالهم.

اهتمامات متنوعة
● في مجال الثقافة، ما الأعمال التي قدّمتها؟
 - لم أفهم السؤال تمامًا. عملت في الصحافة، في جريدتي السفير والحياة وفي سواهما. كنت أعمل في الصفحات الثقافية، وهي في العادة تُعنى بالأدب والفنون. عنيت بالنقد، وبخاصة نقد الشعر، لكنني كتبت أيضًا عن مسرحيات. ما عناني بمقدار الشعر هو الفن التشكيلي الذي ثابرت على تتبُّعه والكتابة عنه. هذا عدا اهتمامي الكبير بالسياسة والنظريات السياسية.
 ● لديك اهتمام رائع بالمجال الثقافي في تنوّعه وفي مختلف تجلياته... تحدّث لنا عن هذا الاهتمام.
 - لا أتحدث هنا عن نفسي، لكن أظن أن مثقفًا عربيًا يأتي إلى الثقافة في الغالب، من باب السياسة والأدب بشكل خاص. لا تعني السياسة فقط التعليق الصحفي. إنها تمتُّ أيضًا إلى الفلسفة والتاريخ وإلى العمل النظري في إجماله. قلما نجد لديه اهتمامًا بالفنون، الفن التشكيلي والموسيقى، لكن معرفة نسبية لهما لا بدّ أنها ضرورية لكاتب أو أديب. الثقافة من مقومات الانشغال الأدبي، لكن هذا لا ينطبق دائمًا على كتّابنا. يمكننا أن نجد افتقارًا واضحًا لذلك لدى كثيرين.

بين الشعر والرواية
 ● أنت منشغل بالشعر وبالفن الروائي تحديدًا، عاشقًا ومبدعًا، ما سر هذا الاهتمام؟
- مارست الشعر والرواية وأسأل دائمًا عن جمعي بينهما، بينما لا أجد أن هذا يحتاج إلى سؤال. أمثلة الجمع بين الشعر والرواية كثيرة. يفاجئنا أن نعلم أنه ليس من شاعر لم يقترب من الرواية من بعيد أو قريب. لا أذكر الأسماء، فهي كثيرة جدًا، وأنا أظن أنه ليس هناك من شاعر لم يخطر له أن يكتب رواية. مع ذلك فإنّ الشعر غير الرواية، لكنه يكاد يكون الأساس، ولا يستغرب أن تنشق عنه الرواية. الشعر هو بمعنى ما المبدأ الأول للكتابة، والرواية تأتي بعده. الشعر هو التقطير والترويس والحذف وما تحت المعنى وما تحت الكلمة. إنه مجاور للصمت، والرواية هي البوح، وهنا نقع أحيانًا على الشعر، بل قد تكون نوعًا من الشعر. لذا أفهم أن يكون الروائي شاعرًا بمعنى ما، والشاعر ينبسط ليكون روائيًا.
 ● ما جديدك في عالم الإبداع الأدبي أو الثقافي بشكل عام؟
 - جديدي اثنان: الأول مجموعة شعرية بعنوان «الحياة تحت الصفر - قصائد الحجر»، أما الثاني فهو رواية بعنوان هو «بين بابين»، وقد صدرا قبل أيام ■