بيارو دي كوزيمو صورتا فرانشيسكو وجوليانو جيانبيرتي

بيارو دي كوزيمو صورتا فرانشيسكو  وجوليانو جيانبيرتي

في عام 1482م، طلب المهندس المعماري جوليانو جيانبيرتي إلى الرسام الفلورنسي بيارو دي كوزيمو أن يرسمه في صورة شخصية. وبعد نحو سنتين، توفي والد المهندس، فطلب إلى الرسام نفسه أن يرسم صورة والده في لوحة تشكل مع اللوحة السابقة زوجًا من لوحتين تُعلّقان بجانب بعضهما البعض.
بيارو دي كوزيمو (1462 - 1522م) هو أحد أساتذة عصر النهضة الإيطالية، ولد لأب كان يعمل صائغًا، ودرس الرسم عند كوزيمو دي روسيلي الذي انتسب إليه بالاسم. اشتهر أولًا برسم المواضيع الأسطورية قبل أن يعود في أواخر حياته إلى رسم المواضيع الدينية. وما بين هذين الاهتمامين، حظي بشهرة واسعة في رسم الصور الشخصية.
لم يتبنَ هذا الفنان تقنيات الرسم الحديثة التي طُوّرت وراجت على أيدي معاصريه أمثال رافائيل وليوناردو دا فنشي، بل بقي محافظًا على بعض التقاليد القديمة في رسم الصور الشخصية جانبيًا (بروفايل)، مضيفًا إليها خلفية تمثل منظرًا طبيعيًا شبه واقعي، تأثرًا بما كان رائجًا في الرسم الهولندي آنذاك.
بعدما رسم الفنان صورة الابن المهندس، واجه تحديين اثنين في رسم صورة الوالد الذي كان حفّار مفروشات ومؤلف مقطوعات موسيقية لحساب أسرة دي مديتشي وبعض المناسبات المختلفة. وكان التحدي الأول في أن الرجل مات قبل بعض الوقت، والتحدي الثاني في جعل اللوحة «شقيقة» اللوحة السابقة، لأن الابن كان يريد من خلالها تعزيز مكانته الاجتماعية بالتباهي بأنه ابن فرانشيسكو الشهير.
في مواجهة التحدي الأول، اعتمد الرسام على قناع من الجص تم صبّه لحفظ ملامح فرانشيسكو عند وفاته. (وهذه عادة كانت رائجة في ذلك العصر). وأضاف إليها بعض اللمسات التي تحيي هذا الوجه، مثل العروق الناتئة في صدغه الأيسر وأذنه، وتلوين شعره بشيء من الشيب... إلخ، ولكن عبقرية الرسام تتجلى في نجاحه بمواجهة التحدي الثاني.
تشترك هاتان اللوحتان في الانسلاخ الحاد الذي يفصل وجهي الرجلين عن الخلفيتين المتشابهتين. 
وإن كان وجه الابن يبدو أكثر نضارة من وجه الأب العجوز (الميت)، فإن رسم بروفايل الأب بالاتجاه المعاكس لبروفايل الابن، وكأن كلًا منهما يتطلع إلى الآخر، يعزز صلة القربى والتواصل ما بينهما. وبعدما رسم الفنان في أسفل لوحة الأب منضدة عليها ورقة نوتة موسيقية، وهي «عدة شغل» الأب، عاد إلى لوحة الابن ليرسم في أسفلها منضدة تكمل الأولى وعليها بيكار هندسي وريشة كتابة «عدة شغل» هذا الأخير. وبذلك أصبحت هاتان اللوحتان مكملتين لبعضهما، ولم تنفصلا عن بعضهما حتى استقرارهما في عصرنا بجوار بعضهما في المتحف نفسه. 
كانت عبقرية دي كوزيمو في معالجة مثل هذه التحديات وراء شهرته الكبيرة في عصره. وهي شهرة تأثرت سلبًا بنمط حياة سيئ عاشه الفنان، الذي وصفه المؤرخ فازاري بأنه أقرب إلى «نمط عيش الحيوان». ولكن ذلك لم يحُل دون تأثيره على بعض معاصريه وتلامذته ومن بينهم أستاذان كبيران هما بارتولوميو ديللا بورتا وأندريا ديل سارتو ■